الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليها إن انحرفوا عنها ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
إلى المسجد
ومن هذه القلعة ذهبنا إلى المسجد لتأدية فريضة الجمعة حيث كنّا على وشك الصلاة، وهناك رأينا في انتظارنا عدداً كبيراً من عظماء القوم في مدينة بعلبك، يتقدّمهم حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة نقيب السادة الأشراف، وقائمقام بعلبك، وعبد الحميد باشا الدروبي. وبعدما فرغنا من أداء الصلاة، قصدنا إلى الفندق مباشرة فتناولنا هناك طعام الغداء، وجلسنا بعد ذلك ريثما أخذنا أهبتنا
للسفر. ثم ذهبنا على عرباتنا إلى المحطّة الّتي كانت مكتظّة بالمودعين من حكام المدينة وعلية الناس فيها فسلّمنا عليهم. وقد رأينا من عنايتهم وعناية الأهالي بتوديعنا ما كان لا يقل عن ترحابهم وحفاوتهم بنا عند الاستقبال. أمّا نحن فقد بارحنا هذا البلد على غاية من السرور، شاكرين لأهلها الكرماء ما قابلونا به أوّلاً وأخراً من اللطف والمعروف.
السفر إلى حمص
نزلنا من القطر وما هي إلا لمحة عين وقد تحرّك متّجهاً مع سلامة الله إلى حمص وكان طريق سيره بالقرب من نهر هناك يعرف بنهر العاصي وكان على جانبي الطريق بساتين أنيقة وزروع بهيجة تنعش الروح وتسرّ الخاطر وقد صادفنا أثناء سيرنا قرية تسمّى
الياعات
.
الياعات
قرية واقعة في طريق حمص بين بعلبك وبلد تسمّى برأس بعلبك، وعدد سكّانها يبلغ نحو ألف نفس، وأهلها يستقون من بئر عذب جميل. وقد اشتهرت هذه القرية
بعمود أثري مركّب من 16 حجراً فوق قاعدة درجية مربّعة على قمته تاج قورنشي، وعلوّ هذا العمود من قاعدته إلى تاجه يبلغ عشرين متراً، وهو منفرد في السهل وليس حوله شيء من الآثار. ويقال إنّ الّذي بنى هذا العمود هو الملكة هيلانة، أم قسطنطين الكبير، إذ أنها كانت تشيّد في كلّ مرحلة من طريقها إلى القدس أثراً ليوقد على رأسه نار ترى على مكان الأثر الآخر، افتخاراً وإعلاناً بكشف الصليب. وما زلنا نواصل السير، والطريق في الوادي كان يضيق تدريجياً بين الجبلين اللّذين كادا يتعانقان لولا كان يمنعهما الحياء، فمررنا على جملة بلاد صغيرة، ويقال إن في بعضها آثاراً تاريخية، حتّى وصلنا إلى رأس بعلبك وهي
على مسيرة نحو 72 كيلومتراً من مدينة بعلبك. هذه البلدة ترتفع عن منسوب البحر بنحو 810 متر، ومعظم سكّانها من طائفة الروم الكاثوليك. وعندئذ كانت المنطقة سهلاً مستوياً، فكانت تنكشف منها للمسافرين بحيرة حمص على مسافة طويلة. فما برحنا نتابع السير، حتّى إذا قربنا من تلك البحيرة مررنا بكفر يسمّى بالقاعة. وعند تلك الجهة كانت الأرض في أكثر المواضع غير مزروعة وذلك لأنّها فقدت خصوبتها بسبب مجاورتها للبحر، وقد يوجد في بعض الجهات زروع إلا أنّها من الأعشاب والحشائش الطبيعية وبعد ذلك وصلنا إلى بلد يسمّى بالقصير، ثمّ إن بحيرة حمص هذه كبيرة متّسعة حتى أنها لم تفارق أنظارنا في طول هذا السفر إلّا بعد مسيرة ساعتين تقريباً، وقد شاهدنا على مسافة بعيدة جبل عكار، الّذي سنتكلم عليه في موضع آخر من تلك الرحلة إن شاء الله، وما فتئنا نتابع السير ونقطع الفيافي والبلاد حتّى وصلنا إلى محطّة الكتينة ثمّ بارحناها فما لبثنا بعدها إلا مسافة صغيرة حتّى وصلنا مع سلامة الله ورعايته إلى محطّة حمص، وهي على بعد 110 من الكيلومترات من مدينة بعلبك.