الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
رؤيته للعلاقة بين الإسلام والواقع
التحاكم إلى الشريعة
الجهاد في سبيل الله
التعامل مع الكفار والعيش في بلادهم
المعاملات المالية
الشيعة
التصوف
الأدب مع الله عز وجل ومع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
فتاوى المرأة
رؤيته للعلاقة بين الإسلام والواقع
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، وهو الدين الكامل الشامل، المتضمن للسعادة والطمأنينة في الدارين.
أما واقع البشر فهو أقدار يجريها الله جل وعلا بحكمته وعلمه، قال تعالى:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} (2).
والإسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، وجاء ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، وما يصلح أحوالهم.
(1) سورة المائدة، الآية 3.
(2)
سورة النجم، الآيات 42 - 58.
لذا كان تغيير ما بالنفس من أمراض وأوباء طريقًا للاستقامة قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (1).
وتكرر النهي عن الغفلة، والتحذير من التمادي في مألوف العادات السيئة، والتقاليد المنحرفة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2).
وكان سبيل الأنبياء والصالحين هو محاولة الإصلاح، وتقويم الاعوجاج المستشري في جسد المجتمعات، والتحذير والتذكير، قال تعالى:{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (3)، وقال:{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (4)، وقال:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (5).
والرجوع لحقيقة الإسلام دون تحريف أو تبديل، والاستقامة على أمر الله جل وعلا، والثبات على شرعه، هو هدف كل من أراد رضا الله جل وعلا، ونشد الصراط المستقيم،
(1) سورة الرعد، الآية 11.
(2)
سورة يونس، الآيتان 7 - 8.
(3)
سورة هود، الآية 88.
(4)
سورة الأعراف، الآية 2.
(5)
سورة طه، الآية 124.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1)، وقال جل وعلا:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2)، وقال عز وجل:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (3).
ولم يكن الركون للباطل ومسايرة أهواء البشر في يوم من الأيام سبيلاً من سبل الدعوة، أو وسيلة من وسائل نشر الخير، قال تعالى:{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (4)، وقال جل وعلا:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (5)، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (6)، وقال سبحانه: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا
(1) سورة الأنعام، الآية 153.
(2)
سورة الزخرف، الآية 43.
(3)
سورة سبأ، الآية 6.
(4)
سورة الأنعام، الآية 150.
(5)
سورة الرعد، الآية 37.
(6)
سورة المؤمنون، الآية 71.
يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (1).
بل إن إعراض المعرضين عن الحق دليل على سوء طويتهم وقبح سريرتهم، قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2).
هذا هو سبيل الإصلاح؛ إظهار للحق، وتغيير للواقع الباطل، ووقوف في وجه الفساد، قال تعالى:{قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} (3).
أما د. علي جمعة فهو يسير بطريقة تحاول:
1 -
الإبقاء على الواقع قدر المستطاع.
2 -
إيجاد المبررات التي تقر كثيرًا من أحداث الحياة.
3 -
البحث في الأمور المشتبهة، والكلمات المحتملة، والتفتيش في المعاني الغامضة؛ ليخرج بما يخفف عن الجماهير عبء تغيير النفوس وتهذيبها.
وباختصار هو يسعى لأن يجد في دائرة المشتبهات ما يقلل دائرة الالتزام بالتكاليف؛ ظنًا منه أن ذلك يخدم الإسلام وينشر الالتزام المزعوم، وتناسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس؛ فمن
(1) سورة يونس، الآية 15.
(2)
سورة القصص، الآية 50.
(3)
سورة هود، الآية 63.
اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) (1).
ووقوفه في دائرة البحث في المشتبهات، أوقعه في أمور كثيرة، تقع في حقيقة الأمر في باب المحرمات والمنكرات، بل وفي باب كبائر الإثم والعدوان، بل يصادم بعضها شرع الله جل وعلا مصادمة ويعارضه معارضة؛ فصار كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
وفي هذا الباب استعراض لمقتطفات وأمثلة من محاولاته مسايرة الواقع، وإيجاد وسائل متنوعة للتعايش والتواصل مع الحكام والمحكومين، والمذاهب والفرق، والأديان والملل، ممتطيًا جواد الفهم المعوج لبعض أحكام الشريعة الإسلامية، معرضًا فيها عن الحق البين والصراط السوي.
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.