المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: تحريف النقول - الدكتور علي جمعة إلى أين

[طلحة محمد المسير]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌الفصل الأولبعض أساليب الدكتور علي جمعة في الإقناع

- ‌أولا: التطاول على المخالفين

- ‌ثانيًا: التناقضات

- ‌ثالثًا: تحريف النقول

- ‌رابعًا: الكلام المحتمل والمصطلحات الفضفاضة

- ‌خامسًا: ذكر صفات الباطل بدقة ثم التلبس ببعضها

- ‌سادسًا: الركون للمبتدعة والأقوال الضعيفة والباطلة

- ‌سابعًا: الإبهار

- ‌ثامنًا: القواعد والأصول المخترعة

- ‌عاشرًا: الإكثار من الشبهات

- ‌الفصل الثانيرؤيته للعلاقة بين الإسلام والواقع

- ‌أولاًً: التحاكم إلى الشريعة

- ‌أ- كلامه عن تطبيق الشريعة في كتاب:(البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل)

- ‌ب- كلامه عن تطبيق الشريعة في مقالات التجربة المصرية

- ‌جـ- طعون الدكتور علي جمعة المتفرقة المتعلقة بتطبيق الشريعة

- ‌ثانيًا: الجهاد في سبيل الله

- ‌ثالثًا: التعامل مع الكفار والعيش في بلادهم

- ‌رابعًا: المعاملات المالية

- ‌خامسًا: الشيعة

- ‌سادسًا: التصوف

- ‌سابعًا: الأدب مع الله عز وجل ومع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ثامنًا: فتاوى المرأة

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثالثا: تحريف النقول

‌ثالثًا: تحريف النقول

يستلزم النقل عن كتب أهل العلم فهمًا للكلام الذي يستشهد به، وفهما للقضية التي يستشهد عليها، ويستلزم أمانة في النقل، حتى لا تُتقول الأباطيل على الأموات، ويساء الظن بهم.

ومن الملاحظ في نتاج د. علي جمعة أمور تخل بالنقول، وتحرفها عن مقصد أصحابها، وذلك بذكر نقول لا تدل على المعنى الذي يريد، وكذلك بنقل النص بالمعنى مع ذكر معنى لا يمت للنص المنقول منه بصلة، وكذلك بتر النقول حتى لا يتضح المعنى الأصلي للكلام، والبحث في كتب الحواشي عن بعض الكلمات الموهمة فيخرجها عن سياقها ويشرحها شرحًا يحقق مقصوده، أضف إلى ذلك الاختصار المخل، وتعميم القول، فينسب مثلاً قول أحد المالكية للإمام مالك والمالكية، ويصحب ذلك أحيانًا عدم ذكر مصدر النقل، أو نسبة النص لغير قائله، أو ذكر مصدر عام غير محدد بدقة، مما يصعب على الباحث مهمة التأكد من النقل، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

أ- أورد فتوى مطولة عن الوصية للوارث، في 4 صفحات (1)، والمنشور في كتاب فتاوى دار الإفتاء، أن السؤال والجواب بنصيهما من فتاوى دار الإفتاء المصرية عام 1985 للشيخ محمد مجاهد، وليست للدكتور علي جمعة، وهذا عمل مستغرب، لا أدري ما تفسيره؟

ب- قال: "يرى الإمام الشافعي أن حلق اللحية مكروه، وهذا معناه أنه يجوز حلقها ولكن مع الكراهة، ومعنى هذا أن الإنسان إذا أطلقها فهذا تقليد للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا حلقها فلا إثم عليه، وهذا نص كلام الشافعي"(2).

(1) كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 324 - 327.

(2)

كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 406.

ص: 29

لا أدري أي نص هذا الذي ذكره؟!! لا يوجد البتة نص للشافعي يقول بكراهية حلق اللحية، بل يوجد نص على تحريم حلق اللحية، قال الشافعي في الأم:(ولو حلقه حلاق فنبت شعره كما كان أو أجود لم يكن عليه شيء، والحلاق ليس بجناية؛ لأن فيه نسكا في الرأس، وليس فيه كثير ألم، وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس فيه كثير ألم ولا ذهاب شعر؛ لأنه يستخلف)(1) فصرح بأن حلق اللحية لا يجوز، وقصارى ما يستطيعه أن يحاول فهم نص من نصوص الشافعي على جواز تقصير بعض اللحية في الحج والعمرة، وشتان بين هذا وذاك.

ج- ومن النقولات العجيبة، أنه رأى فتوى للشيخ عليش يرجح فيها فتوى العز بن عبد السلام بمنع الذكر بصيغة الله الله مقتصرًا عليها، فادعى أمورًا عجيبة؛ ليبرهن على أن العز بن عبد السلام والشيخ عليش رجعا عن ذلك فقال: "والشيخ عليش كان في بدايته وهو عنده 20 سنة، إذ كان لم يسلك طريق أهل الله، ولذلك تراه في هذه الفتاوى يسأل عن الذكر بالاسم المفرد يا الله يا الله يا الله، قال نقلا عن العز بن عبد السلام: إن هذا الذكر لم يرد، فقابل العز بن عبد السلام بعد ذلك أبو الحسن الشاذلي وأخذ عنه الذكر المفرد

، اقتنع العز بن عبد السلام؛ لأنه كان وقافا عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتنع بعد ذلك الشيخ عليش، وأصبح في سند الطريقة الشاذلية!!! " (2) العز بن عبد السلام توفي سنة 660هـ، والشيخ عليش ولد سنة 1217هـ!

د- ومن الأمور العجيبة دعواه نقل الإجماع على استحباب قراءة القرآن عند القبر

(1) كتاب الأم، ج6، ص82 - 83، ط دار المعرفة- بيروت.

(2)

كتاب فتاوى عصرية، ج1 ص 227.

ص: 30

بتحريف عجيب للنقل؛ فقال: "أجمع العلماء على استحباب قراءة القرآن على القبر، كما نقل ذلك الشيخ العثماني في رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، وعبارته في ذلك: (وأجمعوا على أن الاستغفار، والدعاء، والصدقة، والحج، والعتق، تنفع الميت ويصل إليه ثوابه، وقراءة القرآن عند القبر مستحبة) "(1)، لكن المفاجأة أن ما حصل تحريف عجيب، فعند الرجوع لكتاب العثماني رحمة الأمة نجد قوله:(وأجمعوا على أن الاستغفار والدعاء والصدقة والحج تنفع الميت ويصل إليه ثوابه، وقراءة القرآن عند القبر مستحبة وكرهها أبو حنيفة)(2) فعبارة وقراءة القرآن عند القبر غير معطوفة على قوله وأجمعوا!!!.

هـ- قال: "وفي مجموع فتاوى ابن تيمية في المجلد الثالث، وهو يحكي عن مناظرة صفي الدين الهندي إمام الأشاعرة لابن تيمية في صفحة 187: قال الصفي الهندي: (قلت له: أنتم ما لكم على الرجل اعتراض؛ فإنه نصر ترك التأويل وأنتم تنصرون قول التأويل، وهما قولان للأشعري). ونقلُ ابنِ تيمية هذا وقبولُه له يدل على أنه كان أشعريًّا ورضي بذلك، ولكن بعضهم يحاول أن يجعله على مذهب ابتدعوه اسمه مذهب السلف"(3).

وهذا الكلام فيه افتئات على ابن تيمية؛ لأمور:

أولاً: موقف ابن تيمية من الأشعرية واضح، وكتبه مليئة بالرد عليهم، ومناقشتهم في كثير من القضايا، وهذا أمر ظاهر بيّن، وما أمر عداوة كثير من أشعرية عصره له،

(1) كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص188، ونقل قريبًا من هذا الكلام في نفس الكتاب ص 181، وفي كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل ص 284.

(2)

كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص70.

(3)

مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: الأشعرية أهل السنة عبر العصور، بتاريخ 25/ 2/2008.

ص: 31

وسعيهم في حبسه، بخاف على من قرأ نتفًا يسيرة عن حياة ابن تيمية، فكيف يُترك هذا الأمر الجلي لمثل هذا الفهم.

ثانيًا: نصر ابن تيمية لترك التأويل لا يعني أبدًا القول بما يسميه الأشعرية تفويضًا، بل معنى الكلام أنه لا يقول بالتأويل، وليس في الكلام المنقول هنا تعرض لذكر اعتقاد ابن تيمية، فكيف يجعل هذا دليلاً على أنه كان أشعريًا!!

ثالثًا: ابن تيمية يفرق بين الأشعري والأشعرية المتأخرين، ويذكر أن آخر أمر الأشعري موافق لصحيح الاعتقاد، وينقل عن الإبانة تصريح الأشعري أنه يقول بما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ويخالف من خالف قوله، أما الأشعرية المتأخرون فيوضح ابن تيمية أنهم مع مرور الزمن اختلفوا وخالفوا إمامهم (1).

رابعًا: هب أن ابن تيمية وافق الأشعرية في هذه المسألة، أيكون بذلك أشعريًا؟! فكم خالف ابن تيمية مذهب الأشعرية في مسائل كثيرة! ولا يكاد يخلو مذهبين من مذاهب المسلمين من اتفاق في مسائل من الاعتقاد، ويظل لكل مذهب أطره التي قام عليها.

وقال: "ونرى فقهاء المسلمين ومنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، يجعل الكافر العادل أقرب من دين الله من المسلم الظالم؛ لأن العدل أساس الملك"(2).

تعبير أقرب من دين الله افتئات على الأئمة الذين يذكر قولهم؛ لأنه لا يمكن أن يكون الكافر أقرب من دين الله من المسلم، وعبارة ابن تيمية التي أشار إليها هي قوله: (الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة

(1) انظر بيان تلبيس الجهمية، ج2 ص 334.

(2)

كتاب التربية والسلوك، ص 207.

ص: 32

الظالمة وإن كانت مؤمنة) (1) وهذا لا يدل من قريب ولا بعيد على القرب من دين الله، وقصارى ما فيه أنه يتحدث عن جزاء المعتدي في الدنيا، وأن الله قد يقوي أقوامًا من الكفار ويمدهم بمتاع من متاع الدنيا؛ لأن فيهم بعض أنواع العدل، وقد يعجل لبعض المسلمين العقوبة في الدنيا على ظلمهم. وقد وضح ابن تيمية ذلك بقوله في موطن آخر:(وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام)(2).

ز- ومن التحريف تفسير النصوص بمعنى غير مقصود بتاتًا من النص، مثل قوله:"تحريم الدم المسفوح ليس من أجل أنه يسبب ضررًا من ناحية الطب، بقدر ما أنه يسبب ضررًا من ناحية الأخلاق، والتجرؤ على شكل الدم، وعلى رفع الحاجز النفسي بين الإنسان وبين سفك دماء البشر"(3) فلو كانت هذه علة التحريم لكان أكل اللحوم محرمًا من باب أولى؛ لأن فيه تجرؤ على تمزيق الحيوان والتهامه، ومثل ذلك قوله: "النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء) رواه الطبراني في الأوسط، وهو حديث مكون من مقطعين، الأول: أطب مطعمك، وهو أمر يطلب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطيب الإنسان مطعمه، وذلك على مستويين:

المستوى الثاني: هو أن يكون الطعام نفسه طيبًا في مذاقه،

(1) مجموع الفتاوى، ج5 ص 63.

(2)

مجموع الفتاوى، ج30 ص 146.

(3)

مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: الدم نجس عند المسلمين، بتاريخ 15 - 5 - 2006م.

ص: 33

وفي إعداده، والذي يطلب هذا النوع من الطعام هو رقيق القلب، رهيف الحس، الذي لا يدفعه الجوع لملء البطن دون تلذذ بالتذوق والاستحسان" (1) وهذا فهم بعيد كل البعد عن نص الحديث الذي يتحدث عن آداب الدعاء، وأسباب إجابته، ومثل ذلك قوله: "يظهر من أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم تخصيصه بالأسود البهيم ثم نسخه أن الأمر كان يتعلق بمراعاة التوازن البيئي، وأن العلة التي دار معها الأمر هي زيادة أعداد الكلاب في المدينة، بالشكل الذي كان يهدد أمن الإنسان وحياة غيره من الحيوانات" (2) وهكذا يكون التعليل بالتخمين.

(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: أطب مطعمك، بتاريخ 28 - 8 - 2004.

(2)

كتاب البيئة، ص118.

ص: 34