الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
27 -
فصل الناصب للْمَفْعُول مَعَه
اخْتلف النُّحَاة فِي الناصب للْمَفْعُول مَعَه بعد الْوَاو على خَمْسَة أَقْوَال
الأول مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَجُمْهُور الْمُحَقِّقين أَن نَصبه بالعامل فِيمَا قبله من الْفِعْل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ بوساطة الْوَاو فَهِيَ الَّتِي صححت وُصُول الْفِعْل إِلَى مَا بعْدهَا كَمَا فِي همزَة النَّقْل والتضعيف وَالْبَاء المعدية وَنَحْو ذَلِك
وَالثَّانِي قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش وَجَمَاعَة مَعَه أَن الناصب فِيهِ على الظّرْف لِأَن الْوَاو قَائِمَة مقَام مَعَ وَكَانَت مَعَ منتصبة على الظّرْف فَلَمَّا وضعت الْوَاو موضعهَا فَلم يكن إِثْبَات الْإِعْرَاب فِيهَا كَانَ ذَلِك فِيمَا بعْدهَا فانتصبت على الظَّرْفِيَّة وَنَظِيره جعلهم إِلَّا مَكَان غير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} لِأَنَّهُ كَانَت غير مَرْفُوعَة فَلَمَّا وضعت إِلَّا مَكَانهَا وَلَا تصلح للرفع ارْتَفع مَا بعْدهَا على مَا كَانَت غير مُرْتَفعَة بِهِ وَهُوَ النَّعْت وَمثله قَول الشَّاعِر
(وكل أَخ مُفَارقَة أَخُوهُ
…
لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان)
وَالتَّقْدِير غير الفرقدين
وَالْقَوْل الثَّالِث قَالَه الزّجاج أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق فَفِي مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة يقدر ولابس الْخَشَبَة وَكَذَلِكَ فِي الْبَقِيَّة قَالَ لِأَن الْفِعْل لَازم وَالْوَاو غير معدية بل فِيهَا معنى الْعَطف بَاقٍ بِدَلِيل عدم جَوَاز تَقْدِيمهَا مَعَ مصاحبها على الْفِعْل فَلَا يُقَال وزيدا قُمْت فَيقدر بعد الْعَطف فعل يَقْتَضِيهِ الْكَلَام كَمَا فِي الْأَمْثِلَة
وَالرَّابِع وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين أَنه مَنْصُوب على الْخلاف لِأَن الاسْتوَاء مثلا مَنْسُوب إِلَى الْخَشَبَة وَكَانَ حَقه اسْتَوَى المَاء والخشبة بِالرَّفْع فَلَمَّا خَالفه صَار التَّقْدِير سَاوَى المَاء الْخَشَبَة وَالْخلاف ينصب كَمَا ينصب فِي الظّرْف إِذا كَانَ خَبرا للمبتدأ أَو مَا الحجازية فَإِن الأَصْل فِيهِ أَن يجر بِالْبَاء فَلَمَّا خَالف الأَصْل نصب
وَالْخَامِس قَالَه الْجِرْجَانِيّ أَن الناصب لَهُ الْوَاو وَحدهَا لِأَن صِحَة الْكَلَام لما دارت مَعَ الْوَاو وجودا وعدما دلّ على أَنَّهَا هِيَ العاملة كإلا فِي الِاسْتِثْنَاء
وَهُوَ أَضْعَف هَذِه الْمذَاهب أما أَولا فَلِأَنَّهُ منتقض بالتضعيف وبهمزة النَّقْل والتعدية لِأَن صِحَة الْكَلَام فِي النصب دَائِرَة مَعَ هَذِه وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا عَاملا وَثَانِيا فَلِأَنَّهُ لَو كَانَت الْوَاو عاملة لم يفْتَقر إِلَى وجود عَامل قبلهَا ولاتصلت الضمائر بهَا كَمَا تتصل بالحروف العاملة نَحْو لَك وَإنَّك وَامْتنع الِانْفِصَال فِي نَحْو لَو تركت الفصيل وَأمه لرضعها وَأَيْضًا فالحروف لَا يعْمل شَيْء مِنْهَا حَتَّى يخْتَص وَالْوَاو غير مُخْتَصَّة بل تدخل على الِاسْم وَالْفِعْل
وَأما مَذْهَب الْأَخْفَش فَيرد عَلَيْهِ أَن الْأَسْمَاء المنتصبة هُنَا لَيست ظروفا وَلَا تصلح مَعَه بالِاتِّفَاقِ فَكيف تنتصب على الظَّرْفِيَّة وَأَيْضًا لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز أَن تَقول كل رجل مَعَ ضيعته وَلَا يُقَال هَذَا إِلَّا بِالرَّفْع لِأَنَّهُ مَعْطُوف سد مسد
الْخَبَر وَقد تقدم أَن الصَّيْمَرِيّ أجَاز النصب فِيهِ وَأَنَّهُمْ غلطوه وَنَقله ابْن بزيزة عَن ابْن كيسَان أَيْضا
وَأما قَول الزّجاج فضعيف من جِهَة أَن تَقْدِير الْفِعْل لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا وَقَوله إِن الْفِعْل لَا يعْمل فِي مفعول بَينهمَا الْوَاو جَوَابه أَن الْوَاو لما كَانَ هُنَا بهَا إرباط الِاسْم بِالْفِعْلِ أثرت فِيهِ من حَيْثُ الْمَعْنى فَلَا يمْتَنع أَن يُؤثر فِيهِ من جِهَة اللَّفْظ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا فِي الْعَطف لم تمنع الْعَمَل لِأَن الناصب فِي مثل ضربت زيدا وعمرا هُوَ الْفِعْل بتوسط الْوَاو لما اقْتَضَاهُ الْمَعْنى فَكَذَلِك هُنَا
وَأما مَذْهَب الْكُوفِيّين فينتقض بالْعَطْف الَّذِي فِيهِ الْمُخَالفَة مثل قَامَ زيد لَا عَمْرو ونظائر ذَلِك مِمَّا لم يقتض الْخلاف فِيهِ نصبا فَدلَّ على أَن الْمُخَالفَة لَا أثر لَهَا وَأَيْضًا يلْزم من اعْتِبَارهَا جَوَاز نصب الأول لِأَنَّهُ مُخَالف للثَّانِي إِذْ لَو اعْتبرنَا الْخلاف فَلَيْسَ مُخَالفَة الثَّانِي للْأولِ أولى بِالِاعْتِبَارِ من عَكسه
وَوجه قَول سِيبَوَيْهٍ رحمه الله بِأَنَّهُ لَا فرق بَين تَعديَة الْفِعْل بِالْبَاء أَو بِالْوَاو إِلَّا أَن حرف الْجَرّ عَامل مُسْتَقل وَالْوَاو لَا تعْمل بالاستقلال لعدم اختصاصها بِعَمَل الْعَامِل الأول فِي الِاسْم الَّذِي بعد الْوَاو كَمَا عمل فِي مَوضِع الْجَار
وَالْمَجْرُور وَلما خرجت الْوَاو عَن أَصْلهَا بجعلها مقوية للْعَمَل وموصلة لَهُ إِلَى مَا بعْدهَا لَزِمت طَريقَة وَاحِدَة وَهَذَا شَأْنهمْ فِيمَا أَخْرجُوهُ عَن أَصله وكما أَن الْفِعْل اللَّازِم إِذا قوي بِالْهَمْزَةِ عمل النصب وَالْعَمَل لَيْسَ للهمزة بل للْفِعْل بتقوية الْحَرْف إِيَّاه فَكَذَلِك هُنَا وَإِنَّمَا حذفت مَعَ اختصارا وتوسعا وأقيمت الْوَاو مقَامهَا لِأَنَّهَا أخصر مِنْهَا وتوافقها فِي الْمَعْنى لِأَن الْجمع فِيهِ معنى المصاحبة وَكَانَ فِيهَا مَعْنيانِ الْجمع والعطف فَلَمَّا خلع مِنْهَا معنى الْعَطف بَقِي الْجمع كَمَا أَن الْفَاء فِيهَا معنى الْعَطف والاتباع فَإِذا وَقعت فِي جَوَاب الشَّرْط خلع مِنْهَا الْعَطف وَبَقِي الِاتِّبَاع
فَإِن قيل فَلم لم ينجر مَا بعد الْوَاو بهَا كَمَا ينجر بمع لِأَنَّهَا هُنَا بمعناها وقائمة مقَامهَا
فَجَوَابه أَنه لما كَانَ أَصْلهَا هُنَا الْعَطف وَالْوَاو العاطفة لَا تعْمل إِنَّمَا يعْمل فِيمَا بعْدهَا الْفِعْل الَّذِي قبلهَا تركت هُنَا على أَصْلهَا
وَقد ذكر ابْن جني وَجَمَاعَة من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة أَن الْمَفْعُول مَعَه إِنَّمَا يجوز
حَيْثُ يصلح الْعَطف فَكل مَوضِع لَا يصلح فِيهِ الْعَطف لم يجز فِيهِ النصب على الْمَفْعُول مَعَه فَلَا يَصح قَوْلك انْتَظَرْتُك وطلوع الشَّمْس أَي مَعَ طُلُوع الشَّمْس لعدم صِحَة الْعَطف فِيهِ
وَهَذَا الْكَلَام كَأَنَّهُ فِي الْغَالِب وَإِلَّا فقد تقدم قَوْلهم سرت والجبل وَلَا يَصح الْعَطف هُنَا وَهُوَ مِمَّا يجب فِيهِ النصب كَمَا تقدم فَهَذِهِ الْقَاعِدَة غير مطردَة وَقد نبه عَلَيْهَا ابْن خروف وَغَيره وَالله أعلم