الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنًا: القواعد والأصول المخترعة
القواعد والأصول تبنى على الاستقراء، وتتوخى تحقيق المقاصد، ويحتاط في إطلاقها حيطة كبيرة، ويهتم بتحرير حدودها وضوابطها، ويحذر من تعميمها على غير أفرادها.
لكن الملاحظ عند د. علي جمعة أنه يكثر من القواعد في أثناء أحاديثه، دون مبالاة بتحريرها، ثم يعممها، فيخرج بنتائج تصادم الأصول الصحيحة، وتلبس على الناس كثيرًا من الأمور.
ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ- تتكرر الأحاديث المشكلة التي يلقيها د. علي جمعة، وتطير أخبارها في كل مكان، وتتعدد طرق فهم أحاديثه، ثم نجده لا يصحح مفهوم كلامه، ويترك الناس على أفهامهم، وإذا لامه أحدهم أخرج من جيبه قاعدة رماها في وجه من يلومه، ألا وهي: لا ينسب لساكت قول، تاركًا التبيين والتوضيح، كما وضح هذه القاعدة في قوله:"وقال بعضهم: إن هناك أشياء لا يمكن إلا وأن تكون قد صدرت منكم، فقلت له: كيف هذا؟ فقال: لقد نشرت مرات. وهذه عقلية مرفوضة مع ما نراه ونعرفه من أن أغلب الناس لا يتوثقون التوثق الذي تعلمناه"(1) وقال كذلك: "الأصل أنه لا ينسب لساكت قول .. ؛ فالناقل قد يقع في شيء من العوارض البشرية، فإذا سكت المنقول عنه لا ينسب له قول ذلك القائل، ولا بد من التحري"(2).
ب- عندما يظهر الطعن في فتاوى بعض الناس؛ لفقدهم العدالة المشترطة في المفتي، يأتي قوله مروجًا لفتاواهم، فيقول: "من العبارات الشائعة في كتب الفتوى قولهم: (خذ بفتواه ولا تلتفت إلى تقواه) وهي قاعدة جليلة تنبه إلى الفرق بين علم
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: المؤسسة الدينية في مصر 3، بتاريخ 6 - 8 - 2005م.
(2)
مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: لا ينسب لساكت قول، بتاريخ 19 - 2 - 2005م.
الدين وبين التدين العملي" (1) ويقول: "كل المسلمين يستطيعون أن يكونوا من علماء الدين دون شرط من جنس أو نوع أو لون أو حتى تقوى" (2).
مع أنه هو الذي يقول: "لا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء؛ لأن الإفتاء يتضمن الإخبار عن الحكم الشرعي، وخبر الفاسق لا يقبل، واستثنى بعضهم إفتاء الفاسق نفسه، فإنه يعلم صدق نفسه، وذهب بعض الحنفية إلى أن الفاسق يصلح مفتيًا؛ لأنه يجتهد لئلا ينسب إلى الخطأ، وقال ابن القيم: تصح فتيا الفاسق، إلا أن يكون معلنا بفسقه وداعيا إلى بدعته، وذلك إذا عَمَّ الفسوق وغلب؛ لئلا تتعطل الأحكام، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح"(3).
ج- وضع قاعدة، أخطأ صياغتها وتطبيقها، وجعلها مستنده في كثير من فتاواه العجيبة، وهي قوله:"من ابتلي بشيء مما اختلف فيه، فليقلد من أجاز"(4) فما معنى الابتلاء بالشيء؟ أهو الوقوع فيه، أم الرغبة فيه، أم الاضطرار إليه؟ وما الاختلاف المراد؟ أهو أي خلاف، أم الخلاف المعتبر؟
د- يكثر الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في فتاواه، ووضع لها قاعدة أنه يؤخذ بها ما لم تخالف أصول الدين؛ فقال:"الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال، الحديث الضعيف يؤخذ به ما لم يخالف أصلاً من أصول الدين" لذلك لا نستغرب عندما يعارض الأحاديث الصحيحة بالأحاديث الضعيفة والموضوعة مثل قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان أصحابه يعظمونه، ويهابونه، ويقومون لهذا الجمال
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: خذ بفتواه، بتاريخ 19 - 3 - 2005م.
(2)
كتاب الحكم الشرعي، ص 122.
(3)
كتاب البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص 158.
(4)
كتاب البيان لما يشغل الأذهان، فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص167.
والجلال تأدبًا منهم، وعجزوا عن ترك القيام، برغم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك القيام، أخرجه أبو داود في سننه؛ لشدة جماله وبهائه صلى الله عليه وسلم، فقال حسان:
قيامي للحبيب علي فرض
…
وترك الفرض ما هو مستقيم
عجبت لمن له عقل وفهم
…
ويرى ذاك الجمال ولا يقوم" (1)
فعارض الحديث الصحيح بشعر لا يكاد يوجد في كتب التراث عامة، وكتب الحديث خاصة، إلا حكاية ذكرها بعض الفقهاء المتأخرين في بعض كتبهم بلا سند أصلاً.
هـ- المبرر لكثير من فتاواه التي تسارع إلى العمل بالأمور المشتبهة دون تحر أو تحقيق قاعدته في أن العصر ليس عصر الورع؛ لأن الأخذ بالورع سيعطل الحياة على حسب تعبيره؛ فيقول: "جدد حياتك مع الله، التزم بالحلال والحرام، لا تلجأ إلى محاولة الورع وأن تتمسك به، فالعصر ليس عصر ورع"(2)، ويقول:"عصرنا هذا هو عصر الحلال والحرام وليس عصر الورع، لو أخذنا بالورع فإن حياتنا سوف تتعطل، والله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بذلك، فقد أمرنا بالورع على قدر المستطاع، لكن لو جعلنا الورع هو الأساس كما كان قديمًا لم نستطع أن نحيا بصورة نقوم فيها بواجب الوقت"(3).
وعندما يصدر الأحكام التي تخالف المستقر والثابت، يدعي أن هذا نتاج ما يسميه فقه الأمة الذي يستوعب ما لا يستوعبه ما يسميه فقه الفرد؛ فيقول: "إن كثيرا مِن مشكلاتهم تتمثل في تعاملهم مع فقه الأمة من خلال منظور فقه الفرد، مما
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: وصف النبي كما جاء في السنة، بتاريخ 5 - 12 - 2009.
(2)
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ص 96.
(3)
كتاب فتاوى عصرية، الجزء الأول ص 477.
قد يسبب في كثير من الأحيان ضياعَ المقاصد الشرعية، أو ضياع مصالح الخلق، أو عدمَ إدراك مراد الشارع مِن شرعه، أو أن يَكِرّ التصرفُ الذي يحسبه أحدهم مِن الدِّين بالضرر على الدِّين نفسه، وكل هذا من التناقض الذي يسببه فقدانُ الفهم الدقيق للفرق بين فقه الفرد وفقه الأمة" (1) وقال:"وقد شغل فقه الفرد مساحة كبيرة جدًا على مناهج تعليمنا، وعلى أسئلتنا اليومية الحياتية، وعلى خطابنا الديني، بشكل غطّى على فقه الأمة، وكاد أن يجعله في الهامش، بدرجة أن بعض المفكرين والمهتمين بالدراسات الإسلامية من غير الإسلاميين يكادون لا يعرفون عن مجهودات العلماء السابقين في فقه الأمة"(2).
(1) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: فقه الأمة، بتاريخ 14 - 1 - 2008م.
(2)
مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: ما بعد الحج، بتاريخ 7 - 1 - 2008م.
تاسعًا: ذكر نتائج بلا مقدمات ملائمة
يقوم البعض بذكر مقدمات طويلة، يصول فيها ويجول، ويحاول أن يدلل وأن يرد، ثم تأتي الخاتمة بأمر عجب، وهو الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي جادل من أجلها، وغالبًا ما تستخدم هذه الطريقة لكسر حاجز المعارضة لأمر ما، وعندما يظن المؤلف أن الحاجز قد كُسر، وأن القارئ قد تهيأ وسلم للنتائج، يقوم بذكر هذه النتائج، التي لا تتعلق بالمقدمات بقدر تعلقها بحالة الانقياد التي يحاول إيصال القارئ لها، وكثيرًا ما تكون في هذه النتائج مصادمة تامة لكثير من الحقائق والثوابت المعلومة، ومن أمثلة ذلك:
أ- تكلم عن الضرائب، وحاول إيهام القارئ أن هذه الأموال التي تستولي عليها الحكومات ظلمًا وعدوانًا بحجة الضرائب مباحة، ثم كانت النتيجة أن جعل أخذ الضرائب واجبًا فقال:"ولا ريب أن تحكيم هذه القواعد الشرعية، لا يؤدي إلى إباحة الضرائب فحسب، بل يحتم فرضها وأخذها؛ تحقيقًا لمصالح الأمة والدولة، ودرءًا للمفاسد والأضرار والأخطار عنها"(1).
ب- تكلم عن السبحة لنفي البدعية عنها، ولكن المفاجأة أنه خرج بتفضيلها على التسبيح باليد، وليس جوازها فقط، فقال:"والسبحة أداة يجوز للمسلم استخدامها في العد في الأوراد، وهي أولى من اليد إذا أمن الإنسان الخطأ؛ لأنها أجمع للقلب على الذكر"(2).
ج- تكلم عن أن بعض الأحناف يبيحون أخذ الربا من الكفار في دار الحرب، لكن النتيجة أنه أفتى بجواز دفع الربا للكفار في بلاد غير المسلمين، وأنه لا توجد ديار حرب
(1) كتاب البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص 257.
(2)
كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل، ص 237.
بل ولا ديار كفر!!! (1).
د- تكلم عن مسألة وقت رمي الجمار في الحج، وحاول الوصول إلى جواز الرمي في كل أيام منى دون تحديد وقت ما للرمي، ولكن في النهاية وصل إلى نتيجة أخرى، وهي أن العمل بهذا الرأي واجب وليس جائزًا فقط فقال:"فإن الأخذ بفتوى إجازة رمي الجمرات في ساعات اليوم كله وليس الرمي في وقت محدد، واجب شرعي على الحجاج"(2).
بل إنه حاول تأثيم من يلتزم قول جمهور العلماء في تحديد أوقات للرمي، بدعوى أنه يريد قتل المسلمين!! فقال:"فإن من فضل المزاحمة التي تؤدي إلى موت نفسه أو موت غيره، على العمل بقول وإن كان مرجوحًا قديمًا إلا أنه ترجح في أيامنا هذه صيانة للنفس البشرية، فهو آثم شرعًا، ويخشى عليه من عدم قبول حجه؛ إذ لا يجوز له بحال الإصرار على قول مختلف فيه إذا تيقن موت كل هؤلاء المسلمين، فإن الخروج من الخلاف مستحب وليس بواجب، وقتل النفس من الكبائر اتفاقًا"(3).
(1) ستأتي مناقشة الفتوى في ثنايا الكتاب إن شاء الله، وأصلها في كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل، ص 108.
(2)
مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: الجمرات وأزمة الفكر 2، بتاريخ 23 - 1 - 2006م.
(3)
كتاب البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص 286 - 287.