الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في أقسام الحديث
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في الصحيح
الصَّحِيحُ: هو ما اتَّصل سَنَدُه بِنَقل العَدل الضَّابط عن مثله، وسَلِم من شُذُوذ وعِلَّة، وفي هذه الأوصاف احترازٌ عن الحَسَنِ والضَّعِيف، فقوله ما اتَّصل سنده احتراز عن المُنقَطِع، وهو الذي لم يتصل إسناده على أي وجه كان، وقوله بنقل العدل، احتراز عَمَّن هو مَستُور العدالة، أو فيه نوع جرح ونعني بالضابط، من يكون حافظًا متيقظًا، غير مُغفَّلٍ ولا ساهٍ ولا شاك في حالتي التَّحمُل والأداء، فإنَّ النَّاقل إذا كان فيه نَوْعُ قُصُورٍ عن درجة الإتقان، دخل حديثه في حدِّ الحسن، وإذا نزلت درجته عن ذلك ضَعُفَ حَدِيثُهُ.
وقوله وسَلِم من شُذُوذٍ، احتراز عن الشَّاذ، وهو الذي يَرويه الثِّقةُ، لكن يُخَالِف ما روى الناس، وقولُه وعِلَّة؛ أي سَلِمَ عمَّا فيه أسباب خفية غامضة قادحة، فإن قيل هذا القّيْد مُستدرَك لأنه لا يَخفَى على الضَّابط الحازِم مِثل تلك القادحة، يقال: الصَّارم قد يَنبُو، والحَازِم قَد يَسهُو، فما اجتمع فيه هذه
القُيُود حُكِم بصحته، وما افتُقِد فيه قيدٌ منها، خرج عن أن يكون صحيحًا وإذا قيل في حديث، إنه صحيح فمعناه ما ذكرنا، ولا يلزم أن يكون مقطوعًا به في نفس الأمر، وكذا إذا قيل إنه غير صحيح، فمعناه أنه لم يصح إسناده على الوجه المُعتبَر، لا أنه كَذِبٌ في نفس الأمر، وتَتَفاوت درجات الصحيح بحسب قوة شروطه.
وأولُ من صنَّف في الصحيح المجرَّد الإمام البُخَاري، ثم مُسلِمٌ، وكتابهما أصحُ الكُتُبِ بعد كتابِ الله العزيز، وأما قول الشَّافعي رضي الله عنه: ما أعلم شيئًا بعد كتاب الله تعالى أصحُ من مُوطَّأ مالك، فَقَبْل وجود الكتابين ثم البخاري أصحهما صَحيِحًا عند الجمهور، وفي الجامع قال البخاري خرَّجتُ كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه حَدِيثًا إلا صَلَّيتُ رَكعَتَين (1).
وأعلى أقسام الصحيح: ما اتَّفَقَا عليه، ثم ما انفرد به البُخَاري، ثم ما انفَرَد به مسلم، ثم ما هو على شرطِهِما وإن لم يَخَرِّجَاه، ثم على شرط البخاري ثم على شرط مسلم، ثم ما صَحَّحَه غيرُهما من الأئمة، فهذه سبعة أقسام.
قال ابن الصلاح (2): وأما ما حُذِف سَنَدُهُ أو بَعضُهُ فيهما، وهو كثير في تراجم البخاري، قليل جِدًا في صحيح مسلم، كقوله في التيمم وروى
(1) ينظر تاريخ بغداد (2/ 327).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 167).
الليث بن سعد (1).
فما كان بصيغة الجَزْمِ، مِثل: قال فلان، وفَعَل، وأَمَر وَرَوَى وذَكَر مَعروفًا فهو حُكمٌ بصحته، وما ليس بصيغة الجزم مثل: رُوي عن فلان وذُكِر وحُكِى وقيِل مَجهولاً، فليس حُكمًا بصحته، ولكن إيراده في كتاب الصحيح مُشْعِرٌ بصحة أصله.
قال الحاكم أبو عبد الله في المدخل (2): الصحيح من الحديث عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها.
فالأول من المُتَّفق عليه: اختيار البخاري ومسلم، وهو الدرجة الأولى وهو أن لا يذكر إلا ما رواه الصحابي المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعي مشهور، وله أيضا راويان ثقتان فأكثر، ثم كذلك في كل درجة.
قال الشيخ محيي الدِّين (3): ليس ذلك من شرط البخاري ومسلم لإخراجهما حديث المسيَّب في وفاة أبي طالب، ولم يرو عنه غير ابنه
…
وإخراج البخاري حديث عمرو بن تغلب "إِنِّي لأُعطِي الرَّجَلَ والَّذيِ أَدَعُ أَحَبُّ إِليَّ"، ولم يرو عنه غير الحسن، وحديث قيس بن أبي (4) حازم عن مِرْدَاس بن
(1) صحيح مسلم (369).
(2)
ينظر تدريب الراوي (1/ 198).
(3)
التقريب مع التدريب (2/ 317).
(4)
قوله أبي ليس في (ز) وأثبتناه من (د)، ولقيس بن أبي حازم ترجمة في تهذيب الكمال (24/ 10)، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (6510).
الأسلم "يَذْهَبُ الصَّالِحُون" الحديث، لم يرو عنه غير قيس ونظائرها في الصحيحين كثيرة، منها حديث "إِنَمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ".
[وقال أبو حاتم بن حِبَّان: حديث الأعمال بالنيَّة، تفرد به أهل المدينة وليس هو عند أهل العراق، ولا عند أهل مكة، واليمن، ولا عند أهل الشام، ومصر، وقال بعضهم: قد أخرَجَتْه الأئمة في كتبهم من طرق وأنا أختصر على طريقٍ واحدٍ لِكُلِّ واحدٍ مِنهُم:
فرواه البخاري عن أبي بكر عبد الله الحُمَيْدِي عن "سُفيَان".
ورواه مسلم عن محمد بن المُثَنَّى عن "عبد الوَهَّاب الثَقَفِي".
ورواه أبو داود عن محمد بن كَثِير عن "الثَّوْرِي".
ورواه التِّرمِذِي عن محمد بن المثنى عن "عبد الوهاب الثقفي".
ورواه النَّسائي عن عمرو بن منصور عن القَعْنَبِي عن "مالك".
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة عن "يزيد بن هارون".
كلُّهُم عن يحيى بن سَعيِد القَطَّان، وهو عن محمد بن إبراهيم التيمي، وهو عن عَلْقَمَة بن وَقَّاص وهو عن عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه] (1).
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).