الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في أدب الطالب:
ينبغي في طلبه أن يبتهل إلى الله تعالى في التوفيق والتيسير، ويأخذ نفسه بالآداب السَّنِيَّة والأخلاق المرضية، وقد تقدم الكلام في السِّن الذي يبتدئ فيه بسماع الحديث، وليغتنم مدة إمكانه، ويفرغ جهده في تحصيله، وليبدأ بسماع أرجح شيوخ بلده إسنادًا وعلمًا ودينًا وشهرة، فإذا فرغ من مهمات بلده، رحل في الطلب، فإن الرحلة من عادة الحفاظ المبرَّزين، ولا يحمله الشره في الطلب على التساهل في السماع والتحمل، فيخل بشيء من شروطه، وليعمل بما يمكنه العمل به مما يسمعه من الحديث في أنواع العبادات والآداب؛ فذلك زكاة الحديث كما قال بشر الحافي: يا أصحاب الحديث! أدُّوا زكاة هذا الحديث؛ اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث، وهو سبب حفظه.
وليُعَظِّم شيخه وكل من يسمع منه؛ فإن ذلك من إجلال العلم، وليَتَحرَّ رضاه ولا يُطيل عليه، بحيث يضجره، فربما كان ذلك سبب حرمانه.
وعن الزهري قال (1): إذا طال المجلس، كان للشيطان فيه نصيب.
وليستشر شيخه في أموره، وكيفية ما يعتمده من أشغاله، وما يشتغل فيه وإذا فاز بفائدة؛ أرشد غيره من الطلبة إليها، فإنَّ كتمان ذلك لومٌ يُخاف
(1) أخرجه الخطيب في الجامع (2/ 128)، بسنده إلى الزهري.
على فاعله عدم النفع، فإن بركة الحديث أفادته، وبنشره ينمو.
ولا يمنعه الحياء والكِبر من السَّعي في التحصيل، وأَخْذِ العلم ممن دونه في سنٍّ أو نَسبٍ أو منزلةٍ، وليصبر على جفاء شيخه، وليتعنّ بالمهم، ولا يضيع زمانه في الإكثار من الشيوخ بمجرد الكثرة.
وليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله، ولا ينتخب منه لغير ضرورة، فإن احتاج إليه تولَاّه بنفسه، فإن قصر عنه، استعان بحافظ.
ولا يقتصر على مجرد سماعه وكَتْبه دون معرفته وفَهمه، بل يتعرف صحته وضعفه ومعانيه وفقهه وإعرابه ولغته وأسماء رجاله، ويحقق كل ذلك
…
ويعتني بإتقان مشكله حفظًا وكتابة.
ويقدم في ذلك كله الصحيحين، ثم بقية كتب الأئمة، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ثم كتاب السنن الكبير للبيهقي؛ فإنَّا لا نعلم مثله في بابه، ثم من المسانيد؛ كمسند الإمام أحمد بن حنبل، وغيره ثم من كتب العِلَل؛ كتابه (1)، وكتاب الدارقطني.
ومن التواريخ؛ تاريخ البخاري، وابن أبي خيثمة.
ومن كتب الجرح والتعديل؛ كتاب ابن أبي حاتم.
ومن مشكل الأسماء؛ كتاب ابن ماكولا.
ويعتني بكتب غريب الحديث وشروحه، كلما مر به مشكل بحث عنه
(1) يعني كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد.
وأتقنه ثم حفظه وكتبه.
ويتحفظ الحديث قليلاً قليلاً، ويشتغل بالتَّخريج والتصنيف، إذا تأهل له مُعتنيًا بشرحه وبيان مشكله وإتقانه، فقلَّ ما تَمَهَّر في علم الحديث من لم يفعله.
ولعلماء الحديث في تصنيفه طريقان:
أجودهما: على الأبواب؛ كما فعله البخاري ومسلم، فيذكر في كل باب ما عنده فيه.
الثاني: على المسانيد؛ فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه، وعلى هذه الطريقة يرتب على الحروف أو على القبائل فيقدم بنو هاشم، ثم الأقرب، فالأقرب، وقد يرتب بالسابقة، فيقدم العشرة ثم أهل بدر، ثم الحديبية، ثم من هاجر بينها وبين الفتح، ثم أصاغر الصحابة ثم النساء، يبدأ بأمهات المؤمنين.