الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
ان "باندونج"(1) جديده ضرورية من اجل إن يكون القرن الحادي والعشرون علامة على نهاية عصر ما قبل التاريخ الحيواني للإنسان حيث كانت الثروة في عالم مشطور، حكرا على أقلية ضئيلة وتقتضي التبعية والاستغلال، بل وموت الجزء الأكبر من البشريه.
2 -
إن بعث الوحدة الإنسانية لا يمكن إن يتم بواسطة العنف والسلاح اللذين كانا يفصمان عراها، ولكنه يتم بواسطة تحالف كل القوى الإنسانية حقا: من الاقتصاد إلى الثقافة إلى الايمان.
3 -
ان ضعف الشعوب المضطهدة الحالية راجع في جزء كبير منه إلى انقسامها نتيجة خلافات وحروب استشارها ودعمها سادة العالم الحاليون. فالمهمة الأولى هى وضع نهاية لهذا التمزق عن طريق التفاوض السلمي بشأن كل هذه الصراعات التي تخدم القاهرين.
4 -
إن يرفضوا بشكل جماعي دفع الديون المزعومة لصندوق النقد الدولي، وذلك لإن على الغرب دينا ثقيلا تجاه العالم الثالث.
…
فمن يسدد لهنود أمريكا استنزاف كل قارتهم
…
ومن يعيد إلى الهند القديمة مصدرة النسيج، ملايين الأطنان من القطن التي أخذت من المزارعين بثمن بخس، وأدت لتحطم الصناعة الحرفية للنساجين الهنود لصالح الشركات الكبرى في لانكشاير؟
…
من يعيد لإفريقيا حياة ملايين من أبنائها الأقوياء الذين حملوا كعبيد لأمريكا بواسطة جلابي العبيد الغربيين طوال ثلاثة قرون؟ (2).
تأسيس نظام قيمي جديد
الهدف من هذه الأفكار المتنوعة هو الإعداد للقرن الحادي والعشرين لنحياه كاملا. ذلك لأننا إذا واصلنا هذه الإنحرافات القائمة، فإننا نوشك على تدمير الإنسان، وقتل مليارات من البشر جوعا في الجنوب، وتحميله باتباع نموذج التنمية الغربي ما يوازي ضحايا هيروشيما كل يومين. لتصبح الحياة بلا هدف أو أفق، ما لم نوقف هذا
(1) باندونج مدينة في اندونيسيا عقد فيها في ابريل عام 1955 اول مؤتمر للدول غير المنحازة.
(2)
كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي - د. منى طلبه- ص116 - 117
الشرخ المتعاظم في العالم، ستتقاقم البطالة والإقصاء والعنف والمخدرات. إن هذا نداء للمقاومة ضد تفريغ العالم من المعنى، ونداء لتشييد عالم موحد وواحد، يتأسس على مبادئ تختلف تماما عن تلك المبادئ التي قادت الغرب بأجمعه إلى الإنحطاط، وقادت العالم إلى الاحتضار. فلقد ماتت الآمال خلال النصف الأخير من القرن، نتيجة حربين مات فيها 80 مليون قتيل (1).
ان ما سمي بالحلم الأمريكي يحاول احكام قبضته على العالم محاولاً تحويل كافة الاحلام الجميلة والقيم النبيلة لمئات المفكرين والمثقفين على مر العصور إلى كوابيس مرعبة تزلزل الكيان الانساني على الارض وتهدد بإفناء الحضارة الانسانية. ولكن لنعلم يقيناً وعلماً قاطعاً بأن طريق الشر بفساده وباطله مسدود، وبأن الديمومة هى للحق والخير والجمال في الوجود ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، أبداً وسرمداً والا لما كان الله وكان الشيطان وحده منذ عهود بعيده (2). ولهذا فإن روجيه جارودى بعد أن كشف بشاعة النمط الأمريكي، دعا إلى تأسيس نظام قيمي جديد للنهوض وبناء مستقبل الانسانية، حيث يقول: أن النهضة الإنسانية، بل ومجرد بقاء الإنسانية، يستلزم بناء المستقبل على أسس أخرى. إن كشف حساب هذا القرن لا يوضح إفلاس ماركس الذي خانوا اشتراكيته، بل يوضح إفلاس آدم سميث الذي اندفعت ليبراليته إلى نتائجها القصوى، فأصبحنا مهددين بانتحار كوكبي (3).
واليوم يكون ضروريا محاكمة ثقافة وحضارة الغرب على أساس دورها الهدام للثقافات الاخرى طبقا للفكرة الملعونة (الشعب المختار)(التي تتم عبر رفض الآخر وإنكاره حتى إبادته)(4). فالغرب يرفض ويدين المختلفين، وهو بهذا الرفض للأشكال الانسانيه الأخرى يحمل أسباب انهياره النهائي، ويضع مستقبل الانسانيه في خطر حقيقي، فقد تخطى الزمن تلك الاحاديه للثقافة الغربية وهيمنتها المهددة بالانشطار. فالقرية العالمية ملك للجميع، ضمن ما تعارف عليه العالم من القوانين
(1) أمريكا طليعة الانحطاط- روجيه جارودي
(2)
رسائل حضارية في مواجهة اليهودية/ الاب فوتيوس خليلص60
(3)
أمريكيا طليعة الانحطاط - جارودى - ص23
(4)
أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص142
والمواثيق الدولية العامه. وايه قوة تتجاوز ذلك وتستهين به سوف تكسب عداوة جميع الشعوب، وربما لن تقوى على الصمود لكل هذا العداء عندما يتراكم ويشتد (1).
لقد إستطاعت أمريكا، بالفعل وفي خلال أسابيع، أن تصدِّع جسوراً إنسانية بَنَتْها الشعوب لُبنةً لُبنةً، وأعلَتْها القرون الطويلة مدماكاً مدماكاً. وقد أثبت النظام العالمي الجديد الذي أنشأته أنه لا يتورّع عن تغيير وجه العالم إلى الأسوأ والأقبح، وأن يهدّد مصير الإنسانية كلّها، إذا ما أُصيبت مدينة أميركية أو إسرائيلية بمكروه. ولعلّه، بذلك، يقدِّم برهاناً على عدم أهليته ليحكم العالم وليكون مؤتَمَناُ على المصائر. وهذا الواقع الذي تكشّف يكفي للحكم عليه و يقضي بتغييره. وقد أصبح هذا التغيير واجباً إنسانياً أوّل لحفظ الوجود. فلا أمَلَ بالسلامة، إلاّ إذا أبكر العالم في معرفة هذه الحقائق، وسارع إلى المواجهة، وتمكّن من وضع الظلاميات جميعاً في محجر واحد، حيث تتناهش هي، ولا تنهش لحم الشعوب وقلب الحضارة كما تفعل الآن. المهمّة الأولى، في عملية التغيير ورسالته، هي منع حصول الكارثة، بمنع هذا النظام من التقدّم نحوها والدفع إليها. وهي مهمّة فورية، وعلى دول العالم وشعوبه أن تتجنّد لها. والمهمّة الثانية هي إيجاد ضمانات المستقبل وإنشاؤها. ضمانات القوى العظمى كارثة، والضمانات العسكرية فاسدة وخطرة، والضمانات السياسية التقليدية قاصرة (2).
فهناك مرحلة تاريخية تحتضر، هي تلك المرحلة التي سادها الغرب (حسب الأصل اللغوي للكلمة: البلاد التي تغرب فيها الشمس) منذ خمسة قرون، وهناك مرحلة أخرى في طريقها للميلاد في البلاد التي تشرق فيها الشمس: الشرق (3). http://www.aljazeera.net/books/2004/1/1-26-1.htm - TOP#TOP فكيف نفتح آفاقاً جديدة ومستقبلاً يتسم بالإنسانية بعيداً عن حقول الأطلال التي خلفها التاريخ الحيواني للإنسان والذي يكتمل مع القرن العشرين؟ لابد إذن من كشف الأخطاء في بوصلة التاريخ الإنساني. فلقد كان الانفصال الأول للغرب هو ما قام به سقراط (والذي يقول عنه نيتشه إنه كان بداية الإنحطاط)، وتابعاه أفلاطون
(1) حوار الإسلام والغرب- تأليف د. عبد الله أبو عزة ص288
(2)
عولمة الرعب - يوسف الأشقر، نشر على الإنترنت: الثلثاء 24 كانون الثاني (يناير) 2006 - http://www.aschkar.org/spip.php?article20
(3)
كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي - د. منى طلبه- ص18
وأرسطو. فلقد أفسدوا التاريخ العقلي للغرب بفلسفة "الوجود" التي كانت أساساً لكل الهيمنة، ولقد حاولنا أن نستعيد "فلسفة العمل" وهي فلسفة بقية الإنسانية منذ ميلاد الأداة الأولى، من المقبرة الأولى ومن الحلم الأول في حياة خالدة إبداعية.
وكان الإنفصال الثاني للغرب هو الحروب الصليبية وحروب الاستيلاء ومحاكم التفتيش ضد حكمة الشرق. وكان الإنفصال الثالث للغرب تلك "النهضة" المزعومة التي استخدمت الاكتشافات العلمية والتكنولوجية في الشرق (مثل البوصلة، والبارود، والمطبعة) لتحويلها إلى أدوات للسيطرة على الشعوب والأرواح. لقد بدأ هذا الانفصال عام 1492، مع الإبعاد الأخير للثقافات الشرقية، بالاستيلاء على غرناطة، وغزو وتحطيم ثقافات سكان أمريكا الأصليين، بالجوع إلى الذهب بدءاً بكريستوفر كولومبوس. إنها إذن 2500 سنة من فلسفة السيطرة. ولا بد من تحديها، وفتح آفاق جديدة أمام الإنسان، واقتراح أن تستبدل بوحدة العالم تحت سيطرة الإمبريالية تلك الوحدة السيمفونية، ويستلزم ذلك الاستعانة بحكمة وثقافة العوالم الثلاثة لنضع الإنسانية في الطريق الصحيح للإزدهار المتبادل لكل الثقافات لكي نصد المرامى القاتلة للمركزية العنصرية الغربية، ونوقف الهيمنة.
لقد تسبب الغرب في حربين عالميتين اودت الأولى بحياة ثمانية ملايين من البشر، بينما اودت الثانية بحياة خمسين مليوناً. واذا كان بعض الساسة الغربيين يفتخرون بأن الديمقراطية الغربية جلبت إلى العالم فترة سلام استمرت ستين سنة فان هذا الادعاء يجانب الصواب، وينسب إلى ديمقراطية عالم الغرب انجازاً ليس من انتاجها، اذ السلام الذي ساد منذ عام 1945 انما توفر بحماية قوة الردع النووى المتوازنة. والآن زال ذلك التوازن باختلالات بنيويه في كيان احد جانبيه، ومن غير المستبعد ان يستبد الغرور أو العناد ببعض القوى فيتم تدمير البيت الزجاجي، ولا تخلو الاجواء من ارهاصات بذلك. واذا كان الردع النووى قد زال أو ضعف اثره، فلابد ان يحل محله رادع آخر هو الوفاق الانساني المحكوم بالمواثيق والقوانين الدولية، ومبادئ المساواة والديمقراطية الحقيقية- وليس المتأكلة- بين البشر، وبين الدول كما هى بين الجماعات والافراد (1).
(1) حوار الإسلام والغرب- تأليف د. عبد الله أبو عزة ص287
ان منع الكارثة لا يكفي لضمان المستقبل. إنه يمنح الإنسانية فرصةً لإستعادة أنفاسها ولإستيعاب ما يحدث بأبعاده المصيرية، من دون أن تكون المقصلة فوق رأسها، مستقبل الإنسانية، في رأينا، إمّا يكون دورة حضارية جديدة، أو لا يكون. هذا يعني، على وجه التحديد، أنّ ثمة نظرة أُخرى إلى الإنسان والحياة والكون يجب أن تسود بكامل منظومتها المفهومية والقيَمية والخُلُقية، وبكامل عدّتها السياسية. بلوغ هذا الهدف هو أعظم تحدٍّ تواجهه الإنسانية، لا لتجميل حياتها بل لحفظ بقائها. إنه بناء جديد لا تُُمكن إشادته دفعةً واحدة، بل مدماكاً مدماكاً. حسبنا الآن أن نؤسّس له ونتّجه إليه (1).
ولهذا لابد من العثور على معايير اخرى للتقدم، تختلف عن معايير قوة التقنيات والثروة "الناتج القومي"، لنعرف التنمية بازدهار الإنسان وليس بالنمو الاقصادي. ويفترض هذا على المستوى العقائدي أن نعطي الإنسان بعده الأساسي: وهو التسامي، على الا يكون التسامي .. تعبيراً عن الإله الملك، الذي يحكم مصائر البشر والإمبراطوريات من الخارج ومن أعلى، ولكن أن يكون ذلك التسامي منبثقاً من عمل الإنسان الخلاق، مع الوعي بأن الله حين خلق الإنسان فلكي يكدح الإنسان لملاقاة الله متخذاً منه مثلاً أعلى. ولذلك لا بد من التخلي عن الظن الخاطئ بأن "التاريخ المقدس" إنما هو تاريخ قبيلة واحدة، ذلك أن هذا التاريخ ينبع من كل عائلات العالم، ومن كل الثقافات، وكل الحضارات، ومن الهند الأمريكية ومن أفريقيا وآسيا (2).
لهذا يجب ان نعمل على تأسيس ثقافة جديدة: ثقافة الحياة لا ثقافة الموت / ثقافة الحوار لا ثقافة الامر، ثقافة الشخصانية والجماعية وليست ثقافة الفردية / ثقافة المحبة والحب وليست ثقافة الحقد والكره / ثقافة السماح والتسامح وليس ثقافة الثار / ثقافة الانفتاح وليس ثقافة الانغلاق / ثقافة قبول الاخر وليس ثقافة الغاء الاخرين / ثقافة البناء والاعمار وليس ثقافة الهدم / ثقافة الانا تصبح النحن
(1) عولمة الرعب - يوسف الأشقر، نشر على الإنترنت: الثلثاء 24 كانون الثاني (يناير)2006.
(2)
أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص224
وليس ثقافة الانا والانا فقط / ثقافة العلم والمعرفة وليس ثقافة الجهل والتخلف. هذا هو المناخ الملائم لصنع قيم جديدة
…
على اسس الحق والخير والجمال.
ان الازمة التي نعيشها هي أزمة حضارة وصَلتْ إلى الطريق المسدودة، لعلّة في قِيَمها، ومفاهيمها، وعقليتها الخُلُقية، وكامل نظرتها إلى الوجود ومبادىء تعاملها معه. هي عدائية وإعتدائية على الإنسان والطبيعة وأجيال المستقبل. من هنا أنّ ضمانات المستقبل لا تكون إلاّ بثورة في الحضارة تقيم التوازن المفقود مع ثورة الوسائل، وتُنشىء محرِّضات إنسانية جديدة تستنفر خيرَ ما في الإنسان لا شرَّ ما في غرائزه المتوحّشة. المجتمعات هي الطرف الأصيل في هذه الثورة-الضمانة، وهي موضوعها ومسرحها وأداتها والوسيلة (1). وهذا يفترض أيضاً على الصعيد الجمالي، تغيير دراسة العمل الإبداعي للإنسان، حتى لا نحصر الجمال في النماذج الغربية وحدها، والتي قدمها الإغريق وعصر النهضة في القرن السادس عشر. وبهذه الطريقة وحدها، يمكن للفن الخروج من قيود وحدود أرسطو، فلا نحكم على الفنون بمعايير التشريح والمنظور في عصر النهضة وحدها، (ومقاييس بومبي التي أعقب كبار الرواد طوال ثلاثة قرون). ونتحرر أيضاً من القيد الآخر، لأن مجرد النفي والعصيان أدى إلى تدهور الفن المسمى "الفن المعاصر"، والذي توهم أنه يصبح فناً "حديثا" كلما زاد جهلاً بالماضي، حتى أصبح هذا الفن يشمل بعض اللوحات أو النحت مما يشبه الأراضي المليئة بالنفايات، وأصبح يثير الضجيج بدلاً من الموسيقى، وحول الرقص إلى حركات هستيرية تخلو من أي معنى إنساني (2).
قد انتهت الحضارة الاوربية إلى علاقة استهلاكية مع الطبيعة وتقلصت جماليات الزمان المبدع في الموسيقى وفي الرسم فحلت المقطوعات القصيرة السريعة الايقاع التي تختلس الوقت وتبتره واللوحات السريعة التي سطعت بديلاً عن الزمان الكامل للابداع وذلك لمسايرة عامل الانتاج والاستهلاك. كان الكلداني يتطلع إلى جماليات السماء دوماً فورث عنه طاليس اليوناني علم الفلك .. اما فيثاغورس فقد كان ابناً باراً لعلوم الجماليات المصرية التي ابدعت الاهرامات .. كل تلك
(1) عولمة الرعب - يوسف الأشقر، نشر على الإنترنت: الثلثاء 24 كانون الثاني (يناير)2006.
(2)
أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص223 - 226
الحضارات التاريخية التي لا يمكن القول بأنها بائدة قد منحت عالم اليوم مقدماته العلمية، بعد ان انفتحت على قيم الكون الجمالية (1).
يقول أحد كبار الفنانين المجددين في هذا القرن، ورائد التكعيبية "خوان جريس":"إن عظمة الفنان تتوقف على قوة الماضي الذي يحمله داخله، وليس ذلك لتقليد القدامى، أو الحفاظ على الموروث، ولكن لتجديد شعلة الرسالة التي كان أعظم حملة لوائها يعملون لإعلان الإمكانية الدائمة لتجديد إنسانية الكائن البشري". وهذا يفترض على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تحطيم أصنام "العلوم الإنسانية" المدعاة التي تتمثل طريقتها في شف علوم الطبيعة، وإقامة مبادئ - على هذا النحو - تحط من قيمة الإنسان. إن الرجل الاقتصادي الذي لا بد له من أن يكون أحد هذين النموذجين: إما منتجاً، وإما مستهلكاً، متحركاً طبقاً لأغرضه الخاصة، هو أساس قاتل يحاول "الاقتصاديون" إخفاءه عن طريق آلات حسابية وهمية، لإعطاء مظاهر علمية لما هو في الواقع أيديولوجية موجهة لتنظير وتبرير نظام ظالم موجود وقائم. إن قلب المستقبل هو إعادة البحث، والتقديم الذاتي لكل المفاهيم الأخرى للإنسان، المولودة من خلال ثقافات أخرى، وتقديم السبل لخلق ظروف وشروط تقنية واقتصادية، وسياسية وروحية للجميع، تسمح لكل كائن إنساني (إمرأة أو رجل) بأن يصبح أكثر إنسانية، بمعنى أن يصبح "شاعراً" بالمعنى العميق للكلمة: وهو ان يصبح مبدعاً للنسخة الاصلية للمستقبل المحتمل (2).
يقول رجل من الهنود الحمر معلقاً على همجية الرجل الابيض الذي افسد كل شئ عندما غزا أمريكا كاشفاً عن خواءه الروحي والانساني: نعتبر هذه البلاد قسمتنا ونعرف إن الرجل الأبيض لا يفهمنا، تستوي هذه الأرض عنده والأرض المجاورة لأنه الغريب الذي تسلل في ظلمات الليل فنال من هذه الأرض كل ما تمنى، انه لا يرى الأرض أختا له بل عدوا يقهره ولا يعبأ، انه يسرق الأرض من أبنائها ولا يعبأ، هذه قبور آبائه ومهاد أبنائه منسية، وها هو ينظر إلى أمه السماء فلا يراها إلا سلعة تسرق أو تباع كالأغنام والخرز إن جشعه يلتهم الأرض فلا يغادرها إلا صحراء
…
لا
(1) العالمية الإسلامية الثانية - ابو القاسم حاج حمد ص 231
(2)
أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص223 - 226
يترك هذا الرجل الأبيض حيث يحل ويرحل شبرا من ارض دون ضجيج، لم يبق لديه مكان لسماع حفيف الأوراق وتفتحها في الربيع (1).
(1) حق التضحية بالآخر- تأليف منير العكش-ص165