الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 -
فصل النصب على الْمَفْعُول مَعَه قياسي أَو سَمَاعي ومسائل أُخْرَى
الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَكثر الْبَصرِيين أَن النصب فِي هَذَا الْبَاب قِيَاس على مجْرى نصب الْمصدر والظرف وَنَحْوهمَا لصِحَّة مَعْنَاهُ وَصِحَّة عَامل النصب فِيهِ وَكَثْرَة مَجِيئه وَمِنْهُم من قصره على السماع وَألا يُقَال مِنْهُ إِلَّا مَا قالته الْعَرَب لما يتَضَمَّن من وضع الْحَرْف فِي غير مَوْضِعه فَإِن الْوَاو أَصْلهَا الْعَطف وَجعلهَا بِمَعْنى مَعَ اتساع لَا سِيمَا وَالنّصب بعْدهَا بالعامل الَّذِي قبلهَا وكل ذَلِك خُرُوج عَن الْقيَاس فَيقْتَصر بِهِ على السماع
وَحكى الامام أَبُو بكر الْخفاف فِي شرح الْجمل عَن الْأَخْفَش أَنه قوى هَذَا القَوْل الثَّانِي وَقَالَ إِنَّه الْأَحْوَط
وَالَّذِي حكى ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل عَن أبي الْحسن يَعْنِي الْأَخْفَش وَأبي عَليّ الْفَارِسِي أَنَّهُمَا اختارا كَونه مقيسا
وَحكى أَبُو الْقَاسِم اللورقي عَنْهُمَا أَنَّهُمَا ذَهَبا إِلَى أَن مَا جَازَ أَن يسْتَعْمل مَعْطُوفًا كَانَ مقيسا وَمَا لم يصلح جعله مَعْطُوفًا يقْتَصر بِهِ على السماع لِأَن الْمجَاز لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقد تقدم أَنه يَصح قَوْلهم سرت والجبل ومشيت والساحل وَأَنه كَلَام صَحِيح مطرد
وَالظَّاهِر الْقيَاس فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا مَا منع مِنْهُ مَانع مثل قَوْلهم كَانَت هِنْد وعمرا ضاحكة فَإِن نصب عَمْرو هُنَا على أَنه مفعول مَعَه لَا يَصح لفساد الْمَعْنى فِي خبر كَانَ
وَقد اخْتلفُوا فِي إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى {فَأَجْمعُوا أَمركُم} وَفِيه ثَلَاث قراءات
إِحْدَاهَا وَهِي المتواترة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا الْقُرَّاء السَّبْعَة بِقطع الْهمزَة وَكسر الْمِيم من أَجمعُوا من الاجماع وَنصب شركاءكم فَالَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي والمحققون أَن شركاءكم مَنْصُوب على أَنه مفعول مَعَه وَالْوَاو بِمَعْنى مَعَ أَي اجْمَعُوا مَعَ شركائكم أَمركُم وَذَلِكَ لِأَن الْعَطف هُنَا مُتَعَذر من جِهَة أَن الاجماع إِنَّمَا يكون فِي الْمعَانِي وَالْجمع فِي الشُّرَكَاء وَمَا يتفرق وَجوز
أَبُو عَليّ وَغَيره أَيْضا أَن يكون هُنَا فعل مُقَدّر ينْتَصب بِهِ الشُّرَكَاء وَيكون من بَاب عطف جملَة على جملَة تَقْدِيره فَأَجْمعُوا أَمركُم واجمعوا شركاءكم وَيكون هَذَا الْمُقدر ثلاثيا وَيكون ذَلِك من بَاب قَوْله
(يَا لَيْت زَوجك قد غَدا
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)
وَقَول الآخر
(علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا
…
)
تَقْدِيره مُتَقَلِّدًا سَيْفا ومعتقلا رمحا وعلفتها تبنا وسقيتها مَاء بَارِدًا لِأَن المَاء لَا يعلف وَلكنه يسقى
وَرجح جمَاعَة الأول من جِهَة عدم التَّقْدِير قَالَ ابْن بابشاذ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن مفعول مَعَه أكشف من هَذِه الْآيَة
وَرجح الْوَجْه الثَّانِي بِمَا رُوِيَ من قِرَاءَة أبي بن كَعْب رضي الله عنه / فَأَجْمعُوا أَمركُم وَادعوا شركاءكم /
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعَامِل فِي شركاءكم {أَجمعُوا} ) وَإِن كَانَ لَا يعْمل فِي المتفرق وَلكنه عمل فِيهِ لمقاربة مَا بَين جمعت وأجمعت)
والوجهان الْأَوَّلَانِ أقوى
وَالثَّانيَِة قِرَاءَة يَعْقُوب / فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاؤكم / وَالْوَاو فِيهَا عاطفة على الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي فَأَجْمعُوا وأغنى عَن تأكيده توسيط الْمَفْعُول وَيجوز أَن يرْتَفع بِفعل مُقَدّر مَعْنَاهُ وليجمعه شركاؤكم وَلَكِن الأول أقوى من جِهَة عدم التَّقْدِير
وَالثَّالِثَة رَوَاهَا الْأَصْمَعِي عَن نَافِع {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} بوصل الْهمزَة وَفتح الْمِيم فعلى هَذَا يجوز أَن يكون الشُّرَكَاء مَعْطُوفًا على مَا قبله وَأَن يكون مَفْعُولا مَعَه
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فاستقم كَمَا أمرت وَمن تَابَ مَعَك} فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون مَفْعُولا مَعَه فَيكون مَوضِع من نصبا بذلك وَيحْتَمل أَن تكون الْوَاو عاطفة على الْمُضمر فِي فعل الْأَمر وسد الْجَار وَالْمَجْرُور وَمَا اتَّصل بِهِ مسد التَّأْكِيد فَيكون مَوضِع من رفعا
وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم} يحْتَمل أَن يكون الْإِيمَان مَفْعُولا مَعَه أَي مَعَ الْإِيمَان وَيحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على وَجه التَّجَوُّز فِي الْإِيمَان فتصوره بِصُورَة الْمسكن الَّذِي يسْتَقرّ فِيهِ ويلجأ إِلَيْهِ وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مُقَدّر أَي وَأَخْلصُوا الْإِيمَان
وَقد اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز نصب الْمَفْعُول مَعَه فِي مَوضِع لم يتَقَدَّم فِيهِ قبل الْوَاو عَامل أصلا وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يَصح ذَلِك بِنَاء على الْمُخْتَار فِيمَا
تقدم أَن الناصب لَهُ الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ بِوَاسِطَة الْوَاو وإيصالها الْعَمَل إِلَيْهِ وَمن قَالَ إِن الْوَاو هِيَ الناصبة كالجرجاني يجوز نَصبه حَيْثُ لم يتَقَدَّم عَامل
قَالَ ابْن بزيزة وَقد جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم قَوْله صلى الله عليه وسلم (أَنا وَكَثْرَة المَال أخوفني عَلَيْكُم من قلته) وَفِي حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها (وَأَنا وإياه فِي لِحَاف وَاحِد)
قلت لَا يلْزم أَن يكون الحَدِيث الأول بِنصب كَثْرَة إِلَّا أَن تكون الرِّوَايَة مضبوطة كَذَلِك بِخِلَاف قَول عَائِشَة رضي الله عنها فَإِن الضَّمِير مُتَعَيّن للنصب
فَيحْتَمل أَن يقدر فِيهِ فعل يَصح بِهِ الْإِعْرَاب دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام مثل كنت أَنا وإياه وَنَحْو ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم
وَمِمَّا يتَخَرَّج من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة مَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار وزيدا فَأَنت طَالِق وَكَانَ الْمُتَكَلّم نحويا فَإِن الطَّلَاق إِنَّمَا يَقع بِدُخُولِهَا مَعَ زيد جَمِيعًا لَا بِدُخُول كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده وَإِن اجْتمعَا فِيهَا وَلم يدخلا جَمِيعًا فَفِيهَا احْتِمَال ومجال للنَّظَر وَيَنْبَغِي أَن تعْتَبر نِيَّته فَإِن قصد منع كَونهمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهَا حنث بذلك وَإِلَّا فَمُقْتَضى كَلَامه وَهُوَ يحتوي التَّعْلِيق على المصاحبة فِي الدُّخُول
أما إِذا لم يكن نحويا وَلم يعرف مُقْتَضى هَذَا التركيت فالمرجع هُنَا إِلَى نِيَّته كَمَا فِي نَظَائِره وَالظَّاهِر حِينَئِذٍ ترَتّب الْوُقُوع على اجْتِمَاعهمَا فِيهَا وَإِن لم يدخلا مَعًا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْخبز وَالْعِنَب قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَحْنَث إِلَّا إِذا أكلهما مَعًا إِلَّا إِذا نوى غير ذَلِك لِأَن الْوَاو العاطفة تجْعَل الْجَمِيع كالشيء الْوَاحِد فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أكلهما فَقَوْلهم إِلَّا إِذا نوى غير ذَلِك مُقْتَضَاهُ أَنه نوى منع أكلهما مَعًا أَنه يتَعَلَّق الْحِنْث بِهِ دون مَا إِذا أكل كل وَاحِد مِنْهُمَا بمفرده
وَهَذَا يقوى عِنْدَمَا يكون الْحَالِف نحويا وَقصد أَن يكون الْوَاو بِمَعْنى مَعَ وَوَجهه ظَاهر وَالظَّاهِر أَن غير النَّحْوِيّ إِذا قصد هَذَا الْمَعْنى فِي هَذِه الصُّورَة يعْتَبر مَا نَوَاه بِخِلَاف الَّتِي قبلهَا وَالله أعلم