الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في الضعيف
وهو كُلُّ حديثٍ لم يجتمع فيه شروطُ الصحيحِ، ولا شروط الحسن المُتَقدِّم ذكرُها.
وتتفاوت درجاته في الضَّعف، بحسب بُعده من شروط الصِّحة، كما تتفاوت درجات الصحيح بحسب تَمَكُّنِهِ منها.
ويجوز عند المحدِّثين وغيرهم، التساهل في أسانيد الضعيف.
سوى الموضوع وروايته من غير بيان ضعفه، في المواعظ والقصص وفضائل الأعمال، لا في صفات الله تعالى، وأحكام الحلال والحرام.
روى ابن الصلاح (1)، عن الحَافِظ بن مَنْدَه عن محمد بن سعد (2)، يقول: كان مِن مَذْهَبِ النَّسائي، أن يُخرج عن كل من لم يُجمع على تركه.
وكذلك أبو دَاوُد، يأخذ مأخذه ويخرج الضعيف، إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
[قال البَزْدَوي (3): إن الخَبَرَ يَقينٌ بأصله، وإنما دخلت الشُّبهة في نقله
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 182).
(2)
هو محمد بن سعد الباوردي، وهو من شيوخ أبي أحمد بن عدي صاحب الكامل وممن روى عن قاسم بن مطرز، ولم أقف له على ترجمة.
(3)
أصول البزدوي (ص 159).
والرأي محتمل بأصله في كُلِّ وَصْفٍ على الخصوص، فكان الاحتمال في الرأي أصلاً وفي الحديث عارضًا] (1).
وروى الدارمي (2)، عن الشعبي قال:«ما حدثك هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فَخُذ به» . وما قالوه بِرأيهِم فألقه في الحُشِّ.
قال شُرَيحٌ: إن السُّنة قد سبقت قياسكم، فاتبع ولا تبتدع، فإنك لن تَضِل ما أخذت من الأثر (3).
وقال الشَّعْبيُّ: إنما الرأيُ بمنزلة المَيْتَة، إذا اضطُرِرتَ إليها أكلتها، رواهما في شرح السنة.
[وقال الشافعي رضي الله عنه مهما قُلتُ من قولٍ أو أَصّلتُ من أصلٍ، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خِلاف ما قُلت فالقَولُ ما قال صلى الله عليه وسلم وهو قولي وجَعَل يُرَدِّده رواه البيهقي في المدخل (4)](5)
وهَهُنا عدة اعتبارات لمعانٍ شتَّى، منها ما يشترك فيه الأقسام الثلاثة:
أعني الصحيح، والحسن، والضعيف، ومنها ما يختص بالضعيف.
فمن الضرب الأول (6):
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(2)
سنن الدارمي (1/ 78).
(3)
أخرجه الدارمي في سننه (1/ 77).
(4)
لم أقف عليه في المدخل إنما أخرجه البيهقي قي مناقب الشافعي (1/ 475).
(5)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(6)
أي ما يشترك فيه الثلاثة (الصحيح والحسن والضعيف).
المُسْنَد:
قال الخطيب (1): هو ما اتصل سنده من راويه إلى منتهاه، وأكثر ما يُستعمل
فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.
وقال الحاكم (2): هو ما اتصل سنده مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمُتَّصل:
ويُسمَّى أيضا الموصول وهو كل ما اتصل إسناده، وكان كلُّ واحدٍ من رواته قد سمعه ممن فوقه سواء كان مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفًا على غيره. والمَرفُوع:
وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً، من قول أو فعل أو تقرير، سواء كان متصلاً أو منقطعًا هذا هو المشهور.
فقد ظهر من هذا، الفرق بين المسند والمتصل والمرفوع؛ فإن المتصل قد يكون مرفوعًا وغير مرفوع، والمرفوع قد يكون متصلا وغير متصل، وأما المسند على قول الحاكم فينبغي أن يكون متصلاً مرفوعًا.
(1) الكفاية (ص 21) بمعناه.
(2)
معرفة علوم الحديث (ص 56) بمعناه.
فرعان
الأول: إذا قيل عن الصحابي يرفعه أو يرويه أو ينميه أو يبلغ به، فهو كناية عن رفعه، وحكمه حكم المرفوع صريحًا، كحديث الأعرج عن أبي هريرة " تُقَاتِلُونَ قَومًا صِغَار الأَعْيُن"(1).
وكحديثه عن أبي هريرة يبلغ به " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ "(2).
الثاني:
قول الصحابي "أُمِرنا بكذا أو نُهِينا عن كذا أو من السُنَّة كذا"؛ مرفوع عند أهل الحديث وأكثر أهل العلم، لظهور أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر، سواء قال الصحابي ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده، وكذا قول الصحابي "كنا لا نرى بأسًا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا" ونحو ذلك.
المُعَنْعَنْ:
وهو الذي يقال في سنده: "فلان عن فلان".
قال بعض العلماء: هو مرسل، والصحيح الذي عليه جماهير العلماء والمحدثين والفقهاء والأصوليين أنه متصل، إذا أمكن لقاؤه إيَّاه مع براءتهما من التَّدليس، وقد أودعه البخاري ومسلم صحيحيهما، وكذلك غيرهما من مشترطي الصحيح الذين لا يقولون بالمرسل.
قال ابن الصلاح (3): وكثير في عصرنا وما قاربه استعمال"عن" في
(1) أخرجه البخاري (4/ 238) ومسلم (2912).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 219) ومسلم (1818).
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 220).
الإجازة وإذا قيل: فلان عن رجل عن فلان ونحوه، فقد سماه بعض المعتبرين في الأصول مُرسَلاً.
وقال الحاكم (1): لا يسمى مرسلا بل منقطعا.
وهذا أقرب.
المُعَلَّق:
وهو ما حُذِف في مبدأ إسناده واحدٌ فأكثر؛ كقول الشافعي: قال نافع، أو قال مالك: قال ابن عمر أو قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار أو الطلاق لاشتراكهما في قطع الاتصال.
ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده أو آخره، لتسميتهما بالمنقطع والمرسل، لأن الحذف إما أن يكون في أول الإسناد وهو المعلَّق، أو في وسطه وهو المنقطع، أو في آخره وهو المرسل.
ولا يستعمل أيضا في مثل: يُروَى عن فلان ويُذكَر عنه وشبه ذلك على صيغة المجهول، لأنها لا تستعمل في صيغة الجزم.
والبخاري أكثر من التعليق في صحيحه، وليس بخارج من قبيل الصحيح وإن كان على صورة المنقطع، فقد يفعل البخاري ذلك لكون الحديث معروفًا من جهة الثقات الذين علَّق عنهم، أو لكونه ذكره متصلاً في موضع آخر من كتابه، أو لسبب آخر لا يصحبه خلل الانقطاع.
(1) معرفة علوم الحديث (ص 70).
الأفراد:
وهو قسمان:
أحدهما: مفرد عن جميع الرواة، وقد تقدم ذكره في الصحيح.
والثاني: مفرد بالنسبة إلى جهته؛ كقولهم تفرد به أهل مكة أو أهل الشام أو تفرد به فلان عن فلان من أهل مكة مثلاً، أو أهل البصرة عن أهل الكوفة، ولا يقتضي شيء من ذلك ضعفًا، إلا أن يراد بتفرد أهل مكة تفرد واحد منهم، فيكون كالقسم الأول.
المُدْرَج:
وهو أقسام:
أحدها: ما أُدرِج في الحديث من كلام بعض رواته، فيرويه مَن بعده متصلاً، يتوهم أنه من الحديث.
الثاني: أن يكون عنده متنان بإسنادين.
مثاله: رواية سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا ولا تَدَابَرُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانا " الحديث (1) فقوله ولا تنافسوا أدرجه ابنُ أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك (2)، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
(1) أخرجه مالك في الموطأ (1649).
(2)
الموطأ (1650).
وفيه "وَلَا تَجَسَّسُوا ولَا تَنَافَسُوا ولا تَحَاسَدُوا ".
أو عنده طرق من متن، بسند شيخ غير سند المتن لذلك الشيخ، فيرويهما الراوي عنه بسند واحد، فيلزم إدراج بعض الحديث في بعض من سند واحد والحال أن للحديث إسنادين.
الثالث: أن يسمع حديثًا من جماعة مختلفين في سنده أو متنه، فَيُدرِج روايتهم على الاتفاق، ولا يذكر الاختلاف.
وَتَعَمُّد كل واحد من الثلاثة حرام.
المَشهُور:
وهو ما شاع عند أهل الحديث خاصةً دون غيرهم، بأنْ نَقَلَه رواةٌ كثيرون كحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قَنَتَ شَهْرًا بَعَدَ الرُّكُوعِ يَدعُو عَلَى رِعلٍ وَذَكْوَان" وهو مخرج في الصحيح (1) فإن له رُواةٌ عن أنس غير أبي مِجْلَز ورُواةٌ عن أبي مجلز غير التيمي، ورُوَاةٌ عن التيمي غير الأنصاري، ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة، أو عندهم وعند غيرهم كحديث "الأعمال بالنيات" أو عند غيرهم خاصة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أربعة أحاديث تدور في الأسواق، ليس لها أصل في الاعتبار " مَنَ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ آَذَار (2) بَشَّرتُهُ بِالجَنَّة " و" مَنْ آَذَىَ ذِمِّيًا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ " و " يَوْمُ نَحْرِكُم يَوم صَوْمِكُم " و" لِلسَّائِلِ حَقٌّ وإِنْ
(1) البخاري (2/ 32)، مسلم (677).
(2)
جاء في حاشية (ز)، (د)" آذار اسم أول شهر من شهور الربيع بالسريانية ".
جَاءَ عَلَىَ فَرَسٍ " انتهى كلامه (1).
ومن الضعيف المشهور حديث " طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَىَ كُلِّ مُسلِمٍ"(2).
(1) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 633)، وعلق محققه قائلا: وتعقبه السيوطي في " اللآلئ "(2/ 118) وقال: قال الحافظ أبو الفضل العراقي في نكته علي بن الصلاح لا يصح هذا الكلام عن أحمد فإنه أخرج منها حديثا في المسند (1/ 201) وهو حديث "للسائل حق وإن جاء على فرس"، قال وقد ورد من حديث علي وابنه الحسين وابن عباس والهرماس بن زياد وأما حديث علي فأخرجه أبو داود في سننه من رواية زهير عن شيخٍ عن سفيان عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي وأما حديث الحسين فأخرجه أحمد وأبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة عن أبيها الحسين وهو إسناد جيد رجاله ثقات وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن عدي من رواية إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن طاوس عنه، وأما حديث الهرماس فأخرجه الطبراني من رواية عثمان بن فائد عن عكرمة بن عمار عنه وكذلك حديث من"آذى ذميا" هو معروف أيضا فروى أبو داود من رواية صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إلا من ظلم معاهدًا أو أنقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منهم شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " وإسناده جيد وإن كان فيه من لم يسم فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد رويناه في سنن البيهقي الكبرى فقال في روايته عن ثلاثين من أبناء الصحابة وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما، انتهى.
(2)
أخرجه ابن ماجه (224) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ضعيف والبيهقي في شعب الإيمان (1663) وقال البيهقي هذا الحديث متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيفة، وقال البزار في مسنده (94) هذا كذب ليس له أصل عن ثابت عن أنس، فأما ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم فقد روي عن أنس من غير وجه وكل ما يروى فيها عن أنس، فغير صحيح.
[فائدة: البَزْدَوي في القسم الأول المشهور (1): ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر، فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب وهم القرن الثاني والثالث بعد الصحابة ومن بعدهم، فأولئك قوم ثقاة أئمة ولا يُتَّهمون، فصار بشهادتهم وتصديقهم، بمنزلة المتواتر، حُجَّة من حجج الله تعالى.
حتى قال الجَصَّاص: إنه أحد قسمي المتواتر، فيمتاز عن المتواتر بأنه يوجب علم طمأنينة، والمتواتر علم يقين.] (2)
الغَريِب والعَزِيز:
قال الحافظ بن مَنْدَهْ: الغريب؛ كحديث الزهري (3) وأشباهه، ممن يُجمَعُ حديثُه لعدالته وضبطه، إذا تفرد عنهم بالحديث رجل، سُمي غريبًا (4)، فإن رواه عنه اثنان أو ثلاثة؛ سُمي عزيزًا وإن رواه جماعة سُمي مشهورًا.
ومن الأفراد ما ليس بغريب [كالأفراد المضافة إلى البلدان، وينقسم الغريب مطلقًا إلى صحيح](5) كالأفراد المُخرَّجة في الصحيح، وإلى غير
(1) أصول البزدوي (ص 152).
(2)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(3)
في المطبوعة (الترمذي)، والمثبت من (ز)، (د) وينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 456).
(4)
زاد في المطبوعة [فالحاصل أن الغريب: هو الذي انفرد به العدل الضابط ممن يجمع حديثه ويقبل]، والمثبت من (ز)، (د)، بدون هذه الزيادة.
(5)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
صحيح وهو الغالب على الغرائب.
جاء عن أحمد بن حنبل أنه قال غير مرة: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامة رواتها الضعفاء (1).
وينقسم أيضًا إلى، غريب متنًا وإسنادًا، وهو ما تفرد برواية متنه واحد.
وإلى غريب إسنادًا لا متنًا؛ كالحديث الذي متنه معروف عن جماعة من الصحابة، إذا تفرد به واحد بروايته عن صحابي آخر وهو غريب من هذا الوجه، ومن ذلك؛ غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، وهذا هو الذي يقول به الترمذي:"غريب من هذا الوجه"، ولا يوجد ما هو غريب متنًا لا إسنادًا، إلا إذا اشتهر الحديث المفرد، فرواه عمن تفرد به جماعة كثيرة فإنه يصير غريبًا مشهورًا، وغريبًا متنًا لا إسنادًا، بالنسبة إلى أحد طرفي الإسناد، فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول، متصف بالشهرة في طرفه الآخر؛ كحديث "الأعمال بالنيات"، وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف ثم اشتهرت.
المُصَحَّف:
هذا فَنٌّ جَلِيلٌ، إنما ينهض بأعبائه الحُذَّاق من الحُفَّاظ، والدَّاَرَقُطْنِي منهم وله فيه تصنيف مفيد (2)، ويكون محسوسًا إما بالبصر أو بالسمع.
(1) أخرجه السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (ص 58).
(2)
لعله يقصد كتاب المؤتلف والمختلف للدارقطني وهو مطبوع في خمسة مجلدات ط. دار الغرب الإسلامي.
والأول إما في الإسناد، كحديث شعبة، عن العوام بن مُرَاجِم بالراء والجيم، صَحَّفَهُ يحيى بن معين، فقال: مزاحم بالزاي والحاء (1).
وإما في المتن كحديث؛ "مَنْ صَامَ رَمَضَان وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال"
…
فصحف أبو بكر الصولي فقال "شيئًا" بالشين المعجمة.
والثاني أيضًا إما في الإسناد كحديث؛ يُروى عن عاصم الأحول رواه بعضهم فقال واصل الأحدب قال الدارقطني (2): هذا من تصحيف السَّمْعِ لا من تصحيف البصر، لأنه لا يشتبه في الكتابة.
وإما في المتن؛ كحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكُهَّان قر الزجاجة بالزاي وإنما هو الدجاجة بالدال.
أو معنى كما حَكَىَ الدارقطني عن أبي موسى محمد بن المثنى العَنَزي أنه قال: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد ما ثبت في الصحيح "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّىَ إلى عَنَزَة"، وهي حربة صغيرة تُنْصَب بين يديه، فتوهم أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى قبيلتهم بني عنزة، وهذا تصحيف عجيب، والله أعلم (3).
الإسناد العالي:
خصيصة هذه الأمة، وسُنَّة من السنن البالغة، وطلب العلو فيه سُنَّة
(1) ينظر العلل للدارقطني (3/ 64).
(2)
ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 476).
(3)
أخرجه الخطيب في الجامع (1/ 295).
أيضا ولذلك استحبت الرحلة، وعلوه يُبعد من الخلل المتطرق إلى كل راوٍ
…
والعلو المطلوب في الحديث خمسة أقسام:
أحدها: القُرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف كثلاثيات البخاري (1).
قال محمد بن أسلم الطوسي (2): قرب الإسناد، قرب أو قربة إلى الله تعالى.
الثاني: القرب من إمام كالبخاري من أئمة الحديث، وإن كثر العدد منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: العلو بالنسبة إلى رواية صحيح البخاري ومسلم أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعتمدة.
الرابع: العلو بتقدم وفاة الراوي، قال ابن الصلاح (3): مثاله ما أرويه عن شيخ، أخبرني به عن واحد، عن البيهقي، عن الحاكم، أعلى من روايتي لذلك عن شيخ، أخبرني به، عن واحد، عن أبي بكر بن خلف، عن الحاكم، وإن تساوَى الإسنادان في العدد، لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن
(1) المقصود بثلاثيات البخاري؛ الأحاديث التي بلغت الواسطة فيها بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس فقط، وأولها في صحيحه حديث " من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" فقد رواه البخاري، عن شيخه مكي بن إبراهيم، وهو عن يزيد بن أبي عبيد، وهو عن سلمة بن الأكوع، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 123) بسنده إلى الطوسي به.
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 446).
خلف بنحو تسع وعشرين سنة.
الخامس: العلو بتقدم السماع، وكثير من هذا يدخل في الذي قبله من حيث قُرب الزمان، لا من حيث احتمال حذف الواسطة، لأن الاحتمال في الوفاة أقوى، ومما يمتاز به عنه، أن يسمع شخصان من شيخ، وسماع أحدِهما، من ستين سنة مثلاً، وسماع الآخر من أربعين سنة، هذان وإن تساويا في العدد إليه وعدم الواسطة، فالأول أعلى، لقرب الزمان والله أعلم
المُسَلْسَل:
وهو ما تتابع فيه رجال الإسناد عند روايته، على صفة أو حالة، أما في الراوي، فصفته قولا؛ كقوله سمعت فلانًا يقول، سمعت فلانًا يقول إلى آخره، ومن ذلك أخبرنا فلان والله قال أخبرنا فلان والله إلى آخره.
ومنه حديث"اللَّهُمَّ أّعِنِّي عَلَىَ شُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ عِباَدَتِكَ"، مسلسل بقولهم "إني أحبك فقل".
[وفي رواية أبي داود وأحمد والنسائي (1)"أخذ بيدي فقال إني لأحبك" فيكون من النوعين الفعل والقول وفيها ذكرك مقدم على شكرك.
اعلم أن المذكورات الثلاثة، غايات والمطلوب هو البدايات المؤدية إليها فذِكر الغايات، تنبيه على أنها هي المطالب الأولية من البدايات، وإن كانت نهايات وتلك وسائل إليها، فقوله أعنِّي على ذكرك، المطلوب منه شرح
(1) أبو داود (1522) وأحمد (5/ 244) والنسائي (3/ 53).
الصدر وقذف النور فيه وتيسير الأمر وإطلاق اللسان، وإلى هذا ألمح قول الكليم عليه السلام {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} إلى قوله {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} ، وقوله وشكرك المطلوب، من توالي النعم وترادف المِنح المستجلبة لتوالي الشكر، وإنما طلب المعاونة عليه لأنه، عَسِرٌ جدًا ولذلك قال الله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، وقوله وحُسن عبادتك المطلوب منه التجرد عما يشغله عن الله تعالى وعبادته، ليتفرغ لمناجاة الله تعالى ومناغاته كما، أشار إليه سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه بقوله: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، ثم إذا نظرت إلى القرائن الثلاث وترتيبها، وجدتها منتظمة على البدايات والأحوال والمقامات، فحق لذلك أن يقول المرشد عند مصافحة المريد إني لأحبك فقل ربي أعني إلى آخره] (1)
ومنه المسلسل الذي ينقطع تسلسله في أواخره؛ كالمسلسل بأول حديث سمعته، أي يقول الصحابي أول حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ويقول التابعي أول حديث سمعته من الصحابي هذا، وهو يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلم جرَّا، ولا يسلم هذا القيد في الأواخر.
أو فعلاً كحديث التَّشبِيك باليد، وحديث العَدّ في اليد وأشباههما (2).
وأما في الرواية؛ كالمسلسل باتفاق أسماء الرواة، وأسماء آبائهم، أوكُنَاهُم أو أنسابهم، أو بلدانهم.
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(2)
أخرجهما الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 33).
قال الشيخ محيي الدين النواوي (1): وأنا أروي ثلاثة أحاديث مُسَلْسَلَة بالدِّمَشقِيين، وكالمسلسل باتفاق الصفة، كحديث الفقهاء فقيه عن فقيه "المتبايعان بالخيار".
قال ومن القسمين حديث أبي ذر: "يَا عِبَادِي كَلُّكُم ضَالٌّ إِلَاّ مَن هَدَيْته" الحديث مخرج في صحيح مسلم (2)، وقع لي مسلسلاً باليد، ورويناه بإسناد كلهم دِمَشقيُون وأنا دِمَشْقِي، وهذا نادر في هذه الأزمان، وأفضل ذلك ما كان فيه دلالة على اتصال السماع، ومن فضيلة التَّسلسُل؛ اشتماله على مزيد الضبط.
زيادة الثقة:
معرفتها فَنٌ لطيف، قال ابن الصلاح (3): ما انفرد به الثقة ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقع مخالفًا منافيًا لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد كالشَّاذ وثانيها: أن لا يكون فيه منافاة ولا مخالفة أصلاً لما رواه غيره؛ كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقةٌ، ولم يتعرض فيه لِما رواه الغير بمخالفة أصلاً فهذا مقبول، وقد ادَّعى الخطيب (4) فيه اتفاق العلماء عليه.
وثالثها: ما يقع بين هاتين المرتبتين؛ مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها
(1) ينظر التقريب مع التدريب (2/ 189).
(2)
مسلم (2577).
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 251).
(4)
الكفاية (ص 424 - 425).
سائر من روى ذلك الحديث؛ مثاله حديث "وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسجِدًا وجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا "(1)، فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات لفظها "وجُعِلَت لَنَا الأرضُ مَسجِدًا وطَهُورًا "(2).
فهذا وما أشبهه، يشبه القسم الأول، من حيث إن ما رواه الجماعة عام أي يتناول الحَجَر والرَّمل والتُّراب، وما رواه المنفرد بالزِّيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة، يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني، من حيث إنه لا منافاة بينهما.
قال الخطيب (3): مذهب الجمهور من الفقهاء وأهل الحديث أن الزيادة من الثقة مقبولة، إذا انفرد بها، سواءٌ كانت من شخص واحد، بأن رواه مرة ناقصًا وأخرى زائدًا، أم كانت من غير من رواه ناقصًا خِلافًا لمن ردَّ ذلك مُطلَقًا من أهل الحديث، ولمن ردَّها منه وقَبِلَها من غيره، وإذا أسنده وأرسلوه أو وصَله وقطعوه أو رفعه ووَقَفُوه، فهو كالزيادة.
وقيل: الإرسال نَوعُ قَدحٍ في حديث الواصل، فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل، ويُجاب عنه؛ بأن الجرح قُدِّم لما فيه من زيادة العلم، والزيادة ههنا مع مَن وَصَل.
(1) أخرجه مسلم (522) من حديث أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة به.
(2)
أخرجه البخاري (1/ 91،119) ومسلم (521) وأحمد (3/ 304) والنسائي (1/ 209) وغيرهم.
(3)
الكفاية (ص 424 - 425).
الاعتِبَار:
وهو النظر في حال الحديث، هل تفرد به راويَه أم لا؟ وهل هو معروف أم لا؟ وطريق الاعتبار في الأخبار أن يُقال مثلاً:
روى حمَّادُ بن سَلمةَ عن أيوب عن ابن سِيِرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نُظِر أنَّ حمَّادًا رواه، ولم يُتَابَع عليه، فيُنظر هل روى ذلك ثقةٌ غير أيوب عن ابن سيرين؟ فإن لم يوجد ذلك، فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأيُّ ذلك وُجِد، يُعلَم به أن للحديث أصلاً يُرجع إليه، وتُسَمَّى هذه متابعة غير تامة.
وإذا نُظِر أن هذا الحديث بعينه، رواه أحدٌ عن أيوب غير حماد، قيل هذه متابعة تامة، وقد تُسَمَّى الأولى بالشاهد أيضا، فإن لم يرو ذلك الحديث أصلاً من وجه من الوجوه المذكورة، لكن رُوي حديث آخر بمعناه، فذلك الشاهد من غير متابعة، فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر، فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ (1).
مثال المتابعة، والشاهد: حديث سُفيان بن عُيَيْنة، عن عمرو بن دينار عن عطاء، عن ابن عباس، في حديث الإهاب، "لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانتَفَعُوا بِهِ" ورواه ابن جريج عن عمرو، ولم يذكر الدِّبَاغ، فذكر البيهقي (2) لحديث ابن عيينة متابعًا وشاهدًا، فالمُتابع أسامة بن
(1) أصل هذا الكلام للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي، ينظر الإحسان (1/ 86).
(2)
السنن الكبير (1/ 16).
زيد (1) تابع عَمْرًا عن عطاء عن ابن عباس "أَلَا نَزَعْتُم جِلْدَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعتُم بِهِ".
والشاهد حديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
"أيُّمَا إهابٍ دُبغ فقد طَهُر".
ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يُحتج بحديثه وحده، بل يكون معدودًا في الضعفاء، وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء، ذَكَراهم في المتابعات والشواهد.
وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به.
مُخْتَلِف الحديث:
وهو أن يوجد حديثان متضادان في المعنى في الظاهر، فيُجمع بينهما أو يُرجَّح أحدهما، وهو فن مهم يضطر إليه جميع طوائف العلماء، وإنما يملك القيام به الأئمة من أهل الحديث والفقه والأصول الغواصون على المعاني والبيان، وقد صنف الإمام الشافعي رحمه الله فيه كتابه المعروف به (2) ولم يقصد استيعابه، بل ذكر جملةً تُنبِّه العارف على طريق الجمع بين الأحاديث في غير ما ذكره، ثم صَنَّف فيه ابنُ قُتَيبة فأحسن في بعضٍ.
(1) هو أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، من كبار أتباع التابعين توفي سنة 153 هـ ينظر ترجمته في تهذيب الكمال (2/ 347).
(2)
لعله يقصد كتاب الأم فإن كتاب اختلاف الحديث جزء منه.
ومن جمع الأوصاف المذكورة لم يشكل عليه شيء من ذلك.
قال ابن خُزَيمة: لا أعرف حديثين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني لأؤلِّف بينهما (1).
والمختلِفُ قسمان:
أحدهما يمكن الجمع بينهما فَيَتَعيَّن المصير إلى ذلك، ويجب العمل بهما كحديث "لا عَدوَى" وحديث "لا يورِد مُمرِضٌ على مُصِح".
ووجه الجمع؛ أنه صلى الله عليه وسلم نَفَى في الأوَّلِ ما كان يعتقده الجاهلي، من أنَّ ذلك يُعدِي بِطَبعِه، ولهذا قال "فَمَنْ أَعْدَىَ الأَوَّل".
وفي الثاني، أَعلَم بأن الله جعل ذلك سببًا لذلك، وحذَّر من الضَّرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله.
والثاني لا يمكن الجمع بينهما.
فإن علِمنا أن أحدهما نَاسِخٌ قدَّمناه، وإلا عَمِلنا بالرَّاجح منهما؛ كالتَّرجيح بصفات الرواة وكَثرتِهم في خمسين وجهًا من أنواع الترجيح، جمعها الحافظ الإمام أبو بكر الحازمي، في كتابه الناسخ والمنسوخ (2).
(1) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص 432 - 433) بسنده إلى ابن خزيمة.
(2)
هو الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني، توفي في سنة 584 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (21/ 167)، وكتابه هو "الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار"، وهو مطبوع في دائرة المعارف العثمانية بالهند.
النَّاسِخ وَالمَنْسُوخ:
الناسخ، كل حديث دلَّ على رفع حُكم شرعي سابق، ومنسوخه كل حديث رُفِع حُكمُه الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، وهذا فن صعب مهم كان للشافعي رحمه الله فيه يَدٌ طُولَى، وسَابِقَةٌ أُولى.
وأدخل بعض أهل الحديث فيه ما ليس منه، لخفاء معناه [وقد تكلم الناس في حدِّ النَّسخ، ومن أجود حدٍّ فيه؛ قولهم: رفع حُكمٍ شَرعي بِدَليلٍ شَرعي مُتأخِر](1).
وهذا النَّوعُ منه ما يُعرف بنص النبي صلى الله عليه وسلم مثل "كُنْتُ نَهَيتُكُم عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا"(2).
ومنه ما عُرف بقول الصحابي مثل "كَانَ آَخِر الأَمْرَينِ مِنْ رسوُلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَركُ الوضُوءِ مِمَّا مَسَّتهُ النَّار"(3).
ومنه ما عُرف بالتاريخ كحديث "أَفْطَرَ الحَاجِم وَالمحجُوم"(4).
وحديث "احْتَجَمَ وَهُو صَائِمٌ"(5)، بيَّن الشافعي رحمه الله أن الأول كان
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز).
(2)
أخرجه مسلم (977) وأبو داود (3235) والنسائي (4/ 89)، وغيرهم.
(3)
أخرجه أبو داود (192) والنسائي (1/ 108) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري.
(4)
أخرجه أبو داود (2369) وابن ماجه (1750) وغيرهما من حديث ثوبان رضي الله عنه، وفي الباب عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
أخرجه أبو داود (2374) وابن ماجه (3199) وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
سنة ثمان والثاني سنة عشر.
ومنه ما عُرِف بالإجماع كحديث "قتل شارب الخمر في الرابعة"(1) عُرِف نسخهُ بالإجماع على خلافه، والإجماع لا ينسخ، وإنما يدل على النسخ.
غَرِيبُ اللَّفْظِ وفِقهِهِ:
أما غريبه: فهو ما جاء في المتن من لفظ غامض بعيد الفَهم، لقلة استعماله وهو فن مُهم يجب أن نَتَثَبَّت فيه أشد تَثبُّت.
وقد أكثر العلماء التصنيف فيه، قيل أول من صنَّف فيه:
النَّضر بن شُمَيل (2) وقيل أبو عبيدة معمر (3)
وبعدهما أبو عُبيد القاسم بن سلَاّم (4)
ثم ابن قتيبة (5) ما فاته المصنفات.
(1) أخرجه أبو داود (4486) وأحمد (2/ 280) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
هو العلامة الإمام الحافظ أبو الحسن المازني البصري النحوي، نزيل مرو وعالمها توفي في سنة 203 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (9/ 328)، وفيات الأعيان (5/ 397) وإنباه الرواة (3/ 348).
(3)
هو معمر بن المثنى التيمي، مولاهم البصري، النحوي، صاحب التصانيف توفي في سنة 209 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (9/ 445)، إنباه الراوة (3/ 276).
(4)
الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي توفي في سنة 224 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (10/ 490)، إنباه الراوة (3/ 12).
(5)
هو العلامة الكبير، ذو الفنون، أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري توفي في سنة 270 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (13/ 296)، إنباه الراوة (2/ 143).
ثم الخطَّابي (1) ما فاتهما، فهذه أمهاته، ثم تبعهم غيرهم بزوائد وفوائد كالنهاية لابن الأثير فإنه بلغ النهاية والفائق للزمخشري فإنه فائق على كل غاية ونرجو أن يكون الكشف عن حقائق السنن (2) قد أجاد في القبيلين الغريب والفقه، وأنعم في المعاني والدَّقائق، وينبغي ألا يقلد فيه إلا مصنف إمام جليل، وأجود ما جاء منه مفسرًا في رواية أخرى.
وأما فقهه: فهو ما تضمنه من الأحكام والآداب المستنبطة منه وهذه آداب الفقهاء الأعلام كالأئمة الأربعة رضي الله عنهم.
وفي هذا الفن مصنفات كثيرة؛ كمعالم السُّنَن للخطابي (3) والتَّمهيد (4) لابن عبد البر فذلك ثمانية عشر نوعًا.
(1) الإمام العلامة، الحافظ اللغوي، أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي توفي في سنة 388 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/ 23)، إنباه الراوة (1/ 125).
(2)
هو إحدى مصنفات المصنف الجليلة.
(3)
وهو شرح لكتاب سنن أبي داود السجستاني وهو مطبوع.
(4)
هو شرح لموطأ الإمام مالك رتبه ابن عبد البر على شيوخ الإمام مالك وهو مطبوع في المغرب، وقد طبع طبعة جديدة في دار الفاروق ورتبه محققه على الأبواب.
والضرب الثاني (1)، فيما يختص بالضعيف:
المَوْقُوف:
وهو عند الإطلاق: ما رُوي عن الصحابي من قول أو فعل، أو نحو ذلك متصلاً كان السند أو منقطعًا.
وقد يستعمل في غير الصحابي مقيَّدًا مثل: وَقَفَهُ مَعْمَرٌ عَلَىَ هَمَّام، وَوَقَفَهُ مَالِكٌ عَلَىَ نَافِعٍ، وبعض الفقهاء يُسمي الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر وأما أهل الحديث فيطلقون الأثر عليهما.
قال ابن الأثير في الجامع (2): الموقوف على الصحابي، قَلَّ ما يخفى على أهل العلم، وذلك أن يُروى الحديث مُسنَدًا إلى الصحابي، فإذا بلغ إلى الصحابي قال: إنه كان يقول كذا وكذا أو كان يفعل كذا وكذا أو كان يأمر بكذا وكذا، ونحو ذلك.
فروع
الأول:
قَولُ الصَّحابي كُنَّا نَفعَلُ كذا، إن أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحيح أنه مرفوع، وبه قطع الحاكم (3) والجمهور، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطَّلع عليه وقَرَّره فإن لم يُضِفْهُ إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو موقوف.
(1) ينظر (ص 24).
(2)
جامع الأصول (1/ 119).
(3)
معرفة علوم الحديث (ص 59).
وقول الحاكم والخطيب (1) في حديث المغيرة "كان أصحابُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَعُون بَابَه بِالأَظَافِير"، إنه موقوف، ليس كذلك، بل هو مرفوع في المعنى ولعل مرادهما أنه ليس مرفوعًا لفظًا (2).
الثاني:
تفسير الصحابي موقوفٌ، ومن قال مرفوع فهو في تفسيرٍ يتعلق بسبب نزول آية؛ كقول جابر كانت اليهود تقول كذا فأنزل الله كذا ونحو ذلك (3).
الثالث:
الموقوف وإن اتصل سنده ليس بحجة عند الشافعي رحمه الله وطائفة من العلماء، وحجة عند طائفة.
المَقْطُوع:
وهو ما جاء من التابعين من أقوالهم وأفعالهم موقوفًا عليهم.
واستعمله الشافعي رحمه الله، وأبو القاسم الطبراني في المنقطع، وسيأتي
(1) الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 59) من حديث المغيرة، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 161) من حديث أنس، وينظر النكت لابن حجر (2/ 518).
(2)
قوله "لفظا" في (ز)،"مطلقًا"، والمثبت من (د)، ونسخة على (ز) وكتب في حاشية (ز)(بل مرفوع بحسب المعنى).
(3)
يشير هنا إلى حديث جابر بن عبد الله الذي أخرجه مسلم (1435) وغيره " أن يهود كانت تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت، كان ولدها أحول، قال فأنزلت، {نِسَاؤُكُم حَرْثٌ لَكُم فَأتُوا حَرثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ".
بيانه وكلاهما ضعيف ليس بحجة.
المُرْسَل:
وهو قول التابعي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا، فهو مرسل باتِّفاقٍ.
وأمَّا قَولُ مَن دون التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا في تسميته مرسلاً فقال الحاكم (1)، وغيره من أهل الحديث: لا يسمى مرسلاً.
قالوا والمرسل مختص بالتابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان الساقط واحدًا سُمي منقطعًا، وإن كان اثنين فأكثر سُمي مُعْضَلاً ومنقطعًا أيضا.
والمعروف في الفقه وأصوله أن كلَّ ذلك يُسمى مُرسَلاً وبه قطع الخطيب (2) قال: إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال، رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فروع
الأول: قيل يُحتج بالمرسل مطلقًا، وردَّه قومٌ مطلقًا، والأَوْلى إن صح مخرجه لمجيئه من وجه آخر مُسندًا عن غير رجال الأول، فهو حُجَّةٌ وعليه جماهير العلماء والمحدثين.
ولذلك احتج الشافعي بمراسيل ابن المسيب لَمَّا وُجدت مسانيد من
(1) معرفة علوم الحديث (ص 67).
(2)
الكفاية (ص 21).
وجوه أُخَر، لا يختص ذلك عنده بمراسيل سعيد كما يتوهمه بعض الفقهاء من أصحابنا، فإن قيل إذا وُجد المسند فالعمل به لا بالمرسل، قلنا المرسل الذي يُعمل به، ما كان راويه ثقة متقِنًا، ليس فيه إلا الإرسال، بخلاف المسند فإن راويَه ليس كراوِيِه، فَجَعْلُ الأول أصلاً والثاني تابعًا أولى من عكسه.
ونقل البيهقي وغيره عن الشافعي أن المرسل إن أسنده حافظ بذلك الإسناد غير مرسل وأرسله عن غير شيوخ الحديث الأول أو عضده قول الصحابي أو فتوى أكثر العلماء أو عُرِف أنه لا يرسل إلا عن عدلٍ، قُبِل (1).
قال البيهقي أيضًا (2): الشافعي رضي الله عنه يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها، ولا يقبلها إذا لم ينضم إليها ما يؤكدها، سواء كان مرسل ابن المسيب أو غيره.
والثاني: إذا روى ثقةٌ حديثًا مرسلاً، ورواه غيره متصلاً؛ كحديث
…
"لا نِكَاحَ إِلَاّ بِوَليٍّ"(3).
رواه إِسرائيلُ وجماعةٌ [عن أبي إسحاق](4) عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، [ورواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي
(1) الرسالة للإمام الشافعي (ص 462 - 463).
(2)
مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 32).
(3)
أخرجه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881).
(4)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
- صلى الله عليه وسلم] (1) فقد حكى الخطيب (2) عن أكثرهم: أن الحكم للمرسل وهذا لا يقدح في عدالة الواصل وأهليته على الأصح، وقيل يقدح فيهما.
والثالث: مرسل الصحابي، وهو ما رواه ابنُ عباس وابنُ الزبير وشبههما من أحداث الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعوه منه، فحكمه حكم المتصل، لأن الظاهر أن يكون روايتهم ذلك من الصحابة، والصحابة كلهم عدول، وحكى الخطيب وغيره عن بعض العلماء، أنه لا يحتج به كمرسل غيرهم، إلا أن يقول: لا أروي إلا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي، لأنه قد يروي عن غير صحابي، وهذا مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (3)، والصواب المشهور، أنه يُحتَج به مطلقًا، لأن روايتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووا عن التابعي بينوها (4).
المُنْقَطِع:
الصحيح عند الجمهور، هو الذي لم يتصل إسناده على أي وجه كان سواء ترك ذكر الراوي من أول الإسناد أو وسطه أو آخره.
(1) ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(2)
الكفاية (ص 411).
(3)
هو الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الإسفراييني الأصولي الشافعي، الملقب ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره وصاحب المصنفات الباهرة، توفي في سنة 418 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/ 353).
(4)
ينظر الكفاية (ص 385)، المجموع للنووي (1/ 103).
إلا أن أكثر ما يُوصَف بالانقطاع في الاستعمال، رواية مَن دون التابعي عن الصحابي؛ كمالك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال الحاكم (1): هو ما اختل فيه قبل الوصول إلى التابعي رجل سواء كان محذوفًا [كالشافعي عن نافع عن ابن عمر أسقط مالكًا](2).
أو مذكورًا مبهمًا كمالك عن رجلٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وحَكى الخطيب (3)، عن بعض العلماء:
أن المنقطع هو ما رُوي عن التابعي أو ما دونه موقُوفًا عليه من قول أو فعل وهذا غريب بعيد.
ويعرف الانقطاع لمجيئه من وجه آخر بزيادة رجل أو أكثر.
صورته، حديث واحد له إسنادان في أحدهما زيادة رجل أو أكثر، فإن عرف أن ذلك الحديث لا يتم إسناده إلا مع تلك الزيادة فالآخر منقطع وإن لم يعرف فيُحتمل أن يكون متصلاً.
المُعْضَل:
يقال أعضله فهو مُعضَل بفتح الضاد، وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدًا كقول مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكقول الشافعي: قال ابن عمر رضي الله عنهما.
(1) معرفة علوم الحديث (ص 70).
(2)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز).
(3)
الكفاية (ص 21).
وعن الحافظ أبي النصر السِّجْزِي (1)، أن قول الراوي بَلَغَنِي، يُسمى معضلاً كقول مالك: بلغني عن أبي هريرة رضي الله عنه (2).
فرع
إذا وقف تابعُ التابعيِّ حديثًا على التابعي وهو مرفوع متصل عند ذلك التابعي، فقد جعله الحاكم (3) نوعًا من المعضل.
نحو قول الأعمش عن الشعبي "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا" الحديث فقد رواه الشعبي عن أنس (4)، وأعضله الأعمش لأن التابعي أسقط اثنين، الصحابي والرسول صلى الله عليه وسلم.
قلت: لا يجوز أن يُنسَب هذا القول إلى التابعي ويُوقَف عليه لأن مثل هذا لا يَصدُر عن التابعي استقلالاً، بل لا بد فيه من السَّماع من صاحب الوحي عليه السلام.
الشَّاذ والمُنْكَر:
قال الشافعي: هو ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الناس (5).
(1) الإمام العالم الحافظ المجود شيخ السنة، أبو نصر، عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد الوائلي البكري السجستاني، شيخ الحرم، المتوفى في سنة 444 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/ 654).
(2)
ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 217).
(3)
معرفة علوم الحديث (ص 80).
(4)
أخرجه مسلم مرفوعًا (2969).
(5)
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 183)، عن الشافعي به.
وقال الخليلي (1): هو ما ليس له إلا إسنادٌ واحد، شذَّ به شيخٌ ثقة كان، أو غير ثقة، فما كان من غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة فَيُوقَف فيه ولا يحتج به.
وهذا يشكل بحديث الأعمال بالنيات إذ تفرد به يحيى عن التيمي، والتيمي عن علقمة، وعلقمة عن عُمر، وعُمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرجٌ في الصحيحين
قال ابن الصلاح (2): ما حاصله أن الأَوْلى التفصيل، فما خالف مُفرِدُه أحفظَ منه وأضبط، فشاذٌّ مَردُود، وإن لم يخالف وهو عدل ضابط، فصحيح.
أو غير ضابط ولا يَبعُد عن درجة الضَّابط، فحسن، وإن بعد فشاذ مُنكَر.
قال القاضي ابن جماعة (3):هذا التَّفصِيلُ حَسَنٌ، لكن أخلَّ في التقسيم الحاصِر أحد الأقسام، وهو حُكمُ الثِّقةِ الذي خالفَه ثِقةٌ مِثلُه فإنَّهُ مَا بَيَّن ما حُكمُهُ.
أقول: قوله أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل، يدل على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودًا، وقد عُلِم من هذا التقسيم أن المنكر
(1) الإرشاد (1/ 176).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 243).
(3)
المنهل الروي (ص 51).
ما هو.
المُعَلَّلُ:
اعلم أن معرفة عِلل الحديث من أجلِّ علومِه وأدقِّها، وإنما يتمكن من ذلك أهل الحفظ والخبرة والفَهم الثاقب، وهو عبارة عن أسبابٍ خفية غامضة قادحة فيه، فالحديث المُعَلَّل: هو الذي اطُّلِع فيه على ما يقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منه، ويَتَطَرق ذلك إلى الإسناد الجامع لشروط الصحة ظاهرًا، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تُنِبّه العارف على إرسالٍ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهمِ واهم، أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه، فكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وُجِد ذلك فيه من الحديث.
والطريق في معرفة عِلة الحديث؛ أن نجمع طُرُقَه فننظر في اختلاف رواته وحفظهم وإتقانهم، وكثيرًا ما يُعلِّلُون الموصول بالمرسل، بأن يجيء الحديث بإسناد موصولاً وبإسناد أقوى منه مرسلاً، فَيُوهم أن الواصل غير ضابط.
وقد تقع العلة في الإسناد والمتن، والأول أكثر، فما وقع في الإسناد يقدح في المتن، وما وقع في المتن يقدح في الإسناد والمتن جميعًا؛ كالتَّعليل بالإرسال والوقف.
وقد يقدح في الإسناد خاصة؛ كحديث يَعْلَى بن عُبَيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " البَيِّعان بالخيار"(1)، وهذا إسناد
(1) أخرجه هكذا الخليلي في الإرشاد (1/ 341).
متصل عن العدل الضابط، فهو مُعلَّل غير صحيح والمتن صحيح، والعِلَّة في قوله عمرو بن دينار، إنما هو أخوه عبد الله بن دينار، هكذا رواه الأئمة من أصحاب الثوري عنه (1).
فوهِمَ يَعْلَى، وابنا دينار ثقتان.
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلمٌ بإخراجه في حديث أنس، من اللفظ المُصرِّح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2).
فعلَّل قومٌ هذه الرواية، بأن نَفيَ مسلم البسملة صريحًا، إنما نشأ من قوله [كانوا يفتتحون بالحمد، فذهب مسلم إلى المفهوم وأخطأ، وإنما معنى الحديث](3) أنهم كانوا يفتتحون بسورة يُذكر فيها الحمد لله، كما يقال قرأت البقرة، ثم انضم إلى هذا أمور منها، أنه ثبت عن أنس أنه سُئِل عن الافتتاح بالبسملة؟ فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول: في قول ابن الصلاح (4) فعلل قوم هذه الرواية، إشارة إلى أنه غير راضٍ عن تخطئتهم مُسْلِمًا، وذلك أن المذكور في المتفق عليه عن أنس قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" وفي رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما
(1) كما رواه البخاري (3/ 84)، البيهقي (5/ 269) وابن عبد البر في التمهيد (14/ 22).
(2)
مسلم (399).
(3)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 261).
كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها".
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه (1) عن عبد الله بن مُغَفَّل قال:" سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فقال أي بني مُحدَث إيَّاك والحَدَث وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان رضي الله عنهم فلم أسمع منهم أحدًا يقولها فلا تَقُلها، إذا أنت صلَّيت فقل الحمد لله رب العالمين " فأين العِلة، ولَعلَّ المُعَلِّل مالَ إلى مذهبه، والإِذعانُ للحقِّ أحقُّ من المراء.
واعلم أنه قد يُطلق اسمُ العلة على غير ما قدمناه؛ كالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحوها، وقد سَمَّى الترمذي النسخ علة.
وأطلق بعضهم اسم العلة على مخالفةٍ لا تقدح؛ كإرسال ما وصله الثقة الضابط، حتى قال من الصحيح ما هو صحيح مُعلَّل كما قال آخر من الصحيح ما هو صحيح شاذ والله أعلم.
المُدَلَّس:
ما أُخفِيَ عَيْبُه.
هو قسمان:
أحدهما: ما يقع في الإسناد وهو: أن يَروي عمَّن لقيه أو عاصره ما لم
(1) الترمذي (244)، والنسائي (2/ 135)، وابن ماجه (815).
يسمعه منه مُوهِمًا أنه سمعه منه، ومن شأن من هو كذلك أن لا يقول في ذلك: حدثنا ولا أخبرنا وما أشبههما حتى يكون مُدلِسًا بل يقول: قال فلان أو عن فلان أو نحو ذلك، ثم قد يكون بينهما واحد فأكثر.
قال الخطيب (1): وربما لم يُسقِط المُدلس شيخَه لكن يُسقِط من بعده رجُلاً ضعيفًا أو صغير السن، يُحسِّن الحديث بذلك، وكان الأعمش والثوري وغيرهما يفعلون هذا النوع.
والثاني: ما يقع في الشيوخ وهو: أن يروي عن شيخ حديثًا سمعه فيُسميه أو يُكَنِّيه أو ينسبه أو يَصِفَهُ بما لا يُعرف به كي لا يُعرف.
أما القسم الأول فمكروه جدًا، ذمَّه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذمًّا له.
ثم اختلفوا في قَبُول رواية من عُرف بهذا التدليس، فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحًا بذلك، وقالوا لا تُقبَل روايته، بيَّن السماع أولم يبيِّن.
والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فحكمه حكم المرسل وأنواعه، وما رواه بلفظ مُبيِّن للاتصال كسمعت وأخبرنا وحدثنا وأشباهها فهو مقبول محتج به، وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدًا كقتادة (2)،
(1) الكفاية (ص 364).
(2)
هو الثقة الثبت؛ قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ينظر تهذيب الكمال (23/ 498).
والأعمش (1)، والسفيانين (2) وهُشَيمٍ (3)، وغيرهم، وهذا لأن التدليس ليس كَذِبًا.
ثم الحكم بأنه لا يُقبل من المدلس حتى يبيِّن، أجراه الشافعي رحمه الله فيمن عرفناه دلَّس مرة (4).
قال الشيخ محيي الدين (5): ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة من التدليس بعن، فمحمول على ثبوت سماعه من جهةٍ أخرى.
وأما القسم الثاني فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفة حاله، ويختلف الحال في كراهيته بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله كون شيخه الذي غيَّر سِمَته غير ثقة، أو أصغر من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه، فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة.
(1) هو الإمام العلم والثقة الحافظ أبو محمد الكوفي سليمان بن مهران الأعمش ينظر تهذيب الكمال (12/ 76).
(2)
هما الإمامان الجليلان الحافظان أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري، ينظر ترجمته في تهذيب الكمال (11/ 154)، وأبو محمد الهلالي سفيان بن عيينة، ينظر ترجمته في تهذيب الكمال (11/ 177).
(3)
هو الإمام الثقة أبو معاوية الواسطي هشيم بن بشير بن القاسم ينظر ترجمته في تهذيب الكمال (30/ 272).
(4)
ينظر مقدمة ابن الصلاح (ص 235).
(5)
التقريب مع التدريب (1/ 360).
وتَسَمَّح بهذا القِسم الخطيب أبو بكر (1)، وغيره من المصنفين.
المُضْطَّرِب:
وهو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجهٍ آخر مخالفٍ له، وإنما نُسمِّيه مضطربًا؛ إذا تساوت الروايتان، فإن ترجَّحَت إحديهما على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح، بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو غير ذلك، فالحكم للراجح ولا يكون حينئذٍ مضطربًا.
والاضطراب قد يقع في السند أو المتن، إما من راوٍ أو من رُواةٍ.
المَقْلُوب:
وهو نحو حديث مشهور، عَن سَالِمٍ، جُعِل عن نافع، ليصيرَ بذلك غريبًا مرغوبًا فيه.
روِّينا أن البخاري قدم بغداد، فاجتمع قومٌ من أصحاب الحديث، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلمَّا فرغوا من إلقائها، التفت إليهم، فردَّ كلَّ متن إلى إسناده، وكلَّ إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالفضل (2).
(1) الكفاية (ص 365).
(2)
أخرج هذه القصة الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 340).
المَوْضُوع:
وهو المُخْتَلَق.
اعلم أن الخبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم يجب تصديقه، وهو ما نصَّ الأئمة على صحته.
وقسم يجب تكذيبه، وهو ما نصُّوا على وضعه.
وقسم يجب التوقف فيه، لاحتماله الصدق والكذب، كسائر الأخبار فإنه لا يجوز أن يكون كله كذبًا، لأن العادة تمنع في الأخبار الكثيرة أن تكون كلها كذبًا مع كثرة رواتِها واختلافهم، ولا أن تكون كلها صدقًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال سَيُكذَبُ عليَّ بعدي، ولأن الأئمة كذَّبُوا جماعة من الرواة وحذفوا أحاديث كثيرة علموا كذبها، فلم يعملوا بها فلا يَحِلُّ رواية الموضوع لأحد عَلِم حاله في أي معنى كان، إلا مقرونًا ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب على ما مر.
وإنما يُعرف كون الحديث موضوعًا بإقرار واضعه (1)، أو ما ينزل منزلة إقراره ويفهم الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وُضِعت أحاديث طويلة تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها.
(1) كما ذكر البخاري في التاريخ الصغير (2/ 192) قال: حدثني اليشكري عن على بن جرير قال سمعت عمر بن صبح يقول أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الصلاح (1): ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيهما كثيرًا، مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
قال الشيح محيي الدين (2): وهذا المذكور هو أبو الفرج ابن الجوزي والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررًا قوم منتسبون إلى الزهد وضعوا الحديث احتسابًا لزعمهم الباطل فَيَقْبَلُ الناسُ موضوعاتهم ثقة بهم وركونًا إليهم.
ووضعت الزنادقة أيضًا جُملاً من الحديث، ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عَوَارِهَا ومَحْوِ عَارِهَا والحمد لله، وقد ذهبت الكرَّاميَّة والطائفة المبتدعة إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يُعتَدُّ بهم في الإجماع.
ثم إن الواضع ربما صنع كلامًا من عند نفسه فروى مسندًا، وربما أخذ كلام بعض الحكماء فرواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما غلط إنسان فوقع في شبه الوضع من غير تعمُّد.
كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث "من كثُرَت صلاته بالليل حَسُنَ وجْهُهُ بالنهار"(3) قيل كان شيخ يحدث في جماعة فدخل رجل حسن
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 279).
(2)
التقريب مع التدريب (1/ 471).
(3)
رواه ابن ماجه (1333).
الوجه فقال الشيخ في أثناء حديثه من كثرت صلاته بالليل إلى آخره فوقع لثابت بن موسى أنه من الحديث فرواه.
ما روينا عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم (1) أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً فسورة؟
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة رحمه الله، ومغازي محمد بن إسحاق، فَوَضعتُ هذه الأحاديث حِسبةً.
وهكذا حال الحديث الطويل الذي يُروى عن أُبيِّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل القرآن سورة فسورة، بَحَثَ بَاحِثٌ عن مَخرَجِهِ حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لَبيِّنٌ عليه (2).
ولقد أخطأ الواحدي المُفَسِّر، وغيره من المفسرين في إيداعهم تفاسيرهم.
[ومما أودعوه فيها أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ في قراءته إلى قوله تعالى:
…
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (3) ألقى الشيطان في أُمنيتِه إلى أن قال: تِلْكَ الغَرَانيِق العُلى وإنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لتُرْتَجَى.
قال الإمام في تفسيره (4) رُوي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أن هذه
(1) قال البخاري في ترجمته من التاريخ الكبير (8/ 111)،ذاهب الحديث جداً، وينظر أيضا تهذيب التهذيب (10/ 433).
(2)
أخرج القصة الخطيب في الكفاية (ص 401).
(3)
النجم (20).
(4)
أي الواحدي.
القصة من وضع الزنادقة وطعن فيها البيهقي أيضًا.
وروى الشيخ محيي الدين (1): عن القاضي عِيَاض أنها باطلة لا تصح عقلاً ولا نقلاً.
وذكر أبو منصور المَاتُرِيدِي: أنها من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة حتى يلقوا بين أرقَّاء الدين ليرتابوا في صحة الدين القويم، وقيل إنها من مفتريات ابن الزِّبَعْرَى.] (2)
وروى مسلم في صحيحه (3) بإسناده عن الأعمش عن أبي إسحاق قال لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي رضي الله عنه قاتلهم الله أيّ علمٍ أفسدوا.
قال الشيخ محيي الدين (4): أشار بذلك إلى ما أدخله الشيعة في علم عَليٍّ وحديثه، وتقوَّلُوا عليه من الأباطيل، وأضافوا إليه من الروايات المفتعلة والأقاويل المختلقة، وخلطوها فلم يتميز صحيحه عن فاسده.
قال ابن الأثير في الجامع (5): من الواضعين جماعة وضعوا الحديث تَقَرُّباً إلى الملوك مثل: غياث بن إبراهيم، دخل على المهدي بن المنصور وكان يعجبه الحمام الطيَّارة الواردة من الأماكن البعيدة، فروى حديثًا عن النبي
(1) شرح مسلم (5/ 75).
(2)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(3)
مقدمة صحيح مسلم (1/ 12).
(4)
شرح مسلم (1/ 83).
(5)
جامع الأصول (1/ 137).
- صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا سبق إلا في خُفٍّ أو حَافِرٍ أو نَصْلٍ أو جَنَاحٍ" قال فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جناح ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا.
ومنهم قوم من السُؤَّال والمُكدِّين يقفون في الأسواق والمساجد فيضعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث بأسانيد صحيحة قد حفظوها، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد.
قال جعفر بن محمد بن الطيالسي:
صلَّى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرُصَافة ببغداد، فقام بين أيديهما قاصٌّ فقال:
حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال لا إله إلا الله يُخلق من كل كلمة منها طائر، منقاره من ذَهَبٍ وريشه مرجان وأخذ في قِصته من نحو عشرين ورقة ".
فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد، فقال أنت حدثته بهذا فقال والله ما سمعت به إلا هذه الساعة، قال فسكتا جميعًا حتى فرغ فقال يحيى بيده أن تعال متوهمًا لنوال يجيزه فقال له يحيى: من حدثك بهذا فقال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال أنا ابن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ولابد لك من الكذب فعلى غيرنا، فقال له أنت يحيى بن معين؟ قال نعم قال لم أزل أسمع
أن يحيى بن معين أحمق، وما علمته إلا هذه الساعة، قال له يحيى وكيف علمت أني أحمق؟ قال كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا، قال فوضع أحمد كُمَّه على وجهه، وقال دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما (1).
فهؤلاء الطوائف كذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجري مجراهم.
[وذكر ابن الأثير أيضا أن حديث صلاة الرغائب مطعون.
وقال الشيح محيي الدين في شرح صحيح مسلم (2): واحتج العلماء بحديث النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام، على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى بالرغائب، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة] (3).
وقال الشيخ الحسن بن محمد بن الحسن الصَّغَاني (4) في كتابه الدر الملتقط في تبيين الغلط: وقد وقع في كتاب الشهاب للقُضَاعي كثير من الأحاديث الموضوعة ما هو ظاهر، فمن ذلك:
• الصُبحة تمنع الرزق.
(1) أخرجها الخطيب في الجامع (2/ 166).
(2)
شرح مسلم (8/ 20).
(3)
ما بين معقوفين سقط من المطبوعة وأثبتناه من (ز)، (د).
(4)
هو الشيخ الإمام العلامة المحدث إمام اللغة رضي الدين أبو الفضائل الصَّغَاني المتوفى سنة 650 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (23/ 282).
• السعيد من وُعظ بغيره.
• الشَّقيُّ من شقِي في بطن أمه.
• الحج جهاد كل ضعيف.
• الجنة دار الأسخياء.
• المؤمن يسير المؤنة.
• شرف المؤمن قيامه بالليل وعزُّه استغناؤه عن الناس.
• اليقين الإيمان كله.
• الموت كفارة لكل مسلم.
• المرء كثير بأخيه.
• الناس كأسنان المشط.
• الغِنى، اليأس مما في أيدي الناس.
• حُبُّك الشيء يعمي ويصم.
• طاعة الناس ندامة.
• البلاء موكل بالقول.
• دفن البنات من المَكرُمَات.
• السلام تحية لملَّتِنا، وأمان لذمتنا.
• النظر إلى الخُضرة تزيد البصر، والنظر إلى المرأة الحسناء يزيد البصر.
• الأنبياء قادة والفقهاء سادة، ومجالسهم زيادة.
• الوضوء قبل الطعام، ينفي الفقر، وبعده، ينفي اللمم ويصح البصر.
• من كِنزِ البر، ويُروى من كُنُوزِ البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة.
• القاصُّ ينتظر المقت والمستمع إليه ينتظر الرحمة والتاجر ينتظر الرزق والمحتكر ينتظر اللعنة.
• من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقب الموت لهى عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات.
• من أيقن بالخُلف جاد بالعطية.
• من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به.
• من عزَّى مُصابًا فله مثل أجره.
• من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار.
• من أخلص الله أربعين صباحًا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
• من أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة.
• من نزل على قوم فلا يصومنَّ تَطوعاً إلا بإذنهم.
• ومن انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا.
• رحم الله امرءًا أصلح من لسانه.
• أَبىَ الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يعلم.
• كأنَّ الحق فيها على غيرنا وَجَب، وكأنَّ الموت فيها على غيرنا كُتِب وكأنَّ اللذين نُشَيِّع من الأموات سفرٌ عما قليل إلينا عائدون، نُبَوِئهُم أَجدَاثَهم ونأكل تراثهم كأنَّا مُخَلَّدُون بعدهم قد نسينا كلَّ واعظة وأَمِنَّا كلَّ جائحةٍ طُوبَى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مالٍ اكتسبه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة وجانب أهل الذُلِّ والمعصية طوبى لمن ذلَّ نفسه وحسُنَت خليقتُه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السُنَّة ولم يَعْدُها إلى بدعة.
• زُرْ غِبًّا تزدد حبًّا.
• أخبر تقله.
• اسمح يُسمَح لك.
• اطلبوا الخير عند حِسان الوجوه.
• اتقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.
• اعتمُّوا تزدادوا حِلماً.
• أغروا النساء يلزمن الحجاب.
• ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام.
• اطلبوا الفضل عند الرحماء من أمتي تعيشوا في أكنافهم.
• استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها.
• تَجَافَوا عن ذنب السَّخي فإن الله آخِذ بيده كلما عثر.
• أكرموا الشهود فإن الله يستخرج بهم الحقوق ويرفع بهم الظلم.
• ارحموا ثلاثة غني قوم افتقر، وعزيزاً ذل، وعالماً يلعب به الحمقى والجهَّال.
• تعشُّوا ولو بكفٍّ من حَشَف فإن ترك العشاء مهرمة.
• أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك يومًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما.
• عِش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، وأعمل ما شئت فإنك مجزي به.
• إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه.
• لا همَّ إلا همَّ الدَّيْن، ولا وجع إلا وجع العين.
• لا يصلح الصنيعة إلا عند ذي حَسب أو دِين كما لا يصلح الرياضة إلا في النجيب.
• لا مهدي إلا عيسى بن مريم.
• لا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل الذي ترى له.
• لا تُظهِر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك.
• لا تجعلوني كقدح الراكب.
• إن لجواب الكتاب حقاً كرد السلام.
• إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
• إن لكل شيء معدنًا، ومعدن التقوى قلوب العارفين.
• يُحَبُّ السماحة ولو على تمرات، ويُحَبُّ الشجاعة ولو على قتل حية.
• إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل.
• ما من عمل أفضل من إشباع كبد جائع.
• حبَّذا المتخللون من أمتي.
• لولا أن السُوَّال يَكذِبُون ما قُدِّس مَن ردَّهم.
• يا دنيا اخدمي من خدمني واتعبي يا دنيا من خدمك.
ووقع في كتاب"النجم المُذيَّل على الشهاب" للإقليشي:
• من مات في طريق مكة حاجًّا لم يعرضه الله ولم يحاسبه.
• من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني.
• من قاد أعمى أربعين خطوة غفر له ما تقدم من ذنبه.
• ومن عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله.
• إن الأذانَ سهل سمح فإن كان أذانُك سهلاً سمحاً وإلا فلا تُؤذِّن.
• لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.
• أربع ملاحِم من ملاحِم الجنة: بدر وأُحد والخندق وحُنين.
• الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
• ردُّ دَانِقٍ حرام يَعدِل عند الله سبعين حجة مبرورة.
• القرآن كلام الله غير مخلوق.
• يُحشر أولاد الزنا في صورة القردة والخنازير.
• صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب القدرية والمرجئة.
• الأربعاء يوم نحس مستمر.
هذا آخر ما جاء في الكتابين المذكورين.
ومما يجري في كلام الناس معزُوًّا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولهم: "إذا رويتم عني حديثًا فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإن خالف فردوه"(1).
قال الخطَّابي في كتاب معالم السنن (2): هذا حديث وضعته الزنادقة، ويدفعه قوله صلى الله عليه وسلم:"إني قد أوتيت الكتاب وما يعدله، ويُروى أوتيت الكتاب ومثله معه"(3).
(1) أخرج هذا الحديث بمعناه العقيلي في الضعفاء (1/ 123) ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (500).
(2)
معالم السنن (4/ 299).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (4/ 130) وأبو داود في سننه (4606) بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معدي كرب.
ومنه قولهم:
• عليكم بدِين العجائز.
• وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين.
• وعليكم بحُسن الخطِّ فإنه من مفاتيح الرزق.
• المستحق محروم.
• العلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان.
• العنب دُودُو (1).
• ومن بَشَّرني بخروج صفر بشرته بالجنة.
• لا تسافروا والقمر في العقرب.
• سِراج أمَّتي أبو حنيفة.
• من صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم، (هذا كلام عمار بن ياسر).
ومن الموضوع:
•خير خَلِّكم خلّ خَمْرِكم.
• عالم قريش يملأ الأرض عِلماً، يعنون به الشافعي محمد بن إدريس رضي الله عنه.
(1) يعني مثنى مثنى، وكتب في حاشية (د)" وهو من الكلمات التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية"
• والحديث الذي يُروى عن أُبَيِّ بن كعب وهو منه بريء في فضائل القرآن سورةً سورةً، وقل تفسير خلا منها إلا من عصمه الله تعالى (1).
قولهم: في حق علي رضي الله عنه:
• إنه لا يحل أن يَجنُب في هذا المسجد غيري وغيرك.
وفي حق أبي بكر رضي الله عنه:
• ما صبَّ الله في صدري شيئًا إلا وصببته في صدر أبي بكر.
قال الشيخ: وقد صُنِّف كتُبٌ في الحديث، وجميع ما احتوت عليه موضوع منها الأربعون المُسمَّاة الوَدعانيَّة (2).
ومنها الوصايا المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أوصى بها عَليًّا رضي الله عنه كلها موضوع ما خلا الحديث الأول وهو:"أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"(3).
قال الشيخ تقي الدين ابنُ تيميَّة (4): (5) ما يُروَى أن "أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل، فقال له أدبر فأدبر فقال: وعزتي ما خلقت خلقًا أكرم
(1) تقدم تخريجه (ص 57).
(2)
للشيخ أبي نصر محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان الموصلي، المتوفى سنة 494 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (19/ 164).
(3)
أخرجه البخاري (6/ 3)، من حديث سعد بن أبي وقاص.
(4)
في (ز) التيمية بزيادة ألف ولام، والمثبت من (د).
(5)
منهاج السنة النبوية (8/ 15 - 16).
منك، فَبِك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب".
ويسمونه أيضاً القلم؛ موضوع، كما ذكر أبو جعفر العقيلي (1)، وأبو حاتم البُسْتِي (2)، وأبو الحسن الدارقطني، وابن الجوزي (3)، وغيرهم.
فذلك اثنا عشر نوعًا يختص بالضعيف.
(1) الضعفاء الكبير (4/ 166).
(2)
لم أقف على كلام ابن حبان بشأن هذا الحديث لكن قال في المجروحين (1/ 259) في ترجمة حفص بن عمر قاضي حلب وهو أحد رواة هذا الحديث: شيخ يروي الأشياء الموضوعات لا يحل الاحتجاج به.
(3)
أخرجه في الموضوعات (366) من طريق الدارقطني.