المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌الدنادشة والعكاكرة

- ‌السفر من بور سعيد

- ‌بيروت

- ‌في الفندق

- ‌ردّ الزيارة

- ‌استطراد في الطريق إلى بحث أخلاقي

- ‌عود إلى بدء

- ‌زيارة متصرّف جبل لبنان

- ‌زيارة القومندان

- ‌حديث مع بعض التلاميذ

- ‌زيارة المدرسة الحربية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌نزهة في الضواحي

- ‌غريبة في بيروت

- ‌إلى متصرّف لبنان

- ‌زيارة المجلس البلدي

- ‌كلمة عن بيروت

- ‌وصف منظر

- ‌السفر إلى دمشق

- ‌موقع الجبل

- ‌حاصلات لبنان

- ‌هواء لبنان

- ‌صناعات لبنان

- ‌دمشق

- ‌زيارة في الفندق

- ‌سياحة في المدينة

- ‌الإنجليزي في دمشق

- ‌ أسواق المدينة

- ‌فكاهة

- ‌ جامع بني أمية

- ‌إهداء عالم

- ‌ صلاح الدين الأيوبي

- ‌الصالحية

- ‌في محطة دمشق

- ‌طريق السفر إلى بعلبك

- ‌ مدينة بعلبك

- ‌تاريخ المدينة

- ‌من المحطة إلى الفندق

- ‌ أسرة مطران

- ‌قلعة بعلبك

- ‌إهداء مدير الآثار

- ‌كلمة عن القلعة

- ‌إلى المسجد

- ‌السفر إلى حمص

- ‌ الياعات

- ‌ملحق بقلعة بعلبك

- ‌نبذة من أخلاق المتقدّمين وعوائدهم

- ‌ظلم الحكومات في الزمن القديم

- ‌مدينة حمص

- ‌زيارات

- ‌قلعة حمص

- ‌كلمة عامة عن المدينة

- ‌جامع خالد بن الوليد

- ‌إلى بيت الباشا

- ‌السفر من حمص

- ‌ حماة

- ‌فتح حماة

- ‌في محطة حلب

- ‌ردّ زيارة

- ‌في الفندق

- ‌مسجد سيدنا زكريا

- ‌قلعة حلب

- ‌بيت جابري باشا

- ‌إلى النزل

- ‌في نادي الاتّحاد والترقّي

- ‌قصيدة الخوري

- ‌قصيدة جورجي أفندي خياط

- ‌ حلب

- ‌تاريخ المدينة

- ‌بيوت المدينة

- ‌السفر من حلب

- ‌حديث الأمير المغربي

- ‌السفر من حمص

- ‌في الطريق

- ‌حادثة في الطريق

- ‌استطراد في السياحة

- ‌السفر من تل كلخ

- ‌بيت عمر باشا

- ‌مسجد طيلان

- ‌ طرابلس

- ‌تاريخ طرابلس

- ‌الوصول إلى بيروت

- ‌وكيل البطريك

- ‌زيارة المدارس

- ‌كلية الأمريكان

- ‌ صيدا

- ‌تاريخ المدينة

- ‌السفر إلى صيدا

- ‌إلى بيروت

- ‌المدرسة المارونية

- ‌خاتمة

- ‌المقدمة

- ‌أسماء الموظفين

- ‌اللجنة الإدارية

- ‌قانون الجمعيّة

- ‌تكملة الرحلة الشامية

الفصل: ‌استطراد في السياحة

ولم أكن فارساً ضمن أولئك الفوارس الشجعان فأركض فرسي لتعدو سريعة في ذلك الميدان. وكان يكثر نزوعي إلى مباراتهم كلّما كنت أنظر إليهم فأشاهد خفّتهم على الأفراس، وهم يذهبون بها هنا وهناك، تارة يهيجون وأخرى يدافعون وآونة يسرعون وأخرى يبطئون.

‌استطراد في السياحة

يسافر الإنسان إلى أقاصي البلدان ويرحل عن وطنه أحياناً لباعث مخصوص وقصد معلوم ثمّ يتّفق أن يعترضه في طريق رحلته شيء أو أشياء كثيرة لم تكن لتدور من قبل في خلده أو تخطر له ببال، ثمّ كثيراً ما يصادف أن يكون بعض الشيء من ذلك هامّاً خطيراً إلى درجة أن ينسى معه الإنسان غرضه الذاتي. وربّما لم ينسه ولكن يهمله إهمالاً، ويعنى بذلك الشيء العارض، ويحصر كلّ عمله فيه. وهكذا تتفاوت الأمور وتتباعد مراتبها، وكلّ أمر يأخذ من عناية الإنسان واجتهاده بقدر أهميّته في نفسه أو مركزه من الفائدة والمنفعة، في اعتقاد صاحب العمل. وقد قيل: احترام كلّ شيء إنّما يكون بقدر الحاجة إليه. عرف القارئ من مجمل ما تقدّم بالضرورة أنّ سياحتنا في بلاد سورية كان القصد منها، أوّلاً، يدور حول ثلاثة أغراض لا يخلو منها جملة مسافر في الغالب. الأول: تبديل الهواء طلباً للصحّة والعافية، الثاني: مشاهدة معالم المدن الشهيرة في سهول الشام وعلى جبال لبنان، الثالث: الاطّلاع على كرائم الخيل العربية والشامية الّتي تمتاز بها هذه البلاد منذ العصور القديمة. وقد كان هذا المقصد الأخير من أهم

بواعث السفر وأعظم أسبابه. ولقد بحثنا جهدنا ونقّبنا آخر ما كان يمكننا عن تلك الخيل، لعلّنا نصل منها إلى غايتنا، فلم يتّفق أن نرى في نتيجة هذا البحث سوى الخيل العادية التي لم تطابق رغبتنا، ولم تكن لتمتاز في نظرنا بوجه من الوجوه. ذلك كان على الرغم من أنّ الصدفة خدمتنا كثيراً في هذا الموضوع وساقت إلينا، فيما ساقته من ذلك النوع، أكثر ممّا سعينا إليه، وتعرّفناه بأنفسنا في غير مرة وغير مكان. هذه كانت مقاصدنا الذاتية وأغراضنا الجوهرية الأولى. ولكنّنا صادفنا، في غضون السياحة، من أخطر

ص: 140

الأمور وأجلّ الأعمال ما اتّفق أن نجده في طريقنا عرضاً، ممّا لا نرى في استطاعتنا بيانه على وجهه بأكثر من أن نخيل القارئ في هذه الرحلة، فيرجع إليه رجوعاً خاصّاً ويدركه حينئذ واضحاً مفصّلاً في مواضعه بالأسباب والمناسبات، وما كنّا لنورده اقتضاباً. وإن الحديث يتفرّق بالإنسان شعبه ووجهه، ويتشبّث بعضه ببعض. وأراني بحمد الله قد استفدت من تلك الأمور على ما فيها فوائد جمّة، ما كان أشدّ حاجة مثلي إليها. وإنّه ما كان يتيّسر لي بحال أن أستفيدها جملة وأنتفع أو أنفع بها أبداً إلا من هذا الطريق، طريق الصدفة العجيبة الّتي أكثر ما كانت تفاجئنا على غير حساب سابق وموعد متقدّم. وربّ صدفة خير من ميعاد. ولولا أنّ وقتي الّذي حتمته المقادير لهذه السياحة كان شهراً واحداً، وهو وقت قصير بالقياس إلى ما كان يلزم للتجوّل في مناكب الشام الواسعة وجوانبها الشاسعة، لكنت استفدت أكثر من ذلك كثيراً، ولكانت تكون رحلتي هذه كتاباً ضخماً يحوي في طوايا صحائفه مجموعة صحيحة صريحة من أنواع متفرّقة وفنون متنوّعة. أمّا ما كنت شرحته من حياة القوم الاجتماعية وأخلاقهم وآدابهم وشجاعتهم وسياستهم فإنّه لم يكن بالشيء القليل ولا بالأمر الغامض، بل لعلّ فيما ذكرته من هذا القبيل كفاية لمن أراد أن يعرف على وجه الإجمال ماذا كان تكوين ذلك الشعب الشامي الجليل، وما هي أحواله

العمومية، أو أراد أن يفهم كيف كان شأني فيما بينهم من أوّل السفر إلى أخره، خطوة خطوتها في أرض تلك البلاد. نعم، إنّ الظروف الّتي وجدت فيها كانت تأبى عليّ في غالب الأحيان أن أجتمع إلا بكبار القوم وخاصّتهم، ولهؤلاء صفات وشمائل لا توجد في مطلق الناس. وعلى الرغم من أنّي كنت أتحيّن الفرص، من وقت إلى آخر لكيما أختلط بالعامّة وأمارسهم شأن من يهمّه الوقوف على المبادئ والعادات، لم يصادف أن يجتمع لي وقت كاف أو تتيسر لي معهم ممارسة طويلة، إنّما كنت أختلس بعض الزمن وأجد منهم ذلك غراراً مثل حسو الطير ماء الثماد. وإنه ليصعب مع هذا جدّاً أن يحيط الإنسان بتفصيل موضوع أخلاقي في مجموعة كبيرة تختلف من وجوه كثيرة، وأن يلمّ من ذلك بما لو أراد أن يعطيه

ص: 141

للمستفيد موضوعاً وافياً ودرساً كافياً تحت عنوان أخلاق الشعب وعوائده، لجاء فيه على الكفاية من كلّ شعبه وأطرافه، لاسيما وأنّه موضوع دقيق يحوج إلى نظر ورويّة، ريثما يدعو إلى عشرة طويلة واحتكاك عظيم. ولعلّ الحاكم بعد ذلك على أخلاق القوم وعوائدهم يغلب الحكم عليهم تغليباً، أو يبني رأيه على القياس. وهو على كلا الحالين لا يتجاوز موقف الظنّ، ولا يتعدّى وجه الشكّ في كلّ الّذي يدّعيه، إيجاباً أو سلباً. غير أنّ ذلك لم يكن ليحول بيني وبين ما أردته من تعرّف عامة الشعب الشامي ودرس أخلاقهم على وجه الإجمال بالقدر المستطاع، ممّا عساه أن يعود ببعض الفائدة، وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه. وذلك بالطبع كاف لمن كانت مدّة سفره ذهاباً وإياباً شهراً واحداً، بل هذا ما لا يطمع في أكثر منه إلا من كان ينقطع للشيء، لا يفرغ منه حتّى يتغلغل فيه ويحيط بجميع أطرافه وحدوده. وعلى ذلك، إذا نحن ادّعينا الآن ما ادّعيناه أوّلاً من أن الشاميّين في مجموعهم قوم حميدو الخصال، رقيقو الشمائل، فيهم وداعة ولطف وسماحة، لا نكون قد أكبرنا الدعوى أو أعظمنا الحكم. ثمّ نحكم، ونحن مطمئنون، بأنّ أخلاق الخاصّة منهم وأحوالهم

غاية في الرقي والكمال. ونخصّ بالذكر، من بين هؤلاء جميعاً، ذلك المفضال الأكرم والسري الكبير الأفخم، سعادة عبد الحميد باشا الدروبي الّذي كان قد انتهى دوره معنا في تل كلخ، بعد أن طلبنا إليه أن يعود مع سلامة الله إلى بلده حمص، وما كان يريد إلا أن يرافقنا إلى طرابلس، مجاملة منه ولطفاً فوق لطفه السابق ومعروفه الكبير. ولكنّي أبيت عليه إلا أن يرجع لمباشرة مصالحه الّتي غاب عنها منذ استقبلنا حتّى صرنا في تل كلخ. وهو، في تلك المسافة كلّها، كان يلازمنا ملازمة الظلّ للشاخص، فما كان يبارحنا ولا طرفة عين إلا إذا اقتضته إلى ذلك ضرورة من نوم أو خلافه. وقد كان مع هذا رجلاً كبير السنّ، يشقّ عليه السفر وتتعبه كثرة الحركة والركوب. لذلك على الخصوص، أشفقت عليه وما زلت به حتّى ودّعنا وعاد بالصحة والسلامة، تاركاً في قلوبنا أعظم حبّ ووداد.

ص: 142