المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل في مواضع من القرآن يتخرج إعرابها على ما نحن فيه - الفصول المفيدة في الواو المزيدة

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صلى الله عليه وسلم وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا

- ‌ فصل أَقسَام الْوَاو

- ‌ فصل الْوَاو المزيدة فِي بِنَاء الْكَلِمَة

- ‌لَا تزاد أَولا

- ‌ فصل مَتى تكون الْوَاو أَصْلِيَّة وَمَتى تكون زَائِدَة

- ‌ فصل مواقع زِيَادَة الْوَاو

- ‌ فصل الْوَاو الدَّاخِلَة على أول الْكَلِمَة أَنْوَاعهَا

- ‌ فصل النَّوْع الأول

- ‌الْكَلَام على الْوَاو العاطفة

- ‌الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف

- ‌ فصل الْغَرَض من تكْرَار الْعَامِل فِي الْعَطف

- ‌ فصل عود الضَّمِير على الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ

- ‌ فصل دلَالَة الْوَاو العاطفة

- ‌وَالْقَوْل الثَّانِي

- ‌وَالْقَوْل الثَّالِث

- ‌وَالْقَوْل الرَّابِع

- ‌ فصل فِي الْأَدِلَّة الدَّالَّة على القَوْل الأول

- ‌بِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع

- ‌أَولهَا

- ‌وَثَانِيها

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌الْوَجْه الْخَامِس

- ‌ فصل فِيمَا احْتج بِهِ لِلْقَائِلين بِأَن الْوَاو للتَّرْتِيب

- ‌ فصل فِي مسَائِل فقهية

- ‌تتخرج على أَن الْوَاو للْجمع الْمُطلق أَو للتَّرْتِيب

- ‌فَائِدَة

- ‌ فصل الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة للتقديم والاهتمام

- ‌ فصل إِضْمَار حرف الْعَطف

- ‌ فصل الْفَصْل والوصل

- ‌عطف الْجمل

- ‌عطف جملَة لَهَا مَحل على أُخْرَى

- ‌عطف جملَة لَا مَحل لَهَا على أُخْرَى

- ‌التَّعَلُّق بَين الجملتين بالتأكيد أَو الصّفة يُوجب الْفَصْل

- ‌عدم التَّعَلُّق بَين الجملتين وَوُجُود اللّبْس بالْعَطْف يُوجب الْفَصْل

- ‌الِانْقِطَاع بَين الجملتين يُوجب الْفَصْل

- ‌كَمَال الِاتِّصَال يُوجب الْفَصْل

- ‌الِاسْتِئْنَاف يُوجب الْفَصْل

- ‌يجب الْعَطف لدفع توهم خلاف الْمَقْصُود

- ‌يحسن الْعَطف لِاتِّفَاق الجملتين فِي الْخَبَر إو الْإِنْشَاء

- ‌تَقْسِيم الْجَامِع إِلَى عَقْلِي ووهمي وخيالي

- ‌ فصل عطف الصِّفَات بَعْضهَا على بعض

- ‌وَاو الثَّمَانِية وَالرَّدّ على القَوْل بهَا

- ‌ فصل زِيَادَة الْوَاو العاطفة

- ‌ فصل تَقْدِير مَعْطُوف عَلَيْهِ مَحْذُوف فِي الْقُرْآن

- ‌ فصل تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ

- ‌ فصل الرَّبْط بِالْوَاو أَو بالضمير فِي جملَة الْحَال

- ‌ فصل ملخص من كَلَام عبد القاهر فِي سر الرَّبْط بِالْوَاو)

- ‌ فصل اسْتِعْمَال الْوَاو فِي الْحَال عِنْد الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ فصل مسَائِل فقهية فِي التَّفْرِيع على وَاو الْحَال

- ‌ فصل الْقسم الثَّالِث من أَنْوَاع الْوَاو مَا ينْتَصب بعْدهَا الْمَفْعُول مَعَه

- ‌ فصل الناصب للْمَفْعُول مَعَه

- ‌ فصل النصب على الْمَفْعُول مَعَه قياسي أَو سَمَاعي ومسائل أُخْرَى

- ‌ فصل - النَّوْع الرَّابِع من أَقسَام الْوَاو

- ‌الْوَاو الَّتِي ينْتَصب الْفِعْل الْمُضَارع بعْدهَا

- ‌ فصل الناصب للْفِعْل الْمُضَارع بعد الْوَاو

- ‌ فصل فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن يتَخَرَّج إعرابها على مَا نَحن فِيهِ

- ‌ فصل الْمَعْنى الْجَامِع لأنواع الْوَاو

- ‌ فصل النَّوْع الْخَامِس من أَقسَام الْوَاو

- ‌الْوَاو الَّتِي للقسم

- ‌ فصل - النَّوْع السَّادِس

- ‌الْكَلَام على وَاو رب

- ‌ فصل الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِرَبّ

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌ فصل في مواضع من القرآن يتخرج إعرابها على ما نحن فيه

32 -

‌ فصل فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن يتَخَرَّج إعرابها على مَا نَحن فِيهِ

1 -

فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ}

قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه إِن شِئْت جعلت {وتكتموا} على النَّهْي وَإِن شِئْت جعلته على الْوَاو

فَذكر احْتِمَالَيْنِ فِي الْآيَة أَحدهمَا أَن تكون الْوَاو عاطفة و {تكتموا} مَجْزُومًا بِالنَّهْي وَرجح هَذَا الْجِرْجَانِيّ وَغَيره من جِهَة أَن النَّهْي عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدته لَا عَن الْجمع بَينهمَا

وَالثَّانِي أَن تكون الْوَاو جَامِعَة و {تكتموا} مَنْصُوبًا على مَا تقدم وَيكون النَّهْي عَن الْجمع بَينهمَا مثل لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن لايكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَنْهِيّا عَنهُ بمفرده

وأجبت بِأَن هَذَا إِنَّمَا يلْزم أَن لَو لم يكن نهي عَنهُ إِلَّا فِي هَذِه الْآيَة بل ذَلِك مَعْلُوم من أَدِلَّة أخر غير هَذِه الْآيَة وَمن رجح هَذَا الْوَجْه استأنس فِيهِ بقوله تَعَالَى {وَأَنْتُم تعلمُونَ} كَأَنَّهُ قَالَ لَا يجْتَمع مِنْكُم لبس وكتمان مَعَ علمكُم بِحَقِيقَة الْحَال وَذَلِكَ أقوى فِي الشناعة عَلَيْهِم لأَنهم إِنَّمَا نهوا عَن شَيْء كَانُوا

ص: 222

يتعاطونه ويكثرون مِنْهُ وَلَا شكّ أَن جمعهم للبس والكتمان مَعَ الْعلم أَشد فِي الشناعة وَلَا يلْزم من ذَلِك أَلا يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَنْهِيّا عَنهُ على حِدته بل ذَلِك فِي آيَات كَثِيرَة

وَمثل هَذِه الْآيَة أَيْضا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} فَإِنَّهُ يحْتَمل فِي قَوْله {وتدلوا} أَن يكون مَجْزُومًا وَأَن يكون مَنْصُوبًا كَمَا ذكر فِي {وتكتموا الْحق} وَيُقَوِّي مَعَه الْجمع أَيْضا قَوْله {وَأَنْتُم تعلمُونَ} كَمَا تقدم

2 -

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} وَالْقِرَاءَة المتواترة فِيهَا {وَيعلم الصابرين} بِالنّصب على هَذَا الْبَاب أَي وَلما يجْتَمع فِي علم الله تَعَالَى المجاهدون والصابرون وَعلم الله تَعَالَى قديم مُتَعَلق بِجَمِيعِ المعلومات فِي الْأَزَل وَلَكِن مَعْنَاهُ وَلما يجْتَمع فِي علم الله جهادكم وصبركم بارزا فِي الْخَارِج

وَقَرَأَ الْحسن {وَيعلم} بِكَسْر الْمِيم مَعْطُوفًا على {يعلم} الأول فَيكون مَجْزُومًا بذلك وَقَرَأَ غَيره بِرَفْع / يعلم الصابرين / على الْقطع والاستئناف أَي وَهُوَ يعلم الصابرين

ص: 223

3 -

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ} وفيهَا ثَلَاث قراءات إِحْدَاهَا قِرَاءَة حَمْزَة وَحَفْص عَن عَاصِم وَعبد الله بن أبي اسحاق بِنصب نكذب ونكون وَتَكون الْوَاو فيهمَا من هَذَا الْبَاب لوقوعها بعد التَّمَنِّي أَي يَا ليتنا يجْتَمع لنا الرَّد وَعدم التَّكْذِيب والكون من الْمُؤمنِينَ فيكونون قد تمنوا الْجمع بَين هَذِه الْأُمُور

وَالثَّانيَِة قِرَاءَة ابْن عَامر بِرَفْع نكذب وَنصب نَكُون أما رفع نكذب فعلى الِاسْتِئْنَاف أَي وَنحن لَا نكذب وَلَا يخرج بذلك عَن الدُّخُول فِي حيّز التَّمَنِّي وَأما نصب ونكون فعلى مَا تقدم وَإِرَادَة الْجمع بَينه وَبَين مَا قبله

وَالثَّالِثَة قِرَاءَة البَاقِينَ برفعهما جَمِيعًا وَله وَجْهَان أَشَارَ إِلَيْهِمَا سِيبَوَيْهٍ أَحدهمَا اخْتِيَار عِيسَى بن عمر أَنه على الْعَطف فَيكون الْجمع دَاخِلا فِي

ص: 224

التَّمَنِّي وَعطف الفعلان لعدم قصد إِرَادَة الْجمع بل تمنوا كل وَاحِد على حِدته وَثَانِيهمَا أَن ذَلِك على الْقطع والاستئناف وَيكون الَّذِي تمنوه الرَّد فَقَط ثمَّ أخبروا عَن أنفسهم أَنهم إِذا ردوا يكون هَذَا حَالهم وَلِهَذَا كذبهمْ الله تَعَالَى فِي الْآيَة بعْدهَا والتكذيب إِنَّمَا يكون فِي الْإِخْبَار لَا فِي التَّمَنِّي لِأَنَّهُ إنْشَاء

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَو يوبقهن بِمَا كسبوا ويعف عَن كثير وَيعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا مَا لَهُم من محيص}

وَفِي يعلم قراءتان متواترتان إِحْدَاهمَا بِالرَّفْع وَهِي قِرَاءَة نَافِع وَابْن عَامر وَالثَّانيَِة بِالنّصب وَهِي قِرَاءَة البَاقِينَ

وَقُرِئَ شاذا بِكَسْر الْمِيم على أَن يكون مَعْطُوفًا على المجزومات قبله وحركت الْمِيم بِالْكَسْرِ لالتقاء الساكنين حكى هَذِه الْقِرَاءَة أَبُو الْبَقَاء وَغَيره

وَوجه قِرَاءَة الرّفْع أَنه على الِاسْتِئْنَاف وَلَا يكون دَاخِلا فِي جَوَاب الشَّرْط

وَأما النصب فقد قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام هُوَ على الصّرْف كَمَا فِي

ص: 225

قَوْله تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} لِأَن الْمَقْصُود الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ وَاعْتِرَاض النّحاس على ذَلِك بِأَن {وَيعلم الصابرين} وَقعت الْوَاو بعد النَّفْي وَهنا لم يتَقَدَّم نفي فَيكون هَذَا جَوَابا لَهُ

وَالَّذِي قَالَه أَبُو عبيد لم يرد بِهِ أَن هَذِه الْآيَة مثل تِلْكَ من كل وَجه بل الْمَقْصُود أَن نصب الْفِعْل بعد الْوَاو بإضمار أَن لما كَانَ المُرَاد الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ لَا كل وَاحِد مِنْهُمَا والمقتضي لذَلِك مَعَ إِرَادَة الْجمع وُقُوعه بعد فعل الشَّرْط وَالْجَزَاء المجزومين بِهِ وَإِن كَانَ الزَّمَخْشَرِيّ قد ضعف ذَلِك وَجعله نَحْو قَوْله

(وَألْحق بالحجاز فأستريحا

)

مِمَّا هُوَ شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ

وَلَيْسَ هَذَا كَمَا زعم بل النصب بعد الْوَاو بإضمار أَن بعد مجزومي الشَّرْط

ص: 226

أَو بَينهمَا مَعْرُوف مَشْهُور كَمَا تقدم عَن ابْن مَالك وَقد أنْشد للأعشى فِي بَيْتَيْنِ لَهُ مَا عطف بِالْوَاو لهَذَا الْمَعْنى

(وَمن يغترب عَن قومه لَا يزل يرى

)

ثمَّ قَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي

(وتدفن مِنْهُ الصَّالِحَات

)

وضبطوه بِنصب تدفن مَعَ أَنه لَا ضَرُورَة إِلَيْهِ لِإِمْكَان الرّفْع فِيهِ وَإِنَّمَا عدل إِلَى النصب لإِرَادَة الْمَعْنى

وأنشدوا أَيْضا

(فَإِن يهْلك أَبُو قَابُوس يهْلك

ربيع النَّاس والبلد الْحَرَام)

ص: 227

(ونأخذ بعده بذناب عَيْش

أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام)

وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْآيَة الزّجاج وَأَبُو عَليّ الْفَارِسِي ومكي والمحققون وتقديرها على هَذِه الْقِرَاءَة إِن يَشَأْ يسكن الرِّيَاح فتقف السفن أَو إِن يَشَأْ يعصف الرّيح فيغرقها وينج قوما بطرِيق الْعَفو عَنْهُم وَحِينَئِذٍ يعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا مَا لَهُم من محيص فالجزاء مُتَضَمّن شَيْئَيْنِ بطرِيق الْجمع الأول أحد شَيْئَيْنِ من التغريق وَالْعَفو أَو مجموعهما وَالثَّانِي علم المجادلين فِي آيَات الله أَنه لَا محيص لَهُم وَيكون كل ذَلِك دَاخِلا فِي حيّز الشَّرْط

وَفَائِدَته فِي الْعَفو بَيَان أَنه إِنَّمَا يفعل ذَلِك بمشيئته وإرادته لَا بِاسْتِحْقَاق عَلَيْهِ سبحانه وتعالى وَأما الْمَوْصُول وصلته بعد {وَيعلم} فَإِن جعل فَاعِلا ل {يعلم} سهل دُخُوله فِي حيّز الشَّرْط وَإِن قدر مَفْعُولا فَالْمَعْنى يُعلمهُ وَاقعا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ} وَكَونه فَاعِلا أقوى فِي الْإِعْرَاب وأخلص من الْإِشْكَال وَتَكون الْجُمْلَة المنفية من قَوْله تَعَالَى {مَا لَهُم من محيص} سدت مسد مفعولي علمت وَالله أعلم

5 -

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} الْآيَة

ص: 228

وفيهَا ثَلَاث قراءات إِحْدَاهَا قِرَاءَة نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر يَقُول بِغَيْر وَاو الْعَطف وبرفع اللَّام وَهِي كَذَلِك فِي مصاحف أهل مَكَّة وَالْمَدينَة وَالشَّام

وَالثَّانيَِة قِرَاءَة عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِالْوَاو وَرفع الْفِعْل

وَالثَّالِثَة قِرَاءَة أبي عَمْرو بِالْوَاو أَيْضا لَكِن بِنصب يَقُول

فَأَما الأولى فَذكر جمَاعَة من الْأَئِمَّة أَن الْعَطف هُنَا وَتَركه سيان لِأَن الْعَطف هُنَا لم يقتض تشريكا فِي الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا هُوَ من عطف الْجمل بَعْضهَا على بعض وَفِي الثَّانِيَة ضمير يعود إِلَى الأول وشبهوا ذَلِك بقوله تَعَالَى {ثَلَاثَة رابعهم كلبهم} وَكَذَلِكَ فِي الَّتِي بعْدهَا ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة {وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} قَالُوا فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة ذكر مَا تقدم اسْتغنى عَن الْوَاو وَلَو جِيءَ بهَا لَكَانَ حسنا أَيْضا

وَفِي هَذَا نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا تقدم فِي الْوَاو العاطفة من مَوَاضِع الْوَصْل والفصل وَأَن لكل مقَام مقَالا يَخُصُّهُ على مَا تَقْتَضِيه قَوَاعِد الفصاحة

ص: 229

وَثَانِيهمَا مَا تقدم أَيْضا أَن دُخُول الْوَاو فِي قَوْله {وثامنهم كلبهم} لَيْسَ على حد عدم دُخُولهَا فِي الْأَوليين بل جِيءَ بهَا لزِيَادَة فَائِدَة كَمَا تقدم

فَالْأولى أَن يكون حذف الْوَاو هُنَا من غير هَذِه الْآيَة لِمَعْنى غير الْمَعْنى الْمُقْتَضِي لاثباتها وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْكَشَّاف وَغَيره أَنه على جَوَاب قَائِل يَقُول فَمَاذَا يَقُول الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ فَقيل {وَيَقُول الَّذين آمنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا} وَذَلِكَ إِمَّا على أَن الْمُؤمنِينَ يَقُوله بَعضهم لبَعض تَعَجبا من حَالهم واغتباطا بِمَا من الله عَلَيْهِم وَإِمَّا أَن يقولوه للْيَهُود لأَنهم حلفوا لَهُم بالمعاضدة والنصرة كَمَا حكى الله عَنْهُم {وَإِن قوتلتم لننصرنكم}

قَالَ ابْن عَطِيَّة وَيحْتَمل أَن تكون الْآيَة حِكَايَة لقَوْل الْمُؤمنِينَ فِي وَقت قَول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض {نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} إِلَى آخِره يَعْنِي فَيحسن حذف الْوَاو لِأَن الْمقَام يَقْتَضِيهِ

وَأما على إِثْبَات الْوَاو وَرفع يَقُول فوجهه ظَاهر لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض من بَاب عطف الْجمل بَعْضهَا على بعض كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَلَا يكون ذَلِك جَوَابا عَن سُؤال وَلَا حِكَايَة لقَوْل الْمُؤمنِينَ

وَاخْتلفُوا فِي تَوْجِيه قِرَاءَة أبي عَمْرو وَمن نصب يَقُول مَعَ الْوَاو فَذكر أَبُو

ص: 230

عَليّ الْفَارِسِي فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون عطفا على أَن يَأْتِي حملا على الْمَعْنى دون اللَّفْظ لِأَن معنى عَسى الله أَن يَأْتِي وَعَسَى أَن يَأْتِي الله وَاحِد وَالتَّقْدِير عَسى أَن يَأْتِي الله بِالْفَتْح وَأَن يَقُول الَّذين آمنُوا وَيكون ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} على قِرَاءَة من جزم وأكن لِأَنَّهُ لما كَانَ الْمَعْنى أخرني إِلَى أجل قريب أصدق لما يَقْتَضِيهِ التحضيض من معنى الْأَمر حمل أكن على الْجَزْم الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنى فِي قَوْله {فَأَصدق} وَإِنَّمَا حمل على الْمَعْنى دون اللَّفْظ لما فِي الْحمل على اللَّفْظ من الِامْتِنَاع من جِهَة أَنه لَا يَصح عَسى الله أَن يَأْتِي وَعَسَى الله أَن يَقُول الَّذين آمنُوا كَمَا لَا يَصح عَسى زيد أَن يقوم عَمْرو

وَالثَّانِي أَن يكون قَوْله {أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} بَدَلا من اسْم الله عز وجل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} ثمَّ عطف وَيَقُول على أَن يَأْتِي فَيكون التَّقْدِير عَسى أَن يَأْتِي وَأَن يَقُول الَّذين آمنُوا وَيكون دَاخِلا فِي اسْم عَسى وَاسْتغْنى عَن خَبَرهَا بِمَا تضمنه اسْمهَا من الْحَدث

وَذكر غَيره وَجها ثَالِثا وَهُوَ أَن يكون مَعْطُوفًا على لفظ يَأْتِي وَهُوَ خبر عَسى وَيقدر فِي الْمَعْطُوف ضمير مَحْذُوف تَقْدِيره وَيَقُول الَّذين آمنُوا بِهِ

وَأما الزَّمَخْشَرِيّ فَلم يقدر شَيْئا من ذَلِك بل أطلق القَوْل بِأَنَّهُ عطف على {أَن يَأْتِي} وَذكر النّحاس وَجها رَابِعا وَهُوَ أَن يكون مَعْطُوفًا على الْفَتْح لِأَن مَعْنَاهُ بِأَن يفتح فأضمر أَن قبل يَقُول فَيكون نَصبه من بَاب مَا نَحن فِيهِ على حد قَوْلهم

(للبس عباءة وتقر عَيْني

)

وَيكون الْمَقْصُود هُوَ الْمَجْمُوع

ص: 231

وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب وَجها خَامِسًا لَا تكلّف فِيهِ وَهُوَ أَن يكون مَعْطُوفًا على قَوْله {فيصبحوا} لِأَن قَوْله {فيصبحوا} مَنْصُوب بِالْفَاءِ فِي جَوَاب الترجي بعسى قَالَ أَبُو شامة وَهَذَا وَجه للنصب ظَاهر لَا تعسف فِيهِ وَلم أر أحدا ذكره غير الشَّيْخ أبي عمر قلت قد ذكره ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره لكنه قَالَ فِيهِ نظر وَلم يبين من أَي جِهَة وَالظَّاهِر أَنه أرجح هَذِه الْوُجُوه ونكته مَا قَالَه أَبُو جَعْفَر النّحاس من النصب على الصّرْف وَالله تَعَالَى أعلم

ص: 232