الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
إن الله جل وعلا حفظ دينه، وأعلى كلمته، وأتم نوره، وجعل الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وجعل فيها من البلاء والفتن ما يميز الخبيث من الطيب، ويوضح الهدى من الضلالة.
وكان من حكمة الله وقدره أن ابتلى المسلمين على مر العصور بطائفة، ارتدت ثوب العلم والعلماء، وتكلمت في دين الله جل وعلا، لكنها طائفة مالت عن طريق الحق، وانحرفت إلى طرق الأهواء والبدع، فكانت فتنة أيما فتنة، عصفت بأمم من الناس، وأودت بطوائف من طلبة العلم، وأضلت عن سبيل الله، لكن الله جل وعلا يأبى إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته، فجعل العاقبة للمتقين، وهتك أستار الضالين المنحرفين.
وكان من دين أهل السنة وديدنهم أنهم يقفون ضد انحرافات أهل البدع، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، محتسبين ذلك عند الله تعالى؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، فما ارتفعت لأهل البدع راية إلا انتكست، ولا انتصبت لهم قامة إلا قصمت، قال تعالى:
ولقد كان هذا الاستعراض في فكر د. علي جمعة جولة سريعة لم تهدف إلى الاستقصاء والاستقراء التام لكل مظاهر الخلل؛ بل اقتصرت الدراسة على بعض المنشور من كتبه، وعدد من مقالاته في جريدة الأهرام، وحوار مرئي واحد، دون هذا الكم الكبير
(1) سورة غافر، الآية 51.
من البرامج المرئية والمسموعة، والحوارات، والأخبار، والمقالات (خاصة مقالات الواشنطن بوست)، والتسريبات، وكلام أقرانه الثقات
…
، وقد تم تجنب الحديث عن كثير من القضايا المغلوطة التي ذكرها د. علي جمعة، بل والتي اشتهر بها واقترنت باسمه؛ لأن الهدف هو تقديم أمثلة ونماذج ورءوس أقلام، تبين بعض مواطن الخلل، وبعض نماذج الافتراء؛ ليقيس عليها اللبيب بقية الآراء والأطروحات المماثلة، بعيدًا عن أجواء اللجاج المتكلف والبلبلة الفكرية.
وتوضح هذه الدراسة أن انتشار الشبهات وكثرة الاعتراضات التي يواجهها الحق لا تضعف الحق بل لا تضيره؛ لأن الشبهة نتاج التفكير الخاطئ، والفهم المعوج، ومن ظن أن بإمكان فرد أو مجموعة تتبع الشبهات، وبيان زيفها، وتفنيد أباطيلها، فقد أبعد النجعة، وطلب المحال، وأخطأ الطريق؛ ذلك أن عالم الشبهات عالم واسع، لا تكاد آفاقه أن تُرى، ولا يقف المتتبع له على نهاية، فعامة الشبهات هي نتاج خطأ أو جهل أو هوى، وهي أمور تتسع مع اتساع رقعة الخائضين، وتزداد كلما ازداد عدد الجاهلين، ومن أراد الكفاية والطمأنينة فعليه بالعلم النافع واليقين الصادق، وليرد المتشابه إلى المحكم، والمعوج الخفي إلى الواضح السوي، وعندها لن يترك النور الذي عنده للظلمات التي تعتلج في نفس غيره، ولن تزيده كثرة المشككين إلا ثقة وثباتًا، وبهذا تُرد عادية المعتدين مع تنوع طرائقهم واختلاف أهدافهم؛ من الكفار، والمنافقين، والمبتدعة، والجاهلين؛ لأن للحق بريقًا يميزه عن زيف الباطل، مهما اكتسى الباطل من حُلل وحيل.
وتبين هذه الدراسة أن فكر د. علي جمعة لا يمثل إلا نفسه، ولا يعبر إلا عن آرائه، وإن حاول البعض عقد صلة بينه وبين فكر الأزهر أو الأشاعرة أو المدرسة العقلية أو الحركية، فهي صلة منقطعة؛ لأن هذه المدارس والاتجاهات لها أطرها المعلومة، أما د. علي جمعة فليس له إطار محدد ولا نسق واضح يسير عليه.
ومن الممكن أن تستهوي بعض الآراء التي انتقدها الكتاب ميل بعض القراء، ويرى أن هذا الرأي أو ذاك له وجه من النظر، وهذا وارد في كل دراسة صغيرة الحجم مشتملة على كم كبير من الرؤى والأطروحات؛ لأن تفصيل الأمور له موطن آخر، وهذه الدراسة اشتملت في صفحات معدودة على عشرات القضايا والآراء والأفكار والأطروحات والعجائب والغرائب، فمن الطبيعي أن يخالف البعض بعض ما فيها، ولكن يبقى بلا شك ما قرره الكتاب من استنكار واستهجان منطبقًا على الكم الأكبر من الآراء التي استنكرها واستهجنها.
وأخيرًا: فإن العالم الإسلامي اليوم يمر بمرحلة حرجة، لا مجال فيها للمجاملات الباردة التي تقبل التنازل عن الثوابت والمفاوضة على المبادئ، وهو في أشد الحاجة إلى علماء مخلصين، يقدمون مراد الله عز وجل على كل مراد سواه، بفهم عميق، ورأي سديد، وعمل رشيد؛ لنتخلص من شباك الأعداء التي التفت حول جسد الأمة فأثقلته وأوهنته، ولننزع سهامهم التي أثخنت جسد الأمة وأدمته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.