الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِه الْعبارَة أَشد من عبارَة الْفَارِسِي وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَغَيره وَهُوَ يتَخَرَّج إِمَّا على عدم الِاعْتِبَار بالمخالف إِذا شَذَّ عَن الْجَمَاعَة بِأَن يكون وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ وَنَحْو ذَلِك وَإِمَّا على أَنه وَإِن اعْتبر خِلَافه فَالْأَظْهر أَن قَول الْجُمْهُور يكون حجَّة لِأَنَّهُ يبعد عَادَة أَن يكون الرَّاجِح هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَقَل النَّادِر وَقد تقدم أَن سِيبَوَيْهٍ نَص على أَن الْوَاو للْجمع الْمُطلق فِي سَبْعَة عشر موضعا من كِتَابه
وَثَانِيها
الاستقراء التَّام من كَلَام الْعَرَب فِي مجيئها لما لَا يحْتَمل التَّرْتِيب أَو يَقْتَضِي خِلَافه فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى {وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} والقصة وَاحِدَة فَلَو كَانَت الْوَاو تَقْتَضِي التَّرْتِيب لوقع التَّنَاقُض بَين مدلولي الْآيَتَيْنِ
وَقَوله تَعَالَى {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا} وَلَيْسَ مُرَادهم حَيَاة بعد الْمَوْت لأَنهم لم يَكُونُوا يعترفون بِهِ فَلم يبْق مُرَادهم إِلَّا
الْحَيَاة الَّتِي قبل الْمَوْت وَلَو كَانَت الْوَاو مرتبَة لتناقض كَلَامهم هَذَا مَعَ وُرُوده فِي الْقُرْآن الْعَظِيم
وَقَوله تَعَالَى {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} وَمَا يُقَال على هَذِه من أَنه يحْتَمل أَن يكون فِي شرعهم السُّجُود قبل الرُّكُوع جَوَابه أَن الأَصْل اسْتِوَاء الشَّرَائِع فِي كَيْفيَّة أَدَاء الصَّلَاة فمجرد هَذَا الِاحْتِمَال لَا يقْدَح فِي الأَصْل حَتَّى يثبت بِدَلِيل أَنه كَانَ فِي شرعهم كَذَلِك
وَكَذَلِكَ مَا قَالَه السُّهيْلي أَن المُرَاد بِكُل من السُّجُود وَالرُّكُوع الْبعيد عَن الصَّلَاة نَفسهَا من إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل فَكَأَنَّهُ قيل لَهَا صلي مُنْفَرِدَة فِي بَيْتك وَهُوَ المُرَاد بقوله {واسجدي} وَصلي مَعَ النَّاس جمَاعَة وَهُوَ المُرَاد بقوله {واركعي مَعَ الراكعين} فَهَذَا التَّأْوِيل فِيهِ صرف للْعَطْف عَن حقيقتة إِلَى مجازه وَتَقْيِيد لَهُ فَلَا يُصَار إِلَيْهِ أَيْضا إِلَّا بِدَلِيل وَلم يقم دَلِيل على إِرَادَة مَا ذكره
وَمن ذَلِك قَول حسان بن ثَابت رضي الله عنه
(بهاليل مِنْهُم جَعْفَر وَابْن أمه
…
عَليّ وَمِنْهُم أَحْمد المتخير)
وَلَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب لقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ابْني عَمه عَليّ وجعفر رضي الله عنهما
وَقَالَ الآخر
(فملتنا أننا مُسلمُونَ
…
على دين صديقنا وَالنَّبِيّ)
وَلَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب لقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَيْضا
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(فَقلت لَهُ لما تمطى بجوزه
…
وَأَرْدَفَ أعجازا وناء بكلكل)
وَلَو كَانَت للتَّرْتِيب لقدم الكلكل وَهُوَ الصَّدْر ثمَّ الْجَوْز وَهُوَ الْوسط ثمَّ الأعجاز وَهِي المآخر
وَقَالَ أَبُو النَّجْم
(تعله من جَانب وتنهله)
والعلل لَا يكون إِلَّا بعد النهل بِدَلِيل قَول الْجَعْدِي
(وشربنا عللا بعد نهل)
وَذكر بَعضهم ذَلِك من قَول لبيد
(أغلي السباء بِكُل أدكن عاتق
…
أَو جونة قدحت وفض ختامها)
والجونة الخابية المطلية بالقار وقدحت غرفت بالمغرفة وَهِي المقدحة وَيُقَال مزجت وَقيل بزلت وفض ختامها أَي كسر طينها قَالُوا وَمَعْلُوم أَنَّهَا لَا تقدح إِلَّا بعد فض ختامها
قلت وَفِي هَذَا الْبَيْت نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون الْوَاو حَالية وَقد مقدرَة بعْدهَا وَيكون مَعْنَاهُ قدحت وَقد فض ختامها كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَقد يعْتَرض على جَمِيع هَذِه الأبيات الْمُتَقَدّمَة بِأَن التَّرْتِيب ترك فِيهَا لضَرُورَة الْوَزْن والقافية فَتكون الْوَاو اسْتعْملت فِي غير التَّرْتِيب مجَازًا لذَلِك لَكِن يُجَاب عَنهُ بِأَن الأَصْل عدم الْمجَاز إِلَّا أَن يقوم عَلَيْهِ دَلِيل فَإِن قيل دَلِيله الْأَدِلَّة الَّتِي يحْتَج بهَا على أَن الْوَاو للتَّرْتِيب فستأتي تِلْكَ الْأَدِلَّة مَعَ الْجَواب عَنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَبِهَذَا أَيْضا اعْترض على الْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدّم ذكرهمَا أَولا وَجَوَابه مَا ذكرنَا وَيُمكن تَحْرِير الدَّلِيل على وَجه ينْدَفع عَنهُ الِاعْتِرَاض بِأَن يُقَال لَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب للَزِمَ من هَذِه الْآيَات الْكَرِيمَة والأبيات الْمُتَقَدّمَة إِمَّا التَّنَاقُض وَإِمَّا الْخُرُوج عَن موضوعها بالمجاز أَو يلْزم الِاشْتِرَاك وكل من ذَلِك على خلاف الأَصْل
وَقيل أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى (نموت ونحيا) إِن المُرَاد بهَا يَمُوت من مضى وَيحيى من يُولد وَهُوَ تَأْوِيل أَيْضا على خلاف مُقْتَضى الدَّهْر
وَالَّذِي يظْهر أَنهم مَا أَرَادوا إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَات كل شخص فيهم وقصدوا بذلك إِنْكَار الْبَعْث وَقدمُوا ذكر الْمَوْت لِأَن الْوَاو لَا يَقْتَضِي ترتيبا
فَإِن قيل فقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ عَنْهُم إِنَّهُم يقدمُونَ مَا هم بِهِ أهم وببيانه أعنى