الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تبعيتها الفكرية للدول الاستعمارية ما زالت قائمة، بالرغم من المحاولات الجادة التي تبذلها هذه الدول للتخلص من هذه التبعية، والتي تحتاج إلى وقت وصبر وعمل دائم على كافة المستويات بالإضافة إلى تكاتف جهود كل الدول والمؤسسات الفكرية في الدول الإسلامية.
الغزو الفكري دوافعه وأدواته
يذهب أغلب الباحثين إلى ان فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طرق الغزو العسكري، جعلت الغرب يستخلص الدروس والعبر التي تعينه على معرفة الطريقة الجديدة التي يجب أن يتعامل بها مع العالم الإسلامي، حيث أدرك الغرب أن الغزو العسكري لابد مخفق مهما طال الزمان، ما لم يصحبه غزو فكري يزلزل عوامل القوة الكامنة في الإسلام والحضارة الإسلامية. والغرب بذلك يعمل وفق القاعدة التي تقول:"إذا أرهبك عدوك فافسد فكره ينتحر به". وهنا يقول المؤرخ (جان دي جوانفيل) الذي رافق الملك (لويس التاسع) ملك فرنسا في حملته الصليبية (الحملة السابعة): "أن خلوة الملك لويس التاسع في معتقله بالمنصورة، أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بصبر في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين. وقد انتهى به التفكير إلى أنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة، وذلك لأن في دينهم عامل حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة والجهاد وبذل النفس والدم، لأنهم قادرون دوماً انطلاقاً من عقيدتهم إلى المقاومة ودحر الغزو الذي يجتاح بلادهم، وأنه لابد من إيجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيل هذا المفهوم عند المسلمين، وذلك لا يتم إلا بتعديل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات سلمية تستهدف الغرض نفسه، وذلك من خلال التركيز على الفكر الإسلامي وتحويله عن مساره وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام لقاء القوى الغربية وتروض أنفسهم على تقبلها على نحو من أنحاء الاحتواء والصداقة أو التعاون. وأفضل وسيلة لذلك هي تجنيد المبشرين والمستشرقيين ودعم مؤسساتهم ونشاطهم في العالم الإسلامي". وقد علق المؤرخ رينيه جروسيه على ذلك بقوله:
"أن الملك لويس التاسع كان بذلك في مقدمة كبار الساسة في الغرب، الذين وضعوا للغرب الخطط الرئيسية، لسياسة جديدة شملت مستقبل آسيا وأفريقيا بأسرها".
ومن هنا بدأ الغرب التخطيط لهذا الأمر وهو إفساد الفكر الإسلامي. فأجمع الغرب أمره على محاربة الإسلام والمسلمين وذلك بهدم البنيان من أصوله وجذوره، ومحاربة الإسلام في نفوس أبنائه لزعزعة ثقة المسلمين بدينهم وإبعادهم عنه وإبعاده عنهم، وشغلهم بمبادئ أخرى إن لم تقض نهائياً على الإسلام فإنها تزاحمه وتزلزل أركانه، فيسهل القضاء عليه مع الزمن. لهذا قرر الغرب دراسة الإسلام وآدابه وفنونه وعلومه وحضارته دراسة وافية ليقفوا على مواطن القوة والضعف فيها فكان الإستشراق والتبشير السلاحين الخطرين الذين ظهرا بشكل سافر وعلى نطاق واسع منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا. فقد حمل الاستشراق أعباء الأعمال في ميادين المعرفة الأكاديمية وأضفى على بحوثه ودراساته عن العالم الإسلامي الطابع العلمي، واستخدم الكتابة والتأليف والترجمة والتحقيق والنشر وإلقاء المحاضرات وعقد المؤتمرات والتدريس الجامعي وسائل لتحقيق أهدافه. وحمل التبشير أعباء الدعوة في أوساط الجماهير العامة الفقيرة، عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للجماهير بالإضافة إلى قيامه بإنشاء الملاجئ ودور الأيتام ودور الحضانة للأطفال وإنشاؤه لجمعيات تدعي أنها تهدف لعمل الخير وهي في الأصل للتبشير.
وفعلاً أخذ الغرب في تنفيذ هذا المخطط عن طريق الاستشراق والتبشير، حيث عبر عن ذلك المبشر شاتيله في كتابه (الغارة على العالم الإسلامي) وقال مخاطباً المبشرين: "إذا أردتم أن تغزوا العالم الإسلامي وتحصروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة، والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، فعليكم أن تواجهوا جهودكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بأماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الإباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي، حتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم