المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٤

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثالحوار بين الأديان والحضارات

- ‌نظرية صراع الحضارات

- ‌حوار الأديان والحضارات

- ‌أهمية الحوار

- ‌علاقة المسلم بالآخر عموما

- ‌الحوار بين الأديان

- ‌اليهود والنصارى في القرآن والسنة

- ‌الحوار الإسلامي المسيحي

- ‌المسيح المسلم

- ‌الحوار بين الإسلام واليهودية

- ‌اليهود في ظل الحكم الإسلامي

- ‌منع هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌ظهور الصهيونية والعداء لليهود

- ‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول

- ‌آفاق الحوار الإسلامي مع الديانات التوحيدية في العصر الحاضر

- ‌حوار الإسلام والغرب

- ‌تشابك المصالح

- ‌الحوار بين الديانات والحضارات لماذا

- ‌تأسيس نظام قيمي جديد

- ‌الفصل الرابعأمتنا ودورها الحضاري

- ‌انهيار الامبراطورية الإسلامية وصعود الغرب

- ‌الغزو الفكري أدواته وأهدافه في العالم الإسلامي

- ‌الغزو الفكري دوافعه وأدواته

- ‌الصهيونية المسيحية والإسلام

- ‌أمتنا ودورها الحضاري

- ‌بناء مشروع نهضوي عربي

- ‌كيف نواجه الهمجية الدونية

- ‌خاتمة

- ‌باراك أوباما وجرأة الأمل

- ‌الموقف من اسرائيل

- ‌خطاب أوباما في جامعة القاهرة

- ‌فلسطين ودورها الحضاري

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول

بالصعوبة والمشقة والاضطهاد تماثل بالمرارة المعاناة الفظيعة التي شهدتها الحياة اليهودية في العالم المسيحي. وهذا يتضمن ان معاداة السامية عند العرب ليست أمراً جديداً ولكنه مرض مزمن قديم، وليس من المحتمل أن يذهب أو يزول حتى لو قامت إسرائيل بتنازلات سياسية كبيرة من أجل سلام الأمة الفلسطينية الناشئة (1).

ولكن إذا انتهى يوما ما الصراع بين العرب واليهود بصورة تامة، عندئذ سيُصْبِحَ ممكناً رؤية الماضي مرة أخرى ليس، بالطبع، كتعايش طوباوي بين الدينين ولكن كزمن عاش فيه اليهود مغروسين في مجتمع إسلامي في تعايش خلاّق مشتركين في أمور كثيرة ومتحررين إلى درجة كبيرة من البغضاء ومعاداة السامية التي عانى منها إخوانهم في الأراضي المسيحية (2).

‌الحوار مع اليهود بين الرفض والقبول

أصدر مركز زايد للتنسيق والمتابعة دراسة تناولت موضوع "الموقف اليهودي والإسرائيلي من الحوار مع المسيحية والإسلام"، حيث وقفت عند ذلك الموقف عبر التاريخ، والمحددات التي حكمته، والخلفيات التي وجهته، بصورة تجمع بين استحضار الوثائق والشواهد، وتحليل الآراء والوقوف عند أبعادها، بأسلوب علمي رصين.

وتتبعت الدراسة موضوع الحوار في الديانة اليهودية بصورة عامة، فبينت مرتكزاته، وأسلوبه، ومعوقات قيامه، وكيف توجه اليهود إلى الانعزالية، والحذر من الاحتكاك والحوار مع الشعوب الأخرى، رغم ما فرضه عليهم منطق التاريخ من علاقات مع بعض المجتمعات عن طريق المصاهرة والاختلاط، وإن كانت علاقات ظلت دائما محل ريبة وحذر، وموضع تأثيم من قبل التيار العريض من معتنقي اليهودية، بل إن الجدل الذي دار حول ظاهرة الاختلاط، ولو عن طريق المصاهرة، نظرت إليه أسفار العهد القديم باعتباره مهددا لديانة بني إسرائيل التوحيدية، مما

(1) تعايش الأديان في الماضي: بقلم مارك كوهين، ترجمة كامل الزيادي-. نشر المقال باللغة الألمانية في صحيفة فرانكفورتر ألكمانية تسايتونغ بتاريخ 25.10.2003 - - موقع قنطره http://www.qantara.de/webcom/show_softlink.php?wc_c=339

(2)

تعايش الأديان في الماضي: بقلم مارك كوهين، ترجمة كامل الزيادي.

ص: 61

دعا بعض أنبياء اليهود، مثل عزرا ونحميا إلى المطالبة بتحريم الزواج من الأجنبيات مطلقا، لئلا يؤثر على نقاء الدم الإسرائيلي. (1)

وخلصت الدراسة إلى أن مجتمعا، كالمجتمع اليهودي والإسرائيلي، لا يمكن أن يقبل بالحوار؛ لاعتقاده الديني بأنه صفوة البشر التي اختارها الإله، وأعطاها العهد، وبشرها بالخلاص، وخصها بالطهارة والفضل، وأن غيره "أغيار أغراب " لا تنبغي مخالطتهم، ولا العيش معهم لتدنيهم ودنسهم؛ الأمر الذي فرض أن يقام الحي اليهودي الخالص (الجيتو) في المدن الأوروبية خلال القرون الوسطى، والذي شجعته الصهيونية في العصر الحديث؛ بل على أساس من فكرته، وتذمرا من واقعه كان البحث عن وطن بديل، وكانت فلسطين أرض الميعاد والخلاص.

وتضيف الدراسة: "أن موقف اليهود من الحوار مع الإسلام كان سلبيا، ومحكوما بنظرة سياسية قوامها إقناع المسلمين بأحقية اليهود في فلسطين، واستصدار فتاوى من أئمة الإسلام تحرم الجهاد ضد المحتلين، وتقرن بين العمليات الاستشهادية من أجل الدفاع عن النفس والأرض بالانتحار، وتصف الفلسطينيين بالإرهابيين (2).

اما الشيخ يوسف القرضاوي فيرى: ان الإسلام يرحب بالحوار دائما ومنهج الدعوة الإسلامية كما شرحه القرآن الكريم" ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" الحكمة والموعظة الحسنة مع الموافقين والجدال مع المخالفين ولكن القرآن قيد هذا في آية أخرى في قوله تعالى "ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلَاّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" إلا الذين ظلموا منهم الظلمة من أهل الكتاب ليس بيننا وبينهم حوارونحن نرفض الحوار مع حاخامات اليهود الذين يعيشون في إسرائيل ويؤيدون ما تقوم به إسرائيل من مظالم. إنما هناك يهود يعارضون قيام إسرائيل ويرون أن قيام إسرائيل ضد حكم الله هؤلاء نحاورهم نجلس معهم أما هؤلاء الذين يؤيدون البطش والجبروت الإسرائيلي والاستكبار في

(1) الموقف اليهودي والإسرائيلي من الحوار مع المسيحية والإسلام - مركز زايد للتنسيق والمتابعة.

(2)

الموقف اليهودي والإسرائيلي من الحوار مع المسيحية والإسلام - مركز زايد للتنسيق والمتابعة.

ص: 62

الأرض وقتل الناس بغير حق هؤلاء لا نضع أيدينا في أيديهم نحن مع الحوار ولكن الحوار لمن يستحق الحوار.

ويضيف الشيخ القرضاوي: ان يهود هذا العصر هم يهود عصر الرسالة يعني من ناحية العقيدة ومن ناحية الشريعة

ونحن الآن لا نتكلم من حيث عقيدتهم وشريعتهم لكن نتكلم من حيث المظالم التي ارتكبوها هذا هو سبب العداء بيننا وبينهم المعركة بيننا وبين اليهود ليست من أجل العقيدة بعض الناس يمكن ان يظن أننا نحارب اليهود من أجل عقيدتهم هذا خطأ نحن لا نحارب اليهود من أجل عقيدتهم نحارب اليهود من أجل الأرض التي اغتصبوها وشردوا أهلها من أجل أنهم احتلوا الأرض هذا هو سبب المعركة بيننا أما اليهود كيهود ليس بيننا وبينهم معركة (1).

وتخلص دراسة مركز زايد إلى القول: بخصوص الحوار مع اليهودية، فلا بد من التمييز الواضح بين الجانب المتعلق بالمعتقدات و القيم الدينية والجانب المتعلق بالتوظيف السياسي والأيديولوجي لهذه القيم و المعتقدات كما هو شأن الفكر الصهيوني الذي قامت عليه الدولة الإسرائيلية المغتصبة و العدوانية. و لئن كان الإسلام يعترف برسالة موسى و يعظم أنبياء بني إسرائيل، و يقترب من حيث أحكامه و تعاليمه من الشريعة اليهودية، فإن النصوص التلمودية و شروح الهالاخاه المعتمدة لدى المؤسسة الدينية اليهودية لا تزال مشبعة بالكراهية و الحقد على الديانة المسلمة و لا تزال رافضة الإعتراف برسالة الإسلام، و من ثم فإن أي حوار مطلوب بين الإسلام و اليهودية يتطلب أولا تصحيح هذا الخلل الخطير في التعامل مع الديانات الأخرى (2).

ويجب الاشارة هنا إلى ان كثير من المؤرخين يغرق عند مواجهتهم لادعاءات اليهود المعاصرين بحقهم في فلسطين في الانشغال بعلوم الآثار، وذكر الشعوب التي استوطنت أو حكمت أو مرت على فلسطين وكم حكم كل منها هذه الأرض

(1) علاقة المسلمين باليهود - الشيخ يوسف القرضاوي - برامج الشريعة والحياة - تقديم خذيجه بنت قنه - تاريخ النشر: الأربعاء 17 يناير 2007 قناة الجزيرة

(2)

الموقف اليهودي والإسرائيلي من الحوار مع المسيحية والإسلام - مركز زايد للتنسيق والمتابعة.

ص: 63

ليخرجوا في النهاية بنتيجة مؤداها ضآلة الفترة والمساحة التي حكم فيها اليهود عبر التاريخ مقارنة بالعرب والمسلمين، ورغم أن هذا الجانب مفيد في رد ادعاءات اليهود من النواحي التاريخية والعقلية المنطقية، إلا أن كثيراً من هؤلاء الكتاب والمؤرخين يقعون في خطأين كبيرين حسبما يظهر لنا:

- الأول: اعتبار تراث الأنبياء الذين أرسلوا إلى بني إسرائيل أو قادوهم تراثاً خاصاً باليهود فقط، وهذا ما يريده اليهود!!

- الثاني: الإساءة إلى سيرة عدد من أنبياء بني إسرائيل باستخدام الاستدلالات المستندة إلى توراة اليهود المحرفة نفسها، وهم عندما يستخدمونها فإنما يقصدون الإشارة إلى "السلوك المشين" لبني إسرائيل وقادتهم عندما حلوا في فلسطين، ليضعفوا من قيمة دولتهم ويبينوا انحطاط مستواهم الحضاري، ويدخل أصحاب هذا المنهج في الاستدلال بما ذكرته الإسرائيليات من اتهام للأنبياء بالغش والكذب والزنى واغتصاب الحقوق وقتل الأبرياء، في محاولات لإثبات قسوة ومكر ولؤم اليهود وتشويه صورة حكمهم ودولتهم في ذلك الزمان.

يضاف إلى ذلك امر مهم جداً وهو ان بعض الذين تصدوا للبحث في تاريخ بني اسرائيل قد اتوا على كل شئ في تاريخ اليهود نفياً والغاء، .. حيث تعرضت التوراة لنقد قاس من قبل عديد من الباحثين، وقد تراوح هذا النقد من ابداء ملاحظات مهمة حول مصداقية وقائع جاءت في التوراة أو القيمة الحقيقية لبعض الاسفار، إلى النفي الكامل لقدسية التوراة وصدق الديانه اليهودية. وتأتي خطورة الرؤية الاخيرة من انها لا تصطدم مع العقيدة اليهودية وحدها .. اذ ان النفي المطلق لليهودية انما يصطدم تماماً بالمسيحية والإسلام على السواء .. وعلى ذلك فإن نفي التوراة انما يعني ضمناً نفي الانجيل والقرآن معا (1).

وهنا يجب ان ننبه إلى ان القرآن الكريم كفانا مؤونة التعرف على أخلاق اليهود وفسادهم وإفسادهم، غير أن أنبياءهم وصالحيهم أمر آخر، فالأنبياء خير البشر، ولا ينبغي الإساءة إليهم والانجرار خلف الروايات الإسرائيلية المحرفة، التي لا تسيء للأنبياء فقط وإنما لله تبارك وتعالى. لقد حرف اليهود التوراة، وساروا على نهج

(1) ما بعد اسرائيل - بداية التوراة ونهاية الصهيونية - احمد المسلماني- ص 47

ص: 64

التوراة المحرفة في أخلاقهم وفسادهم وإفسادهم محتجين بما نسبوه إلى أنبيائهم كذباً وزوراً، ومن الواجب على المؤرخين وخصوصاً المسلمين ألا يندفعوا في استقرائهم لتاريخ فلسطين إلى اتهام أنبياء الله بما افتراه عليهم اليهود وذلك في سبيل إثبات حق الأقوام الأخرى في فلسطين (1).

ولكن قد يظن بعض المسلمين أنه إعمالاً لقاعدة المعاملة بالمثل، يعامل اليهود في البلاد العربية والاوربية بمثل ما يعاملون به المدنيين في فلسطين وهو القتل ومصادرة الاموال أو سلبها. واعتقد ان هذا تصرف لا يقبله الإسلام "لا تزر وازرة وزر اخرى"، ولكن من المؤسف ان بعض المسلمين اليوم تبنوا عدداً من صفات وخواص معاداة السامية الأوربية بعد أن تأسْلَمَتْ كراهية اليهود هذه، أي اتخذت طابعاً إسلامياً مدعوماً بخليط من نصوص معادية لليهود من المصادر الإسلامية، تلك النصوص التي لم يكن من أهمية لها ولا تأثير لها على معاملة المسلمين لليهود في القرون السابقة. ولكن بعد ظهور الصهيونية واسرائيل كان متوقعاً ان يعتم موقف العداء هذا على أي فهم متوازن لماضي الإسلام الحقيقي ومواقفه وسياسته المتسامحة المتساهلة تجاه اليهود والأقليات غير المسلمة الأخرى. كما ان هنالك عدد من اليهود من البلاد العربية الذين يعيشون الآن في إسرائيل استبدلوا ذاكرة القبول الإسلامي لليهود وفترة الانسجام الكبير في الماضي ببغض ومقت شديد ضد الإسلام في الوقت الحاضر.

ولهذا يجب أن تبذل الجهود في كل أنحاء العالم سواء في الشرق الأوسط أو أوربا أو أميركا من أجل تشجيع فهم أكثر توازناً للعلاقات اليهودية الإسلامية في القرون الوسطى وذلك بدعوة المسلمين واليهود من أجل استكشاف الثقافة المشتركة في الماضي (2). فهل يمكن لمتغيرات سياسية أن تخفف من حدة هذا العداء

(1) تاريخ فلسطين قبل الإسلام -وقفات مع تاريخ صراع الحق والباطل على أرض فلسطين

(2)

تعايش الأديان في الماضي: بقلم مارك كوهين، ترجمة كامل الزيادي-. نشر المقال باللغة الألمانية في صحيفة فرانكفورتر ألكمانية تسايتونغ بتاريخ 25.10.2003 - - موقع قنطره http://www.qantara.de/webcom/show_softlink.php?wc_c=339

ص: 65