الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حواسّهم من الماديّات والطبيعيّات، فظلّوا من أجل ذلك عاكفين على عبادة الأصنام الّتي شيّدوها وأقاموا عليها المعابد وتغالوا في بنائها وزخرفها إلى حدّ يدهش العقول:
إنّ الهياكلَ وهيَ رأيٌ فاسدٌ
…
فيها دَلائلُ قدرةِ العمّالِ
تُلقي عَليك دُروسَ تاريخ الأُلى
…
شادوا القِلاعَ بِأضخمِ الأثقالِ
تُعطيكَ مِنها للعقولِ وَللهوى
…
مَثلاً يَسيرُ لآخرِ الأجيالِ
قالوا التناقضُ يَستحيلُ وجودهُ
…
وَبِها رَأيتُ تناقضَ الأمثالِ
ظلم الحكومات في الزمن القديم
خرجنا من القلعة ووقفنا نتزوّد منها النظرة الأخيرة وعندئذ ما كان أشدّ حركتها في سكونها وأعظم فصاحتها في سكوتها، إذ كان يخيّل إلينا أنّ أصواتاً خافتة كأنّها لا تزال خائفة تتصاعد من خلال الأبنية الفخيمة، ومن تحت قواعد الأعمدة الجسيمة والهياكل العظيمة، قائلة: انظروا إلى ما بقي من هذه المباني العالية، ثمّ إلى تلك الأطلال البالية تعلّموا كيف كان مقدار قسوة الحكّام وظلمهم في العصور الخالية.
حَمَلنا فوقَ أظهُرِنا جبالاً
…
وَشيّدنا بِها حِصناً حَصينا
يَقومُ مَدى الزمان أدلّ شيءٍ
…
عَلى ظلمِ الملوكِ السابقينا
وَيشهد أنّنا عِشنا عَبيداً
…
وَقاسَينا العَذابَ بِه سِنينا
نعم وهل كان يرتاب أحد في أنّ هؤلاء العمال كانوا يساقون إلى جرّ الأثقال من
الجبال كما تساق الثيران والبغال؟ ولا بدّ أنّهم فقدوا الصبر وعيت بهم الحيل، بعد أن استنصروا فلم يجدوا ناصراً واستصرخوا فلم يجدوا مغيثاً. أرأيت لو أن أصحاب الأمر جعلوا بدل ما أن يقيموا من الحجارة مثل هذا البناء الهائل أن يقيموه من أجسام العشائر والقبائل التي ذهبت في سبيل الأغراض ضحيّة الأتربة والأنقاض، أليس كانوا يسدون منها الفضاء ويبلغون بها إلى عنان السماء؟ أرأيت إن نطقت هذه التماثيل النائمة والصور القائمة، أليس كانت تخبر عن عدد الأرواح الّتي أزهقت في نحتها وقطعها وحملها ووضعها؟ ولا ذنب يستوجب عقابها ولا جناية تستدعي عذابها سوى أنّها خلق كريم من الإنسان، كان من حقّه أن يشتغل بعقله ويستخدم مواهبه فيما خلقت لأجله. ولكن ما كان أسوأ حظّ هؤلاء المساكين في ذلك الوجود المظلم، إذ عاشوا ما قدّر لهم أن يعيشوا، مسخّرين لإرادة غيرهم، عاملين غير فاعلين إلا على مقتضى أمرهم ونهيهم.
هَل كانَ يُرضيكَ يا جوبترُ ما صَنعوا
…
بِالناسِ في غابرِ الأزمانِ والأممِ
أَم كانَ يحسن يافينوس ما نَظرت
…
عيناك مِن ظلمنا في خِدمةِ الصنمِ
إلهة العشقِ ما ذُقنا النعيمَ وما
…
كنّا لِندركَ غيرَ الذلِّ والألمِ
عِشنا لِنَحملَ أَحجاراً وأَعمدة
…
طولَ الحياة وَمتنا مَوتةَ الغنمِ
هذه هي الأصوات التي كان يتخيّلها الإنسان تبعث من ذلك المعبد القديم أو كان يسمعها من لسان حاله وما كان أبلغه في نطقه وأصدقه في مقاله.
لِسانُ المرءِ يكذبُ في كثيرٍ
…
وَأصدَق ما يدلّ عليهِ فعله
فَيَنطق ساكناً نطقاً صحيحاً
…
وَيَظهر منهُ باطنهُ وعَقله