الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في كيفية رواية الحديث
وفيه أنواع:
الأول: شدَّدَ (1) قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل آخرون فَفرَّطوا فقال بعض المشدِّدين لا حجة إلا فيما رواه من حفظه، روي ذلك عن أبي حنيفة ومالك والصيدلاني.
وقال بعضهم: يجوز من كتابه إلا إذا خرج من يده.
وقال بعض المتساهلين: يجوز الرواية من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم الحاكم مجروحين (2).
وهذا كثير، وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء، والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط بين الإفراط والتفريط، فإذا قام في التحمل والضبط والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه، وكذا إن غاب عنه الكتاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير ولا سيَّما إن كان ممن لا يخفى عليه تغييره غالبًا.
الثاني: الضَّرير إذا لم يحفظ ما سمعه، فاستعان بثقة في ضبطه وحِفظ كتابه واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير
(1) في المطبوعة شذ والمثبت من (ز)، (د)، وينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 390).
(2)
ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 390).
صحَّت روايته، قال الخطيب (1): والبصير الأمي كالضرير.
الثالث: لو وجد في كتابه خلاف حفظه، فإن حَفِظ منه رجع إليه، وإن حفظ من فم الشيخ اعتمد على حفظه، وإن لم يتشكَّل فحسن (2)
…
أن يذكرهما معًا فيقول: حفظي كذا وفي كتابي كذا.
وإن خالفه فيه غيره قال: حفظي كذا، وقال فلان كذا.
ولو وجد سماعه في كتاب ولم يذكره، فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية لا يجوز له روايته، ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد جوازها، وهو الصحيح بشرط أن يكون السماع بخطه أو بخط من يوثق به والكتاب مصون يغلب على الظن سلامته من التغيير، بحيث تسكن إليه نفسه، والله أعلم.
الرابع: قال في شرح السنة: ذهب قوم إلى إتباع لفظ الحديث منهم ابن عُمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حَيْوَة ومالك بن أنس وابن عينية وعبد الوارث ويزيد بن زريع ووهيب، وبه قال أحمد ويحيى وذهب جماعة إلى الرخصة في نقله بالمعنى منهم الحسن والشعبي والنخعي.
قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد.
(1) الكفاية (ص 228).
(2)
في نسخة على (ز)، "إن لم يتشكك وحسن"، وفي (د)"وإن لم تشكك فحسن"، والمثبت من (ز).
وقال سفيان الثوري: إن قلت أنا حدثتكم كما سمعت فلا تصدقون فإنما هو المعنى.
وقال وكيع: إن لم يكن المعنى واسعًا فقد هلك الناس.
وقال ابن الصلاح: من ليس عالما بالألفاظ، ومقاصدها، ولا خبيرًا بما يخل بمعانيها، لا يجوز له الرواية بالمعنى بالإجماع، بل يتعين اللفظ الذي سمعه وإذا كان عالما بذلك فقد منعه قوم من أصحاب الحديث والفقه والأصول وقالوا لا يجوز إلا بلفظه (1).
وقال قوم: لا يجوز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز في غيره.
وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف يجوز في الجميع إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات، أما المصنف فلا يجوز تغيير لفظه أصلاً، وإن كان بمعناه.
أقول: قول من ذهب إلى التفصيل هو الصحيح، لأنه صلوات الله وسلامه عليه أفصح من نطق بالضاد وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي، فإن لكل تركيب من التراكيب معنى بحسب الفصل والوصل والتقديم والتأخير.
لو لم يُراع ذلك لذهب مقاصدها، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة، كالتخصيص والاهتمام وغيرهما، وكذا الألفاظ التي تُرى مشتركة أو مترادفة إذ لو وضع كل موضع الآخر لفات المعنى الذي قصد به.
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 394).
ومن ثم قال صلوات الله وسلامه عليه «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وأدَّاهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، ورُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» . رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود (1)، وكفى بهذا الحديث لفظًا ومعنى، شاهدُ صدقٍ على ما نحن بصدده، فإنك إذا أقمت مقام كل لفظةٍ ما يُشاكِلها أو يُرادفها اختل المعنى وفسد.
فإنك لو وضعت موضع نضَّر الله، رحم الله، أو غفر الله، وما شاكلهما أبعدت المَرمَى فإن من حَفِظ ما سَمِعه وأدَّاه من غير تغيير فإنه جعل المعنى غضًّا طريًّا، ومن بدَّل وغيَّر فقد جعله مُبتذلاً ذاويًا.
وكذا لو أنبت امرءًا مناب العبد فات المعنى لأن العبودية الاستكانة والمُضيُّ لأمر الله ورسوله بلا امتناع ولا استنكاف من أداء ما سمع إلى مَن هو أعلم منه، وخُصَّت المقالة بالذِّكر من بين الكلام والخبر، لأن حقيقة المقالة هي المركبة من الحروف المُبرزة ليدُلَّ على وجوب أداء اللفظ المسموع.
وإرداف وعاها حَفِظها مُشعر بمزيد التقرير، لأن الوعيَ إدامة الحفظ وعدم النسيان وفي رواية أخرى فأدَّاها كما سمعها، أُوثر أدَّاها على رواها وبلَّغها ونحوهما دلالة على أن تلك المقالة مستودعة عنده واجب أدائها إلى من هو أحق بها وأهلها، غير مُغيَّرة ولا مُتَصرَف فيها، وكذا تخصيص ذكر الفقه دون العلم للإيذان بأن الحامل غير عارٍ عن العلم، إذ الفقه علم بدقائق مستنبطة من الأقيسة والنصوص، ولو غَيَّر عالم لزم جهله، وكذا تكرير رُبَّ
(1) الترمذي (2657) ولم أقف عليه عند أبي داود من حديث ابن مسعود إنما من حديث زيد بن ثابت (3662).
وإناطة كلٍ بمعنًى يخصها فإن السامع أحد رجلين إما أن لا يكون فقيهًا فيجب عليه أن لا يغيره، لأنه غير عارف بالألفاظ المتشاكلة فيخطئ فيه أو يكون عارفًا بها لكنه غير بليغ فربما يضع أحد المترادفين موضع الآخر ولا يقف على رعاية المناسبات بين لفظ ولفظ، فإن المناسبة لها خواص ومعان لا يقف عليها إلا ذو دُربةٍ بأساليب النَّظْم كما قررناه في شرح التبيان في قسم الفصاحة.
قال ابن الصلاح (1): وقد روينا أن بعض أصحاب الحديث رأي في المنام كأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال لفظةٌ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّرتُها برأيي فَفُعِل بي هذا.
فرع
إذا جوَّزنا الرواية بالمعنى فينبغي للمحدث أن يفرق بين "مثله" و"نحوه" فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد علمه أن الحديثين اتفقا لفظًا، ويحل له أن يقول نحوه إذا كان بمعناه، قاله أبو حاتم (2).
الخامس: ينبغي لمن روى حديثًا بالمعنى إذا اشتبه عليه اللفظ أن يُتبعه بلفظة "أو كما قال"، "أو نحو هذا" أو ما أشبه ذلك من الألفاظ، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس رضي الله عنهم.
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 401).
(2)
ذكره ابن الصلاح في المقدمة (ص 414) وعزاه للحاكم، ولم أجد من عزاه لأبي حاتم.
قال الخطيب (1): والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوّفًا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر.
قال ابن الصلاح (2): وإذا اشتبه على القارئ فيما يقرأه لفظة، فقرأها على وجه شك فيه، ثم قال "أو كما قال" فهذا حسن، وهو الصواب في مثله لأن "أو كما قال" يتضمن إجازة من الراوي وإذنًا للطالب في رِوَايَةِ صَوَابِهَا عنه إذا بَان.
السادس: اختلف في جواز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه، فمنهم من منعه مطلقًا بناءًا على منع الرواية بالمعنى، ومنهم من منعه مع تجويز الرواية بالمعنى إذا لم يكن قد رواه هو أو غيره على التَّمام، ومنهم من جوَّزه مطلقاً.
قال مجاهد: انقُص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه.
والصحيح التفصيل وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه غير مُتعلِّق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه فيجوز هذا، وإن لم يجز الرواية بالمعنى لأن المرويُّ والمتروك كخبرين منفصلين (3) ولا فرق بين أن يكون قد رواه قبلُ على التَّمام، أو لم يروه. هذا
(1) الجامع لأخلاق الراوي (2/ 34).
(2)
المصدر السابق.
(3)
قوله كخبرين منفصلين في المطبوعة لخبرين متصلين! وينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 397 - 398).
إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يُتَّهم [فأما من روى حديثا على التَّمام فخاف إن رواه ثانيًا ناقصًا أن يُتَّهم](1)، بزيادة أولاً أو نسيان ثانيًا لقلة ضبطه وغفلته، فلا يجوز له النقص، والله أعلم.
وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب للاحتجاج، فهو إلى الجواز أقرب
…
وقد فعله مالك والبخاري، ومن لا يُحصَى من الأئمة.
قال ابن الصلاح (2): ولا يخلو من كراهة.
قال الشيخ محي الدين (3): وما أظنه يُوافَقُ عليه.
أقول: أي لا يوافِقُهُ أحد في هذه الكراهة، لأنه قد استمر في جميع الاحتجاجات في العلوم، إيراد بعض الحديث احتجاجًا واستشهادًا، سواء كان مستقلاً أو لا، كاستشهاد النحويين وغيرهم.
السابع: لا يُروَي بقراءة لحَّان أو مُصحِّف، وطريق السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق، فإن وقع في الرواية لحن أو تحريف
…
قال ابن سيرين وغيره (4): يرويه كما سمعه.
والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب (5) عليه وبيان
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (399).
(3)
التقريب مع التدريب (2/ 63).
(4)
نقله عنه وعن غيره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 351).
(5)
التضبيب: هو أن يرسم صادًا ممدودة هكذا "صـ" فوق الكلمة الخطأ إشارة منه أنها هكذا رُويَت، قال السيوطي في ألفيته وهو يُعرِّف التَّضْبِيب:
أَوْصَحَّ نَقْلاً وَهْوَ فِي الْمَعْنَى فَسَدْ
…
ضَبِّبْ وَمَرِّضْ فَوْقَهُ صَادٌ تُمَدْ
صوابه في الحاشية إذا كان التحريف في الكتاب.
وأما في السماع فالأَولى أن يقرأه على الصواب ثم يقول: وفي روايتنا أو عند شيخنا أو في طريق فلان كذا، وله أن يقرأ ما في الأصل ثم يذكر الصواب، وأحسن الإصلاح إصلاحه بما جاء في رواية أخرى أو حديث آخر، وإذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط، فإن لم يغاير معنى الأصل فعلى ما سبق، وإن كان الإصلاح بزيادة تشتمل على معنى مغاير لِما وقع في الأصل، تأكد فيه الحكم بأن يَذكرَ ما في الأصل مقرونًا بالتَّنبيه على ما سقط، ليسْلَم من مَعرَّة الخطأ، ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل.
وإن علم أن بعض الرواة أسقطه وإنَّ مَن فوقه أتى به، ألحق الساقط في نفس الكتاب مع كلمة "يعني".
مثاله: عن عروة، عن عمرة أنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدني إلىَّ رأسه فأُرَجِّله» . أسقط الراوي "عن عائشة" ولا بُدَّ من ذكرها لما علِمنا أن المحاملي كذلك رواه فإذا ألحقنا الساقط قلنا: عن عمرة يعني عن عائشة أنها قالت (1).
هذا إن علم أن شيخه رواه على الخطأ فإن رآه في كتابه وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه اتجه إصلاحه في كتابه وروايته أيضًا، كما لو اندرس من كتابه بعض الإسناد أو المتن، فإنه يجوز إصلاحه من كتاب غيره إذا عرف صحته ووثق به.
(1) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص 252) من طريق المحاملي به.
كذا قاله أهل التحقيق، ومنعه بعضهم وهذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتابِ غيرهِ أو حفظه، وإذا وجد كلمة من غريب العربية أو غيرها وهي غير مضبوطة وأشكلت عليه، جاز أن يسأل عنها أهل العلم بها ويرويها على ما يخبرونه، رُوي ذلك عن أحمد وإسحاق (1).
فائدة:
عن الأصمعي يقول: إنَّ أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النَّحو أن يَدْخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار» ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يَلحن فمهما رَوَيت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
الثامن: إذا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر، وبين روايتهما تفاوت في اللفظ، والمعنى واحد فله جمعهما في الإسناد، ثم يسوق الحديث على لفظ أحدِهما ويقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ لفلان.
أو هذا لفظ فلان قال، أو قالا: أخبرنا فلان وما أشبه هذا من العبارات.
ولمسلم في صحيحه عبارة أخرى حسنة كقوله: حدثنا أبو بكر وأبو سعيد كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث (2)، فإعادته ذِكر أحدهما إشعار بأن اللفظ له، وأما إذا لم يخص بل خلط اللفظين فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا:
(1) أخرجه الخطيب عنهما في الكفاية (ص 255 - 256).
(2)
صحيح مسلم (673).
أخبرنا فلان، فهو جائز على تجويز الرواية بالمعنى.
وأما قول أبي داود في السنن (1): حدثنا مُسدَّد وأبو توبة - المعنى - قالا: حدثنا أبو الأحوص، مع أشباه له في كتابه فيحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد، ويوافقه أبو توبة في المعنى، ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فيكون اللفظ لهما جميعًا بالمعنى.
وأما إذا جمع بين رواةٍ اتفقوا في المعنى، وليس ما أورده لفظ واحد منهم وسكت عن بيان ذلك، فقد عِيب بهذا البخاري وغيره، ولا بأس به على تجويز الرواية بالمعنى والله أعلم.
التاسع: جرت العادة بحذف "قال" ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطًّا، ولا بُدّ من اللفظ به حال القراءة، وإذا كان في أثناء الإسناد قُرئ على فلان أخبرك فلان، أو فيه قُرئ على فلان حدثنا فلان، فينبغي للقارئ في الأول أن يقول قيل له أخبرك فلان، وفي الثاني قُرئ على فلان قال حدثنا فلان.
وإذ تكررت كلمة "قال" كقوله في كتاب البخاري: حدثنا صالح بن حيان قال: قال عامر الشعبي فإنهم يحذفون أحدهما في الخط وعلى القارئ أن يلفظ بهما.
وسئل الشيخ في فتاواه (2)، عن ترك القارئ "قال"؟ فقال: هذا خطأ من
(1) السنن (375).
(2)
فتاوى ابن الصلاح (45 - 46).
فاعله والأظهر أنه لا يبطل السماع به؛ لأن حذف القول جائز اختصارًا وقد جاء به القرآن العظيم، والله أعلم.
العاشر:
قال ابن الصلاح: أنه لا يجوز تغيير قال" النبي" إلى قال "رسول الله" ولا عكسه، وإن جوَّزنا الرواية بالمعنى لاختلاف معناهما.
وقال غيره: الصواب أنه يجوز؛ لأن معناهما هنا واحد وهو مذهب أحمد وحماد بن سلمة والخطيب (1).
قال القاضي ابن جماعة (2): ولو قيل يجوز تغيير النبي إلى الرسول، ولا يجوز عكسه، لَمَا بَعُد لأن في الرسول معنى زائدًا على النبي وهو الرسالة، فإنَّ كلَّ رسول نبي، وليس كلُّ نبي رسول.
أقول: وفيه بحث، لما روى البخاري (3) عن البرَاء بن عازِب أنه حين دعا "ورسولك الذي أرسلت" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، "ونبيك الذي أرسلت" لأنه أراد الجمع بين الوصفين النباوة والرسالة، كذا عن ابن الأثير.
الحادي عشر: إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حالة الرواية، ومنه ما إذا حدثه من حفظه في المذاكرة فيقول حدثنا مذاكرة.
ومنع جماعة التَّحمل عنهم حال المذاكرة.
(1) الكفاية (244).
(2)
المنهل الروي (ص 104).
(3)
البخاري (1/ 71).
وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح، أو ثقتين فالأَوْلى أن يذكرهما لاحتمال انفراد أحدهما بشيء، فإن اقتصر على ثقة واحد في الصورتين، جاز لأن الظاهر اتفاقهما.
الثاني عشر: إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فخلطه ورواه جملةً عنهما، وبيَّن أن بعضه من أحدهما وبعضه من الآخر جاز، كما فعله الزهري في حديث الإفك؛ فإنه رواه عن ابن المسيب وعروة وعبيد الله
…
وعلقمة وقال: وكلٌ حدثني طائفةً من حديثها، قالوا: قالت عائشة وساق الحديث إلى آخره.
ثم ما من شيء من ذلك الحديث إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على الإبهام، حتى لو كان أحدهما مجروحًا، لم يجز الاحتجاج بشيء منه، ما لم يبيِّن أنه من الثقة.
ولا يجوز أن يُسقط أحدَ الراويين، بل يجب ذكرهما مبيِّنًا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر، والله أعلم.