الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 -
فصل الرَّبْط بِالْوَاو أَو بالضمير فِي جملَة الْحَال
تقرر أَن الْجُمْلَة الاسمية إِذا وَقعت حَالا فَإِنَّهَا تكون تَارَة بِالْوَاو وَتارَة بالضمير وَإِن كَانَ الْأَكْثَر الْجمع بَينهمَا وَقد ذكر الْجِرْجَانِيّ أَن الْمُبْتَدَأ من الْجُمْلَة مَتى كَانَ ضمير ذِي الْحَال لم تصلح بِغَيْر الْوَاو الْبَتَّةَ كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد وَهُوَ رَاكب ورأيته وَهُوَ جَالس وَلَو جِئْت بهَا بِغَيْر الْوَاو لم يكن كلَاما
وَقَالَ هُوَ وَغَيره أَيْضا إِن صَاحب الْحَال مَتى كَانَ نكرَة مُقَدّمَة عَلَيْهَا وَجَبت الْوَاو مثل جَاءَنِي رجل وعَلى كتفه سيف وَإِنَّمَا وَجَبت الْوَاو لِئَلَّا يشْتَبه بالنعت وَعَلِيهِ خرج السكاكي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} وَاعْترض على الزَّمَخْشَرِيّ فِي جعل قَوْله وَلها كتاب صفة
لقرية وَأَن الْوَاو توسطت لتأكيد لصوق الصّفة بالموصوف
وعَلى هَذَا فَقَوله تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} أولى بجعله صفة وَإِن كَانَ غَيره جعلهَا حَالا وَيكون حرف الِاسْتِثْنَاء أغْنى عَن الْوَاو وَقَالَ السكاكي وَصَحَّ وُقُوع الْحَال هُنَا من النكرَة لِأَن الْقرْيَة فِي حكم الموصوفة نازلة منزلَة قَوْله وَمَا أهلكنا من قَرْيَة من الْقرى
وَذكر الْجِرْجَانِيّ أَيْضا أَن الْجُمْلَة الاسمية مَتى كَانَ الْخَبَر فِيهَا ظرفا مقدما على الْمُبْتَدَأ فالأكثر فِيهَا أَن تَجِيء بِغَيْر وَاو مثل الأبيات الْمُتَقَدّمَة
(خرجت مَعَ الْبَازِي على سَواد
…
)
(فَاشْرَبْ هينئا عَلَيْك التَّاج مرتفقا
…
)
(تقوم عَلَيْهِ فِي يَديك قضيب
…
)
ثمَّ اخْتَار فِي هَذِه الْمَوَاضِع أَن يكون الثَّانِي مرتفعا بالظرف لَا بالإبتداء وَهُوَ مَحل اتِّفَاق سِيبَوَيْهٍ والأخفش لِأَن سِيبَوَيْهٍ يعْمل الظّرْف إِذا كَانَ مُعْتَمدًا وَهنا لما جرت الْحَال مجْرى الصّفة كَانَ اعْتِمَادًا كَافِيا فِي أَن يرْتَفع
الظَّاهِر بالظرف قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يكون الظّرْف هَا هُنَا خَاصّا فِي تَقْدِير اسْم فَاعل تَقْدِيره كَائِنا
وَيجوز أَن يكون أَيْضا فِي تَقْدِير فعل مَاض مَعَ قد وَلَا يَصح أَن يكون مُقَدرا بِفعل مضارع وَإِنَّمَا اخْتَار تَقْدِيره باسم فَاعل لرجوع الْحَال حِينَئِذٍ إِلَى أَصْلهَا فِي الافراد وَلِهَذَا كثر مجيئها بِلَا وَاو يَعْنِي إِذا كَانَت الْجُمْلَة مصدرة بالظرف وَجوز التَّقْدِير بِفعل مَاض أَيْضا لمجيئها بِالْوَاو قَلِيلا
وَإِنَّمَا امْتنع تقديرها بالمضارع لِأَنَّهَا إِذا تقدرت بِهِ يمْتَنع مجيئها بِالْوَاو وَهنا لَا يمْتَنع ذَلِك ثمَّ ذكر فِي قَوْله فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم
(وجدته حاضراه الْجُود وَالْكَرم
…
)
إِن حذف الْوَاو هُنَا حسنه تَقْدِيم الْخَبَر الَّذِي هُوَ حاضراه وَلَو قَالَ وجدته الْجُود وَالْكَرم حاضراه لم يحسن كَالْأولِ لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة قَوْله حَاضرا عِنْده الْجُود وَالْكَرم
قَالَ وَمِمَّا يحسن فِيهِ مَجِيء الاسمية بِلَا وَاو دُخُول حرف على الْمُبْتَدَأ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(فَقلت عَسى أَن تبصريني كَأَنَّمَا
…
بني حوالي الْأسود الحوارد)
ثمَّ قَالَ فَإِنَّهُ لَوْلَا دُخُول كَأَن عَلَيْهِ لم يحسن الْكَلَام إِلَّا بِالْوَاو
قلت وَمثله مَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} {كَأَن لم يسْمعهَا} {كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا}
ثمَّ شبه الْجِرْجَانِيّ بِهَذَا أَيْضا أَن تقع الاسمية حَالا بعد مُفْرد فَإِنَّهُ يلطف موقعها بِخِلَاف مَا إِذا أفردت كَقَوْل ابْن الرُّومِي
(وَالله يبقيك لنا سالما
…
برداك تبجيل وتعظيم)
فَإِنَّهُ لَو قَالَ يبقيك لنا برداك تبجيل لم يحسن
وَأما الْجُمْلَة الفعلية فقد تقدم أَن الْمُضَارع الْمُثبت يمْتَنع مَجِيئه بِالْوَاو لما بَين الْفِعْل الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل من الْمُنَاسبَة وَتَقْرِير ذَلِك أَن أصل الْحَال المتنقلة أَن تدل على حُصُول صفة غير ثَابِتَة مُقَارنَة لما جعلت قيدا لَهُ والمضارع الْمُثبت كَذَلِك أما دلَالَته على حُصُول صفة غير ثَابِتَة فَلَا بُد من فعل مُثبت وَالْفِعْل يدل على التجدد وَعدم الثُّبُوت وَأما دلَالَته على الْمُقَارنَة فَلِأَنَّهُ مضارع غير مخلص للاستقبال فَلهَذَا وَجب أَن يكون بالضمير وَحده كالحال المفردة وَامْتنع نَحْو جَاءَ زيد وَتكلم عَمْرو
وَأما مَا جَاءَ من قَول بعض الْعَرَب قُمْت وأصك عينه وَقَول عبد الله بن همام السَّلُولي
(فَلَمَّا خشيت أظافيرهم
…
نجوت وأرهنهم مَالِكًا)
فَقيل إِنَّه على حذف الْمُبْتَدَأ أَي وَأَنا أصك وَأَنا أرهنهم وَقيل الأول شَاذ وَالثَّانِي ضَرُورَة
وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ رحمه الله لَيست الْوَاو فيهمَا للْحَال بل هِيَ فيهمَا للْعَطْف وأرهن وأصك بِمَعْنى رهنت وصككت وَلَكِن الْغَرَض فِي إخراجهما على لفظ الْحَال أَن يحكيا الْحَال فِي أحد الْخَبَرَيْنِ ويدعا الآخر على أَصله فِي الْمُضِيّ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني
…
فمضيت ثمت قلت لَا يعنيني)
فَكَمَا أَن أَمر هُنَا بِمَعْنى مَرَرْت فَكَذَلِك فِي وأرهنهم وأصك وَيبين ذَلِك أَن الْفَاء تَجِيء مَكَان الْوَاو فِي مثله كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر عَن عبد الله بن عتِيك رضي الله عنه حِين دخل على أبي رَافع الْيَهُودِيّ حصنه قَالَ فانتهيت إِلَيْهِ فاذا هُوَ فِي بَيت مظلم لَا أَدْرِي أَيْن هُوَ من الْبَيْت فَقلت أَبَا رَافع فَقَالَ من هَذَا فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت فأضربه بِالسَّيْفِ وَأَنا دهش قَالَ قَوْله فأضربه مضارع عطفه بِالْفَاءِ على مَاض لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى مَاض قلت وَمثله أَيْضا قَول تأبط شرا
(أَلا من مبلغ فتيَان فهم
…
بِمَا لاقيت يَوْم رَحا بطان)
(بِأَنِّي قد لقِيت الغول تهوي
…
بسهب كالصحيفة صحصحان)
(فشدت شدَّة نحوي فَأَهوى
…
لَهَا كفي بمصقول يمَان)
(فأضربها بِلَا دهش فخرت
…
صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وللجران)
فَأتى بقوله فأضربها ليصور لِقَوْمِهِ الْحَالة الَّتِي فِيهَا تشجع على ضرب الغول حَتَّى كَأَنَّهُ يبصرهم إِيَّاهَا فَكَذَلِك مَا تقدم من قَوْلهم قُمْت وأصك وَجهه وأرهنهم مَالِكًا وَالظَّاهِر أَن مثل هَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة الحالية وَإِن أُرِيد بِهِ حِكَايَة الْحَال
وَأما إِذا كَانَ الْفِعْل منفيا فَإِنَّهُ يجوز دُخُول الْوَاو وَعدمهَا وهما سَوَاء لِأَنَّهُ يدل على الْمُقَارنَة لكَونه مضارعا وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على الْحُصُول لكَونه منفيا
وَقد اسْتثْنى ابْن مَالك الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بلم فَجعل الْوَاو فِيهِ وَاجِبَة وَجوز خلوه عَن الضَّمِير مثل جَاءَ زيد وَلم تطلع الشَّمْس وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الْمَاضِي
لفظا أَو معنى يجوز الْوَجْهَانِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مثبتا وَيشْتَرط أَن يكون غَالِبا مَعَ قد إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة حَتَّى تقربه إِلَى الْحَال فَيدل على المقاربة
وَمُقْتَضى هَذَا أَن يجب الْوَاو فِي الْمَاضِي الْمَنْفِيّ لانْتِفَاء الْمَعْنيين لكنه لم يجب فِيهِ بل كَانَ مثل الْمُثبت أما الْمَنْفِيّ بلما فَلِأَنَّهَا للاستغراق وَأما الْمَنْفِيّ بغَيْرهَا فَلِأَنَّهُ لما دلّ على انْتِفَاء مُتَقَدم وَكَانَ الأَصْل اسْتِمْرَار ذَلِك حصلت الدّلَالَة على الْمُقَارنَة عِنْد إِطْلَاقه بِخِلَاف الْمُثبت فَإِن وضع الْفِعْل على إِفَادَة التجرد وَتَحْقِيق هَذَا أَن اسْتِمْرَار الْعَدَم لَا يفْتَقر إِلَى سَبَب بِخِلَاف اسْتِمْرَار الْوُجُود وَالله أعلم