الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق الثالث: الإجازة:
قال ابن فارس (1): الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث، يقال منه استجزت فلانًا فأجازني إذا سقاك ماء لماشيتك أو أرضك، فكذا طالب العلم يستجيز العالم علمه فيُجيزه له.
فعلى هذا يجوز أن يُعدَّى الفعل بغير حرف جر ولا ذكر رواية
…
فيقول: أجزت فلانًا مسموعاتي.
وقيل الإجازة إذن، فَعَلىَ هذا يقول: أجزت له رواية مسموعاتي، وإذا قال أجزت له مسموعاتي فهو على حذف المضاف.
والإجازة أنواع:
الأول: إجازة مُعَيَّنٍ لمعين.
كأجزتك كتاب البخاري مثلاً، أو أجزت فلانًا جميع ما اشتمَلت عليه فَهرَستي، ونحو ذلك.
فهذا على أنواع الإجازة المُجرَّدة عن مناولة كتاب والصحيح عند الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء، جواز الرواية بالإجازة مطلقًا، وادَّعى أبو الوليد الباجي (2) الاتفاق عليه.
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس "مادة جوز".
(2)
هو الإمام العلامة سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي، الأندلسي الباجي القرطبي، توفي في سنة 474 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (18/ 535).
وحكى الخلاف في العمل بها (1)، وغُلِّط فيما حكاه من الاتفاق لما منعه جماعة من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو إحدى الروايتين عن الشافعي وقطع به من أصحابه القاضيان حُسين (2) والماوردي، ومن المحدثين إبراهيم الحربي وأبو الشيخ الأصفهاني.
واحتج المُجِيز بأنها إخبار بمروياته جملةً، فصح كما لو أخبر به تفصيلاً وإخباره لا يفتقر إلى النطق صريحًا كالقراءة عليه.
وقال بعض أهل الظاهر: هو كالمرسل، يجوز الرواية بها ولا يجوز العمل به وهو مردود عليهم.
الثاني: إجازة مُعَيَّن في غَيْرِ مُعَيَّن، كقول الشيخ أجزتك مسموعاتي أو مروياتي، والجمهور على جواز الرواية بها ووجوب العمل.
الثالث: إجازة العُموم.
كقوله: أجزت للمسلمين أو لمن أدرك زماني وما أشبهه واختلفوا في هذه فجوزها الخطيب مطلقًا (3).
فإن قُيِّدت بوصف خاص فأولى بالجواز، وجوزها القاضي أبو الطيب لجميع المسلمين الموجودين عند الإجازة (4).
(1) ينظر الإلماع (ص 89).
(2)
هو القاضي أبو علي حسين بن محمد المروروذي نسبة إلى "مرو الروذ" توفي سنة 462 هـ ينظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 164).
(3)
الكفاية (ص 325).
(4)
حكاه عنه الخطيب، المصدر السابق.
الرابع: إجازة المَعْدُوم.
كقوله: أجزت لمن يُولَد لفلان، وفيها خلاف، فأجازه الخطيب وحكاه عن ابن الفرَّاء الحنبلي وابن عمروس المالكي لأنها إِذْن.
وأبطلها القاضي أبو الطَّيب، وابن الصباغ وهو الصحيح لأنها في حكم الإخبار، ولا يصح إخبار معدوم (1).
وقولهم: إنها إِذْن، وإن سلمناه فلا يصح أيضًا كما لا يصح الوكالة للمعدوم، أما لو عطفه على الموجود فقال: أجزت لفلان ولمن يُولد له أو أجزت لك ولعقبك ونسلك فقد جوَّزه ابن أبي داود (2)، وهو أولى بالجواز من المعدوم المجرد عند من أجازه.
وأجاز أبو حنيفة ومالك في الوقف القسمين، وأجاز الشافعي الثاني دون الأول.
والإجازة للطفل الذي لا يُمَيِّز صحيحة، قطع به القاضي أبو الطيب.
قال الخطيب (3): وعليه عَهِدْنَا شيوخنا يجيزون الأطفال الغُيَّب ولا يسألون عن أسنانهم وتميزهم ولأنها إباحة للرواية، والإباحة تصح للعاقل ولغير العاقل
(1) ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 340).
(2)
أخرجه الخطيب في الكفاية (ص 325).
(3)
المصدر السابق.
الخامس: إجازة المُجَاز.
كقول الشيخ: أجزت لك مُجازاتي، أو أَجزت لك ما أُجيز لي.
والصحيح الذي عليه العمل جوازُه وبه قطع الحفاظ الأعلام.
وكان أبو الفتح (1) يروي بالإجازة وربما والَى بين إجازات ثلاث (2).
وينبغي لمن يَروي بها أن يتأمل كيفية إجازة شيخِ شيخِه لِئلَاّ يروي ما لم يندرج تحتها.
فإذا كان صورة إجازة شيخِ شيخِه (أجزت له ما صح عنده من سماعي) فرأى شيئًا من سماع شيخ شيخه، فليس له أن يرويه عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما قد صح عند شيخه، كونه من مسموعات شيخه الذي تلك إجازته، وهذه دقيقة حسنه، والله أعلم.
فرعان:
الأول: إنما يُستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالمًا بما يجيزه، والمجاز له من أهل العلم؛ لأنها توسُّع يحتاج إليه أهل العلم وشَرَطه بعضهم، وحُكى ذلك عن مالك.
وقال ابن عبد البر (3): الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر في الصناعة وفي
(1) هو الإمام المحدث، مفيد الشام، شيخ الإسلام، أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي الفقيه الشافعي، توفي في سنة 490 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (19/ 136).
(2)
ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 343).
(3)
جامع بيان العلم (2/ 1160).