الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البعض الآخر. لذلك وجب بدء العمل الصادق لاقامة الحوار الواجب انطلاقاً من قبول كل دين للدين الآخر والاعتراف له بحقه في الوجود والاعراب عن نفسه وحقائقه وايمانه. فعلى صخرة مثل هذه المبادئ وعلى ارضية متينه من الصراحة في التعامل والصدق في الأخذ والعطاء، يمكننا أن نبدأ دراستنا لمحاور الافتراق، دون ان نقع في محاذير التحيز والانحراف، والرياء والتقوقع، ومحاولة ذر الرماد في العيون والعقول (1).
الحوار بين الإسلام واليهودية
ربما يستغرب البعض طرح فكرة حوار بين الديانتين اليهودية والإسلامية في عصرنا الحاضر الذى يشهد صراعاً مريراً بين اتباع الديانتين من منطلقات ايديلوجيه ربما يرى البعض انها بعيده عن الدين، حيث كانت ارض فلسطين ملتقى هذا الصراع بين اسرائيل وحلفائها من ناحية والدول العربية والإسلامية من ناحية اخرى. وبالتأكيد فإن هذا الصراع زاد من الجفاء والبعد بين اتباع الديانتين السماويتين ولم يعد بالامكان البحث عن نقاط الالتقاء والتقارب والبحث عن الاصل المشترك لهاتين الديانتين ومحاوله الالتقاء عند قواسم مشتركه ربما ستساهم في وضع حد لهذا التدهور والحرب المستعره في المنطقة منذ زمن بعيد، والاهم انها يمكن ان تكون خطوه مهمه في ايقاف استغلال الصهيونية والاصوليون المسيحيون لهذه القضيه لتنفيذ مخططاتهم العدمية في المنطقة والعالم.
وكما اتضح لنا في السابق فان التاريخ الإسلامي كما تعامل مع الديانه المسيحية والمسيحيين بتسامح وانصاف وحفظ لهم حقوقهم الدينيه والمدنية في ظل الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول (ص) وحتى بداية انهيار الدولة الإسلامية، فقد كان الحال كذلك مع اليهود حيث عاشوا في امن وسلام خلال فترات الحكم الإسلامى ولم يتعرضوا للاضطهاد والمضايقه كما حدث معهم في اوروبا بل وصل العديد منهم إلى مناصب عليا في الدوله الإسلامية واسهموا في تطورها وازدهارها وكانت لهم الملاذ الامين من بطش الاوربيين قديماً وحتى وقت قريب. وهنا ينبه
(1) محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام - غسان سليم سالم- ص198 - 190 - دار الطليعة -بيروت - ط1 2004
المؤرخ (رابوبور) إلى " أنه بعد فتح فلسطين على يد المسلمين فقد تحسن وضع اليهود على نحو ملموس وزاد نشاطهم الثقافي. ومع عهد الخلفاء المسلمين استطاعت أكاديمية طبريا أن تنتقل إلى القدس لتصبح مركز اشعاع ثقافي: فلقد جرى فيها تثبيت النصوص العبرانية للعهد القديم. وفي فلسطين تم آنذاك تأليف أجمل تراتيل الصلوات الدينية اليهودية. ولم يتعرض اليهود والمسيحيون في ارض الإسلام إلى اضطهادات ومذابح كتلك المذابح الضخمة التى جرت في الغرب ومنها المذابح الدموية العارمة ابان احتلال الصليبيين للقدس (1).
واذا كان الحال كذلك فلابد لنا من البحث عن الخلل الذى حدث لهذه العلاقه وهو بالتأكيد كان بسبب الهجمه الصليبيه الصهيونية الحديثه في عصرنا الحاضر، مما يعنى اننا يجب ان نبدأ بمحاولات للحوار مع اتباع الديانه اليهودية انطلاقاً مما ورد في ديننا الإسلامى عسى ان يساهم ذلك في اعادة بعض اليهود إلى الصواب ويعرفهم بحقيقة ديننا الإسلامى الذى يعتبر اليهودية ديانه سماوية وكيف اننا كمسلمين نجل ونقدر الانبياء جميعاً ولا نفرق بين احداً منهم، حيث يعتبر الباحثون في علم الأديان، ان الرسالات الثلاث: الموسوية- اليهودية والمسيحية- النصرانية والإسلام هي، في الواقع، متصلة بعضها بالبعض الآخر: زمنياً وتاريخياً وتسلسلياً، وجفرافياً ومناطقياً واقليمياً، عقيدة ومبادئ وتعاليم. فهي تلتقي في كثير من الشؤون والمجالات، والمبادئ والتعاليم. ويؤكد معظم الباحثين انها حلقات ثلاث في عقد واحد فريد. ومن اجل ذلك، وفي سبيل الموضوعية العلمية، لا يستطيع الباحث الجدي ان يلج عالم المسيحية والإسلام، دون الانطلاق - ولو بايجاز - من الدين اليهودي لان الولوج إلى دائرة: الكتاب المقدس من جهة، والقرآن المجيد من جهة اخرى لا يمكن ان يكون متكاملاً، متيناً وعميقاً، اذ لم يتطرق الباحث فيه إلى التوحيد الابراهيمي الذي بدأ - زمنياً وتاريخياً- مع خليل الرحمن ابراهيم المطيع لله ومع ابنيه اسماعيل واسحق ثم مع حفيده يعقوب والاسباط ابناء يعقوب. ذلك ان عقد
(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص126
التوحيد الفريد القيم: بدأ حلقة، حلقة، ودرة، درة .. إلى ان انتهى برسالة القرآن ودعوة محمد، الرسول العربي (1).
وكما اسلفنا فقد حرص الرسول الكريم على دعوة اليهود للدين الإسلامي وحاورهم وجادلهم وفي بداية الفترة المدنية بعد الهجرة إلى مكه عقد الرسول (ص) حلفاً ومعاهدة مع اليهود تجسد في دستور المدينة لينظم العلاقة بين الامة المسلمة الناشة باليهود ضمن دولة مدنية قائمة على التنوع تجسيدا موضوعيا للرؤية القرآنية للتنوع الديني. فمن بنود هذا الدستور الذي تتجاوز بنوده الخمسين: لليهود دينهم و للمسلمين دينهم
…
و من تبعنا من يهود فإن لهم النصر و الأسوة، غير مظلومين و لا متناصر عليهم
…
و أن بطانة يهود و مواليهم كأنفسهم .. و أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، و على اليهود نفقتهم، و على المسلمين نفقتهم، و أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة
…
و أن بينهم النصح و النصيحة و البر المحض من أهل هذه الصحيفة دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ".
ومن الواضح من هذه المعاهدة التي تكرس تحالفا متينا بين المسلمين و اليهود انها تقوم على المساواة المطلقة و حقوق المواطنة المتماثلة - لإن إختلاف الدين لم يكن له أثر في طبيعة العلاقة بين المجموعتين المتعايشتين، و لم ينحل العقد إلا بغدر قبائل يهود المدينة التي إختارت الإنحياز للخط المناوي للمسلمين (2) واصرت على موقفها من الدعوة الجديدة ووقفت موقفاً عدائياً من الإسلام والمسلمين منذ ظهور الإسلام، وتآمرت مع المشركين لاخفاء نور الإسلام وسحق دعوته، ولهذا فقد اضطر الرسول صلى الله عليه وسلم ان يعاملهم بالمثل فحاربهم، وعاهدهم، ولكنهم خانوا، وخدعوا فتم اجلاؤهم عن الجزيرة العربية، ليس لانهم يهود، بل لخياناتهم. وبعد ان انتصر الإسلام على المشركين، وعلى اليهود، وتمت له السيطرة اصبح اليهود، شأنهم شأن النصارى، يعاملون معاملة طبيعية كمواطنين، ما لم يخرجوا على النظام، ويمتنعوا عن القيام بواجباتهم
(1) محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام - غسان سليم سالم- ص 76 - دار الطليعة -بيروت - ط1 2004
(2)
الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي.
المفروضة عليهم. فحقوقهم محفوظة طالما أدوا واجباتهم. وهذا لا ينطبق عليهم وحدهم كأصحاب دين مغاير، بل ينطبق على المسلمين ايضاً الذين يخرجون على النظام ويخالفون القوانين والانظمة التي ارساها الإسلام. ومما يؤكد ذلك ان الرسول (ص) عامل اليهود بعد غزوة خيبر بروح التسامح حتى انه اوصى عامله معاذ بن جبل (بأن لا يفتن اليهود عن يهوديتهم)(1).
وعندما دخل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس عام 638 م، منح أهل القدس وبطريركها سافرونيوس عهداً بالسلم والحماية صار يعرف بعهد عمر أو بميثاق عمر بالإضافة إلى ذلك، ولتأكيد حماية الأماكن المقدسة للنصارى واليهود والعناية بها، عهد عمر بحماية كل مكانٍ من الأمكنة المقدسة الرئيسية، والعناية به، إلى أسرةٍ مسلمة مختلفة (2). وعلى هذا النحو عومل يهود البحرين اذ لم يكلفوا الا دفع الجزية وبقوا متمسكين بدين آبائهم (3). ونتيجة هذه المعاملة كما يذهب د. اسرائيل ولفستون فقد كان اليهود في اغلب مدن العراق يخرجون لاستقبال جيوش المسلمين بالحفاوة والاكرام لانهم كانوا يؤثرونهم على غيرهم اذ يرون فيهم قوماً يؤمنون باله موسى وابراهيم. وقد ازدادت هذه الروابط متنه مع امتداد الزمن حتى دخل اليهود في جيوش المسلمين ليناضلوا معهم في اقاليم الاندلس (4).
وهكذا فإن معاملة اليهود في ظل الحكم الإسلامي عبر التاريخ، لم تكن وليدة صدفة، ولا مجرد كرم اخلاقي من الحكام المسلمين، وانما كان ذلك بسبب العقيدة الإسلامية التي تلزم اصحابها حكاماً ومحكومين، بحماية اصحاب الديانات الاخرى، ومعاملتهم كمواطنين لهم حقوقهم التي لا يجوز المساس بها ولهم احترامهم كأصحاب ديانات سماوية يعترف بها الإسلام ويعترف برسلهم "آمن الرسول بما انزل
(1) تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام - د. اسرائيل ولفنستون -ص 207 أو فتوح البلدان للبلاذري ص 71
(2)
حان وقت إنقاذ الإسلام من المحاكم الطالبانية في مقديشو- بشير غوث- arabic.tharwaproject.com/node/894
(3)
تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام - د. اسرائيل ولفنستون -ص 207 أو فتوح البلدان للبلاذري ص 78
(4)
تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام - د. اسرائيل ولفنستون -ص 11 - مكتبة النافذة - الطبعة الأولى 2006
اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله".
فالإسلام ينظر إلى اليهود باعتبارهم أهل كتاب سماوي وأهل دين سماوي هم مع المسيحيين ولهم أحكام خاصة في الإسلام دون غيرهم من الناس فلهم حق المؤاكلة نأكل من ذبائحهم ونتزوج من نساءهم (وطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُم) فالإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية. ما معنى أنه يتزوج يهودية أو نصرانية يعني تصبح هذه ربة بيته وشريكة حياته وموضع سره وأم أولاده. فهناك رابطتان طبيعيتان رابطة النسب والدم ورابطة المصاهرة، وحينما يتزوج الإنسان يضيف إلى عائلته عائلة أخرى عن طريق المصاهرة ويصبح أبو الزوجة جد أولاده أمها جدة أولاده إخوانها أخوال أولادها أخواتها خالات أولاده وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى فينشأ هذه اللحمة كلحمة النسب.
وبالرغم من ان الكتب المقدسة الموجودة الآن تعتبر من وجهة نظر الإسلام كتب محرفة، وليست كما نزلت على موسى وعيسى عليهما السلام، الا ان ذلك لم يمنع الإسلام بالزام المسلمين باحترام المؤمنين بها وحماية كنائسهم، واتاحة الفرصة لهم للتمتع بممارسة عباداتهم بالشكل الذي يعتقدونه. كما والزم الإسلام المسلمين بحماية حقوق غير المسلمين، ليس فقط بحرية العبادة، بل بحرية العمل والتملك، والحياة الحرة الكريمة، واعتبر الإسلام ان الاعتداء على احد من هؤلاء هو خروج على التعاليم الإسلامية، ما داموا يؤدون واجابتهم والتزاماتهم، ويؤدون الطاعة اللازمة، ولا يخرجون على النظام العام والقوانين والانظمة التي حددها الإسلام للمسلمين وغير المسلمين.