الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى في {كذبت قوم نوح المرسلين} ، {كذبت عاد المرسلين} ، {كذبت ثمود المرسلين} ، {كذبت قوم لوط المرسلين} ، {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} (1). فقد اعتبر الإسلام أنبياء الماضي وعقلاءه وحكماءه أنبياءه وعقلاءه وحكماءه. وجعل من خير الماضي وصلاحه خيره وصلاحه. ووجد ذلك تعبيره المكثف في الحديث القائل بان خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام (2).
اليهود والنصارى في القرآن والسنة
من الجلي أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن اليهودية والمسيحية لا يتحدث عن ديانات غريبة، بل يعتبرها تعبيرات مختلفة عن نفس الدين الإلهي الذي هو الإسلام من حيث هو تسليم لله و توحيد له، و لذا أطلق صفة المسلم على النبي إبراهيم، عليه السلام، و إعتبر مختلف أنبياء التوحيد مسلمين. فالفرق بين الإسلام و الديانتين الإبراهيميتين الأخريتين لا يتعلق بطبيعة العقيدة أو القيم أو الرؤية، بل في بعض الجزئيات التي إقتضتها تحولات الزمن و إعتبارات التاريخ. فالإسلام هو دين إكتمال المسار الإبراهيمي، و بذا كان لا بد أن يتسم بالمرونة و الإنفتاح و اليسر ليستوعب إختلاف السياقات المكانية و الزمانية. فهو، لهذا السبب، دين يقوم على إحترام الإختلاف و التعددية و قبول حرية الرأي و العقيدة (3). وقد ورد في القرآن عدد كبير من الآيات التي تأمر المسلمين بمعاملة أهل الكتاب (النصارى واليهود) أحسن معاملة وكان عنوان التعاون معهم في المجتمع الإسلامي على اساس القاعدة العامة التي رآها الفقهاء:(لهم ما لنا ـ وعليهم ما علينا)(4). فقال الله تعالى في سورة الممتحنة، آية 8:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين". كما قال تعالى في
(1) تاريخ فلسطين قبل الإسلام -وقفات مع تاريخ صراع الحق والباطل على أرض فلسطين
(2)
الصورة والمعنى في الصراع العربي - اليهودي- د. ميثم الجنابي - مجلة المؤتمر عدد 1174 - 14 - آب-2006
http://www.inciraq.com/Al-Mutamar/2006/1101_1200/1174/060814_1174_5.htm
(3)
الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي.
(4)
السيد سابق / فقه السنة ـ المجلد الثاني، ص622، دار الكاتب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1969 م
سورة العنكبوت آية 46: "ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم".
فالنصوص الإسلامية إختطت إطارا دقيقا للتعامل مع أهل الكتاب أساسه البر و التودد لمن يسالم المسلمين و لا يعتدي عليهم: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم إن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون "(سورة الممتحنة آيه 8). فالتمييز هنا واضح وصريح بين المعتدي و المحارب والمهادن المسالم، والأصل في علاقة المسلم بأخيه اليهودي والمسيحي هو التعاطف والتعاون، ويحذر القرآن الكريم من التعميم الخاطئ المتمثل في الحكم على أهل ديانة ما بسلوك بعض المنتمين إليها:" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون. يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين. و ما يفعلوا من خير فلن يكفروه و الله عليم بالمتقين "(سورة آل عمران) و قد طبّق الرسول، صلى الله عليه و سلم، و خلفاؤه الراشدون هذه التعاليم الربانية أحسن تطبيق، و تمثلوها في علاقاتهم بالأقوام والملل الذين تعاملوا معهم في مراحل تأسيس الدولة الإسلامية وخلال عهود توسعها (1).
وقد امتدح القرآن الصالحين من اهل الكتاب كما يمتدح غيرهم من المؤمنين فقال الله تعالى في سورة آل عمران آية 75: "ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك" وقوله تعالى: "يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين".
ويبين لنا التاريخ أنه عندما بلغ نبأ موت النجاشي للرسول (ص) استدار إلى جمع المصلين وقال لهم: "لقد مات اليوم أحد الصالحين. إذاً، فانهضوا وصلّوا من أجل أخيكم"؛ ثم أمَّهم للصلاة. ويرى بعض المسلمين أن النجاشي قد اعتنق الإسلام سراً، إذ أنهم لا يستطيعون قبول فكرة صلاة النبي محمد على روح شخص غير مسلم، لكن الخبراء بتاريخ الإسلام يقولون أن النبي صلّى عليه لكونه مسيحياً صالحاً قام
(1) الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي
أيضاً بحماية مريديه من الاضطهاد على أيدي القبائل غير المسلمة في أول عهد الإسلام. وهناك عشرات الاحاديث النبوية التي تدعو المسلمون لمعاملة اهل الكتاب من اليهود والنصارى احسن معاملة، وقد حرم على المسلمين ايذاءهم أو الاعتداء على املاكهم، أو معابدهم، أو اكل حقوقهم. وكل عهد يعطي لغير المسلمين من النصارى واليهود، عهد يستوجب التنفيذ حسب الشريعة الإسلامية، وقد عاهد الخلفاء المسلمون النصارى واليهود على كثير من الامور بعد انتهاء الحرب، فتضمنت عهودهم (حمايتهم، والحفاظ على حريتهم الشخصية والدينية، وإقامة العدل بينهم والانتصاف من الظالم)(1). وجاء في الحديث (من ظلم معاهداً، أو كلفه فوق طاقته فانا حجيجه)(2). ولهذا قرر الإسلام المساواة بين الذميين والمسلمين. فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وكفل لهم حريتهم الدينية، وذلك بعدم إكراه احد منهم على ترك دينه. قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 256 {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} . ومن حق اهل الكتاب ان يمارسوا شعائر دينهم فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب، يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه (اتركوهم وما يدينون). بل من حق زوجة المسلم (اليهودية والنصرانية) ان تذهب إلى الكنيسة أو المعبد، ولا يحق لزوجها في منعها من ذلك.
فإحترام ما تقرره الأديان والعقائد هذا من الأسس الأولى لا نتدخل في شؤونهم حتى أن الإسلام بلغ من التسامح ذروة أنه لا يفرض عليهم الأشياء التي يحرمها الإسلام إذا كانت مباحة عندهم
…
مثل أكل الخنزير وشرب الخمر، الخمر أم الخبائث عند المسلمين ومن الكبائر والموبقات ولكن الإسلام يقول للذمي: مادام دينك أباحها لا نحرمها وكل ما في الأمر لا تروجها عند مسلم. ويعتبر الخمر والخنزير في مذهب الإمام أبي حنيفة مالا متقوما من أتلف خمرا لذمي يهودي أو نصراني عليه أن يغرم ثمنها. وفي أيام دخول التتار إلى دمشق أسروا ناس من المسلمين ومن اليهود ومن المسيحيين وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومعه جماعة من علماء المسلمين عند هولاكو يطلبون منه فك الأسرى فقالوا له سنطلق لك سراح
(1) - السيد سابق / المصدر السابق - ص 669
(2)
السيد سابق / المصدر السابق، ص668.