الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: التناقضات
التناقض في الفتيا المبني على غير القواعد العلمية، دليل على الحيدة عن الصواب، وقد يكون محاولة لاسترضاء الأطراف المتعددة، بإيهام الموافقة على مذهب كل فريق.
ومن الظواهر الملفتة وجود كثير من الأقوال المتناقضة في نتاج د. علي جمعة، والأغرب أنها تتناقض بصورة عجيبة؛ فيكون القول باطلاً والحديث ضعيفًا، وبعد قليل يصبح القول قويًا والحديث صحيحًا، وكثير من هذه التناقضات ليست وليدة علم جديد، ولا إعادة نظر، بل ظهرت بعد منصب الإفتاء الذي ابتلي به.
ومن أمثلة التناقضات ما يلي:
أ- أفتى في قضية التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه مسألة خلافية، ولم يرد في السنة الصحيحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد إلى التوسل بالعمل الصالح وهو حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "السؤال: ما حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء؟ الجواب: هذه مسالة اختلف فيها الفقهاء، ولذلك ونحن ندعو ينبغي علينا أن ندعو بما نجد قلوبنا عنده، ولم يرد في السنة الصحيحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد وردت بعض الأحاديث الضعيفة التي يستدل بها كثير من الناس على جواز التوسل بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وصورة أخرى أن يدعو الإنسان الله سبحانه وتعالى ويتوسل إليه بحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن حب الله للنبي صفة من صفات الله القديمة التي لا اختلاف بين العلماء في جواز التوسل بها، فإذا كان هو يريد أن يظهر علو مقام النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه وحبه إليه، فإنه يتوسل إلى الله بصفة من صفاته سبحانه وتعالى تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك نخرج من كل هذا الخلاف، ولكن
هذه مسألة خلافية، ولذلك أنا أنصح السائل ألا يجعلها قضية بينه وبين الآخرين، وأن يتوسل إلى الله بحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم" (1).
وفي فتوى أخرى يرد على ما ذكره هنا، ويصف الأحاديث بالصحة، ويشدد على المخالف، وكان مما قاله:"ولكل هذه الأدلة الصريحة الصحيحة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها على جواز واستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على أن ذلك لا يحرم قطعًا، وهو ما نراه؛ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم مستحب، وأحد صيغ الدعاء إلى الله عز وجل المندوب إليها، ولا عبرة لمن شذ عن إجماع العلماء كابن تيمية ومن ردد كلامه من بعده"(2)!!!.
ب- أفتى بحرمة نقل الأعضاء، وتتبع حجج المخالفين، ثم بعد ذلك عاد فنقض ما قاله، وها هي فتواه:
قال: "بالنسبة لي أرى أنه لا يجوز نقل الأعضاء البشرية؛ لأن الإنسان لا يملك أعضاء نفسه، والتبرع والبيع إنما يكون بناء على الملك، والإنسان لا يملك أعضاء نفسه؛ لأنها ملك لله، ولذلك لا يجوز الانتحار؛ لأن نفس الإنسان ليست ملكه، وجسده ليس ملكه، ولا يجوز له أن يبيع رجله أو كبده أو كليته، كذا إلى آخره.
الآن يقولون نقل العضو من الميت إلى الحي محال طبيًا إلا ما يتعلق بالعين، وما زال الطب لم يصل إلى القدرة على أن ينقل من الميت إلى الحي.
(1) كتاب فتاوى عصرية، ص 335، وكتاب فتاوى البيت المسلم، ص 420.
(2)
كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل، ص189.
والقضية الثانية: نقل من الحي إلى الحي، وهذا لا يجوز فيه التبرع أو البيع كما سلف. فماذا نفعل في هذه التي فقدت كليتيها ولا تجد المال الذي سوف تنفقه على الغسيل الكلوي، فنقول للسائل: لا بأس من عدم الغسيل الكلوي؛ لأنها سوف تموت أيضًا إذا نقلنا الكلية، ونسب النجاح بسيطة في نقل الكلية، وإذا استمرت تستمر عامًا أو عامين، ثم بعد ذلك تموت أيضًا، فالخوف من الموت لا يجعلنا نفعل الحرام من أجل درئه؛ ولذا لا أراه جائزًا.
ولا يقاس هذا على مسألة أن كل إصبع من أصابع يد الإنسان له دية؛ لأن الدية إنما تكون عقوبة لفعل المجرم، ولضياع المنفعة، ولا تكون ثمنًا للعضو.
ولا أرى أيضًا أن يقاس على أكل الميتة للمضطر؛ لأن أكل الميتة للمضطر أمر عارض، كما أنه يأكل ميتة غير مقدسة كحيوان أو طير، وما نحن بصدده هو التصرف في الأحياء بتحويلهم إلى قطع غيار بشرية؛ فهذا أمر يقدح في الأخلاق ابتداء ويقدح في الدين انتهاء، وهذا هو ما مال إليه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في فتواه، وإن خالف بعض أعضاء المجمع في هذا؛ لأن المسألة محل نظر، ولكن جمهور مشايخنا على أنه حرام، وأننا لا ينبغي أن نفتح هذا الباب.
والذي حدث الآن أنهم يقتلون الناس، بل ويخطفون الأطفال والشباب الصغار، ويأخذون أعضاءهم، ثم يلقونهم في الطرقات، ثم يقومون ببيع هذه الأعضاء.
وسد الذريعة أحد مصادر التشريع الإسلامي.
إذًا أنا أرى والله تعالى أعلم وهذا رأي جمهور العلماء أن هذه المسألة حرام ابتداء، وأنه حتى القائلين بشيء من الجواز ينبغي عليهم أن يقولوا بالحرمة
سدًا للذريعة، والله أعلم.
وهنا يُطرح سؤال: ماذا لو كان التبرع عن طيب خاطر وعن طيب نفس، كمن تبرع لابنه أو لأبيه أو العكس؟
نقول: هناك شروط شرطها الأطباء ذوو الاختصاص؛ منها أمن المريض على حياته، ونقول أيضا: هذه شروط وهمية، فالأطباء يقولون: إن الإنسان يمكن أن يعيش بكلية واحدة، فماذا يحدث لو تبرع شخص بإحدى كليتيه ثم فشلت الأخرى؟ إذًا، ومن باب سد الذرائع، ومن باب الواقع، ومن باب المفهوم للمسألة، سيتحول الإنسان إلى جزء من الكون كالخشبة والحديدة، يستطيع الآخر أن يتصرف فيه، وأن يقطع الجسد أجزاء، وأن يتبرع، وأن يبيع، وأن يتصرف، ويوصي، وكذا، إلى آخره.
وأنا أظن أنه لا بد علينا أن نقف مع كل الأخلاقيين في العالم في سد هذا الباب" (1).
ولكن المرء تشتد دهشته وعجبه حين يقرأ بعد ذلك فتوى للدكتور علي جمعة مضادة تمامًا لما سبق أن أفتى به؛ حيث يقول: "من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات نقل وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان؛ سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي، وهذا جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على
(1) كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 297.
البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ، ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه، ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل.
وهذا حينئذ يكون من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (1) ويكون من باب التضحية والإيثار أيضًا الذي أمر الله تعالى بهما وحث عليهما في قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (2)، وكما يجوز أخذ عضو من الحي إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق حالاً أو مستقبلاً، فإنه يجوز أيضًا الأخذ من الميت إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق أو لتحقيق مصلحة ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحي تمامًا في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال لقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (3)، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم:(كسر عظم الميت ككسره حيًا) رواه ابن ماجه، فإن هذا التكريم لا يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر أو رد بصره بعده؛ لأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت" (4).
(1) سورة المائدة، الآية 32.
(2)
سورة الحشر، الآية 9.
(3)
سورة الإسراء، الآية 70.
(4)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص310 - 311.
ج- اختلاف تقدير الدية، فذكر في مقالة بالأهرام تقديرًا للدية المغلظة، وذكر في مواطن أخرى تقديرًا للدية يختلف تمامًا عن هذا التقدير، فقال:"المطالبة بدية هؤلاء الشهداء، والدية حينئذ مقومة بمائة من الإبل مغلظة الأسنان؛ لأنه قتل عدوان، وهو ما يسمى في القوانين الحديثة بالتعويض، وقيمته تزيد على نصف مليون دولار على الأقل"(1). ولكنه قال في موضع آخر: "عليه دية مسلمة إلى أهل المتوفى المقتول، والدية تقدر بـ 12 ألف درهم فضة، وهي في زماننا هذا تساوي 36 ألف جنيه مصري تقريبًا، وهذا يعني أنها في حدود 7 آلاف دولار، هذا أقل شيء؛ لأنه في الزمن الأول كان 12 ألف درهم يساوي ألف دينار ولو حسبناها بالدينار يصير 170 ألف جنيه أو مائة من الإبل فيصير 300 ألف جنيه"(2)!!.
د- تناقض قوله في حكم دفع الزكاة في مصالح المسلمين العامة من إنشاء طرق وبناء مستشفيات .. فقال: "فمن المصارف في سبيل الله، والراجح ما عليه جمهور الفقهاء من عدم جواز صرفه إلى عموم مصالح المسلمين؛ من إنشاء الطرق، والمستشفيات، والمدارس، والمساجد، ونحو ذلك، بل هذه المصالح توقف لها الأوقاف أو يتصدق عليها بالصدقات المختلفة سوى الزكاة"(3). وقال: "لم يجوز الفقهاء صرف أموال الزكاة في غير مصارفها؛ فمصارف الزكاة محدودة محصورة في الأصناف الثمانية التي حددها القرآن، ولقد كان للزكاة بيت مال
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: قتل الأسرى، بتاريخ 26 - 3 - 2007م.
(2)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 375 - 376.
(3)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص123، وكتاب فتاوى البيت المسلم، ص 142 - 143.
خاص، أي ميزانية مستقلة، فقال الفقهاء: لا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى؛ من بناء المساجد، والجسور، والقناطر، والسقايات، والمدارس، وتمهيد الطرق، وشق الأنهار، وسد البثوق" (1).
ثم نراه يقول مخالفًا ذلك: "والفقهاء لهم تعريفات كثيرة لمصرف في سبيل الله، فأفضل ما قيل: كل مصلحة للأمة تتعطل لا يقوم بها بيت المال أو الحكومة ويصلح سدادها؛ لأن هذه المصلحة تخدم الفقير كما تخدم الغني، فإن وضعت في مستشفى كالتي أشير إليها، أو في ملجأ، أو في مكان يخدم الناس عامة؛ لكون جهات البر الأخرى أو جهات بيت المال الأخرى لم تف بهذه الحالة، فقد برئت الذمة وأدت ما عليها من الزكاة إن شاء الله"(2).
هـ - تناقض قوله في حكم الزكاة على النقود المودعة بالبنك، فكان رأيه أولاً موافقا لرأي العلماء في وجوب الزكاة عليها إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول فقال:"وديعة البنك إذا بلغت النصاب الشرعي، بما يساوي خمسة وثمانين جرامًا من الذهب عيار 21، وحال عليه الحول الهجري، فإنه يجب إخراج الزكاة وهي ربع العشر، وبما أن السائل يقول بأن قيمة الوديعة تتناقص بمرور الزمن فكيف يقدر الزكاة؟ فنقول: يأتي في آخر العام وينظر المتبقي منها، فإن بلغت النصاب وجب فيها الزكاة، وإن لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها"(3).
(1) كتاب البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص 259.
(2)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص105.
(3)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 103.
وقال كذلك: "إذا بلغ المال النصاب الشرعي أو أكثر؛ سواء أكان رأس مال، أو عائدًا، أو هما معًا، وجبت فيه الزكاة بعد استيفاء الشروط المنوه عنها سابقًا، بواقع 2.5 %، فإذا كان العائد يضم إلى رأس المال فيبلغان النصاب مع حولان الحول وجبت فيهما الزكاة بنفس النسبة، فإذا كان العائد يصرف على احتياجات صاحب المال ومن يعول فلا يبقى منه شيء يبلغ النصاب مع رأس المال فلا زكاة عليه"(1).
وقال كذلك: "س: ادخرت مبلغًا من المال من مصروف البيت، وعندي سبعة أطفال، وقد ادخرتها لكي نبني لنا بيتًا، فهل تجوز الزكاة على هذه النقود المدخرة أم لا؟
الجواب: إذا كان هذا المال المدخر بلغ نصابًا، وهو ثمن حوالي خمسة وثمانين جرامًا من الذهب، ومر عليه حول ولم ينفق، فتجب فيه الزكاة، ما دام بلغ النصاب، ومر عليه الحول، وتجب الزكاة في آخر الحول، أما إذا لم يكن بلغ النصاب فلا زكاة عليه، وإذا بلغ النصاب ولم يحل عليه فلا زكاة عليه" (2).
ثم في موضع آخر يميل عن هذا الرأي، فيفتي بتخيير السائل بين إخراج زكاة المال وعدم إخراجها، فيقول: "يقول جمهور الفقهاء أن هذا عليه زكاة تعادل اثنين ونصف بالمائة في السنة، وهناك رأي للشيخ عبد الله المشد رحمه الله بأن يزكي بعشرة بالمائة من إيراد الوديعة، فإذا كان التعويض مثلاً خمسين ألف
(1) كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 114.
(2)
كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 145.
جنيه، ويكون ريعها في السنة خمسة آلاف جنيه، وبالتالي فالعشرة بالمائة تساوي خمسمائة جنيه، أما الاثنان ونصف بالمائة فتساوي ألف ومائتين وخمسين جنيه، فالشائع والأكثر إجماعًا عليه هو الاثنان ونصف، وذلك من أجل مصلحة الفقراء، أما إذا ضاقت الظروف فلا مانع من العشرة بالمائة" (1).
ثم أفتى في موضع آخر بعدم دفع الزكاة على الوديعة فقال: "الوديعة التي نضعها في الاستثمار يصعب فكها، فلو وضعنا 100 ألف، هذه الـ 100 ألف محبوسة، ولو سحبت فإنها تضيع، فشبهوا الوديعة الاستثمارية في حكاية الربطة بالأرض، لو بعتها قطعة قطعة تضيع؛ لأنها أصل من الأصول، والعقار أصل من الأصول، والله لم يفرض الزكاة على الأرض، بل فرض الزكاة على الذي يخرج من الأرض، الله لم يفرض الزكاة على العقار أو على البيت، بل فرض الزكاة على الذي يخرج من البيت وهو الإيجار ويمضي عليه سنة كاملة، وعندما جعل الأرض وفرض على الخارج منها فرض العشر، أي عشر ما ينتج من الأرض.
وقد حدد الفقهاء الأشياء التي يجب إخراج الزكاة عليها؛ فقال أبو حنيفة: إنه تجب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض
…
فنحن نفتي بكلام عمر بن عبد العزيز، ونفتي بكلام الجماعة العلمية المصرية؛ حيث اتفقت ليس كلها ولكن أيام الشيخ عبد الله المشد في لجنة الفتوى على أننا نخرج العشر تقليدًا لعمر بن عبد العزيز في هذه الحالة؛ لأن هذا هو الأوفق في هذه الحالة، حيث شابهت الوديعة وليس النقود السائلة
(1) كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 131 - 132.
الثابتة، أي أننا نخرج الزكاة 10% من الإيراد، فيكون هذا أرفق بك" (1).
وأكد هذا الكلام في نفس الكتاب فقال: "س: سمعت فضيلتكم تقول: إن الوديعة يصح أن تكون زكاة المال على الإيراد بدلاً من الوديعة نفسها، هل ما فهمته صحيح؟
الجواب: نعم ما فهمت صحيح، وهي فتوى عمر بن عبد العزيز، وأخذ بها الشيخ عبد الله المشد من شيوخنا رحمه الله، رئيس لجنة الفتوى، وأخذ بها كثير من الفقهاء" (2).
وتناقض قوله في حكم النمص؛ فمرة يراه حرامًا موافقا لمذهب جماهير العلماء، ومرة يراه مباحًا بإذن الزوج، فيقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النمص، فعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، والواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والموشومة، والنامصة، والمتنمصة، ونهى عن النوح)(3) والنمص في اللغة كما أفاد أهل اللغة هو المتعلق بشعر الحاجبين، وعلى ذلك فاللعن والنهي الممنوع هو الاقتراب من شعر الحاجبين.
وقد أجمع جمهور الأمة على أن هذا النهي عام، ولكن أبا حنيفة يرى أن هذا النهي متعلق بحق الزوج، بمعنى أن الزوج له أن يأذن في مثل هذا.
والراجح هو ما عليه الجمهور، وهو أن النصوص جاءت مطلقة، والنهي جاء مطلقًا؛ فعن علقمة قال: لعن عبد الله الواشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله، قالت: والله لقد
(1) كتاب فتاوى عصرية، ج 1 ص 77.
(2)
كتاب فتاوى عصرية، ج1 ص 150.
(3)
الظاهر أن هذا جمع بين عدة أحاديث، وردت في كتب السنة.
قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأته لقد وجدته: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)(2) " (3).
وقال: "هناك بعض الأخوات يردن أن يتزين لأزواجهن، هل هناك مانع في مثل هذه التصرفات؟
الجواب: لا تقترب من شعر الحاجبين، حتى لو كان هناك ما يستدعي ذلك، فقد ورد في الأحاديث البعد عن هذا، وعدت الشريعة هذا نوع من أنواع تغيير خلق الله، ولكن مذهب أبي حنيفة الذي يجيز هذا بإذن الزوج فقط، فهذا الحكم ينبغي أن يحذرن فيه غاية الحذر؛ لأن فيه لعن، وبعض العلماء جعل علامة الكبيرة هو وجود اللعن أو الخلود في النار، فينبغي عليها أن تبتعد عن هذا، وأن ترضى بحكم الله في هذا الشأن" (4).
ثم نراه يقول: "لا تشتغل في الحواجب إلا بإذن الزوج، وكلمة بإذن الزوج هذا هو المذهب الفقهي، هكذا يرى أبو حنيفة والشافعي، أنه يجوز للمرأة أن تعمل حواجبها بشرط موافقة الزوج، أي أنهما جعلا الوارد في الحديث متعلقًا بالتجمل والمخادعة لغير الزوج"(5).
وقال: "يجوز لك أن تزيلي شعر الوجه وتزجيج الحواجب، وهذا على مذهب الإمام الشافعي وأبي حنيفة"(6).
(1) سورة الحشر، الآية 7.
(2)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب وما آتاكم الرسول فخذوه، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة.
(3)
كتاب فتاوى عصرية، ج2 ص 343.
(4)
كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 410.
(5)
كتاب فتاوى عصرية، ج1 ص 482 - 483.
(6)
كتاب فتاوى البيت المسلم، ص411.
ز - تناقض قوله في حكم بقاء المعتمر في مكة من رمضان إلى الحج بدون تأشيرة؛ حيث قال: "هل يجوز الذهاب للعمرة في رمضان، ثم الانقطاع في الحجاز حتى يأتي وقت الحج؟ الإجابة: نعم يجوز هذا"(1).
وقد يقول قائل: إن هذه الإجابة غير صريحة في الانقطاع دون تأشيرة، لكن قرائن الحال في المجتمع، تؤكد أنه يقصد بدون تأشيرة؛ حيث صرح في فتوى أخرى بوجود مائة ألف معتمر مصري تخفى بمكة إلى وقت الحج فقال مناقضًا هذه الفتوى:"ولقد أصدرت فتوى سنة 1426هـ حول هذا الموضوع، وكان المتخلفون بعد عمرة رمضان أكثر من 100 ألف، في حين أن الحجاج المصريين نحو 60 ألفًا، وبذلك فإن نحو ضِعف الحجاج الذين لهم مكان في الأماكن المقدسة يتواجدون في نفس الوقت من غير مكان، وذهبت هذه الفتوى من خلال فقه الأمة إلى تحريم هذا التخلف"(2)!!.
ح- تناقض قوله في صوم أهل البلاد الذين يطول النهار عندهم إلى عشرين ساعة؛ فقال عندما سئل عن صيام رمضان في شمال أوربا؛ حيث تبلغ مدة الصوم تسع عشرة ساعة: "الصوم الشرعي يبدأ من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس كل يوم، فتختلف مدته باختلاف عروض البلاد، وكيفما كانت المدة فإن مجرد طولها لا يعد عذرًا شرعيًا يبيح الفطر، وإنما يباح الفطر إذا غلب على ظن الناس بإمارة ظهرت، أو تجربة وقعت، أو بإخبار طبيب حاذق، أن صومه هذه المدة يفضي إلى مرضه أو إلى إعياء شديد يضره، كما صرح به أئمة الحنفية، فيكون حكمه حكم المريض الذي يخشى التلف، أو أن
(1) كتاب تيسير النهج في شرح مناسك الحج، ص 104.
(2)
مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: ما بعد الحج، بتاريخ 7/ 1/2008.
يزيد مرضه، أو يبطئ شفاؤه إذا صام.
هذا هو المبدأ العام في رخصة الفطر وفى التيسير على المكلفين، وكل امرئ بصير بنفسه، عليم بحقيقة أمره، يعرف مكانها من حل الفطر وحرمته، فإذا كان صومه المدة الطويلة يؤدي إلى إصابته بمرض أو ضعف وإعياء يقينًا أو في غالب الظن بإحدى الوسائل العلمية التي أومأنا إليها، حلّ له الترخص بالفطر، وإذا كان لا يؤدى إلى ذلك حرُم عليه الفطر، والناس في ذلك مختلفون، ولكل حالة حكمها، والله يعلم السر وأخفى" (1).
وبعد صفحة واحدة فقط توجد له فتوى مخالفة، فقال:"حيث إن النهار يطول في نيوزلاندا عن حد الاعتدال حتى يقارب تسع عشرة ساعة، مما يسبب إرهاقًا شديدًا للمسلمين في صيامهم؛ لذلك فإننا نرى أن يقدر أهل هذه البلاد للصيام وقتًا معتدلاً، فيصوموا قدر الساعات التي يصومها المسلمون في أقرب البلاد المعتدلة إليهم، أو يتخذوا من مواقيت البلاد المعتدلة التي نزل فيها التشريع الإسلامي (مكة والمدينة) معيارًا للصوم قدر الساعات التي يصومها المسلمون في واحدة من هاتين المدينتين، على أن يبدأ الصوم بالنسبة لهم من طلوع الفجر الصادق عندهم، حسب موقعهم في الأرض، دون نطر إلى طول النهار وقصر الليل بالنسبة لهم، وأيضًا دون نظر إلى غروب الشمس أو اختفاء الضوء لدخول الليل، أي يكون مدة صيامهم متساوية مع أقرب البلاد الإسلامية لهم أو مكة والمدينة"(2).
ط- تناقض قوله في حكم مصافحة المرأة الأجنبية؛ فمرة يفتي بما يتوافق مع مضمون
(1) كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 98 - 99.
(2)
كتاب فتاوى البيت المسلم، ص 90 - 91.
الحديث الذي يحذر من مس امرأة لا تحل؛ فيقول: "لا تجوز مصافحة النساء الأجنبيات وهن من لسن بمحارم، والنساء المحارم هن من لا يجوز للمسلم التزوج بهن مطلقًا كالأم، والأخت، والبنت، والعمة، والخالة، والجدة، والأحفاد من البنات، وأم الزوجة، وزوجة الابن، وبنت الأخ، وبنت الأخت، والأم من الرضاع، وبنت الزوجة، وهن مذكورات في آية النساء رقم 23.
لا تجوز مصافحة الأجنبيات في العمل أو في أي مكان أو زمان، والأجنبيات كالزميلة في العمل أو الدراسة أو الجارة أو ابنة العم أو العمة أو الخال أو الخالة، وغيرهن ممن لسن بمحارم كما أسلفنا.
ومن صافح هؤلاء الأجنبيات فقد وقع في الحرام، وخالف سنة النبي العدنان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صافح امرأة قط، وعندما كان يبايع النساء كان يبايعهن بالإشارة بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم، ويقول محذرا وحاظرًا من هذه المصافحة:(لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)" (1) ومرة يفتي بخلاف ذلك فنجد السؤال التالي: "السؤال: أنا فتاة منتقبة هل يجوز لي السلام على الرجال بحائل؟ الجواب: قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (2) وبناء على ما سبق فإن سلام المرأة على الرجل إن كان لمجرد التحية دون أي غرض فهو جائز شرعا لدخول النساء في عموم الآية، أما إن كان السلام بالمصافحة بقصد التلذذ وإثارة الشهوة فهو حرام ويجب الابتعاد عنه" (3).
(1) كتاب فتاوى عصرية، ج2، ص17، 18.
(2)
سورة النساء، الآية 86.
(3)
كتاب فتاوى عصرية، ج1 ص24.