المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لفتره طويلة فريسه لاطماع وحروب مختلفه لاهميتها الحضارية والثقافية والدينية - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٤

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثالحوار بين الأديان والحضارات

- ‌نظرية صراع الحضارات

- ‌حوار الأديان والحضارات

- ‌أهمية الحوار

- ‌علاقة المسلم بالآخر عموما

- ‌الحوار بين الأديان

- ‌اليهود والنصارى في القرآن والسنة

- ‌الحوار الإسلامي المسيحي

- ‌المسيح المسلم

- ‌الحوار بين الإسلام واليهودية

- ‌اليهود في ظل الحكم الإسلامي

- ‌منع هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌ظهور الصهيونية والعداء لليهود

- ‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول

- ‌آفاق الحوار الإسلامي مع الديانات التوحيدية في العصر الحاضر

- ‌حوار الإسلام والغرب

- ‌تشابك المصالح

- ‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا

- ‌تأسيس نظام قيمي جديد

- ‌الفصل الرابعأمتنا ودورها الحضاري

- ‌انهيار الامبراطورية الإسلامية وصعود الغرب

- ‌الغزو الفكري أدواته وأهدافه في العالم الإسلامي

- ‌الغزو الفكري دوافعه وأدواته

- ‌الصهيونية المسيحية والإسلام

- ‌أمتنا ودورها الحضاري

- ‌بناء مشروع نهضوي عربي

- ‌كيف نواجه الهمجية الدونية

- ‌خاتمة

- ‌باراك أوباما وجرأة الأمل

- ‌الموقف من اسرائيل

- ‌خطاب أوباما في جامعة القاهرة

- ‌فلسطين ودورها الحضاري

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌قائمة المراجع

الفصل: لفتره طويلة فريسه لاطماع وحروب مختلفه لاهميتها الحضارية والثقافية والدينية

لفتره طويلة فريسه لاطماع وحروب مختلفه لاهميتها الحضارية والثقافية والدينية والجفرافية، والتى بدأت مع حروب المغول والصليبيون ثم الاستعمار الحديث. ولا شك ان الذي حدث تتحمل جزء من مسئوليته الاجيال السابقة التى مزقتها الصراعات المختلفة، الا ان ذلك لا يجب ان يغفلنا عن جاذبية هذه المنطقة واهميتها للعالم اجمع وهذا هو جزء من ثمن ارثنا الحضارى العظيم الذى يجب ان نحافظ عليه ونحميه ويكون حافزاً لنا من اجل تجديد الرساله والرياده للعالم.

ان المتأمل لتاريخ منطقتنا يجد انها تعرضت لغزوات وحروب على مر تاريخها ولكنها كانت في كل مره تهزم اعدائها ليس بقوة الجنود بل بقوة حضارتها وقيمها. وهكذا لم يصدم الغزاة القادمون من وسط اسيا واوروبا بالحدود والجيوش فحسب وانما واجهتهم حضارة تدافع عن (الحضارة) - فالحضارة لا يمكن ولا يكفى ان تدافع عنها بقوة السلاح - وهؤلاء الغزاة الوافدون من سهوب آسيا واوروبا على الرغم من تغلبهم بقوة السلاح قد احتوتهم ثقافة المغلوبيين فتمثل الغزاة حضارة هؤلاء، كما حدث مع الرومان الذي سيطروا على المنطقة لفتره طويله ولكنهم في النهاية اعتنقوا الديانه المسيحية المشرقية، وحدث نفس الشئ مع المغول الذي دموروا بغداد ولكنهم في النهاية دخلوا الإسلام واصبحوا من اشد المدافعين عنه والداعين له. ونحن الان لدينا المقدره لتقديم نموذج حضاري بديل يستوعب الانجازات الحضارية القائمه ويهذبها ويضيف لها بعدا انسانياً وروحياً، تحتاجه البشرية الان، وذلك لن يحث الا إذا اصلحنا انفسنا أولاً "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم".

‌الإصلاح الإسلامي

ربما سيقول بعض القراء ان الإسلام هو الحل، مرددا الشعار البراق الذى يطرح دائما كبديل لحل مشاكلنا أو لتبرير تخلفنا نتيجه لعدم اتباعنا النموذج الإسلامى. وانا اعتقد ان طرح المسأله بهذه البساطة والسذاجه فيه تجنى على الواقع الذى نعيش فية بنفس قدر تجنيه على الإسلام نفسه. فالإسلام حتى في عهده الأول لم يمتلك تلك الحلول الجاهزه، والاجوبه الشافية لكافة المسائل والقضايا التى واجهها

ص: 144

بسبب اتساع رقعه الدوله ودخول كثير من الشعوب تحت مظلة الإسلام. لهذا حدث الاجتهاد والاختلاف (بما لا يفسد للود قضيه) بين المسلمين والفقهاء، وادلى الجميع بدلوه في هذا الامر فظهرت مدارس اهل الرأى واهل الحديث، وظهر علم الكلام والفلسفه وغيرها من العلوم الدينية والدنيوية، والتى مكنت للمسلمين من النهضه والريادة وتسيد العالم.

واعتقد ان الجميع يعلم الفرق بين واقعنا المعاصر كمسلمين وواقع المسلمين ايام مجدهم، وحجم القضايا والامور التى ظهرت والتى بحاجه إلى اجتهاد ومعرفه دقيقه بمقاصد الشريعه لتحديد الموقف الشرعى الدقيق منها. وهنا لابد من تحديد الإسلام المقصود .. هل هو اسلام بن لادن .. الاخوان المسلمون .. حزب التحرير .. طالبان .. ابى حفص .. ام الإسلام السلفى أو الليبرالى .. الخ. وهنا فاننى لا اعيب تعدد الاحزاب والتيارات الإسلامية فهذا امر مطلوب وصحي، ولكن الشئ المعيب هو ان نجد ان كل حركه وتيار لا تحترم وجهة النظر الاخرى بل قد يصل الامر إلى حد التكفير والخروج عن المله (بأسهم بينهم شديد) .. ولكن الجميع يستشهد بحديث نبوي عن ضرورة انقسام الامه إلى 72 فرقه ليس بينها الا فرقه واحد ناجيه من النار، وبالتأكيد فان كل فرقه تعتبر نفسها فقط الفرقة الناجية. وهنا يتوه المسلم البسيط الساعى إلى الفوز العظيم، في غابة الفرق والاحزاب والدراويش، لعله يجد مبتغاه وينجو من النار، وهنا تكون بداية التطرف والتنطع في الدين. فمادامت القضية، قضية فرقه ناجيه بدون غيرها، يجعل اتباع كل فرقه يعتقدون ان مهمة اصلاح الدين والدنيا تقع على عاتقهم وحدهم ولا يجب عليهم التنازل قيد انملة عن تعليمات مشايخهم الذين يستغلون بساطة هؤلاء المؤمنين، وتتوه شعوب الامه بين الفرق ومشايخها وفتاويهم .. فهذا يحرم وذاك يزكى وآخر يكفر وغيره يؤجل .. وهكذا وبسبب الفهم الخاطئ للاسلام، وبدلاً من ان يكون الإسلام حلاً لمشاكل الامه يصبح عبئا آخر عليها، وبدلاً من ان يوحدها ويجمع شملها، يشتتها ويفرقها.

وبالرغم من انني احسب نفسي من المؤمنين بمقدرة الإسلام على الاخذ بيد الامه لطريق الوحدة والنهضه والعزه واحاول من خلال بعض مشاريعي البحثيه ان اساهم بهذ المجال قدر استطاعتي، الا انني وصلت إلى قناعه بأن الوقت لم يحن بعد لهذا المشروع ليأخذ مكانه ويزاحم الآخرين للظفر بالسلطه وقيادة الامه في ظل

ص: 145

القيادات وطريقة التفكير الحالية، لان التيارات الفكرية الإسلامية أو على الاقل ما تمخض عنها من حركات واحزاب اسلامية لاتزال تعيش في عالم غير عالمنا ولم تستطع حتى اللحظه ان تدرك ليس فقط المعاني العظيمه للاسلام بل والاخطر انها لا تعرف شئ عن حقيقه العالم الذي نعيش فيه والمتغيرات التى تحكمه واكتفت برفع شعارات براقه كالإسلام هو الحل والإسلام هو البديل .. الخ، بدون ان تقدم ايه حل أو بديل مقنع للجماهير على اي مستوى من المستويات، ولهذا تجد نفسها في مأزق بمجرد امتلاكها للسلطه أو جزء منها فتفشل.

وبالطبع فان مبرراتها جاهزه لسبب الفشل وهو مؤامرة الكفار والعلمانيون الذين لا يريدون للاسلام ان يحكم، كما ان تهمها بالخيانه والعماله والرده والخروج عن الصف جاهزه لمن لا يوافقونها الرأى. وهنا فاننى لا انكر ان هناك مؤامره على الإسلام، ولكن ليس هذا هو المهم بل الاهم من ذلك هو استعدادنا لنكون ضحيه للمؤامرة والتى ما فتئت الحركات الإسلامية تقع فيها من اول تجربه سلطويه تمر بها سواء كانت في الحكم أو في المعارضه، والمؤمن لا يلذغ من جحر مرتين.

وبالرغم من اننى لا انكر اصاله النشأة والتكوين لاغلب الحركات الإسلامية، وصدق نواياها الا ان مشكلتها الرئيسية كانت في عدم نضوجها ووعيها السطحى بالوضع الدولى وتعقيدات الحكم على المستوى الوطنى، فوقعت في صدامات غير مبرره مع السلطه على المستوى المحلي، ودخلت في صراعات غير محسوبه مع الدول العظمى على المستوى الدولى، وتم كل ذلك باسم الجهاد في سبيل الله تعالى من أجل رفعة شأن الإسلام، فانتشرت الصدامات في مختلف البلدان من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وخالطتها كثير من المخالفات الشرعية، التى اتخذت من الإسلام درعا لطرح فكر متعصب لا يقبل التسامح ولا العقل ولا الاعتراف بالاخر بدلا من زرع بذور الخير والمحبة والقذوة الحسنة والكلمة الطيبة التي توحد الناس وتأخذ بيد الامه إلى التغيير المطلوب.

ولو حاولنا مراجعة تجارب حركات الإسلام السياسي في منطقتنا منذ الاستقلال وحتى اللحظه فاننا سنجد انها تنقسم إلى قسمين، الأولى ونتيجه لفكرها المغلق التكفيرى وعدم نضوجها السياسي، وضعت نفسها كخصم عنيد لكافه الانظمه الوطنية واخذت تزاحم على السلطه بدعوى انها تريد تطبيق الإسلام

ص: 146

بالرغم من ان مشروعها الإسلامي لم يكن جاهزا وقتها وحتى اللحظه، واخذت تستغل بعض التصرفات هنا وهناك لتكفير النظام ومحاولة الانقلاب عليه بدلا من المساعده في مواجهة التحديات والاخذ بيد النظام الوليد، وهذا ما حدث في مصر والعراق وسوريا في ذروة المد الثوري والقومي حيث وضعت حركة الاخوان المسلمين وغيرها من الحركات نفسها في مواجهه مباشره مع الاحزاب القوميه، وكأن الإسلام يعارض القومية والوحدة العربية، بل اننى اذكر كيف انهم كانوا يصورن فكر القوميين العرب والبعثيين وكأنه فكر شيوعي الحادي كافر، ونسى القوم ان فكرة بعث الامة العربية هي في النهايه بعث للاسلام واحياء له لانه لا عروبه بدون اسلام.

ثم جاءت تجربه هذه الحركات لتتكرر وتقوم بنفس الدور في العراق ابان الغزو الأمريكي للعراق حيث فضلت ان تقف في صف المحتل المعتدي ضد نظام صدام متناسيه ومتغافله عن احكام صريحه في القرآن تحرم ذلك وكانت النتيجه ما نراه ونسمعه في العراق من دمار لكل شئ وحرب طائفيه بين من يدعون الإسلام (شيعه وسنه) بدل الحرب على الاجنبي المحتل. وفي سوريا كاد يتكرر نفس المشهد عندما ابدت حركة الاخوان المسلمون السورية استعدادها للتعاون مع أمريكا للاطاحه بالنظام السوري.

اما النوع الثاني من الحركات الإسلامية والتي ظهرت في نهاية السبعينيات، فقد مثل ظهورها تطور نوعي في عمل الحركات الإسلامية نتيجه لما فرخته التجربه الافغانية من حركات ولدت في احضان المخابرات الأمريكية والانظمه المتعاونه معها، حيث دخل معها الإسلام السياسي مرحله جديده وخطيره، بعد ان تم تصنيعه ثم استغلاله من قبل المخابرات الأمريكية والعربية، فحصل على مشروعيه مؤقته لدحر الغزو السوفيثي لافغانستان، ولكن بعد انتهاء دوره مع السوفيث، بدأ اضطهاده ومطاردته لدفعه للقيام بدور جديد من خلال نشره في كل مكان، فظهرت هذه الحركات بدون تحديد اوليات واسس لعملها الجهادي واستخدمت من حيث لا تدري كاداه، فكانت ثاره تعمل كوكيل لأمريكا في اثارة القلاقل في الدول العربية وروسيا ومناطق اخرى، وثاره كاداه في يد المحافظين الجدد في أمريكا في سعيهم لتصوير الإسلام كعدو بديل للشيوعية وانه الخطر الذي يتهدد العالم والذي استخدمته أمريكا ودول اوروبا الغربيه كمبرر لاعلان حربها على ما يسمى بالارهاب والتضييق على

ص: 147

المسلمين في كل مكان، وتجلى ذلك في احداث 11 سبتمر التى ابتهج لها كثير من المسلمين ولكن بعد حين اكتشفوا عمق المأزق الذى وضع المسلمون به نتيجه هذه الاحداث، وبدأ البعض بعد فوات الاوان ينتقد هذه العمليات ويشكك في من يقف وراءها وجدواها بعد ان لمسوا انعكاساتها الخطيره على الامه، وان المستفيد الوحيد من هذه الاحداث كانت ادارة بوش المتطرفه واسرائيل، التى استخدمت بعض الحركات الإسلامية ليس كاداه تنفيذية -لانهم لايصلحون لذلك- بل فقط كمتبني يقف من بعيد ليخرج علينا من حين لاخر ببيانات واشرطه مصوره استخدمتها ادارة بوش افضل استخدام لضرب الإسلام في كل مكان.

وهكذا لم تكتفي كثير من حركات الإسلام السياسي بتخريب واعاقه حركات التحرر الوطنى في بلدانها بل انها عملت على الاساءه إلى الإسلام والعروبه في العالم وابراز المسلمين بشكل بشع امام العالم من خلال عمليات وتصريحات وافعال الحقت اضرار فظيعة بالإسلام والمسلمين وشوهت صورته. وهنا فانني لا انكر كيد الغرب وأمريكا للاسلام واهله، ولكن هذا لا يعنى الدخول في مواجهه مفتوحه معهم بدون حساب التداعيات الخطيره على الإسلام. كما انني لا احاول تبرئه الانظمه الحاكمه من كثير من الاخطاء والخطايا والتجاوزات، ولكن هذا لا يبرر ان تضع هذه الحركات نفسها على طرف نقيض من هذه الانظمة وتحاول بكل الطرق الانقضاض عليها بدل توحيد الجهود والتدرج واعداد العده للتغيير المطلوب.

فبالرغم من ان كثير من الحركات الإسلامية لم يكن لها ميزه زائده عن الحركات الوطنية الاخرى في حروب الاستقلال وتضحياتها، بل ان ظهورها كان متأخر جداً في بعض المناطق، الا انها وبمجرد زوال الاستعمار بدأت تنشط ووضعت نفسها مباشره في صدام مع النظام بدون تطبيق ابسط ابجديات العمل الإسلامي من تحديد الأوليات والوعى بالتحديات والتدرج في حلها. بل انها اكتفت بالتركيز على شكليات الإسلام دون الجوهر فكانت النتيجه رؤيه ساذجه ومبسطه للاسلام جعلت الواحد منهم يعتقد ان تطويل اللحى وتقصير الجلباب يكفي لاستحقاقه النصر من الله والدعوه إلى اقامة دولة الخلافه، ونسى أو تناسى القوم ان للنصر والاستخلاف شروط وقوانين غير اللحى الطويله والاسماء الجميله التى تستحضر عظمة الماضي بشكله لا بجوهره، فليس كل من تسمى بابي حفص ملك عداله عمر، وليس كل من

ص: 148

كنى نفسه بابو الوليد أو ابو مصعب والقعقاع وغيرهم من الصحابة العظام رضى الله عنهم جميعاً اصبح من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من ترك الدنيا والتفاني في خدمة الإسلام بالعلم والعمل، فدانت لهم الدنيا بما رحبت.

ان للاستخلاف والنصر سنن وقوانين بعيده كل البعد عن الشعارات البراقه والشكليات الجوفاء والخطب الرنانه التى اصبحت منهجاً لكثير من الحركات الإسلامية. فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد من الله بالنصر لم يغفل ولو للحظه واحده عن الاخذ بالاسباب واعداد العده بالرغم من يقينه بنصر الله للدين الجديد. ولكن الله سبحانه وتعالى اراد وضع منهج للنصر والتمكين للمسلمين في كل زمان ومكان ليأخذوا به. ففي احد هزم المسلمون لان بعض الصحابة لم يتبع اوامر الرسول الكريم وانساق وراء عرض الدنيا. وكادوا ان يهزموا في حنين عندما اعجبتهم كثرتهم. وفي الخندق اعد المسلمون العده واخذوا بالاسباب وحفروا الخندق وبعدها جاء النصر من الله وتفرقت الاحزاب. وفي مؤته انسحب خالد بذكاء من المعركه حقناً لدماء المسلمين، فقال عنهم عامة المسلمين الذين لا يدركون السنن الالهيه انهم الفرار ورد عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بانهم الكرار، وفي الشام تنازل خالد عن القيادة لابي عبيده انصياعاً لامر خليفة المسلمين وهو في اوج انتصاراته وعظمته من اجل مصلحة المسلمين، وهناك مئات بل آلاف العبر والدروس الشبيهه والتي نتغنى بها ليل مساء، ولكننا كالحمار يحمل اسفاراً.

ان الإسلام شريعه ومنهج حياه إذا اتبعناه قولا وعملا كنا خير امة اخرجت للناس، وصلح حالنا في الدارين، اما إذا اكتفينا برفع شعاراته والتغنى بفضائله وعظمة رجاله، من غير ان نستوعب ونطبق الدروس والعبر فلن يغير الله من حالنا، ولن تشفع لنا عندها ابتهالاتنا ودعواتنا بتدمير الكفر والكافرين ونصرة الإسلام والمسلمين، لان الله ينصر من ينصر دينه قولا وعملا، ونصرة الدين لا تكون بالدعاء والبكاء ولكن بامتلاك القوة واسبابها، واعداد العدة بمختلف طرقها ومجالاتها،"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" اما إذا توقعنا النصر بغير ذلك يصبح يقيننا بالنصر يقيناً منقوصاً وهو اقرب إلى القاء انفسنا إلى التهلكه، لان المؤمن القوى احب إلى الله من المؤمن الضعيف، والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي اكبر شاهد على ذلك، ولهذا تقدم المسلمون وفتحوا مشارق الارض ومغاربها من خلال

ص: 149

اعداد العدة والاخذ بالاسباب ووضع خطط الحروب فبرزت عبقريات فذه وبطولات عظيمه ومواقف ايمانية جعلت اليقين بالنصر من الله حقيقة واقعه، لان "اعقلها" سبقت وتوكل، ولان الايمان صدقه العمل.

والسؤال الذي يبرز بقوه في واقعنا المعاصر اين نحن من كل ما تقدم؟ بالطبع الفارق كبير كالفرق بين الثرا والثريا كما يقولون، وواقعنا المزري خير شاهد على ذلك حيث تتصدر دولنا العربية والإسلامية القائمة السوداء في كل شئ من التخلف العلمي والامية والجهل والفقر والفساد والرشوه والتطرف .. الخ. فاين الحركات الإسلامية من كل ذلك وما هي مساهماتها ومبادراتها؟ بالرغم من علمي ان هذا يقع ضمن مسئوليات الدوله، ولكن ذلك لا يعفيها من المسئولية لانها تمتلك اكبر قوه للتأثير على الناس بسبب الميل الفطري لدى الناس لاتباع رأى علماء الدين إذا صدقوا وتوحدوا، كما ان المجال مفتوح امامها للعمل في كثير من المجالات البعيده عن الصدام بالسلطه لتقديم القدوة الحسنة في كل شئ واعداد العدة للتغيير بدل السعي إلى السلطه وهي خاوية اليدين، فتصتدم بالواقع المر الذى تسعى لتغييره، لان المطالبه بالتغيير شئ والقدره على التغيير وامتلاك ادواته شئ آخر مختلف، لما يتطلبه ذلك من وعي وقدره وخبره وتوحيد للجهود الوطنيه بكافه اشكالها ومشاربها، بالاضافة إلى تحديد الاهداف المطلوب تحقيقها بوضوح في ظل الامكانيات المتاحه، بدون الزج بالإسلام في ساحات للصراع غير متكافئة.

إن المطلوب من كافة الحركات الإسلامية ان تراجع نهجها وطرق عملها وتستوعب العبر والدروس الحقيقية لسنن العلو والتمكين، وتكف عن الزج بالإسلام في صراعات وتجارب خاسره وفاشله نتيجة عيب فيها وليس في الإسلام الذي بدأ يدفع ثمناً باهضاً نتيجة جهل ابناءه وخبث اعدائه. ان الإسلام شريعة الله في أرضه ودينه القويم وسبيل الهداية والصلاح والفلاح لنا في الدارين، الا أن الجهل وانحراف الرؤى والأفكار ومناهج العمل لبعض الجماعات الإسلامية المتشبعة بثقافة العنف ورفض الآخر تقف من حيث لا تدري حجر عثره في سبيل نهوضه وتمكينه وتعزله عن العالم وتقيم حواجز من التخلف والعداء حوله، حيث تتستر هذه الجماعات على أعمالها المتطرفة بالدين وشريعته الإسلامية للوصول إلى السلطة، وشتان بين منهج سياسي يتحصن بدرع الدين ويسعى باسمه للوصول إلى السلطة، وبين قيم

ص: 150

رسالة ايمانية غايتها إسعاد البشرية ورخائها ونشر المحبة والسلام بين الناس وتحقيق صلاحهم في الدنيا والآخره. وفي كل الأحوال فإن المشروع الإسلامي أوسع من أن يختزله حزب أو برنامج للحكم، فالحكم مجرد جزء من مشروعه، وليس هو الجزء الأعظم والأهم، ولذلك سقطت للإسلام دول لا تحصى بينما استمر فعله في الأمة والتاريخ

مصداقاً لقوله تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر و إنّا له لحافظون"

واذا كان عبد المطلب قال لابرهه الحبشي: اما البعير فهي لى، وللبيت رب يحميه" فانني اقول لكافة الحركات الإسلامية ارفعوا ايديكم عن الإسلام .. وكفاكم اساءه للدين باسم الدين، وتعلموا من الاعاجم كيف يكون الوصول إلى الحكم والسلطه

(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)،

(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)

وبعد ..

فاننى اطلب المعذرة من الاخوة القراء لكبر حجم الدراسه ولكن ما دفعنى إلى ذلك يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

1 -

شيوع التبريرات المصلحية في تفسير اسباب التحيز البريطانى والأمريكي لاسرائيل بحيث يمكن القول ان كافة الكتابات السياسية العربية والاجنبية تركز على المصالح ونفوذ اللوبي الصهيونى وغيرها من الامور، وعندما يظهر كتاب يريد ان يدحض هذه المقولات لابد له من الاثيان بالعديد من الادلة والبراهين والشواهد لتأييد وجهة نظره، لاننا هنا في مرحلة التأصيل لفكر جديد. فالخوض في افكار جديده وطرحها يتطلب مزيدا من التركيز والتوضيح في ظل سيطره وجهه نظر معينه لدى النخب والرأى العام.

2 -

لا يمكن الحديث عن دور العامل الدينى في توجيه الساسة الأمريكية في عصرنا الحاضر والفكرة العامه لدى المفكرين وعامة الناس ان الغرب برمته علمانى لا مكان للدين في حياته. وهذا يضع عبأ كبير لدحض هذه الرؤية واثبات دور الدين في تشكيل الثقافة الغربية نتيجه للاصلاح الدينى. وهذا ما جعلنى اشير إلى مبادئ حركة الاصلاح واثرها على الفكر الانجلوسكسونى البريطانى

ص: 151

والامريكى (بالرغم من اننى ارى ان هناك قسور من جانبي في اعطاء هذه الامر حقه، واعمل الآن على اعداد دراسه خاصة عن دور القيم الدينية المستمدة من حركة الاصلاح الدينى في النهضة الغربية).

3 -

عند الحديث عن حرب صليبية كان يجب ان اميز بين ثلاث طوائف مسيحية رئيسية (الكاثوليك- الارثوذكس- البروتستانت) ومواقف كل منها مما يجرى على الارض لنصل في النهاية إلى المقصود بالصليبيون الجدد. فبالرغم من ان هناك دراسات حول دور الدين في توجيه السياسه الغربية تجاه الصراع العربي الاسرائيلى الا ان كثيرون لا يفرقون بين مواقف الطوائف المسيحية من الصراع، فيهاجم بعضهم البابا أو المسيحيون العرب لان بوش أو غيره من القساوسه البروتستانت صرح تصريح مؤيد لاسرائيل أو معاد للاسلام.

4 -

ظاهرة المسيحية الصهيونية ظاهره قديمه نشأت مع حركة الاصلاح الدينى في القرن الخامس عشر ومرت بمراحل مختلفة كان لابد من توضيحها حتى وصلت إلى ما هى عليه في عصرنا الحاضر. وقد حاولت في هذا الكتاب ان اوضح الجذور العميقة لهذه الظاهرة التى تمتد لفتره اكتر من اربعة قرون، بالاضافة إلى اننى حاولت ربط الواقع المعاش بافكار المسيحية الصهيونية، ووجدت انه من الضرورى وضع خطه لمواجهتها على كافة المستويات. وبالتأكيد فان ذلك يحتاج إلى بيان وتوضيح مما زاد حجم الكتاب لهذه الدرجه.

وفي النهاية فاننى لا ادعى لنفسي ميزه أو خصوصيه في تناول هذه الظاهره، بل الفضل كل الفضل يعود لكثير من المفكرين والكتاب الافاضل، الذين اشاروا إلى هذه النقطه أو تلك، فتتبعت خطاهم واجتهدت، واتمنى ان اكون قد وفقت في تعزيز ما وصلوا اليه أو نالى حظ الاضافه أو لفت الانظار لهذه الظاهرة الخطيره وسبل التصدى لها راجيا من المولى عز وجل ان تحصل الفائده المرجوه من هذا الكتاب.

والحمد لله في البدء والختام

يوسف الطويل

غزه- رفح في 19/ 6/2009

ص: 152