الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجردُ من الشوائب، والتقليد، والموروثات الخاطئة .. ثم الإقبال بإخلاص وعلم على الكتاب والسنة؛ لمعرفة هذا الضابط، والالتزام بهذا السبيل.
ثلاث وَمَضَاتٍ لثلاثة مسارات:
وقبل التفصيل في الأدلة لا بد من ذِكْرِ ثلاث ومضات؛ لِتُلْقِيَ الضوء على مسارات ثلاثة.
o
الومضة الأولى: الخلاف المذموم:
المقصود بالاختلاف المذموم ما كان في العقائد، والطرق، والأصول، والأفكار المخالفة لمنهج السلف .. لا خلاف التنوع، والفهم، والاستنباط.
وللمسألة تفصيل ليس هذا محله.
o
الومضة الثانية: وضوح الطريق:
أرأيت لو أنَّ أمامَ قوم أكثرَ من سبعين طريقًا، ليس فيها طريق سالك مأمون إلا واحدًا، فَعَبَرَتْ كل فرقة من طريق، فهلكوا جميعًا، إلا الطائفة التي سلكت الطريق الأول، نَجَتْ، فهل من رجل في رأسه ذرة من عقل أو مُسْكَة من تفكير يسلك غير طريقها.
o
الومضة الثالثة: ضبط الفهم لازم لحفظ الدين:
اعلم -هداني الله وإياك طريق الرشد- أن الله ما كان ليحفظ كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نصوصًا تُقْرَأُ، ثم يذر الناس يفهمون مقاصدهما حسب أفهامهم، ونزعات عقولهم، ونتائج تجاربهم، وما كان الله ليترك العباد في منازعاتهم، واختلافاتهم، ثم يأمرهم بالاعتصام دون أن يرشدهم إلى سبيله، وكيفية تحقيقه، ودون أن يبين لهم ضابط الفهم الذي هو سبيل الاعتصام، وطريق
الخلاص من هذا الخلاف .. مُحَالٌ هذا، وهو الرءوف بعباده {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
إي وربي، إنه لأرأف بعباده من أنفسهم، ولأرحم بهم من أن يَدَعَهُمْ حيارى مختلفين، كل فرقة منهم تفهم الإسلام فهمًا يناقض فَهْمَ الأخرى، وكلهم يَدَّعُونَ أنهم على الحق المبين .. معاذ الله أن يكون هذا.
ولذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمة الإسلام ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كل هذه الفرق مخطئة، بل ضالة، إلا طائفة واحدة
…
فمن هي يا تُرَى هذه الطائفة؟
لا شك أن هذه الفرقة التي استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضلال والنار هي الفرقة الناجية المنصورة التي يجب التزام فهمها، واتباع منهجها.
فما هي هذه الفرقة؟ وما هي أصولها، ومفاهيمها، وصفاتها؟ كيما نتمسك بها، ونسلك سبيلها، فننتصر في الدنيا، كما انتصرت، وننجو في الآخرة، كما نَجَتْ.
((
…
وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) (1).
فالنجاة -إذن- تكون باتباع طريق هذه الجماعة، مع حسن النية والقصد، والإخلاص لرب الخلق.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فهذه الْوَمَضَاتُ كافية لبيان ثلاثة مسارات:
(الأول:
أن هذا الضابط الملزم، والمنهج القويم لم يُتْرَكْ لاستنباط عقولنا، ونتائج
(1) حسن، رواه الترمذي (2641)، وأصحاب السنن، بنحوه.
تجاربنا، وإلا عُدْنَا من حيث بدأنا في الاختلاف، وزيادة الشقاق؛ ولذا كان بدهيًا أن يكون منصوصًا عليه في الكتاب والسنة، وما علينا إلا الرجوع إليهما؛ لمعرفة هذا الضابط.
(الثاني:
أن هذا الضابط هو: منهج الطائفة المنصورة، وفَهْمُ الفرقة الناجية التي أشارت إليه الآيات والأحاديث.
(الثالث:
أنَّه بمعرفة هذا الضابط، والالتزام به، والسير على منهج هذه الطائفة، يزول الخلاف، وتتم الهداية، وبالإعراض عنه يكثر الخلاف، وتكون الْغَوَايَةُ، وأنه لا مَنْجى لهذه الأمة من هذه الاختلافات إلا بالاعتصام به، وَكُلُّ من أعرض عن هذا العاصم هَلَكَ، وخاب، وخسر، مهما كانت نيته، ومهما كانت أدلته.
((
…
كلها في النار إلا واحدة
…
)).
ثُمَّ .. إذا كانت تُسَوَّغُ مخالفاتُ جميعِ هذه الطوائف للكتاب والسنة بمبررات مختلفة -وربما يُظَنُّ أنها مقنعة- فمن هي -إذن- طوائف الضلال التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم من أمته؟ ؟ ؟
وكيف يمكن التمييز بين صدق هذه المسوغات، وخطأ تلك، وضلال الأخرى، إنه لا يمكن معرفة الحق منهم إلا بالرجوع إلى منهج هذه الطائفة ميزانًا وتقويمًا، منهجًا وسلوكًا.
وستظل الأمة تعيش في ضعفها .. وتراوح في مكانها .. تلهث ولا تسير .. تسقط ولا تنهض .. تَئِنُّ ولا تُشْفَى .. تقوم من كَبْوَةٍ لِتَهْوِيَ في مِحْنَةٍ .. وتخرج
من مكر لتنزلق في مِصْيَدَةٍ .. وستبقى هكذا حتى تُدْرِكَ هذا المنهج، وتسلك هذا السبيل الذي به تُعَالَجُ معظمُ أمراض الأمة، وبه تُشْفَى بإذن الله، وبه يكون الخير كله.