الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 -
فصل مسَائِل فقهية فِي التَّفْرِيع على وَاو الْحَال
اخْتلفت مسَائِل الْحَنَفِيَّة فِي التَّفْرِيع على وَاو الْحَال فَقَالُوا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا وَأَنت حر أَو قَالَ لحربي انْزِلْ وَأَنت آمن لَا يعْتق العَبْد مَا لم يؤد وَلَا يَأْمَن الْكَافِر مَا لم ينزل
وَلَو قَالَ خُذ هَذَا المَال واعمل بِهِ مُضَارَبَة فِي الْبَز لَا يتَقَيَّد الْمُضَاربَة فِي الْبَز مُطلقًا بل لَهُ أَن يتجر فِي غَيره
وَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَأَنت تصلين أَو مصلية أَو وَأَنت مَرِيضَة طلقت فِي الْحَال وَلَا تتقيد بِتِلْكَ الْحَالة إِلَّا إِذا نوى التَّعْلِيق عَلَيْهَا فَيكون ذَلِك شرطا فِي الْوُقُوع بِالنِّيَّةِ
وَلَو قَالَت طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف دِرْهَم لَا يجب شَيْء بِالطَّلَاق عِنْد أبي حنيفَة وأوجبه أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
ومدار الْفرق بَين هَذِه الْمسَائِل يرجع إِلَى مَا تقدم عَنْهُم أَن الْوَاو حَقِيقَة فِي الْعَطف مجَاز فِي الْحَال قَالُوا فَمَتَى صلحت للْعَطْف تعيّنت لَهُ وخصوصا إِذا تعذر حملهَا للْحَال كَمَسْأَلَة الْمُضَاربَة فَإِن حَال الْعَمَل لَا يكون وَقت الْآخِذ وَإِنَّمَا يكون الْعَمَل بعد الْأَخْذ لَهُ وَالْكَلَام صَحِيح بِاعْتِبَار كَونهَا عاطفة وَيكون ذَلِك على سَبِيل المشورة عَلَيْهِ بِالتِّجَارَة فِي هَذَا الصِّنْف لَا شرطا فَلَا حَاجَة إِلَى الْخُرُوج عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز
بِخِلَاف مَسْأَلَة الْعتْق والأمان لِأَن الْجُمْلَة الأولى مِنْهُمَا فعلية طلبية وَالثَّانيَِة اسمية خبرية وَبَينهمَا كَمَال الِانْقِطَاع وَذَلِكَ مَانع من الْعَطف إِذْ لَا بُد لصِحَّته أَو حسنه من نوع اتِّصَال بَين الجملتين فَلذَلِك جعلت للْحَال لتعذر الْحَقِيقَة
وَالْأَحْوَال شُرُوط لكَونهَا مُقَيّدَة كالشرط فتعلقت الْحُرِّيَّة بِالْأَدَاءِ والأمان بالنزول كَمَا فِي قَوْله إِن دخلت الدَّار راكبة فَأَنت طَالِق فَإِن الطَّلَاق يتَعَلَّق بالركوب تعلقه بِالدُّخُولِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إِن أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر وَإِن نزلت فَأَنت آمن ووجهوا ذَلِك بِأَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة حَالا قَائِمَة مقَام جَوَاب الْأَمر بِدَلِيل مَقْصُود الْمُتَكَلّم فَأخذت حكمه وَصَارَ تَقْدِير الْكَلَام أد إِلَيّ ألفا تصر حرا
وَمِنْهُم من قَالَ لما جعل الْحُرِّيَّة حَالا للْأَدَاء وَالْحَال كالصفة فَلم تثبت
الْحُرِّيَّة سَابِقَة على الْأَدَاء إِذْ الْحَال لَا يسْبق صَاحبه كَمَا أَن الصّفة لَا تسبق الْمَوْصُوف
وَمِنْهُم من قَالَ قَوْله وَأَنت حر وَأَنت آمن من الْأَحْوَال الْمقدرَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فادخلوها خَالِدين} فَمَعْنَى الْكَلَام أد إِلَيّ ألفا مُقَدرا للحرية فِي حَال الْأَدَاء فَتكون الْحُرِّيَّة معلقَة بِالْأَدَاءِ
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ من بَاب الْقلب تَقْدِيره كن حرا وَأَنت مؤد ألفا وَكن آمنا وَأَنت نَازل وَإِنَّمَا حمل على هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصح تَعْلِيق الْأَدَاء وَالنُّزُول بِمَا دخل عَلَيْهِ الْوَاو إِذْ التَّعْلِيق إِنَّمَا يَصح فِيمَا يَصح تنجيزه وَلَيْسَ فِي قدرَة الْمُتَكَلّم تَنْجِيز الْأَدَاء وَالنُّزُول من الْمُخَاطب فَلم يَصح تَعْلِيقه فَلذَلِك قيل إِنَّه من المقلوب وَالْوُجُوه الأول أقوى
وَأما قَوْله أَنْت طَالِق وَأَنت مَرِيضَة أَو وَأَنت تصلين فَإِن الْجُمْلَة الأولى تَامَّة بِنَفسِهَا وَالثَّانيَِة تصلح للْحَال فَصحت لَهُ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي نظائرها وَقَوْلها طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يصلح ذَلِك للالزام وتستحق الْألف بِطَلَاقِهَا حملا على الْحَال أَو يكون الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى الْبَاء مجَازًا والمقتضي للمجاز قرينَة الْخلْع فَإِنَّهُ مُعَاوضَة كَمَا إِذا قَالَ احْمِلْ هَذَا الطَّعَام وَلَك دِرْهَم فَإِنَّهُ يسْتَحقّهُ بِحمْلِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة قرينَة الْخلْع لَا تصلح دَلِيلا للمعاوضة حَتَّى يحمل عَلَيْهَا فَإِن الْمُعَاوضَة لَيست بأصلية فِي الطَّلَاق بل هِيَ عارضة فِيهِ بِخِلَاف قَوْله احْمِلْ كَذَا وَلَك دِرْهَم لِأَن الْمُعَاوضَة فِي الْإِجَارَة أَصْلِيَّة وَإِذا لم تكن
قرينَة الْخلْع صَالِحَة لصرف اللَّفْظ عَن حَقِيقَته عمل الطَّلَاق عمله لِأَنَّهُ جملَة تَامَّة منجزة وَكَانَت الْوَاو للْعَطْف
هَذَا حَاصِل مَا قرروا بِهِ هَذِه الْمسَائِل وَفرقُوا بِهِ بَينهَا وَهُوَ مَبْنِيّ على مَا ذكرنَا أَن اسْتِعْمَال الْوَاو للْحَال على وَجه التَّجَوُّز
وَأما أَصْحَابنَا فَقَالُوا إِذا قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف فَطلقهَا مجيبا يَقع الطَّلَاق بَائِنا بِالْألف بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَعَلَيْك ألف فَإِنَّهُ يَقع رَجْعِيًا وَلَا يلْزمهَا
وَبِهَذَا قَالَ فيهمَا أَيْضا أَصْحَاب مَالك وَأحمد رحمهم الله وَفرقُوا بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَن الَّذِي يتَعَلَّق بِالْمَرْأَةِ من الْخلْع الْتِزَام المَال فَيحمل اللَّفْظ مِنْهَا على الِالْتِزَام عِنْد الطَّلَاق وَأما الزَّوْج فَإِنَّهُ ينْفَرد بِالطَّلَاق فَإِذا لم يَأْتِ بِصِيغَة الْمُعَاوضَة حمل كَلَامه على مَا ينْفَرد بِهِ وَلِهَذَا إِذا قَالَ أردْت بِقَوْلِي وَعَلَيْك ألف الْإِلْزَام ووافقته الْمَرْأَة على ذَلِك كَانَ خلعا ولزمها الْألف على الْأَصَح من الْوَجْهَيْنِ عِنْد أَصْحَابنَا وَفرع عَلَيْهِ أَنه إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا ولي عَلَيْك كَذَا وَنوى البيع أَنه ينْعَقد تَفْرِيعا على انْعِقَاده بِالْكِتَابَةِ
وَهَذَا إِذا لم يتَقَدَّم من الْمَرْأَة طلب فَإِن قَالَت طَلقنِي بِبَدَل فَقَالَ طَلقتك وَعَلَيْك ألف صَحَّ ذَلِك وَنزل تَقْدِيم الاستيجاب منزلَة تَمام العقد
وَذكر صَاحب التَّتِمَّة أَنه لَو لم يسْبق مِنْهَا طلب وشاع فِي الْعرف اسْتِعْمَال قَوْله أَنْت طَالِق ولي عَلَيْك ألف فِي طلب الْعِوَض وإلزامه كَانَ كَمَا لَو قَالَ طَلقتك على ألف
فَالْحَاصِل أَن الْجُمْلَة الحالية اعْتبرت مُقَيّدَة حَيْثُ لَا يعارضها تقاعد اللَّفْظ عَن الِالْتِزَام والمعاوضة وَكَذَا فِي الْعتْق أَنه إِذا قَالَ أَنْت حر وَعَلَيْك ألف يَقع الْعتْق وَلَا شَيْء على العَبْد وَإِن قيل كَمَا فِي الطَّلَاق وَيُمكن أَن يكون ذَلِك تَفْرِيعا على أَن الْوَاو هُنَا للْعَطْف وَلَا يحمل على الْحَال إِلَّا بِدَلِيل أما إِذا قَالَ أد إِلَيّ ألفا وَأَنت حر وأعطيني ألفا وَأَنت طَالِق فَالَّذِي يظْهر من قَاعِدَة أَصْحَابنَا أَن الطَّلَاق وَالْعِتْق يتقيدان بالاعطاء وَلَا يكون ذَلِك مُنجزا كَمَا تقدم مثله عَن الْحَنَفِيَّة وَتقدم تَوْجِيهه
وَقد قَالَ أَصْحَابنَا أَيْضا فِي الْجعَالَة إِنَّه لَا فرق بَين أَن يَقُول إِن رددت عَبدِي فلك كَذَا ورده وَلَك كَذَا فِي اسْتِحْقَاق الْجعل عِنْد وجود مَا علق عَلَيْهِ وَلَو قَالَ ألق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي ضَمَانه وَكَانَ الْحَال يَقْتَضِي جَوَاز ذَلِك لخوف الْغَرق فَأَلْقَاهُ لزمَه ضَمَانه وَلَا يتَعَيَّن الْوَاو هُنَا أَن يكون للْحَال بل يجوز أَن تكون عاطفة وَصَحَّ الِالْتِزَام لِأَنَّهُ استدعى إِتْلَاف مَا يعاوض عَلَيْهِ لغَرَض صَحِيح فَلَزِمَهُ كَمَا لَو قَالَ اعْتِقْ عَبدك على ألف فِي ذِمَّتِي بِخِلَاف مَا لَو قَالَ بِعْ مَالك من فلَان بِخَمْسِمِائَة وَعلي خَمْسمِائَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء على الْأَصَح وَفِيه وَجه اخْتَارَهُ بعض الْأَصْحَاب أَنه يَصح لِأَن لَهُ غَرضا صَحِيحا فِي مُحَابَاة الْمَبِيع مِنْهُ
وَقد تقدم فِي مسَائِل التَّرْتِيب عَن أَصْحَابنَا أَنهم قَالُوا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِذا مت وَدخلت الدَّار فَأَنت حر أَنه لَا يعْتق حَتَّى يدْخل بعد الْمَوْت إِلَّا أَن يُصَرح السَّيِّد بِأَنَّهُ أَرَادَ الدُّخُول قبله وَهَذَا يَقْتَضِي أَن كَون الْوَاو للْحَال على وَجه الْمجَاز وَإِلَّا فَمَتَى كَانَت مُشْتَركَة بَين الْجمع وَالْحَال يَنْبَغِي التَّوَقُّف لاحْتِمَال أَن يكون أَرَادَ الْحَال وَتَكون قد مقدرَة فَيتَوَقَّف حَتَّى يتَبَيَّن مُرَاده وَالله تَعَالَى أعلم