الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باراك اوباما سيكون بالتأكيد رئيساً مختلفاً في التاريخ الاميركي بوصوله إلى البيت الابيض. غير انه لن يختلف عن اي رئيس اميركي سابق منذ قيام دولة اسرائيل، من حيث ايمانه بـ"الوعد الابدي" للشراكة بين اسرائيل واميركا والذي يبقى السمفونية المكررة التي يعزفها كل الطامحين للوصول إلى جنة الرئاسة الاميركية ويكون شهودها ومستمعوها عرابو الشراكة الاميركية - الاسرائيلية وصناع السياسة الخارجية الذين لا يقبلون شريكاً إلا إذا اتقن العزف في محاريب المنظمات اليهودية الاميركية وعلى رأسها ايباك التي وقفت وصفقت بقضها وقضيضها لهذا المرشح المقبل على البيت الابيض فوق اجنحة التغيير الذي يدغدغ احلام الملايين من الاميركيين.
خطاب أوباما في جامعة القاهرة
لقد وعد اوباما ناخبية بالتغيير ووعد العالم بالامل بعالم افضل، ومنذ رئاسته وهو يعمل جاهداً لتغيير صورة أمريكا في الداخل والخارج على الاقل ليفى بوعوده الانتخابية. لقد جاء اوباما إلى منطقتنا العربية وزار عدد من الدول العربية والإسلامية لاصلاح وترميم الدمار الذى خلفته سياسات بوش العدوانية والمتعصبه، والقى خطاب هام في جامعة القاهرة المصرية حظي بتغطية اعلامية كبيره وضح رؤيته تجاه المنطقة، حيث اختلف المحللون والناس العاديون حول هذا الخطاب واهميتة بين مرحب ومتحفظ ومشكك.
في كتابه جرأة الأمل اعتبر أوباما أن الوظيفة الأساسية للسياسة هي ترجمة مشاعر الخير الكامنة في الإنسان إلى واقع، ويبدو أنه يتمتع بما يكفي من الجرأة لتطبيق هذا المبدأ في السياسة على الجهود الأمريكية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولاشك أن خطابه الذي ألقاه بالقاهرة كان مناسبة أخرى لإيصال رسالة واضحة إلى العالم الإسلامي يعزز فيها العلاقات بين أمريكا والمسلمين، ويدعم بها فرص السلام في منطقة تحفل بالاضطرابات، لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل الذي استمر طويلاً بسبب السياسات الأمريكية السابقة في المنطقة البعيدة جداً عن تلك المبادي الخيرة التي تحدث عنها أوباما في
كتابه والتي يسعى على ما يبدو إلى إعادة العمل بها من خلال خطابه بالقاهرة. ولكن هل بالفعل كان خطابه جرأة أمل أم إثارة الدهشة أم الخديعة ..
على كل الاحول فإن البحث في ثنايا الخطاب ستكشف سلبيات وتناقضات عديدة في مضمونه، برغم لغته البراقة وأسلوبه الأخاذ كما يرى البعض، الا أن الخطاب في مجمله متوازن وفيه رؤية واضحة وفيه مقاربة جديدة فيما يتعلق بالعلاقة مع الدول الإسلامية ومنها قضية حوار الحضارات والقضية الفلسطينية، إذا ما قورن بخطابات ومواقف الرؤساء الأمريكيون السابقون التى كانت تعتبر خطابات معادية ومنحازة لإسرائيل، ولا فائدة من متابعتها. هذا الخطاب بالذات، كان له وقعه الواضح، وامتاز بلغة اميركية جديدة ففي جميع القضايا التي تشغل العالمين العربي والإسلامي، كان أوباما صريحاً وواضحاً، وقد سعى منذ بداية خطابه إلى إيصال رسالة مفادها "أنا أفهمكم جيداً"، لهذا بدأ خطابه بالتركيز على مساهمة الحضارة الإسلامية تاريخياً بتطور العلوم والرياضيات والطب وعلوم الإبحار، واستخدم تاريخه الشخصي كابن لعائلة كينية، أعداد كبيرة منها مسلمة، مذكرا بأنه كان يستمع إلى الأذان صباح كل يوم في اندونيسيا حيث امضى جزءا من طفولته. واستخدم أوباما العديد من الآيات القرآنية للتدليل على فهمه للإسلام والمسلمين.
وباستعراض ما قاله بشان القضايا التي جعلت الشعوب العربية والإسلامية تنظر للولايات المتحدة كعدو، نجد أن أوباما قد حاول بكثير من الوضوح "تفكيك" هذه الخصومة وتحويلها إلى نوع من شراكة محتملة وممكنة.
فيما يتعلق بأفغانستان وباكستان فإن أميركا لن تهادن، ولن تتراجع في الحرب التي تشنها على القاعدة وحلفائها. أوباما يرى الحرب مشروعة وضرورية وعادلة لمعاقبة من تسبب بمقتل الآلاف من الأميركيين في الحادي عشر من سبتمبر، ولن تكون هنالك مساومة على ذلك إلى أن يتم عزل القاعدة ومحاصرتها والقضاء عليها.
أما ما يتعلق بالعراق، فقد كان أوباما من أوائل المناهضين للحرب على العراق عام 2003. وعندما تحدث أمام جماهير الحزب الديمقراطي في مؤتمر بوسطن، أشاد بالجنود الأمريكيين الذين يخدمون في العراق، وقال إنه يجب إعطاء عائلات الجنود الذين يقتلون في العراق المزيد من الدعم المالي. لهذا فقد اقترب أوباما
كثيراً جداً من الاعتذار دون ان يقول ذلك صراحة. لكن كلماته كانت اعتذارية. هي "حرب لم تفرض علينا"، "اختيارية"، "انقسم الأميركون والعالم معهم بشأنها"، مضيفاً وهذا هو الأهم، "سنغادر العراق بأسرع وقت ممكن، ولن تكون لنا قواعد عسكرية فيه"، موضحاً بأن ذلك ينتهي العام 2012.
اما بالنسبة لفلسطين القضية المركزية للامه العربية والإسلامية، والتى بدون حلها لن تنعم المنطقة بالاستقرار، فقد كانت مقاربتة الجديدة التي طرحها اوباما تتعامل بالتزام وتوازن، فالكلمات المستخدمة شديدة الدلالة على تفهمه لما عاناه ويعانيه الفلسطينيون، وعلى جدية إدارته والتزامه الشخصي بطي هذا الملف بإنجاز تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل وفق مبدأ الدولتين. لأول مرة نستمع إلى رئيس أميركي يتحدث عن الصراع الذي بدأ منذ قيام إسرائيل وليس منذ عدوانها على العرب العام 1967، مستخدماً في وصفة لمعاناة اللاجئين تعبيراً يعني اعترافاً بأنهم "انتزعوا من أرضهم بالقوة"، وبأنهم يعيشون في حالة من الذل تحت الاحتلال، وان هذا الوضع لا يمكن التسامح معه، وأن أميركا ستقف مع حق الفلسطينيين بالكرامة والدولة ولن تدير ظهرها لهم. تأكيد أوباما بأن الاستيطان غير شرعي ـ مهم هنا وهو تطور في طريقة النظر لمسألة الاستيطان، لأن الدارج سابقاً لدى السياسيين الأميركيين أن يقولوا إنه "عقبة في طريق السلام" بينما المسألة هي عدم شرعية هذا الاستيطان وضرورة إزالته لتعارضه من القانون الدولي. ومن المهم أيضا ملاحظة أن أوباما يرفض استمرار محاصرة غزة "فالأزمة الانسانية في غزة لا تجلب الأمن للإسرائيليين وتدمر حياة الفلسطينيين".
وفي خطابه كرر أوباما حديثه عن علاقة أميركا بإسرائيل "غير القابلة للكسر" وعن معاناة "الشعب اليهودي التاريخية" وعن حقهم تبعاً لهذه المعاناة بدولة خاصة بهم، فقال: إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه.
وهذا الدعم والتعاطف الكامل مع اسرائيل لا يقلل بأي حال من تعاطفه وتفهمه لمعاناة الفلسطينيين. والواقع أن أوباما قد أرسل منذ توليه الرئاسة رسائل
واضحة بشأن ذلك. فالتعاطف مع اسرائيل قائم في ادارة اوباما، ولكنه ليس أعمى. العهد الذي كان بوسعنا فيه ان نشد الحبل وان نسوف الوقت بلغ منتهاه، كما عبر عن ذلك احد الكتاب اليهود.
لقد كان الخطاب المشحون بالعاطفة الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من على مدرج جامعة القاهرة، عظة دينية وجدانية، تخاطب القلب أكثر مما تخاطب العقل، ويمكن اعتباره خطاباً تاريخياً على المستوى التقني لخطابات زعماء الدول من حيث الشكل وبلاغة الخطيب المعروف بأنه متحدث مفوه لا يشق له غبار. وقد يكون أفلح في هذا، وكان له ما أراد، وتأكد هذا من خلال الاستجابات العاطفية التي كان يتلقاها، مع كل آية قرآنية، أو حديث نبوي كان يتلوه، وهو ينظر من دون تركيز، على الأثر الانفجاري الطاغي الذي كانت كلماته تتركه في نفوس مستمعيه. وهنا لن ننكر عليه قدراته البلاغية والخطابية المميزة التي أنتجت تلك الملحمة الخطابية التاريخية غير المسبوقة.
ولكن حين نضع خطاب اوباما تحت مجهر النقد والتمحيص، فإن الأمر سيبدو غير ذلك بالتأكيد، وعلى درجة حادة من الفروقات والاختلاف الكبير، وفيه من المغالطات، ومجافاة الواقع، الشيء، الكثير. فعلى صعيد الأفكار والنموذج المعرفي الذي يستند إليه اوباما ويستمد منه لغته فان الأمر يختلف حتماً، إذ يظهر التشريح أن الخطاب الذي غلبت عليه اللغة التصالحية والنظرة الواقعية والاستشهاد الديني بدا عاجزاً عن تقديم حلول مقنعة لمشاكل مستعصية وعمد اوباما إلى الهروب من التفاصيل إلى العموميات التي لا تلزمه بأي وعود تجاه أي طرف من الأطراف، كالوعود الانتخابية الكثيرة التي يحاول أوباما الوفاء بها الوعد تلو الآخر مما يترك له هامشاً واسعاً من المناورة في المستقبل.
فالخطاب ليس برنامجاً عاماً وعملياً، غايته أن يعالج ويتصدى لجملة من أزمات ومشاكل سياسية، واجتماعية تهم الشارع العام. لقد كانت الغاية الأولى والأخيرة من هذه الخطبة، بالضبط، هي تهدئة روع المسلمين الساخطين على سياسات الإدارة الأمريكية السابقة الاستفزازية مع فريق المحافظين الجدد، والذين لم يتركوا وراءهم أي أثر أو مثقال ذرة يمكن أن يترحم الناس من خلالها عليهم، أو يستذكرونهم بأي قدر من الخير.
لغة الخطاب واعدة وتصالحية ومختلفة عن خطابات الإدارة السابقة خاصة من جهة السعي لتحسين خطاب العلاقات مع العالم الإسلامي، ولكنه أيضاً يصب في مصلحة أمريكا وموقعها في العالم خاصة الإسلامي، ويمكن اعتباره أسساً ومنطلقاً لتغيير مسار العلاقات الاميركية - العربية والإسلامية عموماً. وهنالك من الأسس التي وردت في الخطاب، يمكن الاعتماد عليها لتأسيس شبكة علاقات من نوع جديد، فيما لو أُحسن استخدامها عربياً وأميركياً على نحو صحيح. باختصار، خطاب أوباما هو خطاب القطيعة مع سياسات بوش، وهو يعبر عن سياسة جديدة، إيجابية وتدعو للتفاؤل بأن العلاقات العربية ــ الأميركية، والإسلامية ــ الأميركية يمكن إصلاحها، تقويتها وتطويرها، ويتوقف ذلك على تحويل "هذا الكلام الجميل" إلى مشروع عمل وأفعال تؤدي إلى نتائج يمكن قياسها.
ولكن الخوف كل الخوف من اتباع التيار المحافظ والعنصريون البيض الذين لن يتركوه يعمل على هواه بالرغم من هزيمتهم النكراء، بل انهم بدأوا يلملمون شملهم بقيادة احد صقورهم نائب الرئيس السابق ديك تشينى وبدأو ينتقدون سياساته المنفتحه على العالم، وشنوا عليه حمله جعلته يتراجع عن بعض وعوده أو يؤجلها، وهاجموا لغته التصالحية مع العالم الإسلامى واعتبروها مساس بكرامة أمريكا وهيبتها، بل اعتبرها بعضهم اذلال لها.
من هنا فاننى اعتقتد ان مرحلة اوباما ستكون مرحله انتقالية حرجه وصعبه يتم خلالها ترتيب البيت الامريكى الداخلى واصلاح ما افسدته فترة بوش خارجياً وداخلياً والخروج من الازمة المالية التى يعاني منها الاقتصاد الامريكى، مع عدم تمكين اوباما من احداث تغيير جوهرى في السياسة الأمريكية، وهنا فاننى لا اقلل من قيمة الافكار والرؤى التى يحملها اوباما لأمريكا والعالم، بل اقلل من احتمال نجاحه في تطبيقها على ارض الواقع. ولا استبعد ان يتم ازاحة اوباما عن الحكم بالقوة (وذلك بسبب اصوله الملونه وخلفيته الدينية والثقافية التى تتعارض مع فكر وقيم الغالبية المسيطرة) اى من خلال اغتياله وهذا امر غير مستبعد من العنصريين البروتستانت، الذين اعدوا خطط لاغتيال اوباما خلال فترة ترشحه للانتخابات، وثم القاء القبض على المخططين كما ذكرت محطة CNN، ونقلت اذاعة "سوا" عن "جيمس ثيربر" أْستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في واشنطن قوله ان الجميع