الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللازمة. وهنا يجب ان نشير إلى ان رسالة الإسلام ومبادئه لا يمكن ابدا ان تدعو إلى الصدام والصراع مع الحضارات والديانات الاخرى، والإسلام الحقيقي هو اسلام المحبة والسلام والاخاء واحترام الآخر ونبد العنف والتطرف، والدفاع عن القيم النبيلة واحترام حقوق الانسان وتحقيق العدالة والقضاء على الفقر والنفتاح على كل الحضارات الانسانية (1).
أهمية الحوار
مما تقدم يتضح لنا اهمية الحوار مع الآخر والذي جعله ديننا الإسلام طريقاً للدعوه ومخاطبه الآخرين للوصول إلى الحقيقة. ولعل حضارتنا العربية والإسلامية هي (الأعلى) صوتاً وفعلاً في رسالتها (الحوارية) خاصة وهي تولي منزلة عليا للعقل والعلم والحرية، وتدعو البشرية للتعارف والتفاهم:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وهذه هي رسالة الحضارة (2). وبالتأكيد فإن التعارف لا يتم الا من خلال الحوار الجاد والبناء الذى يعرض الحق بجلاء ويقدر ويحترم آراء ومواقف الآخرين.
لقد كان الحوار قبل الإسلام كما في الحضارة والفلسفة اليونانية فناً قائماً بذاته، فالمحاورة تحدد موضوعاً للدراسة، وليس القصد منها الخروج بنتيجة بصدد المشكلات المعروضة بقدر ما تجعلنا أقدر على الجدل في كل الموضوعات، فهدف المحاورات لم يكن إمداد الناس بالمعلومات والمعارف، بل تقديم مساعدة على التدريب على فنون الجدل. أما الهدف الأساسي للحوار في الإسلام فهو وصول الناس إلى الحق بالطريقة التي تعمق الإيمان في نفوسهم، فالإسلام ينطلق في فهمه للحوار من فكرة أن الله فطر الإنسان على الجدل (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) ليواجه الحياة بكل ما فيها من أوضاع وملابسات وأفكار بعقلية منفتحة قلقة لا تستقر على حال، وهذا ما يجعله في بحث دائم مستمر عن الحق والأفضل والأكثر صواباً، فثمة ما هو صواب وما هو أكثر صواباً، والشك هو طريق اليقين أو إثبات اليقين
(1) مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى انسنة الحضارة وثقافة السلام - د. محمد سعدي - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت 2006 - ص 368
(2)
حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن
ورسوخه. وترى الإنسان لا يستقر على حال فتراه يفتش عن الشيء وضده، عن الحق والباطل، فلا يتيقن إلا ليتململ في رحلة جديدة من الشك، ولا يشك إلا ليبدأ رحلته الطويلة نحو اليقين. وقد رأينا في علاقات الدول والأفراد اضطراباً حين يفشل الحوار أو يفتقد، فقتل قابيل أخاه هابيل عندما فشل الحوار بينهما، ولكن يبقى العقل هو القوة الصالحة للحكم على الأشياء وميزانا يزن به صحة القضايا وفسادها، حتى في يوم القيامة لا يقف الإنسان مكتوف اليدين أمام مصيره بل يترك له مجال الدخول في حوار وجدال يدافع به عن نفسه على أساس العدالة التي تحترم في الإنسان حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه حتى أمام الله الذي يعلم كل شيء (1).
ومن هنا فإن اهمية الحوار تكمن أنه يمكن أن يكون أساساً لتجتمع الإنسانية حوله، وعلى الإنسان الاطلاع على أفكار الآخرين، ففي ذلك فهم لفكر الآخر. فالحوار في هذا السياق هو أحد الأفكار والحلول المهمة للخروج من مأزق العنف والتطرف. ففي مقابل الغياب الكبير المفزع للحوار في حياتنا وعلاقاتنا وعملنا، هناك حضور كبير للحوار في القرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى يكاد يكون قضية أساسية، فنجد في القرآن الكريم مواضع لا تعد ولا تحصى للحوار، الحوار بين الله والملائكة، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) والحوار بين الله وإبليس، والحوار بين الله والأنبياء، وحوار الأنبياء مع قومهم، وحوار الأنبياء والصالحين مع أنفسهم. ونجد في القرآن دعوة إلى الحوار في العلم والدعوة والحياة، (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). (2).
والحوار بهذا المعنى ليس فقط لتوضيح القضايا التي يختلف عليها، ولكنه يقرب الناس بعضهم من بعض، ويخلق حركة فكرية ومجتمعاً متعلماً متحركاً. وغياب الحوار في المجتمع يجعله مجتمع قهر وعنف، وغيابه في علاقات الأفراد يجعلهم جزراً معزولة بعضها عن بعض، ويحول همومهم إلى الغرق في الذات والدوران حولها، حتى درجة المرض والهوس. وغياب الحوار بين الدول يعطل مصالحها ويضر بشعوبها ويجعلها تتحمل جهوداً وتكاليف زائدة يمكن الاستغناء عنها وتوفيرها أو
(1) المدنس والمقدس .. أميركا وراية الإرهاب الدولي-المؤلف: السيد محمد حسين فضل الله- عرض/إبراهيم غرايبة- الجزيرة نت
(2)
الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي.
استخدامها في المصالح والاحتياجات. ويمكن أن نجعل الحوار منهجاً للتربية، وتكوين القناعات، وأسلوب الحركة الفكرية في التنشئة، وتهيئة الروح الموضوعية في مواجهة مسائل الخلاف، وفي تقبل الفكرة المضادة بطريقة عقلانية واقعية. فموضوع الحوار يرتبط بالتكوين الداخلي لشخصية الإنسان المسلم الذي يريد له الإسلام أن يفكر كيف يتعلم ويدعو الناس ويفتح قلوبهم وعقولهم على الحق والصواب، ولا بد من الحوار حتى تستمر الحياة في حالة الضعف أو القوة، وفي حالة الحرب أو السلم، فلا أحد يستطيع أن يستغني عنه مهما علا شأنه أو كانت قوته، فرداً كان أو مجموعة أو مجتمعاً أو دولة (1).
فالعالم المعاصر الذي يتسم بالتونع والتعددية، والذي يرتبط ببعض عبر آلاف من اقنية الاتصال، سيطرح أمام الوعي الديني حتماً مشكلات العلمنة وحوار الأديان. وهو ما اكده احد العلماء المسلمين، حيث قال:"ان قوة الاتصالات بالعالم المعاصر، ستفتح آفاقاً وإمكانيات عريضة لإدراك التقاليد الدينية المغايرة، الأمر الذي يجعل حوار الإسلام الجدي مع الديانات الأخرى في منتهى الأهمية والضرورة. ولهذا فإن مفكري الشرق الدينيين الأكثر عمقاً واطلاعاً يدركون بصورة أكبر فأكبر، ان بلوغ تدين أكثر ملاءمة واتستقاً مع الظروف العصرية الراهنة، يمكن ان يحدث فقط في شروط تؤمن التحرر من الكراهية الطائفية والشعور بالتفوق والتميز"(2).
وبهذا تكون قضية الحوار هي إحدى الهموم الكبيرة للعاملين في الدعوة والتربية والتعليم والإعلام والسياسة والدبلوماسية والتجارة والتسويق، وتتزايد الحاجة إليه كأساس للثقافة والعمل والتعليم والعلاقات والتنظيم. ونلاحظ على سبيل المثال ازدهار البرامج الحوارية مع تنامي الفضائيات والإنترنت، حتى يكاد يكون الحوار هو السمة الأساسية للفضائيات والإنترنت، وتعتمد عليه تماماً مؤسسات التعليم عن بعد والتعليم المستمر، فمن دونه تفقد هذه البرامج جوهرها وجدواها (3).
(1) المدنس والمقدس .. أميركا وراية الإرهاب الدولي-المؤلف: السيد محمد حسين فضل الله- عرض/إبراهيم غرايبة- الجزيرة نت
(2)
الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم- تأليف اليكسي جورافسكي - ترجمة د. خلف محمد الجراد - ص212 - دار الفكر المعاصر - ط2 2000
(3)
المدنس والمقدس .. أميركا وراية الإرهاب الدولي-المؤلف: السيد محمد حسين فضل الله- عرض/إبراهيم غرايبة- الجزيرة نت
ورغم بلوغ الحضارة الإسلامية في العصر العباسي ذروتها وقيادتها للعالم في العصر الوسيط آنذاك، فقد تعايشت مع الحضارات الأخرى في وئام وانسجام. ومن هنا فإن الحوار الحضاري كما يعرضه الإسلام لا يعد استجابة لظرفية زمنية خاصة، بل هو مشروع يتميز بالشمولية والاستمرارية ينبع من مبدأ جعل سعادة الإنسان غاية ذلك الحوار، أي أنه يقوم على مبدأ تحقيق إنسانية الإنسان، فالإنسان هو كائن حساس، فريد متميز واسع الدوائر الوجودية، ذو خصائص عقلية وروحية وأخلاقية شاملة، فضلا عن أنه خليفة الله في الأرض.
ومن خلال معاصرته لتجربة تاريخية مرة تسبب فيها الاستعمار بكوارث ومآس حلت بالإنسانية، وقسمت الشعوب وفرقتها إلى عرقيات وطوائف متنافرة طرح المفكر الإسلامي (سعيد النورسي) في رسائله (رسائل النور) مفهوماً بديلاً موضوعياً لفكرة صدام الحضارات من خلال طرح مبدأ (التكامل) بدل (الصراع)، و (التعايش) بدل (الإقصاء)، شريطة أن يقوم الحوار بين الحضارات على قدم المساواة وعلى احترام تعدد الثقافات، وبحيث لا ينحصر في مجرد حوارات كلامية بين الناس، بل يكون فلسفة نابعة من جوهر الإيمان، إيمان الإنسان بأن الله خلق البشرية لحكمة وغاية محددة تتمثل في التآلف والتساكن لتحقيق أمر رباني وهو تعميم الخير ودفع الشر. فالحوار ليس وسيلة لحل النزاعات الدولية وحسب، بل هو أسلوب للتعارف والتعايش والتكافل بين الشعوب من أجل تحسين ظروف البشرية وهو ما يسميه النورسي (مسلك الخلة والأخوة)(1) أو بعبارات (د. محمد عابد الجابري)(ثقافة السلام) والذي يدعو "إلى بناء تصور مشترك لها من خلال اهتمام الحوار بين الأديان بموضوع الضرورات الخمس ذلك لأن هذه الضروريات، أعني حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين هي أساس كل سلام وبدونها لا يتحقق السلام، لا السلام مع النفس ولا السلام مع الجار ولا السلام بين الأمم. وفي هذا الصدد أرى أنه بالإمكان تأسيس
(1) بين أخلاقيات العرب وذهنيات الغرب- إبراهيم القادري بوتشيش- عرض/إبراهيم غرايبة- رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة-ط.1 2005 - الجزيره نت- حوار الحضارات من خلال رسائل بديع الزمان النورسي