الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنطقة بكاملها قد افرغت من اليهود ما عدا بعض الجيوب الصغيرة والمبعثرة، حيث انتقلت الجاليات اليهودية نحو الشرق ووجدت ملجأ لها في الامبراطورية العثمانية (1).
لقد ألّفَ اليهود في أراضي الأشكنازي (أوربا الوسطى والشرقية) عدداً كبيراً من القصائد والمراثي في أثر الاضطهادات التي تعرضوا لها والشهداء الذين سقطوا منهم وخاصة بعد مذابح اليهود في الراينلاند وفي أماكن أخرى خلال الحملة الصليبية الأولى، وقد أُدْخِلَ قسم كبير من هذا النصوص الرثائية إلى الطقوس الدينية والتي ما زالتْ تُتْلى في المعابد إلى يومنا هذا. وعلى العكس من هذا، ومن بين آلاف القصائد العبرية التي كُتِبَتْ خلال القرون الإسلامية الكلاسيكية، فإن القصيدة العبرية الوحيدة من العصور الوسطى التي تنوح وتبكي على اضطهاد تعرض له اليهود في أرض عربية هي قصيدة تبكي و تنوح على استئصال المجتمعات اليهودية في شمال أفريقيا وأسبانيا خلال حكم الموحّدين (2).
منع هجرة اليهود إلى فلسطين
كانت صلة اليهود بفلسطين عبر التاريخ وقبل وجود الصهيونية الاستعمارية، مجرد صلة دينية عاطفية ولم يكن لهم اية مطامع سياسية، وكان هذا الامر قبل السبي البابلي، الذي قام به نوخذ نصر، اذ انه من الثابت تاريخياً ان اليهود كانوا موزعين في العالم العربي، وغير العربي، في ذلك الوقت، ولم يكونوا مجتمعين فقط في فلسطين، بل كانوا مواطنين في كثير من الدول. كانت صلة اليهود بفلسطين مجرد صلة دينية عاطفية ورغبة لدى بعض الفئات اليهودية المتدينة في الاقامة قرب الاماكن المقدسة للتعبد وممارسة الطقوس الدينية لقضاء ايامهم الاخيرة في المدن الاربعة المقدسة (القدس، صفد، طبرية، الخليل) ناهيك عن ان اليهود المتدينيين كانوا يؤمنون بفكرة بعث الدولة اليهودية في فلسطين بحدوث
(1) الصهيونية و إسرائيل وآسيا- ج. هـ. جانسن -ص16، مركز الابحاث، بيروت، 1972م.
(2)
تعايش الأديان في الماضي: بقلم مارك كوهين، ترجمة كامل الزيادي
معجزة الهية يظهر معها المسيح المنتظر الذي سيعيد بناء "هيكل سليمان " ويقود العالم نحو الخير والسلام (1).
وقد شهد اليهود في حياتهم بين المسلمين في العالم الإسلامي، اكرم حياة وعوملوا أطيب معاملة، كانت مضرب المثل لليهود في الاقطار الاخرى. وقد شهد على ذلك المؤرخون اليهود والنصارى، بالاضافة إلى المؤرخين المسلمين، فمنذ ان فتح المسلمون فلسطين، سمح الخليفة عمر بن الخطاب لليهود بالعودة إلى القدس ومنحهم قطعة ارض على جبل الزيتون لاقامة الصلوات، كما سمح لهم بعد ذلك السلطان صلاح الدين الايوبي بالعودة بعد الاضطهاد والابادة التي لاقوها اثناء الحروب الصليبية، واخيراً سمح لهم العثمانيون بالعودة إلى فلسطين بعد طردهم من الاندلس (2).
وبعد خضوع فلسطين للحكم العثماني في اوائل القرن السادس عشر، بدأ يهود اوروبا يهاجرون اليها واقاموا في الاماكن المقدسة، القدس، طبريا، صفد، الخليل. وفي منتصف القرن الثامن عشر هاجر عدد من يهود بولندا وروسيا إلى فلسطين بسبب اضطهادهم هناك، واستقر معظمهم في صفد وطبريا حيث لاقوا تحت حكم ضاهر العمر الحماية والامن. كما لاقوا من مختلف السلاطين العثمانين المعاملة الحسنة، ثم ازداد عددهم في اوائل القرن التاسع عشر بعد ان ازداد تدفقهم من اسبانيا بسبب مظالم فرديناند الكاثوليكي وفيليب الثاني. ويسمى هؤلاء اليهود بالسفارديم أي اهل الكتاب (3). وحين وافق السلطان سليمان عام 1562م على تحويل مدينة طبريا إلى مدينة يهودية عارض المسيحيون، وتدخل البابا مع الصدر الاعظم لافساد المشروع ورفض العمال العرب ان يعملوا ولكن والي
(1) موقف عرب فلسطين من الهجرة اليهودية الصهيونية (1882 ـ 1914م) - د. اسماعيل احمد ياغي - ص2.
(2)
مجلة البحوث الإسلامية / العدد السابع 1403هـ، ص 22، تصدر عن رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، الامانة العامة لهيئة كبار العلماء، الرياض.
(3)
موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية (1897 ـ1909م) - حسان علي الحلاق- ص83 - الدار الجامعية/ بيروت- ط.2 1980 م
دمشق ساعد على اتمام بناء السور الا ان التطور توقف بموت السلطان سليم سنة 1574 (1).
ولم يواجه المهاجرون اليهود أي عقبة سياسية لان زعماء المسلمين لم يرفضوا في أي فترة السماح لليهود القادمين من البلدان الاجنبية بدخول فلسطين والاستيطان فيها. ولم يمنح هذا السماح للمسيحيين الغربيين، وبعد وصول اول فوج من المستوطنين الصهيونيين من رومانيا عام 1882م اصدر السلطان عبد الحميد لاول مرة في التاريخ، عام 1885م، امراً يسمح بدخول اليهود كحجاج فقط لا كمستوطنين. على ان القانون لم ينفذ ابداً بصرامة، ولكن هذا القانون وما تلاه من قوانين تقيد الهجرة كانت تنطبق فقط على اليهود الاجانب، اما مئات الآلاف من المواطنين اليهود في البلدان المحيطة بفلسطين والخاضعة للامبراطورية العثمانية فقد كان باستطاعتهم دوماً الاستيطان في فلسطين (2).
ففي الماضي كان يباح للاجنبي الاتجار مع البلاد العثمانية والمكوث فيها دون ان يملك اقل قطعة من الارض، لان الشرع الإسلامي لا يبيح له دخول البلاد الإسلامية الا إذا قبل احد امرين الجزية أو الإسلام، واذا دخلها فلا يقيم بها الا لاجل معين إلى ان تغير ذلك في 7 صفر 1284هـ (1856م) بصدور الخط الهمايوني الذي يساوي بين حق الاجنبي وحق العثماني في الامتلاك العقاري بالبلاد العثمانية. ولكن الاوامر الجديدة كانت تستثنى اليهود الاجانب من التملك في فلسطين. وقد اشارت جريدة المؤيد في 5/ 11/1891م بان الدولة العلية كانت قد رحبت بالمهاجرين من يهود روسيا فكانت بذلك اعرف الدول بحقوق الانسانية ولكنها رأت بعد ذلك انهم يفدون إلى البلاد التي يقصدونها زمراً وجماعات بحيث يضيق عنهم قضاء تلك البلدان، فلما تدبر الباب العالي في المضار التي تلحق الرعايا العثمانية من وفودهم بهذه الصفة اضطرت ان تمنع دخولهم الاراضي العثمانية (3).
(1) موقف عرب فلسطين من الهجرة اليهودية الصهيونية (1882 ـ 1914م) - د. اسماعيل احمد ياغي- ص3.
(2)
الصهيونية و إسرائيل وآسيا- ج. هـ. جانسن -ص23.
(3)
النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه (1980ـ1918م) - د. خيرية قاسمية - ص24 - 25، م. ت. ف، مركز الابحاث، بيروت، 1873م