الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَن الصّفة والموصوف كالشيء الْوَاحِد وَالثَّانيَِة أَن الْعَطف يَقْتَضِي الْمُغَايرَة
وَاو الثَّمَانِية وَالرَّدّ على القَوْل بهَا
وَذكر جمَاعَة أَن الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} وَقَوله {ثيبات وأبكارا} وَاو الثَّمَانِية لِأَن السَّبْعَة عدد كَامِل فَيُؤتى بعْدهَا بِالْوَاو إشعارا بذلك وحملوا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَهُوَ قَول لَا دَلِيل لَهُ وَلَا أصل لَهُ
وأعجب من ذَلِك أَنهم قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} إِنَّهَا وَاو الثَّمَانِية لِأَن الْجنَّة كلهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب وَهُوَ تخيل عَجِيب وَالْوَاو هُنَا للْحَال كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّحْقِيق أَن الصِّفَات إِذا قصد تعدادها من غير نظر إِلَى جمع أَو انْفِرَاد لم يكن ثمَّ عطف وَإِن أُرِيد الْجمع بَين الصفتين أَو التَّنْبِيه على تغايرهما عطف بالحرف وَكَذَلِكَ إِذا أُرِيد التنويع لعدم اجْتِمَاعهمَا فَإِنَّهُ يُؤْتى بالْعَطْف أَيْضا وَكَذَلِكَ إِذا قصد رفع استبعاد اجْتِمَاعهمَا لموصوف وَاحِد فَإِنَّهَا
تعطف أَيْضا كَمَا فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم
(إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام
…
)
فَإِن الْعَطف جَاءَ هُنَا رفعا لاستبعاد من يستبعد اجْتِمَاع هَذِه الصِّفَات فِيهِ فَقَوله تَعَالَى {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن} إِنَّمَا عطفت لِأَنَّهَا أَسمَاء متضادة الْمعَانِي فِي أصل الْوَضع فَرفع الْوَهم بالْعَطْف عَن من يستبعد ذَلِك فِي ذَات وَاحِدَة فَإِن الشَّيْء الْوَاحِد لَا يكون بَاطِنا ظَاهرا من وَجه وَاحِد فَكَانَ الْعَطف هَا هُنَا أحسن
وَأما قَوْله تَعَالَى {ثيبات وأبكارا} فَإِن الْمَقْصُود بِالصِّفَاتِ الأول ذكرهَا مجتمعة وَالْوَاو توهم التنويع لاقتضائها الْمُغَايرَة فَترك الْعَطف بَينهَا لبيانا اجتماعها فِي وَقت وَاحِد بِخِلَاف الثيوبة والبكورة فَإِنَّهُمَا متضادان لَا يَجْتَمِعَانِ على مَحل وَاحِد فِي آن وَاحِد فَأتى بِالْوَاو لتضاد النَّوْعَيْنِ
وَقَوله تَعَالَى {غَافِر الذَّنب وقابل التوب} قد يظنّ أَنَّهُمَا يجريان مجْرى الْوَصْف الْوَاحِد لتلازمهما فَمن غفر الذَّنب قبل التوب فَبين الله سُبْحَانَهُ بعطف أَحدهمَا على الآخر أَنَّهُمَا مفهومان متغايران ووصفان مُخْتَلِفَانِ يجب أَن يعْطى لكل وَاحِد حكمه وَذَلِكَ مَعَ الْعَطف أبين وأوضح
وَأما {شَدِيد الْعقَاب} و {ذِي الطول} فهما كالمتضادين فَإِن شدَّة الْعقَاب تَقْتَضِي أَيْضا الضَّرَر والا تُضَاف بالطول يَقْتَضِي اتِّصَال النَّفْع فحرف الْعَطف لبَيَان أَنَّهُمَا مجتمعان فِي ذَاته وَهِي مَوْصُوفَة بهما على الِاجْتِمَاع ليتعبد العَبْد على الرَّجَاء وَالْخَوْف دَائِما فَحسن ترك الْعَطف لهَذَا الْمَعْنى
وَأما قَوْله {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} فَكل صفة تقدّمت غير مسبوقة بِالْوَاو مُغَايرَة لِلْأُخْرَى وَالْغَرَض أَنَّهَا فِي اجتماعها كالوصف
الْوَاحِد لموصوف وَاحِد فَلم يحْتَج إِلَى عطف فَلَمَّا ذكر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وهما متلازمان أَو كالمتلازمين يستمدان من مَادَّة وَاحِدَة كغفران الذَّنب وَقبُول التوب حسن الْعَطف ليبين أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعْتَد بِهِ على حِدته لَا يَكْفِي مِنْهُ مَا يحصل فِي ضمن الآخر بل لَا بُد من أَن يُؤْتى بِكُل مِنْهُمَا بمنفرده فَحسن الْعَطف لذَلِك وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ الْأَمر وَالنَّهْي ضدين من جِهَة أَن أَحدهمَا طلب الإيجاد وَالْآخر طلب الإعدام كَانَا كالنوعين المتغايرين فِي قَوْله {ثيبات وأبكارا} فَحسن الْعَطف لذَلِك
فَأَما قَوْله {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} فَإِن الْوَاو لم يدْخل هُنَا دون مَا قبله إِلَّا لفائدة وَهِي التَّقْدِير لِأَن عدتهمْ سَبْعَة فَقَوله فِي الجملتين الْأَوليين {رابعهم كلبهم} {سادسهم كلبهم} هما من تَتِمَّة الْمَقُول وَلذَلِك أتبعه بقوله تَعَالَى {رجما بِالْغَيْبِ} وَالْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى {وثامنهم كلبهم} قَائِمَة مقَام التَّصْدِيق لذَلِك تَقْدِيره نعم وثامنهم كلبهم كَمَا إِذا قَالَ الْقَائِل زيد كَاتب فَتَقول لَهُ وشاعر وَيكون ذَلِك تَحْقِيقا لقَوْله الأول وَلذَلِك لم يقل سُبْحَانَهُ بعده {رجما بِالْغَيْبِ} كَمَا قَالَ فِي الْأَوليين وَقَالَ {قل رَبِّي أعلم بِعدَّتِهِمْ مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَنه قَالَ أَنا من الْقَلِيل
وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} بعد قَوْله {وَجعلُوا أعزة}
أَهلهَا أَذِلَّة) فَلَيْسَتْ الْوَاو للثمانية كَمَا يَقُوله من يزْعم ذَلِك وَلَا دُخُول الْوَاو فِي الْأَخِيرَة وَتركهَا فِي الْأَوليين على السوَاء كَمَا قَالَه بعض أَئِمَّة النُّحَاة وَالله أعلم