الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ- طعون الدكتور علي جمعة المتفرقة المتعلقة بتطبيق الشريعة
من الملاحظ أن قضية تطبيق الشريعة والتحاكم لشرع الله جل وعلا نالها كثير من التشويه في نتاج د. علي جمعة، وهذه بعض الأمثلة المتفرقة من هذا التشويه:
* يقول د. علي جمعة: "وقد أذن لنا الله أن نتعايش مع أهل الكتاب، وأن نحكم بينهم بما أراده الله لهم في شرعتهم"(1)، ويقول:"نقبل التعددية في المجتمع تحت كلمة الله، ومن خلالها نقبل أن يطبق كل منهم شرعته ومنهاجه بحكم الله الذي في كتابهم"(2) ..
وهذا من التلبيس؛ لأن ما أراده الله لهم هو أن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن يتحاكموا إلى شريعة الإسلام، بل إذا استمروا على كفرهم وعدم الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا نحكم بين من اختصموا إلينا إلا بحكم الإسلام، قال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3).
ثم ما معنى حكم الله الذي في كتابهم؟ إن الكتب التي بين اليهود والنصارى اليوم دخلها التحريف والتزييف، فلا يمكن أن نسمي ما ورد فيها حكم الله؛ إلا إذا ثبت في شرعنا أن هذا الحكم المعين كان في كتبهم قبل التحريف، أما غير ذلك فهذا جرأة على الله وافتراء، خاصة فيما علمنا يقينًا أنه من تحريفهم وكذبهم.
(1) كتاب الوحي والقرآن، ص 90.
(2)
كتاب الوحي والقرآن، ص 90.
(3)
سورة المائدة، الآيتان 49 - 50.
* يقول د. علي جمعة: "لا بد على المسلم في تصرفاته وسلوكه داخل المجتمع غير المسلم أن يندرج تحت قوانينهم، وألا يخالف النظام العام السائد أو الآداب المتعارف عليها، وألا يتعمد مخالفة القوانين أو الخروج عن النظام، وإذا احتاج إلى شيء من التميز كالمسائل الخاصة بالأحوال الشخصية أو الخاصة بالحياة والممات؛ كالأكل، والشرب، والدفن، وغيرها من الأمور التي قد تتعلق بشريعته وتخالف السائد في بلاده، فقد رسم الفقهاء القدماء طريق الاتفاق مع ولي الأمر، أو ما يمكن أن نطلق عليه البرتوكول في عصرنا الحاضر، والذي يسمح له بإقامة شعائره والتمسك بخصوصيته، دون مخالفة للقوانين أو النظام السائد، ولقد جرب المسلمون كثيرًا هذا الأمر، ونجحوا في أغلب الأحيان، مما يجعلنا متفائلين بإمكان ذلك.
والتمسك بالمشروعية مع التعايش مع الواقع يحتاج في بعض الأحيان إلى إبداع طرق جديدة أو أفكار وسطية، فإنه كما قالوا بين نعم ولا مراحل كثيرة، وفي تجربة عيش المسلمين في الهند في العصر الحاضر واستقلالهم بالقضاء فيما بينهم، فقد سمح لهم بالترافع إلى قضاء داخلي فيما بينهم، ما دام الطرفان يرتضيان ذلك، أما إذا اختلفا وتنازعا فلم يرض أحدهما بالترافع إلى القضاء الشرعي، وأراد أن يترافع إلى القضاء المدني، أو أنه رفض الحكم بعد صدوره من القضاء الشرعي، فإن الحكم حينئذ لا يصير ملزمًا له ويستطيع أن يترافع إلى القضاء المدني.
ولقد أخبرني رئيس القضاة الشيخ مجاهد الإسلام قاسمي رحمه الله تعالى في سنة 1994 أنه لم تحدث حادثة واحدة منذ 1936 حيث طبق ذلك النظام رفض فيها أحد المتنازعين القضاء الشرعي، ومثل هذه التجربة التي يكون فيها
القضاء مواز يستمد قوته وإلزامه من الجماعة، مع اندراجه تحت سلطان الدولة ومشروعيتها، أمر جدير بالبحث والتأمل، وإمكانية تكراره" (1).
وهذا كلام عجيب، فالمسلم يلتزم شرع الله جل وعلا، أيًا كان مكانه؛ سواء اتفق ذلك مع القوانين المعمول بها في مكان إقامته أم خالفها، وليس للقوانين الطاغوتية مكانة في حياة المسلم.
وما زعمه من إمكانية تطبيق الشرع مع الالتزام بالقوانين الصادرة في بلاد الكفر، يؤكد على تشرب د. علي جمعة بالمفهوم الغربي؛ لأن الشريعة ليست مجرد أحوال شخصية وبعض الأمور المتعلقة بالحياة والموت والدفن كما يزعم، بل هذا مفهوم علماني كنسي، أما الإسلام فهو نظام شامل في كل مجالات الحياة، له تصوره الخاص للطبيعة الإنسانية والاجتماع البشري.
أما ما زعمه من أن جميع المنتسبين للإسلام يهرولون للتحاكم إلى القضاة الشرعيين، تاركين المحاكم التي تقيمها الدول، فهذا كلام غير واقعي؛ لأننا في البلاد العربية نجد كثيرًا من المنتسبين للإسلام يهرولون إلى المحاكم الطاغوتية، ويتقبلون حكمها المخالف للشرع، ويأبون أن يحكم بينهم العلماء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
* ونجده يُهَمش بعبارة طائشة وتسرع مقيت جل نصوص الشريعة، ويبرر التملص من أحكام الإسلام جملة واحدة؛ فيقول: "دائرة الخبر، ودائرة العمل، أما دائرة الخبر الوارد في تراثنا فإنها لا تحتاج إلى كثير من الاجتهاد، ولا يهتم بها العالم، ولا ينبني عليها عمل، ولذلك فإن الإيمان بها وتقديس مفرداتها لا يؤثر في علاقتنا مع غيرنا، ولا في تطوير حالنا مع أنفسنا، والحفاظ على دائرة
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: أسئلة الأمريكان5، بتاريخ 1/ 5/2006.
الخبر له فوائد كثيرة لعله ليس الآن وقت التعرض لها، أما دائرة العمل فقد ضربت لهم مثلاً بتولي المرأة القضاء، وتوليها منصب الرئاسة، وأمثال هذه الاجتهادات التي اجتهدناها في ما يتعلق بما يصلح عصرنا، وما يصلح له
…
وأنه يجب علينا أن نبذل مزيدًا من الجهد في هذا الاتجاه الصحيح، وألا نشغل أنفسنا بدائرة الخبر حتى تشغلنا وتغبش علينا دائرة العمل" (1).
* ونراه يحترم القانون الوضعي ورجاله فيقول: "الحقيقة أنه لا يجوز أن أعترض على حكم الحاكم أو حكم القضاء ابتداء، وإننا نوقر القضاء في عالمنا توقيرًا زائدًا، ولو أخطأ القاضي فهناك مراحل للتقاضي وإعادة النظر إذا ما جد جديد في القضية، فليترك قضية القاضي ونصحه؛ لأن القاضي لا يتتبع حكمًا وما دام قد أصدر حكمه، فإنا نظن فيه خيرًا إن شاء الله"(2).
* بل هو يدعو لتطبيق بعض أحكام الطاغوت مع مخالفتها للشريعة؛ فمثلاً يقول: "نصوص الإجراءات الجنائية قد ألزمت قاضي التحقيق بحفظ القضية التي يثبت فيها تعرض المتهم للتعذيب أو الإكراه مع إخلاء سبيله، وعلى جميع من بيدهم الأمر العمل على هذا، حتى يستتب الأمن والاستقرار وتحترم كرامة الإنسان، كما أمرنا ديننا، وما عليه نظام مجتمعنا"(3).
وهذا مخالف للشرع؛ لأن التعدي بالظلم على الجاني لا يرفع العقوبة عنه، بل قد يجعل الجناية من اثنين هما الجاني الأصلي فيعاقب على جنايته بما يتناسب معها، والجاني الثاني هو من قام بالتعذيب بلا وجه حق فيعاقب على اعتدائه.
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: المسلمون في بريطانيا2، بتاريخ 18 - 6 - 2007.
(2)
كتاب فتاوى عصرية2، ص252.
(3)
كتاب فتاوى عصرية2، ص395.