الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحضارة ومحاولة التأثير في إعادة صياغة النظام العالمي بما يخدم مبادئهم ومصالح شعوبهم (1).
وقد نظم مركز دراسات الوحدة العربية في الفترة 23 - 26 نيسان/إبريل 2001 في مدينة فاس في المغرب، ندوة "نحو مشروع حضاري نهضوي عربي" وقد شارك فيها حوالي مائة مفكر وباحث من أنحاء عربية واتجاهات وأجيال مختلفة. وقد سعت الندوة الإجابة على سؤالين: هل للعرب مشروع نهضوي انتكس ولا يحتاج إلى أكثر من استئناف أم أن الأمر يتعلق بغياب مشروع من هذا النوع وبالحاجة إلى إنشائه؟ وقد اجمل المجتمعون الأسس والعناصر التي يقوم عليها المشروع النهضوي وهي ستة: الوحدة العربية في مواجهة التجزئة، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد، والتنمية المستقلة في مواجهة النمو المشوه والتبعية، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الاستغلال، والاستقلال الوطني والقومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية والمشروع الصهيوني، والأصالة والتجدد الحضاري في مواجهة التغريب (2).
ومن الواضح ان هذه المبادئ الستة التى اجملتها الندوة كلها تصب في خانه واحدة وهى تأتى في اطار المواجهة مع الهجمة الصليبية الأمريكية الحالية التى تعمل وتخطط لعدم تمكين امتنا من تحقيق وحدتها واستقلالها الفعلى لتتمكن من استغلال مواردها في بناء مشروعها الحضارى المستقل والذي يمكن ان يساهم بايجابية في تخليص العالم من هذا الكابوس الأمريكي الظالم والمدمر.
كيف نواجه الهمجية الدونية
(3)
إن العرب والمسلمين احوج من غيرهم إلى اليقضة والانتباه إلى ما يحاك ضدهم، وقد اخترقتهم الهيمنة الاوربية اولاً والأمريكية حالياً بشعارات تجميلية ومغالطات تنميقية. فبأسم التحرير يتم التدمير والتعهير، وباسم الانسانية يتم الحصار والتجويع والتركيع للنساء والاطفال والشيوخ، وباسم حقوق الانسان تتم ابادة
(1) بين حضارة القوة وقوة الحضارة - تأليف الدكتور غيات بوفلجة-عرض/سكينة بوشلوح
(2)
نحو مشروع حضاري نهضوي عربي - تأليف عبد العزيز الدوري وآخرون -الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
(3)
صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على
الشعوب، وباسم الديمقراطية يتم رفع لواء المحتل الصهيوني بعنصريته الفجة! كل هذا الافتراء وازدواجية المعايير في التعامل واختلاق الاسباب لنسف البنية الحيوية للشعوب، باتت امراً سافراً إلى درجة ان الجماهير تعودت هذا القبح، وتبدو وكأنها استكانت له. ولكن الفوران الداخلي سيطفو، وسيرفض الانسان هذا الهدر لآدميته في لحظة تاريخية حاسمة إذا ما تعلم من التاريخ. فالقناعة بإمكان التحول من الرضوخ إلى المقاومة، من الشرذمة إلى الوحدة، من التواكل إلى الارادة، من التبعية إلى الاستقلال، هي المحرك للتغيير. ان لحظة التغيير ليست لحظة سحرية، بل هى لحظة وعي جماعي يدرك آليات الاستعمار وميكانزيمات قهر الآخر، ويبدع مواجهة مناسبة تتلائم مع نوعية الهجمة وضراوتها. فليس يكفي ان نعرف اننا مقهورون: علينا ان نعرف كيف تم قهرنا. وهذا القهر ليس مسألة بسيطة. فهو ليس انتصاراً عسكرياً أو اختراقاً اقتصادياً فحسب، بل هو صراع حضارى شامل (1).
ان العرب يدفعون الآن فيتدافعون خارج التاريخ، ليس فقط لأن وطنهم في زمن تصفية الاستعمار في اشكاله كافة، والتحرر الوطني للشعوب في كل مكان، هو الوطن الوحيد الذي ينشأ فيه ابتداء ويستقر في قلبه استعمار استيطاني، عنصري، ظلامي، توسعي، اذلالي، فاشي النزعة، يعرف كل عربي حي في قرارة نفسه ان هدفه النهائي هو بسط سيطرته العسكرية والسياسية والاقتصادية على سائر البلدان العربية، وتنصيب نفسه سيداً عليها يستغل خيراتها ويحطم طموحات شعوبها، ويرى كل عربي ذي عينين ان كل عقد من العقود الخمسة الماضية، قد اتى لتلك المغامرة الاستعمارية الفريدة بنصر جديد، وجعلها ادنى إلى تحقيق كامل اهدافها، لا، ليس ذلك وحده هو الذي يخرج العرب من المجرى العام للتاريخ: فالتاريخ قد يصبر على قوم في هزائمهم، وقد يمد يده لمن يتخلف عن الركب، اما الذي لا يتسامح التاريخ فيه ابداً، فهو ان يدير القوم ظهورهم له ويمضوا متباعدين عنه، وذلك تحديداً ما يفعله العرب (2).
(1) فتح أمريكا - مسألة الاخر- ترفيتان تودوروف- ترجمة بشير السباعي ص10
(2)
خروج العرب من التاريخ- د. فوزي منصور- ترجمة ظريف عبد الله و كمال السيد- ص 6 - 7 - مكتبة مدبولي - ط1 1993
وفي كتابه "صهيونية الخزر وصراع الحضارات" يعرض الاستاذ/وليد محمد على لخطة لمواجهة الهجمة الدونية الأمريكية الصهيونية حيث يقول: "أن كسب المعركة في مواجهة الهمجية الدونية، لا يتوقف على قناعتنا الراسخة أننا أبناء حضارة إنسانية منفتحة على غيرها من الحضارات .. تدعو إلى التلاقح والحوار الإنساني .. ولا تتوقف على قناعتنا الراسخة أننا أصحاب حق ولا على إقناع الآخرين بذلك الحق. أننا نستطيع كسب المعركة إذا ما استطعنا بناء عوامل الصمود الحقيقية لمواجهة الهجمة، وعملنا تراكميا لبناء مقومات المواجهة وتحقيق النصر. تحقيق ذلك يحتاج إلى حوار مسؤول ومساهمات جادة من قبل من يرون أنفسهم معنيون بحاضر الأمة ومستقبلها. وهذه عناوين أساسيه نعتقد أنها ستفيد في التأشير إلى ما نراه يساهم في خدمة المعركة.
أن الرد على الهجوم الدوني المتوحش الذي قلب كل المعايير القيمة والأخلاقية الإنسانية الذي يسعى لتسطيح كل شيء من الفكر إلى العمل الإنتاجي إلى الإبداع .. فيصبح التعصب لفريق رياضي كفيلاً بتحويل جمهور نهاية القرن العشرين إلى متعصبين، لا يتورعون عن تدمير كل شيء تعصباً للفريق
…
والرياضة أصبحت سلعة تجاريه، بدل أن تكون وسيلة من وسائل بناء الجسم والعقل (العقل السليم في الجسم السليم). يصبح الرياضيون سلعة تباع وتشترى في الأسواق ويعرضون في البورصات العالمية. فيغدوا الاهتمام ببناء فريق كرة القدم له الأولويه على بناء مصنع، وتنشئة لاعب كره أهم من عالم فيزياء أو رياضيات، ودخل راقصه (هز البطن) يتجاوز دخل أساتذة جامعه بأكملها .. وفتاة الموديل يتجاوز دخلها دخل عمال ومهندسي مصنع كبير .. الخ (1).
أن الرد على هذا الهجوم الدوني المتوحش لا يمكن أن يكون إذا ما أردنا له الانتصار إلا رداً حضارياً، أولا وقبل كل شيء. رد نكرس عبره انتماءنا إلى العروبة الحضارية الطاردة لكل تعصب عنصري أو انغلاق .. نؤكد التزامنا بحضارتنا الإسلاميه (مسلمين ومسيحيين وسواهم من أبناء الأمة .. فإذا كان الإسلام للمسلمين عقيدة وحضاره وقيما وتراثا، فهو لغير المسلمين حضارة وقيم وتراث)
(1) صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص231
القائمة على اخوة الإنسان للإنسان .. لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا إكراه في الدين. فحضارتنا العربية الإسلامية حضارة منفتحة لا تعرف الانغلاق على الذات وتدعو للانفتاح على الآخر (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). حضارتنا قادرة على الامتصاص الإيجابي لكل آليات التقدم والتطور والتلاقح الثقافي والحضاري مع الآخرين على أساس احترام خصوصيات كل شعب وقوم بهدف تعاون الحضارات لا تصادمها، تعاون يؤدي إلى إنقاذ البشرية من مصائب ومكائد الوحشية الدونية (1).
كما ان للعلم دور كبير في بناء الحضارة وفي الديانة الإسلاميه دعوة ملحه للاستزاده من العلم واكتسابه. يقول تعالى في محكم كتابه الكريم (علم الإنسان ما لم يعلم)(وقل ربي زدني علما) وجاء على لسان رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم إلحاح على طلب العلم مهما كان مصدره وكانت الصعاب في سبيل الحصول عليه (اطلبوا العلم ولو في الصين). ويربط الإسلام بين العلم النظري والتطبيق العلمي يقول تعالى (إنا لا نضيع اجر من احسن عملا) ويقول الرسول الأعظم (أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). وقد كان للعرب والمسلمين إنجازات علمية ضخمه، قاموا بها وأبدعوها عندما كانوا متمثلين للجوهر الحضاري لديانتهم الحنيفه، حيث أن كل الوقائع تؤكد زيف الادعاء القائل (أن العلم صناعة غريبة) وهي مقولة لا يرددها للآسف المستعمرون ومنظروهم وحدهم، بل وبعض أبناء امتنا من المغترين المخترقين من قبل أفكار الهمجية الدونية. ذلك لان الواقع الراهن يعطي مؤشرات في هذا الاتجاه (العلم صناعة غريبة) ومن مهمتنا الملحة إذا أردنا أن نكسب المعركة .. العمل على الخروج من الوضع الراهن، وبناء ما ينسجم مع التاريخ والمصلحة الإنسانية.
لقد عرف عصرنا الراهن اقواماً كثيرة، هامشية قليلة العدد، كانت تقف على اطراف العالم في الامريكتين واستراليا، فاجأتها الاحداث بما لا تطيق فانقرضت أو كادت: بعضها لم يعرف من حضارة الغرب سوى الخمر فغرق فيها، وبعض آخر ظن أنه يستطيع ان يطرد الشياطين الوافدة برقصة الدراويش طوال الليل وممارسة
(1) صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص232
الطقوس السحرية آناء النهار، وبعض ثالث توهم خلاصه في التفاني في خدمة السادة الجدد ففقد نفسه وأرضه، وثمة آخرون انطلقوا على احصنتهم الشهباء، على رؤوسهم الريش الابيض أو الاحمر واصواتهم تجلجل بصيحات الحرب، يحاولون اختراق صفوف العدو الرابض في انتظارهم، لكن لم تغنهم الشجاعة الشخصية الفائقة عما تسلح به الغزاة من اسباب العلم والتنظيم والتخطيط والتعاون المنضبط. (1)
فمن غير الجائز أن يبقى الكيان الصهيوني (الثكنة العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة) متقدماً علمياً على امتنا بكاملها. رغم كل ما لامتنا من تاريخ وحضارة ومن إمكانيات بشرية وطبيعية. (يقول نتنياهو) رئيس وزراء العدو الصهيوني: "إنني متفائل جداً لأنني أومن بأن في استطاعة (دولة إسرائيل) خلال الأعوام القريبة المقبلة، أن تزيد في قوتها أضعافاً مضاعفة في العالم ما بعد الصناعي الذي نلجه، توشك (إسرائيل) أن تتحول إلى عنصر جبار، شديد الأهمية، لأننا متأهبون لاقتصاد المعلومات اكثر من أية دولة أخرى في العالم. أن عدد العلماء نسبة إلى السكان في البلد هو الأعلى في العالم، والمؤسسة الأمنية تنتج سنوياً آلافاً من الشبان الذين اكتسبوا خبرة فريدة من نوعها في مجال نظم المعلومات والحاسبات الالكترونيه والمحركات والأجهزة الآلية التي تقوم بأعمال الإنسان". طبعاً لم يذكر (نتنياهو) أن نسبة عاليه جداً من هؤلاء العلماء قد قدموا إلى الكيان الصهيوني عبر تهجيرهم من بلدانهم ودفعهم للاستيطان في فلسطين خدمة للمشروع (الأمريكي الصهيوني) " (2).
وعلى الطرف الآخر في عالمنا العربي تعيش شعوبنا نسبه عالية من الامية باختلاف انواعها ولا يتجاوز انتاجنا الثقافى والعلمي مما ينشر ما تنشسره دوله صغيره مثل اليونان، وحتى اسهاماتنا العلمية معدومه وانتاجنا الثقافي والفكرى وحتى العلمي تغلب عليه الشعوذة والنقل والتقليد واجترار الماضى والتغنى على الاطلال، ولكن بالرغم من ذلك فأننا قادرون بالتأكيد على الإبداع العلمي، وعلى
(1) خروج العرب من التاريخ- د. فوزي منصور- ترجمة ظريف عبد الله و كمال السيد- ص 6 - 7 - مكتبة مدبولي - ط1 1993
(2)
صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص234
جسر الهوة الثقافية والتقنية والمعلوماتية التي تفصلنا عن الدول المتقدمة، فهناك الآلاف من كبار العلماء والمخترعين والمبدعين من أبناء امتنا موجودون في الكثير من دول العالم، ويحتلون العديد من المفاصل في عالم الثقافة والمعلوماتية وغيرها من حقول العلم. وهم مستعدون إلى العودة إلى وطنهم في حال توفر المناخات المناسبة. وكذلك يوجد في وطننا العربي عشرات الآلاف من العقول المبدعة والمعطاءة. وبالأساس فان مسألة توفر الكفاءات العالية العربية سواء في الوطن أو دول المهجر ليست بالقضية المطروحة أمامنا. بل أن القضية هي كيف يمكننا تأسيس مشروعنا النهضوي العربي الذي يستقطب كل الكفاءات.
ولذلك كما نرى عدة شروط أبرزها:
أولاً: حسم رؤيتنا لطبيعة الصراع مع العدو الأمريكي الصهيوني، كونه صراعاً حضارياً شاملاً وهو مع الكيان الصهيوني صراع وجود.
ثانياً: الاقتناع الراسخ لدى كل المنتمين للمشروع النهضوي الحضاري للامه .. أن تخلفنا الراهن، هو أمر طارئ وغير طبيعي، وان حضارتنا العربية الإسلامية (عندما كنا متمسكين بها وقادرين على تمثلها بشكل صحيح) مكنتنا من أن نكون في قمة الحضارة العالمية.
ثالثاً: أن يصبح هذا المشروع هو مشروع جماهير الأمة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والنهضة والتقدم. وهذا لا يتأتى إلا في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. والفصل بين المؤسسات، والإقرار بالحريات الأساسية، التي كان الإسلام من مصادرها الاساسية. لان ذلك يؤدي إلى إفساح المجال أمام الطاقات المبدعة ويفجر الإبداع المتجدد ويساهم في كسر حلقة التخلف الذي نعيش فيه.
رابعاً: أن تعود أوطاننا إلى أبنائها بشكل فعلي وملموس ليعود أبناؤها إليها (إلى أوطانهم). فامتنا ونتيجة لدوامة التخلف والتجزئة والتهويد، أصبحت أمة طاردة لأبنائها الذين اصبحوا يضطرون إلى هجرها بحثاً عن العلم والوظيفة وتحقيق الذات، وأحياناً بحثاً عن العلاج ناهيك عن الحرية.
خامساً: إعطاء الاهتمام اللازم لمراكز البحوث والدراسات التي تمكن العلماء والخبراء من العمل في تخصصاتهم، والإسهام في تطوير مجتمعاتهم.
سادساً: أن تكون حكوماتنا وأحزابنا ومنظمات المجتمع الأهلي كلها أدوات لتحقيق أهداف الأمة لا أهداف بحد ذاتها. هذا يساعدنا على الخروج من حالة القبلية (1) التي نعيش في دوامتها ويعيدنا إلى وضعنا الطبيعي .. فقد كانت الخلافة الراشدة أول نظام حكم ديمقراطي حقيقي في التاريخ (الحكم بالمبايعة والقيادة بالشورى). وعندما تخلى المسلمون عنها وصلنا إلى هذا الوضع المتأزم، الذي يتحمل مسئوليته القادة والسياسيين والمفكرين، فانهم أولاً وأخيراً حجر الرحى، ومركز الدائرة، وملتقى تقاطع الخطوط، ونقطة الزاوية فيما نحن فيه، من العلاقة المتأزمة بين أقطارنا، وبين شعوبنا وحكامنا، وبين تياراتنا الفكرية والسياسية.
نعم أن الكل مسؤول والكبار قبل الصغار والعقلية الشخصانية للحكام أولاً وغياب المشورة وغياب الديمقراطية وغياب التعددية في الرأي ومحاولة الزعامات فرض الرأي الواحد باللجوء إلى اسهل الطرق .. إلى أجهزة القهر ووسائل القمع. هذه البدائية في العمل السياسي هي السبب والداء والمرض الكامن في كل الدول المتخلفه .. إنها الطفولة والانفعالية والتهافت على الأخذ قبل العطاء، ومحاولة رؤية كل شيء من خلال الأنا وليس من خلال نحن، من خلال الواحد وليس الكل. وللاسف فإن كل الدول العربية والإسلامية مصابه بهذا الداء الوبيل بدرجات مختلفة .. والإسلام أبداً ليس مسؤولاً عن هذا الداء الوبيل. فأول ما يأمر به القرآن كل حاكم هو ألا يطيع هواه وألا يركن إلى نفسه وان يطلب العدالة بلا تحيز وان حملته هذه العدالة على إنصاف من يكره ومعاقبة من يحب وان يأخذ بالمشورة وان يستمع إلى رأي الاخر (2).
(1) يرى احدى الباحثين ان "التفكك القومي للعرب في عصرنا الراهن، في مواجهة الغزو الصهيوني المتسارع الخطر، ذلك التفكك الذي يكاد يأخذ طابع الانتحار الجماعي، يعود إلى تغلب الصحراء على المدن في اللحظة العربية الراهنة، الصحراء التي تقذف المدن تباعاً، ليس فقط بالقيم الجديدة المرتبطة بالدخول "الريعية" ولكن أيضاً بالقيم القديمة القبلية الأفق في كل اتجاه ينبسط اليه البصر". خروج العرب من التاريخ- د. فوزي منصور- ترجمة ظريف عبد الله و كمال السيد- ص 10.
(2)
اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص36
سابعاً: الإقرار بفطرة الاختلاف وبديهية التعددية. فالإقرار بالاختلاف والتعددية هو المدخل الطبيعي لإبداع الوسائل التي تمكننا من مواجهة تحديات العصر وصناعة المستقبل. ومع الآخذ بعين الاعتبار أن لا فائدة من التعددية إذا لم تمكنا من حشد الجهود في مواجهة الغزو الأميركي الصهيوني، ولا فائدة من أي تيار إلا بانخراط دعاته وأنصاره في خضم المعركة المصيريه.
ثامناً: العلاقة الجدلية بين الوحدة والتحرير والتقدم. لقد ارتكز الغرب الاستعماري على حالة التخلف التي كانت تعيش فيها امتنا (بفعل عوامل مركبه لا مجال للخوض فيها هنا) ليحتل بلادنا، ويجزء حتى الوحدات الطبيعية فيها (سوريا، وادي النيل، المغرب العربي، شبه جزيرة العرب والخليج اليمن)، وعمل على تهويد القلب الذي يربط الجناحين الآسيوي والإفريقي للوطن العربي (فلسطين). فكان الارتكاز إلى التخلف والتجزئة لإقامة ثكنة عسكرية متقدمة للغرب وعمل على تكريسها، فتشكل ثالوث معاد يساند بعضه بعضاً (التخلف، التجزئة، التهويد). وقد اصبح من الواضح ومن خلال التجربة العلمية أيضاً، أن لا تقدم ممكن لأي قطر من الأقطار العربية .. إلا عبر خطوات وحدوية تراكمية، وهذه الخطوات لم تعد ممكنة بدون عملية تقدم شاملة تؤدي إلى وعي عميق بأهمية الإقدام على تلك الخطوات الوحدوية.
وهذان الأمران الوحدة والتقدم غير واردين بدون التصدي للغرب الاستعماري المتمثل الآن بالولايات المتحدة - وقاعدته المتقدمة الكيان الصهيوني. ولقد أثبتت الأمة قدرة كبيره على هذا التصدي وعلى دور التصدي في حشد طاقاتها (تجربة حرب تشرين/أكتوبر 1973 - المقاومة الفلسطينية والانتفاضة الشعبية - المقاومة الإسلاميه والوطنية في لبنان). أن علاقة الوحدة والتقدم والتحرر علاقة مثلت جدلي سبب ونتيجة، أن كلاً منها سبب للآخر ونتيجة له في آن واحد. فالتحرير سيكون نتيجة للوحدة والتقدم وهو أساسي لهما، وكذلك الوحدة لن تكون بدون تقدم. والتحرير والتقدم لن يكتب له النجاح بدون خطوات على طريق الوحدة والتحرير. ثالوث لا يمكن له أن يتحقق إلا بالتوازي وبالتراكم المترابط.
تاسعاً: أن يستند المشروع النهضوي لامتنا على دائرة تحالفيه أولية (دائرة الشعوب الإسلامية) التي تجمع ولا تفرق، تقر بالخصوصية في إطار الوحدة. فلكل
الشعوب الإسلامية مصلحة مشتركة في التصدي للعدوان الدوني المتوحش، واقتلاع الكيان الصهيوني الذي يسيطر على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (القدس التي باركها وما حولها الباري عز وجل ويريدون تدميرها نهائيا كرمز للقضاء المبرم على الإسلام وحضارته الإنسانية. ومرة اخرى أقول: أن اتحادنا في عصبة واحده ويد واحده هو أقوى أسلحتنا. بل أن عزل إيران عن العصبة الإسلاميه هو تآمر أمريكي غربي، وتفتيت العصبة الإسلاميه كان دائماً هدفاً عزيزاً لقوى الاستعمار الغربي، وخلق الأعداء للإسلام من داخله كان دائماً سياستهم، وقد جاء أوان رأب الصدع وجمع الصف (1).
عاشراً: إقامة تحالف حقيقي قائم على الاحترام المتبادل والمصالح الواحدة مع كل الشعوب المستضعفة في الأرض، والتي تتعرض لكوابيس الدون المتوحشين مصاصي دماء الشعوب. فهناك ضرورة للتعاون بين دول الشمال والجنوب لغرض تدعيم السلم والتسامح ابتداء بتخلي دول الشمال عن روح الاستعلاء ونظرة العداء تجاه أبناء المستعمرات القديمة وفتح مجال التعاون الاقتصادي والثقافي بينهما. كما ان هناك ضرورة تعزيز المنظومة التربوية بالقيم الإنسانية التي توجه الأجيال الصاعدة نحو الحوار وحسن الاستماع للآخر واحترامه والقبول بالاختلاف الحضاري والتمايز الثقافي، وهو في ذلك لا فرق بين الدول الغربية والدول الإسلامية لأن الوقوف في وجه العولمة الأميركية لا يمكن أن تحققه الدول الأوروبية بمفردها، إذ لابد لها من دعم إستراتيجي واقتصادي وبشري، وهو ما يمكن العثور عليه في دول جنوب البحر المتوسط المتمثلة في الدول العربية. وبناء على ذلك فأنه يمكن إنشاء قوة متوسطية يحسب لها حساب بإمكانها أن تفرض على أميركا احترام حقوق الشعوب ومميزاتهم ومعتقداتهم، فتكون -أي هذه القوة- الضمانة من أجل الرخاء ونشر الأمن والوئام بين شعوب وحضارات البحر المتوسط (2).
حادي عشر: إعادة العلاقة بين الإسلام والمسيحية، إلى صورتها الحقيقية التي تم تشويهها وتكسيرها بفعل الاختراق الصهيوني. فكلا الديانتين الإسلامية
(1) اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص50
(2)
بين حضارة القوة وقوة الحضارة - تأليف الدكتور غيات بوفلجة-عرض/سكينة بوشلوح
والمسيحية تؤمنان بالله الواحد الرحيم المحب للإنسان، عكس ديانة يهوه اله الحرب اله القبيلة الحاقد على الإنسان على الوجود برمته.
ثاني عشر: فتح حوار مع كل البلدان المتقدمة المستهدفة من قبل الهجوم (الأميركي الصهيوني) والتي بدأت تتحسس أخطاره عليها راهناً ومستقبلاً - دول أوروبا- روسيا الصين اليابان. فللجميع مصلحة في إطلاق تعاون مستمر في مواجهة الهجوم الدوني المتوحش
…
الذي يحتاج الانتصار عليه إلى توحيد جهود كافة المتضررين منه.
وليس من باب التكرار على نقطة مركزيه محوريه لكل ما سبق ذكره هي أن الوحشية الدونية لا يمكن الحد من غوليتها (نسبة إلى الغول) إلا عبر الردع المركب من قبل امتنا التي تشكل رأس الحربة في المواجهة الشاملة. فقد أصبح ملحاً تشكيل قوة ردع حقيقية، تحد من السطوة العسكرية للعدو من ناحية، ومن ناحية ثانية بناء مجتمع مقاوم على مختلف الصعد، يأخذ على عاتقه مهمة ادامة الاشتباك مع العدو والحاق الاذى به حيث يمكن ذلك. فلن يسمح الأعداء بأن نتقدم أو نوحد صفوفنا بطيب خاطرهم، نعم أنها معركة طويلة جداً ومكلفة جداً ولكن لا خيار أمامنا .. أمام أمة الشهداء والشهادة الأمة حاملة الخير والبركة للبشرية جمعاء (1).
"لقد كشف احتلال الأمريكان للعراق الأوراق وأظهر للأمة المسلمة أن طريق الخلاص لن يكون في اجتماعات أو قرارات (مجلس الأمن!) أو (الأمم المتحدة!) وانما في مقاومة الغزاة وبذل التضحيات فلن يدافع عنا أحد ان لم ندافع عن أنفسنا، ولن تعود لنا كرامتنا المهدرة ان لم نستعن بالله ونستعيدها بأنفسنا .. اذن فسقوط تلك الأقنعة كان ضروريا لايقاظ أمتنا الجريحة التى خدرت طويلاً بشعارات زائفة وألاعيب متقنة. لقد انتهى عهد الخداع وأصبح الصراع واضحاً ومكشوفاً فهو صراع أديان قبل أن يكون صراع أوطان
…
وهو صراع مقدسات قبل أن يكون صراع على الثروات
…
(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا)
…
ولقد كتب
(1) صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص238
علينا القتال وهو كره لنا، فما سعينا له وما أقدمنا عليه الا بعد أن تمكنوا من رقابنا وعاثوا في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين " (1).
وبما أن الإسلام مجّد المقاومة والجهاد ورفع من مكانة الشهيد والشهادة، فإن ثقافة المقاومة في المجتمعات الإسلامية ثقافة راسخة رسوخ العقيدة فيها، ورغم ضعف الإمكانيات المادية فإن المقاومة تتميز بالاستمرارية وحتمية النصر في النهاية. ومن هذا المنطلق يمكن التفريق بين أن تهزم عدوك بالقوة، وبين أن تمتلك عناصر المقاومة وتهزمه بقوة البقاء والتحمل. كما أن استمرار الحضارة الإسلامية أكثر من خمسة عشر قرناً وبقاءها في وقت ظهرت فيه حضارات أخرى واندثرت، دليل على قوة هذه الحضارة وحركية هذه الأمة (2). http://www.aljazeera.net/NR/exeres/ فنحن أمة قاتلت خصومها في معظم الأحيان وهي الأقل عدة وعدداً، ومع ذلك خرجت منتصرة في معظم الأحيان. كذلك وعندما نهزم كانت الخيانة الطعنة الغادرة التي تجىء بأيدي أبناء جلدتنا أنفسهم هي التي تهزمنا. لقد أخرجتنا الخيانة من الأندلس وفتحت الطريق أمام خصوم هذا الدين لكي يذبحوا أمة جاوزت مليونين واربع مائة الألف عدداً، لقد أرغمتنا الخيانة على مغادرة الفردوس المفقود، ولم تكن هذه هي المرة الأولى والاخيره في تاريخ الإسلام والمسلمين .. لقد تكرر المشهد كثيراً ولن يتسع المجال لاستعراض فصوله بل حتى التأشير عليها .. ويكفي إن نتذكر إن الخيانة أسقطت الخلافة العثمانية وأخرجتنا من الجانب الآخر من أوربة الجانب الشرقي .. ومكنت الغرب المستعمر من الإمساك برقابنا وفتحت الطريق لشذاذ الآفاق لكي يقيموا دولتهم المغتصبة في فلسطين (3).
وما لم تتوحد القيادات والقوى الشريفة المتبقية في الساحة عبر اللحظات الراهنة لكي تجنب البشرية هذا المصير المفجع، فان السرطان الأمريكي سيمضي لافتراس العالم كله .. القيم النبيلة المتبقية في هذا العالم بعبارة أدق، لكي يفرض
(1) الكابوس الأمريكي وحلم الخلاص - محب الصالحين - http://www.almotmaiz.net/vb/showthread.php?t=9872
(2)
بين حضارة القوة وقوة الحضارة - تأليف الدكتور غيات بوفلجة-عرض/سكينة بوشلوح
(3)
مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) - د. عماد الدين خليل- ص169
نموذجه المادي الحسي السيئ بمثلثة المعروف: المصنع، المبغى، والسوبر ماركت (1). اننا نعتقد أن لنا دوراً كبيراً فيما يعد على مسرح الحوادث الآن، وانه نفس الدور الذي كان لنا في أيام التتار وفي أيام الصليبيين، ولكن الصليبية القادمة هي صليبية يهوديه لا علاقة لها بصليب ولا بمسيح .. وانما مرادها الوحيد هو السيطرة على العالم القديم بمسميات دينيه توراتيه كاذبه (2). أننا لسنا وحدنا في النهاية .. فلله سبحانه وتعالى طرف خفي في الصراع، فالدين المستهدف هو دينه، ولكن هذا لا يعفينا من المسؤولية ولا يخلى طرفنا من واجب الاستعداد واخذ ألاهبة. فالتواكل والتخاذل والركون إلى الظالمين والإخلاد إلى الدنيا، ليست من أخلاق المسلم .. والله لا ينصر إلا من ينصره .. وهو القائل في قرآنه:(ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز)4. - الحج. فلنصر الله شرط هو الانتصار لدين الله ولا بد أن نوفيه. وانا لموفون به بإذن الله (3).
وهنا فاننا كمسلمين لا نراهن على هزيمة الغرب عسكرياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً، وانما نراهن على الهزيمة الثقافية والحضارية للغرب أمام ثقافة الإسلام الشاملة وحضارته الإنسانية (4). فالسلاح وحده لا يستطيع أن يصنع نصراً حضارياً .. وهل صنع التتار شيئاً وهم الذين انتصروا على المسلمين ثم دخلوا في الإسلام رغم انتصارهم .. أن الحكاية اكبر مما يتصور الذين خططوا لها. إننا نقف على مشارف منعطف تاريخي خطير .. أن الكارثة تهدد الكل. وما من دولة من دول المواجهة إلا وستصاب في أراضها واقتصادها وابنائها واستقلالها، إذا اخطأ أولو الأمر فيها حساباتهم (5). فاعداءنا يرون انهم يعيشون مرحلة انتصار على المستويين الدولى والاقليمى. واننا كأمه عربية اسلامية قد هزمنا وخسرنا الاصدقاء .. ولابد من استكمال هزيمتنا في مختلف المناحى واخضاع امتنا بالكامل .. كخطوة مفصلية على طريق سحقنا بكل ما تحمله كلمة سحق من معنى. وإذا استطاعت شعوب الشرق
(1) مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) - د. عماد الدين خليل- ص181
(2)
اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص136
(3)
اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص60
(4)
الإسلام .. والغرب .. وإمكانية الحوار -ابراهيم محمد جواد
(5)
اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص27
الأوسط أن تطرح إحساسها بالظلم وتسوي خلافاتها وتعمل على تكاتف طاقاتها ومواهبها ومواردها لتحقيق أهداف نهضوية مشتركة، فسوف تستطيع من جديد أن تعيد الشرق الأوسط إلى ما كان عليه في الأزمان الغابرة من تفوق وازدهار ومركز رئيسي للحضارة .. والاختيار بأيدي هذه الشعوب (1).
(1) أين الخطأ؟ .. التأثير الغربي واستجابة المسلمين- برنارد لويس- ترجمة: محمد عناني-تقديم ودراسة: رؤوف عباس- القاهرة: دار سطور، 2003