المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٤

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثالحوار بين الأديان والحضارات

- ‌نظرية صراع الحضارات

- ‌حوار الأديان والحضارات

- ‌أهمية الحوار

- ‌علاقة المسلم بالآخر عموما

- ‌الحوار بين الأديان

- ‌اليهود والنصارى في القرآن والسنة

- ‌الحوار الإسلامي المسيحي

- ‌المسيح المسلم

- ‌الحوار بين الإسلام واليهودية

- ‌اليهود في ظل الحكم الإسلامي

- ‌منع هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌ظهور الصهيونية والعداء لليهود

- ‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول

- ‌آفاق الحوار الإسلامي مع الديانات التوحيدية في العصر الحاضر

- ‌حوار الإسلام والغرب

- ‌تشابك المصالح

- ‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا

- ‌تأسيس نظام قيمي جديد

- ‌الفصل الرابعأمتنا ودورها الحضاري

- ‌انهيار الامبراطورية الإسلامية وصعود الغرب

- ‌الغزو الفكري أدواته وأهدافه في العالم الإسلامي

- ‌الغزو الفكري دوافعه وأدواته

- ‌الصهيونية المسيحية والإسلام

- ‌أمتنا ودورها الحضاري

- ‌بناء مشروع نهضوي عربي

- ‌كيف نواجه الهمجية الدونية

- ‌خاتمة

- ‌باراك أوباما وجرأة الأمل

- ‌الموقف من اسرائيل

- ‌خطاب أوباما في جامعة القاهرة

- ‌فلسطين ودورها الحضاري

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا

"مشروع لأخلاق عالمية: "لا سلام عالمياً بل سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الأديان، ولا حوار بين الأديان بلا دراسات جادة وأبحاث موضوعية. فهناك رغبة عالمية صادقة وملحة لصياغة انسان جديد يؤمن بالتنوع الثقافي ويدعو إلى الموازنة بين الروح والمادة، لمواجهة أمراض التكنولوجيا، وفي مقدمتها الغاء الهوية، وتفتيت وحدة الكيان الانساني، وتمزيق الطبيعة وتعميق الفروق الطبقية بين الناس والشعوب والأوطان". وتتأكد هذه الحاجة مع تعالي الصيحات التي تدعو إلى توكيد بل إلى تأسيس ثقافة التسامح التي تتوقف بدورها على الاعتراف بثقافة الآخر (1).

‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا

؟

يشهد العالم الحديث في ظل الموجة الثالثة أو "عهد القطيع والقبيل الإلكتروني" بلغة "فريدمان" تحولات غير مسبوقة تنذر بإحداث تأثير كبير في منظومات القيم والعلاقات والثقافات .. وعلى الرغم من التطور المذهل الذي يشهده قطاع الاتصالات فقد لاحظ الباحثون بمرارة أنه كلما زادت وسائل الاتصالات كلما قل التواصل! وكلما زادت الآليات الكفيلة بتقريب المتباعدين كلما تقوقع أبناء الحضارة على أنفسهم، وباتوا أقل إحساسا لحرارة مشاعر ومشاغل الغير، وأكثر اعتدادا واعتزازا بذواتهم وبشكل دوغمائي. وتبدو الصورة التي يمكن تقديمها لعالم اليوم متنافرة في جزئياتها، بل ومتعارضة في بعض منها! ففي الوجه الأول نعيش في عالم متلاحم متشابك المصالح والوسائل والغايات، بشكل جعل الكثيرين ينأون بأنفسهم عن الارتباط بكيانات قطرية ضيقة، وينعون الدولة الوطنية التي باتت في منظور الاجتماعيين كبيرة جدا عند مواجهة المشاكل الصغرى، وصغيرة جدا حين مواجهة المشاكل الكبرى! وفي الجانب الآخر من الصورة شهد تزايدا مقرفا لتيارات العنف والكراهية وتناميا متسارعا للأقليات الفكرية والطائفية وتفتيتا للأغلبية إلى

(1) الاقليات المسلمة في الغرب من العزلة إلى الاندماج الفاعل - غالب حسن الشابندر- المصدر: التوحيد/107/ 2001 م

ص: 78

مجموعات فسيفسائية ولوبيات متناحرة، فضلا عن تسارع وتيرة نمو قوى العنف والتدمير التي تهدد مصير البشرية (1).

فها نحن نرى كيف ان العولمة الأميركية تأخذ أشكالاً متقدمة ولاسيما على الصعيدين السياسي والعسكري، إذ أصبح من الواضح أن أميركا تريد فرض عولمتها على العالم ولو بقوة السلاح، مما جعل الجميع يشعر بأن الهيمنة والظلم والاجرام والوحشية الأمريكية هى كابوس نتطلع إلى يوم الخلاص من وطأته والانعتاق من أسره في يوم من الايام ومن هنا يبدو حوار الحضارات بديلاً مهماً لهذه العولمة البشعة التي تريد أن تصبغ العالم بلون واحد، وهذا ما دعا كثير من المفكرين، إلى الدعوة إلى وجوب ترسيخ مبدأ حوار الحضارات والأديان، على اسس الايمان بوحدة النسيج الانساني، وتكامله في مواجهة من يعتقد بمبدأ التسلط الثقافي والفكري لدرجة نفي الاخرين وتهميش وجودهم.

لقد حان الوقت للحوار بين الثقافات، لو أراد الإنسان أن يعبر دون أن يموت، العتبة الثالثة من تاريخه

العتبة الأولى كانت ولادة الإنسان وإرادته الأوليه التي ساعدته على مواجهة الحياة

الثانية كانت ولادة الحضارة مع الزراعه

الثالثة تتلاعب بالنواة والذره وقلب المادة ومن سماتها هذا التلاعب في الجينات الذي هو قلب الحياة. فقد اصبح الآن للانسان القدرة على إلغاء كل إنجازاته ومكاسبه السابقه، وله أيضا القدرة التكنيكية عبر سيطرته على الذرة أن ينهي أي اثر للحياة على الارض. لقد قادت أحلام احتواء الطبيعة لديكارت وفاوست إلى انهيار العالم وإهدار غالبية الطاقات الطبيعية، وقادت نظريات وعقائد آدم سميث إلى تحويل الإنسان إلى رجل آلى خاو يتلاعب بالعقول والقلوب، هذا بالرغم من ان هناك حضارات أخرى تلك التي في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا والإسلام، عاشت على أسس علاقات أخرى مع الطبيعة والإنسان والله - (الإلهي) فالمشكلات المطروحة في إطار كوكبي تتطلب إجابة في إطار كوكبي (2).

(1) حوار الحضارات والثقافات: رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم- بقلم الحسين ولد مدو.

(2)

أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص 143

ص: 79

وفي اعتقادنا وتقديرنا ان الحوار والالتقاء بين كل من آمن بالله واليوم الآخر سوف يؤدي- بكل تأكيد- إلى ان يصبح الايمان اكثر عمقاً واقوى ازدهاراً واكثر كثافة وضياء، سواء بين الناس والشعوب والامم من جهة، أو بين الدول والمؤسسات العامة والخاصة، الحكومية وغير الحكومية من جهة اخرى. وغني عن القول - وكلنا يعرف تماماً تلك الحقيقة المرة- انه، وحتى يومنا هذا، لا يزال اكثر من نصف سكان الارض، لا يعرفون من هو اله ابراهيم ولا يؤمنون بالاله الكائن الاعلى، الخالق، الديان. ومن ما لا شك فيه ان اي اسهام في عملية التغذية وحركة الدعم لتيار الفهم والتفهم بين سائر المؤمنين بالله الكائن الخالق، الديان، يعتبر عملاً ايجابياً خيراً، وجهداً بناءً مباركاً. فالمؤمنين، كل المؤمنين، اكانوا يهوداً ام مسيحيين أو مسلمين، عليهم ان يبذلوا جملة من المساعي والاهتمامات في سبيل الوصول إلى احياء تلك "الورشة القديمة- الحديثة" وتنشيطها. ورشة المشاركة والحوار بين كل مؤمن ومؤمن آخر من هؤلاء الذين اهتدوا إلى وجود الصانع الازلي. وهذا الاسهام المطلوب والمسعى المرجو اللذين نتحدث عنهما، لا بد لهما، مهما كان حجمها محدوداً، ورقعة اتساعها ضيقة، من ان يأتيا- إذا ما قاما على المثابرة وطول الاناة- بثمار يانعة ناضجة خيرة (1).

ان حقيقة ما نواجهه ليس صراع حضارات، بل هو صراع بين الحضارة الانسانية، والهجمة الدونية التى اختارت المال والذهب كرب خاص لها، وجعلت منه عصب الحياه في هذا الزمان اللانسانى (2). ولهذا لن تحل المشكلات التي تواجه البشرية الآن إلا إذا توجهنا وتوصلنا إلى إعادة تكوين النسيج الإنساني المخرب والمدمر بأربعة قرون من الاستعمار والهيمنة الغربية ولن نحلها إلا إذا توجهنا لتطوير حوار حقيقي للحضارات بين كل ثقافات العالم. ان النقطة الرئيسيه في الحضارة الغربية وعلى رأسها الأمريكية هي افتقادها لاي روح، فليس لديها أي مشروع جماعي من اجل مستقبل الانسان، اللهم الا تطوير انتاجها واستهلاكها اعتمادا على

(1) محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام - غسان سليم سالم- ص 6 - دار الطليعة -بيروت - ط1 2004

(2)

صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص227

ص: 80

التفوق في السلاح وهذا ما جاهد هنتنجتون في اخفائه، بزغم المواجهة بين الحضارة اليهوديه المسيحيه والحلف الإسلامي الكونفوشيوسي (1).

إن الحوار الذي نريده بين الحضارات، حوار يحول دون استمرار الحضارات في النظر إلى بعضها البعض من خلال مرآة مكسورة

حوار يقوم على الإيمان بوحدة الأصل البشري وعلى مبدأ التعارف والتسامح الثقافي في مواجهة العنصرية ونفي الآخرين

حوار يؤكد المشترك الإيجابي بين الحضارات، ويقر بأنه لا وجود "لحضارات زائفة" ويزيل ويمحو ذهنية المحاصر في عقل بعض الحضارات. والحوار لا بد أن ينطلق من استعداد كل حضارة لفهم الأخرى، وتجنب إصدار أحكام مسبقة عليها، والاتفاق على إعادة صياغة صورة الآخر في إطار من التسامح، والرغبة المشتركة في بلورة قيم إنسانية، لإحداث التفاعل الحضاري، وقد تساعد في ذلك معطيات المجتمع العالمي الجديد القائم على إنتاج المعلومات وتداولها بشكل سريع وميسور وواسع يتجاوز الحدود الجغرافية للحضارات وللثقافات (2).

ففي غياب الحوار المطلوب بين مكونات المجتمع الدولي الواحد يخشى أن تتوزع شعوب المعمورة إلى فئتين: فئة تمارس عبادة الذات، وأخرى تمتهن حرفة (نفي الآخر)

والمفارق أن هذه القطيعة المترتبة على غياب الحوار تأتي في وقت تتناسل فيه التشريعات النبيلة الداعية إلى مزيد من الإنصاف والعدل والتسامح، وفي وقت تتزايد فيه أعداد دعاة الرفق بالإنسان والحيوان، وتتأكد الحاجة إلى الحوار في عالم يدفع خمسة ملايين من أبنائه قربانا لآلهة الحرب كل عقد من الزمن ويعيش أكثر من خمسه الفقر والمعاناة، ويعاني في مجموعه من (شيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات)، عالم سكانه مهووسون بصناعة الأنماط المقولبة في حق الغير، ومسكونون بالتنابز بالألقاب، تسوده الديمقراطية وتتأصل منه الدكتاتورية، يمجد التعددية على المستوى القطري ويكفر بها على المستوى العالمي

تدعو تعاليمه ومواثيقه إلى المساواة والعدل والإنصاف والتسامح، بينما

(1) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص 30

(2)

حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن- جريدة الخليخ

ص: 81

يشكو سكانه الغبن والقهر والاغتراب والاستلاب والقلق والغثيان وكل مفردات الفلسفة الوجودية (1).

فالهدف الرئيسي من حوار الحضارات هو مساعدة الاخرين ليس فقط عبر متخصصين أو بعض الفلاسفة ولكن بالجموع الشعبية العريضة- من هنا فان المشكلات العالمية المطروحة اليوم وان كان أهمها قد ولد بسبب هيمنة خاصه وطويلة للغرب لا يمكن حلها إلا عن طريق حوار مع الحضارات غير الغربية، من اجل تخيل وتصور وتعايش علاقات جديده بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والإنسان، وبين الانسان والمقدس. هكذا فقط يمكن أن نفتح أفق ثقافه كوكبيه مرسخه عبر اتحاد حقيقي للانسانيه لا عن طريق تركيبة تلفيقية ولكن مبنية على مفهوم مغاير لفكر الهيمنة بحيث تكون تركيبة سيمفونيه تعزفها الثقافات المختلفة. والطريق مفتوح أمام الشعوب التي خضعت كليا للغرب لكي تنجو من تنميه فرضها الاستعمار وكانت تنميه اجنبيه غريبة عن الثقافة الاصليه لتلك الشعوب. ولا يعني ذلك أبدا أن ننكر مساهمة الغرب بل يعني أن نعطي الغرب مكانة كاملة وليس اكثر من مكانه وخاصة في تنسيق قوى العلم والتكنولوجيا مع اهداف انسانيه حقيقيه. وبهذه الطريقة وحدها يمكن استكمال الملحمة الانسانيه على ظهر هذا الكوكب. ولقد كتب رائد فضاء حط قدميه على سطح القمر، عند عودته. "بدت الأرض من هنا رائعة الجمال مضيئة وبدت موحدة يسودها السلام وكانت هذه أول مرة ترمق فيها عين بشريه الأرض بنظرة شاملة وفي فضاء لا يحده الأفق. فهل سنصل إلى إدراك هذه الصورة ونتمسك بها في المستقبل؟ "(2).

بالطبع يمكن تحقيق هذه الصوره من خلال حوار جاد بين الحضارات والثقافات يقوده مثقفين منفتحيين يؤمنون بذلك الحوار، حيث ستكون المهمة الأولى للمثقفين هي كشف الاكاذيب التي تسود المراجع المدرسية ووسائل الإعلام وهما اللذان يخدمان الغرب للإبقاء على هيمنته بأيديولوجيات مغالطة عن حداثته، وليس ثمة افتراض واحد عن تلك الحداثة المزعومة لا يعد افتراء وكذبا (3). فبنسيانهم لما

(1) حوار الحضارات والثقافات: رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم- بقلم الحسين ولد مدو.

(2)

أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص144 - 145

(3)

أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى - 146

ص: 82

استعاروه من آسيا (ومن إفريقيا فيما بعد ومن باقي العالم عبر الاسكندريه) كانوا يعدون كل ما لا ينتمي للعالم الإغريقي وكل من لا يتكلم لغتهم برابرة، خالقين بذلك من هذه العزلة الاصطناعية الهائلة أسطورة المعجزة اليونانية (1).

ولكن الاتجاه إلى الاعتقاد بأن التاريخ يبدأ (بنا)، وبان الماضي لا يمكن ادراكه الا على أنه تحضير وانتظار لما سيحدث (لنا)

لم يكن وفقاً على المسيحية وحدها، وذلك من سوء الطالع. نعم إن مثل هذا المفهوم للتاريخ المكتوب على انه تبشير بمستقبل جاهز منجز، يتيح لكل طرف أن يعد نفسه خاتمه للملحمة الإنسانية وغاية التاريخ وحدثاً فريداً ووحياً لا يأتيه الباطل. وبهذا المنظور يصبح كل (ماض) حدثاً عفى عليه الزمن ويكون كل ابداع جديد انحطاطاً ومروقاً!

ان العبريين وقد ادعوا لانفسهم الامتياز بالوعد وبانهم شعب الله المختار، واليونان باحتقارهم المتعالي (للبرابره) أى لكل ماليس يونانياً، والرومان بما لديهم من (عقدة) التفوق والامتياز ثم الكنيسة التي خلفتهم مدعية العالمية (الكاثوليكية)، وأولئك المسلمين الذين انغلقوا على خصوصيتهم ففسروا الآيه القرآنية ( .. خير أمة أخرجت للناس) لا على أنها دعوة والتزام بل على أنها امتياز مكتسب، وذلك بروح من الاكتفاء المتعجرف

إن هؤلاء وأولئك كانوا يعدون أنفسهم محور العالم شأنهم شأن أباطرة الصين القديمة (2).

ان الحوار الجاد بين الحضارات يعني أيضا وقف عمليات الاستيعاب والاستلحاق بين الحضارات، ويهدف إلى "عقلنة" سلوك الدول داخل هذه الحضارات، ومنع أو عرقلة استخدام الدول "القوة" لأغراض الهيمنة. وفي الوقت نفسه فإن الحوار بين الحضارات يسهم في تثبيت السمة الرئيسية للثقافات الإنسانية وهي استجابتها للتطور والاغتناء بالتفاعل فيما بينها، كما يسهم الحوار في "عقلنة" النزاعات التي قد تنشأ أثناء تثبيت الهويات الثقافية لهذه الحضارات، أو التي تتوالد في ظروف الأزمات الاقتصادية، نتيجة حدوث احتكاكات بين أبناء الحضارات المختلفة خلال موجات

(1) كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي - د. منى طلبه- ص56

(2)

فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص140 - 141

ص: 83

الهجرات السكانية عبر حدود دوائر هذه الحضارات أو تلك النزاعات التي قد تسببها هجرات غير شرعية، وتغذيها فروق ومشكلات سياسية وعقيدية وتاريخية.

إن من فوائد الحوار وغاياته أبطال المناخات المفعمة بالمخاوف ومشاعر العنصرية والكراهية، وتوفير المناخ الملائم لتبادل الوافد النافع من الثقافة والعلم والخبرة. إن الحوار بين الحضارة يعني أن تتبادل العلوم والمخترعات، وليس مجرد الثقافة والإعلام والآداب والفنون، وإلا كان التبادل تبادلا محدودا، ويفتح المجال للهيمنة الثقافية واحتلال العقل ومسخ الثقافات الأخرى. إن الحوار لا يعني نسيان أو تجاهل التميز بين الحضارات، لكن العزلة عن التأثيرات الحضارية الأخرى أمر صعب مثله مثل التبعية أو الذوبان. وهكذا فإن الدعوة للحوار، هي دعوة للتسامح والتعايش مع الآخرين، وإنكار لنزعات التفوق والسيطرة، وهي نظرة لقضايا المستقبل، وتعبير عن إرادة الحضارات المعاصرة لمعالجة هذه القضايا، وعن قناعتها بضرورة التعاون للنجاح في ذلك (1). فالحوار يقتضي سلفا تعددية الفاعل وخلافية القضية، والتساوي بين المباشرين لهذا الفعل النبيل، وهو عملية تتيح للمشارك فيها التحول إلى فاعل ومفعول معه بدل مفعول فيه بلغة النحاة. فالحوار على حد تعبير أدغارموران يقتضي المساواة، فلا حوار بين العبد والسيد، ويمكن كل فرد من عرض وجهة نظره وبراهينه، إنه استعداد للاستماع للآخر وإقرار بكونه يستحق أن ينصت إليه إذا تحدث، وأن يتحدث إذا أراد .. وبديهي كذلك أن لا حوار إلا في القضايا المعلقة التي لا تحظى بدرجة الإجماع، كما أن التعددية في الحوار شرط لقيامه وإلا لتحول من Dialogue إلى مونولوج Monologue حديث المرء إلى نفسه!

يقول المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في مقدمة الترجمة العربية لكتابه الشهير (الثقافة والإمبريالية): إن فكرة التعددية الثقافية لا تؤدي بالضرورة إلى الهيمنة والعداوة، بل تؤدي إلى المشاركة، وتجاوز الحدود، وإلى التواريخ المشتركة والمتقاطعة، وهذا يعني إن حوار الحضارات والثقافات ينبغى أن يعزز التسامح والتفاهم ويعمل على إشراك الآخر، واستكشاف القيم المتبادلة عن الثقافة الأخرى للمساهمة في إزالة الكليشيهات والصور النمطية .. هذا مع ضرورة طرح

(1) حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن

ص: 84

القضايا الجدية للنقاش والابتعاد عن الوعظ والتصريحات المغلفة بالنوايا الحسنة (1). وفي اعتقادنا أن بإمكان المفكر المسلم المساهمة الإيجابية في مد جسور من ذلك "التعارف" الإنساني انطلاقا من قيمه الاجتماعية والدينية التي تناديه دوما أنه "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين"(2).

وبموجب هذه الآية فإن الكف عن العدوان العقدي وعن العدوان السياسي، خاصة في أجلى مظاهره وهو الاستعمار والطرد من الأرض، إن الكف عن ذلك كفيل بإقامة جسور من الحوار المتكافئ بقصد التفاهم، وجسور من التسامح والتعايش بقصد التساكن "والتبشير" بغد أفضل وبتاريخ مفتوح، لا بحرب آخر الزمان! ولا ريب أن المفكر المسلم المعاصر يتحمل مسؤولية إعادة بناء هذه المفاهيم والقيم الإيجابية في ثقافته الإسلامية خدمة للحضارة الإنسانية جمعاء، بعيدا عن الأهداف الإيديولوجية والتوظيفات السياسوية والتسيب الفكري الذي قد يطال تلك المفاهيم (3). ولهذا يتوجب على علماء الدين المسلمون بذل ما هو أكثر من المجهودات الشفهية في سبيل خدمة حوار الأديان والحضارات .. ويكمن عملهم الفعلي في تأسيس نظام قيمي جديد لدى مريديهم، ينظر لاختلاف الأديان على أنه حق شخصي ومنبع للغنى الثقافي، وليس موضوع نزاع أو عداء. عليهم أن يقبلوا ويعلموا أتباعهم قبول أن للحقيقة الإلهية تأويلات مختلفة وأن ينظروا لهذه التأويلات من حيث تكاملها بدلا من النظر إليها على أنها تلغي بعضها بعضاً. إن من الضرورات اليوم أن يبذل الجهد لتحقيق مبدأ الحوار مع الآخر وفق عقد اجتماعي يحترم الحريات ويصون الحقوق ويؤمن الإنسان من الخوف (4).

لقد آن الأوان لاعادة النظر في العديد من المسلمات الراسخة في اذهاننا عن صورة الآخر، كما أن على الغرب بخاصة ان يقدم صورة موضوعية ونزيهه عن العرب

(1) حوار الحضارات والثقافات: رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم- بقلم الحسين ولد مدو.

(2)

- قرآن، سورة الممتحنة، آية 8.

(3)

- أية قيم دينية لحضارة إنسانية؟ - د. عبد المجيد الصغيّر- مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان 7 - 9 مايو 2006

(4)

المسيحيون العرب كمثال- هلال خاشان- http://arabic.tharwaproject.com/node/8

ص: 85

والمسلمين. ان الغرب ليس كيانا واحداً بل يمتاز بالتنوع والاختلاف، كما أن المجتمعات العربية والإسلامية تعيش في ظل التنوع الثقافي والديني والاجتماعي. واذا كان صحيحا ان الغرب اخترع وصنع الصورة التى يريدها عن المسلمين والعرب، فإن المسلمين ايضا صنعوا صورتهم عن الغرب، فلا العالم الإسلامي يظهر على حقيقته ولا الغرب يظهر على حقيقته. واذا كنا ننتقد تشويه الغرب صورة المسلمين والعرب، الا اننا لا ننتبه إلى ان صورة الغرب ليست أقل تشويها (1) ..

ان الحل الوحيد الممكن لجوع البعض وبطالة البعض الآخر وهجرة الجياع في بحثهم الوهمي عن العمل، هو تغيير جذري لعلاقة الغرب مع العالم الثالث، مع وضع نهاية لسيادة الغرب ولتبعية الجنوب لان التبعية هي التي تنتج التخلف، نحن نعيش عالما مشطورا بين الشمال والجنوب، وفي الشمال كما في الجنوب، بين من يملكون ومن لا يملكون شيئا: ال 20% الأكثر ثراء على الكوكب يحوزون 83% من الداخل العالمي، وال 20 % الأكثر فقرا يحوزون 1.4 %. وحيث إن الاستعمار خلال خمسة قرون ونظام بريتون وودز خلال نصف قرن قد خلقا عدم المساواة هذا بين الشعوب، فان التبادل الحر يعمل على تفاقم السيطرة والتبعيه. ويرى جارودي في كتابه "كيف نصنع المستقبل" ان تغيير الانحرافات الراهنه يمكن ان يتم من خلال:

اولا: تدمير الاسطوره التي تضفي كلمة ديمقراطية على حرية السوق

فالسوق الحر قاتل للديمقراطية

(بواسطة تراكم الثروة في قطب والبؤس والفقر في القطب الآخر). وهذا يتضمن بعض القرارات السياسية التي تعمل على التحرر من العولمة المزعومة للاقتصاد، أي من الإرادة الأمريكيه التي تريد إن تجعل من أوروبا ومن باقي العالم مستعمرة تفتح منافذ أمام اقتصادها الخاص في جميع المجالات: من المنتجات الزراعية إلى الصناعات الفضائية ومن المعلومات إلى السينما.

ثانياً: ضرورة اعادة حرية تأسيس علاقات جديدة جذرياً مع العالم الثالث، وهذا يعني:

(1) مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى انسنة الحضارة وثقافة السلام - د. محمد سعدي - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت 2006 - ص 368

ص: 86