المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل الأحكام المتعلقة برب - الفصول المفيدة في الواو المزيدة

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صلى الله عليه وسلم وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا

- ‌ فصل أَقسَام الْوَاو

- ‌ فصل الْوَاو المزيدة فِي بِنَاء الْكَلِمَة

- ‌لَا تزاد أَولا

- ‌ فصل مَتى تكون الْوَاو أَصْلِيَّة وَمَتى تكون زَائِدَة

- ‌ فصل مواقع زِيَادَة الْوَاو

- ‌ فصل الْوَاو الدَّاخِلَة على أول الْكَلِمَة أَنْوَاعهَا

- ‌ فصل النَّوْع الأول

- ‌الْكَلَام على الْوَاو العاطفة

- ‌الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف

- ‌ فصل الْغَرَض من تكْرَار الْعَامِل فِي الْعَطف

- ‌ فصل عود الضَّمِير على الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ

- ‌ فصل دلَالَة الْوَاو العاطفة

- ‌وَالْقَوْل الثَّانِي

- ‌وَالْقَوْل الثَّالِث

- ‌وَالْقَوْل الرَّابِع

- ‌ فصل فِي الْأَدِلَّة الدَّالَّة على القَوْل الأول

- ‌بِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع

- ‌أَولهَا

- ‌وَثَانِيها

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌الْوَجْه الْخَامِس

- ‌ فصل فِيمَا احْتج بِهِ لِلْقَائِلين بِأَن الْوَاو للتَّرْتِيب

- ‌ فصل فِي مسَائِل فقهية

- ‌تتخرج على أَن الْوَاو للْجمع الْمُطلق أَو للتَّرْتِيب

- ‌فَائِدَة

- ‌ فصل الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة للتقديم والاهتمام

- ‌ فصل إِضْمَار حرف الْعَطف

- ‌ فصل الْفَصْل والوصل

- ‌عطف الْجمل

- ‌عطف جملَة لَهَا مَحل على أُخْرَى

- ‌عطف جملَة لَا مَحل لَهَا على أُخْرَى

- ‌التَّعَلُّق بَين الجملتين بالتأكيد أَو الصّفة يُوجب الْفَصْل

- ‌عدم التَّعَلُّق بَين الجملتين وَوُجُود اللّبْس بالْعَطْف يُوجب الْفَصْل

- ‌الِانْقِطَاع بَين الجملتين يُوجب الْفَصْل

- ‌كَمَال الِاتِّصَال يُوجب الْفَصْل

- ‌الِاسْتِئْنَاف يُوجب الْفَصْل

- ‌يجب الْعَطف لدفع توهم خلاف الْمَقْصُود

- ‌يحسن الْعَطف لِاتِّفَاق الجملتين فِي الْخَبَر إو الْإِنْشَاء

- ‌تَقْسِيم الْجَامِع إِلَى عَقْلِي ووهمي وخيالي

- ‌ فصل عطف الصِّفَات بَعْضهَا على بعض

- ‌وَاو الثَّمَانِية وَالرَّدّ على القَوْل بهَا

- ‌ فصل زِيَادَة الْوَاو العاطفة

- ‌ فصل تَقْدِير مَعْطُوف عَلَيْهِ مَحْذُوف فِي الْقُرْآن

- ‌ فصل تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ

- ‌ فصل الرَّبْط بِالْوَاو أَو بالضمير فِي جملَة الْحَال

- ‌ فصل ملخص من كَلَام عبد القاهر فِي سر الرَّبْط بِالْوَاو)

- ‌ فصل اسْتِعْمَال الْوَاو فِي الْحَال عِنْد الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ فصل مسَائِل فقهية فِي التَّفْرِيع على وَاو الْحَال

- ‌ فصل الْقسم الثَّالِث من أَنْوَاع الْوَاو مَا ينْتَصب بعْدهَا الْمَفْعُول مَعَه

- ‌ فصل الناصب للْمَفْعُول مَعَه

- ‌ فصل النصب على الْمَفْعُول مَعَه قياسي أَو سَمَاعي ومسائل أُخْرَى

- ‌ فصل - النَّوْع الرَّابِع من أَقسَام الْوَاو

- ‌الْوَاو الَّتِي ينْتَصب الْفِعْل الْمُضَارع بعْدهَا

- ‌ فصل الناصب للْفِعْل الْمُضَارع بعد الْوَاو

- ‌ فصل فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن يتَخَرَّج إعرابها على مَا نَحن فِيهِ

- ‌ فصل الْمَعْنى الْجَامِع لأنواع الْوَاو

- ‌ فصل النَّوْع الْخَامِس من أَقسَام الْوَاو

- ‌الْوَاو الَّتِي للقسم

- ‌ فصل - النَّوْع السَّادِس

- ‌الْكَلَام على وَاو رب

- ‌ فصل الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِرَبّ

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌ فصل الأحكام المتعلقة برب

36 -

‌ فصل الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِرَبّ

الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِرَبّ كَثِيرَة مَعْرُوفَة فِي موضعهَا من كتب الْعَرَبيَّة وَالَّذِي يتَعَلَّق بِهَذَا الْموضع مِنْهَا ثَلَاثَة أُمُور نذكرها لتعلقها بِمَا نَحن فِيهِ سَوَاء جعلت الْوَاو عوضا عَن رب أَو كَانَت رب بعْدهَا مقدرَة

الأول أَنَّهَا للتقليل أَو للتكثير وَلَا شكّ أَنَّهَا جَاءَت للتقليل كثيرا وخصوصا فِي مَوَاضِع لَا تحْتَمل إِلَّا التقليل مِمَّا يَأْتِي ذكره وَجَاءَت فِي مَوَاضِع يسيرَة تَأتي أَيْضا وَالْمرَاد بهَا التكثير

وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه فِي بَاب كم ومعني كم كمعنى رب إِلَّا أَن كم اسْم و (رب) غير اسْم ففهم جمَاعَة من ذَلِك أَن مَعْنَاهَا التكثير كَمَا أَن معنى كم التكثير وَمِنْهُم ابْن مَالك فَقَالَ هِيَ حرف تَكْثِير وفَاقا لسيبويه والتقليل بهَا نَادِر

ص: 249

وَصرح بِأَنَّهَا للتكثير من الْمُتَقَدِّمين صَاحب الْعين وَقَالَ الفارابي فِي كتاب الْحُرُوف إِنَّهَا للتقليل وللتكثير فَجَعلهَا مُشْتَركَة بَينهمَا وَمُقْتَضى كَلَام ابْن مَالك أَن حَقِيقَتهَا التكثير

وَالَّذِي صرح بِهِ دهماء أَئِمَّة الْعَرَبيَّة أَنَّهَا للتقليل وَأَنَّهَا ضدكم فِي التكثير

قَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي وجدت كبراء الْبَصرِيين ومشاهيرهم مُجْمِعِينَ على أَنَّهَا للتقليل وَأَنَّهَا ضدكم فِي التكثير كالخليل وسيبويه وَعِيسَى بن عمر وَيُونُس وَأبي زيد الْأنْصَارِيّ وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء والأخفش سعيد بن مسْعدَة والمازني وأبى عمر الْجرْمِي والمبرد وَأبي

ص: 250

بكر بن السراج وإبي إِسْحَاق الزّجاج وَأبي عَليّ الْفَارِسِي والرماني وَابْن جني والسيرافي وَكَذَلِكَ جلة الْكُوفِيّين كالكسائي وَالْفراء ومعاذ الهراء وَهِشَام وَابْن سَعْدَان وَلم أجد لَهُم مُخَالفا فِي ذَلِك إِلَّا صَاحب الْعين والفارابي وَلَا شكّ أَن هَؤُلَاءِ رَأَوْا الأبيات الَّتِي وَردت فِيهَا للتكثير فَإِنَّهَا كَثِيرَة

ثمَّ ذكر قَول سِيبَوَيْهٍ الْمُتَقَدّم معنى كم معنى رب وَقَالَ لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ قد صرح فِي مَوَاضِع أَن رب للتقليل وَكم للتكثير وَهُوَ يسْتَعْمل ذَلِك أَيْضا فَإِنَّهُ إِذا تكلم فِي كِتَابه على الشواذ يَقُول فِي كثير مِنْهَا وَرب شَيْء هَكَذَا يُرِيد أَنه قَلِيل نَادِر وَقد أنْشد بَيت الفرزدق

(فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله نعمتهم

إِذْ هم قُرَيْش وَإِذ مَا مثلهم بشر)

ص: 251

ثمَّ قَالَ وَهَذَا لَا يكَاد يعرف كَمَا أَن {ولات حِين مناص} كَذَلِك وَرب شَيْء هَكَذَا وَقد فسر أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَغَيره قَوْله إِن معنى كم معنى رب على أَن مُرَاده أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا يقعان صَدرا وأنهما لَا يدخلَانِ إِلَّا على نكرَة وَأَن الِاسْم المنكور الْوَاقِع بعدهمَا يدل على أَكثر من وَاحِد وَإِن كَانَ الِاسْم الْوَاقِع بعد كم يدل على كثير وَبعد رب على قَلِيل قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن درسْتوَيْه والرماني وَغَيرهمَا

قلت وَفِي حمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على هَذَا جمع بَين جَمِيع كَلَامه وَدفع التَّنَاقُض عَنهُ وَالْكَلَام الْآن فِي الْمَوَاضِع الَّتِي جَاءَت فِيهَا لَا تحْتَمل إِلَّا التقليل وَفِي مَوَاضِع التكثير ثمَّ فِي الْجَواب عَنْهَا

فَمن الأول مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ من قَوْلهم ربه رجلا وَنَصّ عَلَيْهَا سِيبَوَيْهٍ فِي الْكتاب وَهُوَ تقليل مَحْض لِأَن الرجل لَا يمدح بِكَثْرَة النظير بل بقلته وَقَالَ الشَّاعِر

(أَلا رب مَوْلُود وَلَيْسَ لَهُ أَب

وَذي ولد لم يلده أَبَوَانِ)

(وَذي شامة غراء فِي حر وَجهه

مُجَللَة لَا تَنْقَضِي لِأَوَانِ)

وَهَذِه الثَّلَاثَة لَا نَظِير لَهَا الثَّلَاثَة لَا فِيمَا ذكر فالمولود الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَب عِيسَى عَلَيْهِ

ص: 252

السَّلَام وَالَّذِي لَهُ ولد وَلم تلده أَبَوَانِ آدم عليه السلام وَصَاحب الشامة هُوَ الْقَمَر شبه الكلف الَّذِي يظْهر فِيهِ بالشامة

وَقَالَ الآخر

(رب نهر رَأَيْت فِي جَوف خرج

يترامى بموجه الزخار)

(ونهار رَأَيْت نصف اللَّيْل

وليل رَأَيْت منتصف النَّهَار)

يَعْنِي بالخرج الْوَادي الَّذِي لَا منفذ لَهُ وَالنَّهَار فرخ الْحُبَارَى وَاللَّيْل فرخ الكروان وَأنْشد البطليوسي لحاتم طَيء

(وَإِنِّي لأعطي سائلي ولربما

أكلف مَا لَا أَسْتَطِيع فأكلف)

وَجعل رب هُنَا للتقليل وَلَيْسَت صَرِيحَة فِي ذَلِك كَالَّذي قبله بل لَعَلَّ مُرَاده التكثير لِأَنَّهُ فِي مقَام التمدح

وَمن الْمَوَاضِع الَّتِي جَاءَت للتكثير قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي لَا معنى للتقليل فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حجَّة عَلَيْهِم فِيهِ

وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ (يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة) قَالَ ابْن مَالك لَيْسَ المُرَاد أَن ذَلِك قَلِيل بل المُرَاد أَن المتصف

ص: 253

بِهَذَا من النِّسَاء كثير

وَقَالَ حسان بن ثَابت رضي الله عنه

(رب حلم أضاعه عدم المَال وَجَهل غطى عَلَيْهِ النَّعيم)

وَقَالَ ضابيء البرجمي

(وَرب أُمُور لَا تضيرك ضيرة

وللقلب من مخشاتهن وجيب)

وَقَالَ عدي بن زيد

(رب مأمول وراج أملا

قد ثناه الدَّهْر عَن ذَاك الأمل)

أنْشد هَذِه الثَّلَاثَة ابْن مَالك وَلَيْسَ التكثير فِيهَا مُتَعَيّنا وَلَا بُد وَلكنه ظَاهر وَقد يدعى فِيهَا التقليل بِخِلَاف قَول أبي كَبِير الْهُذلِيّ

ص: 254

(أزهير إِن يشب القذال فَإِنَّهُ

رب هيضل لجب لفقت بهيضل)

وَقَول أبي عَطاء السندي يرثي عمر بن هُبَيْرَة

(فَإِن تمس مهجور الفناء فَرُبمَا

أَقَامَ بِهِ بعد الْوُفُود وُفُود)

وَأنْشد ابْن برهَان عَن أبي زيد لعَمْرو بن الْبَراء

(وَذي رحم ذِي حَاجَة قد وصلتهم

إِذا رحم القطاع نشت بلالها)

ص: 255

وَأنْشد لأوس بن حجر

(ونلنا ونال الْقَوْم منا وَرُبمَا

يكون على الْقَوْم الْكِرَام لنا الظفر)

ولجذيمة الوضاح

(رُبمَا أوفيت فِي علم

ترفعن ثوبي شمالات)

وللأعشى مَيْمُون بن قيس

(رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم

وَأسرى من معشر أقيال)

ولثمامة بن مخبر

ص: 256

(أَلا رب ملتاث يجر كساءه

نفى عَنهُ وجدان الرقين العظائما)

ولبشر بن أبي خازم

(فَإِن أهلك عُمَيْر فَرب زحف

يشبه نقعه رهوا ضبابا)

وَلَا شكّ أَن هَذِه الأبيات كَثِيرَة وبسببها جعل ابْن مَالك التكثير فِي رب هُوَ الْغَالِب وَأنْشد ابْن عُصْفُور فِي ذَلِك أَيْضا قَول الشَّاعِر

(فيا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة

بآنسة كَأَنَّهَا خطّ تِمْثَال)

وَقَوله

(فيا رب مكروب كررت وَرَاءه

وعان فَككت الغل عَنهُ وفداني)

ص: 257

ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك كُله بِأَن رب فِي هَذِه الْمَوَاضِع وأمثالها للمباهاة والافتخار وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَصَوَّر فِيمَا يقل نَظِيره من غير المفتخر إِذْ مَا يكثر نَظِيره من المفتخر وَغَيره لَا يتَصَوَّر الافتخار بِهِ فَتكون رب فِي هَذِه الْأَمَاكِن كلهَا لتقليل النظير يَعْنِي فَلَا تنفك عَن التقليل وَتَبعهُ على ذَلِك أَبُو بكر الْخفاف وَغَيره وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْن أبي الرّبيع بقوله إِن رب لتقليل ذَات الشَّيْء أَو تقليل نَظِيره

وسلك البطليوسي فِي هَذَا الْمَعْنى مسلكا آخر وَهُوَ أَن الشَّاعِر بافتحاره يَدعِي أَن الشَّيْء الَّذِي يكثر وجوده مِنْهُ يقل من غَيره فَوضع لَهَا التقليل فِي مَوضِع التكثير لذَلِك كَمَا استعير لفظ الذَّم فِي مَوضِع الْمَدْح فَيُقَال أَخْزَاهُ الله مَا أشعره إشعارا بِأَن الممدوح قد جعل فِي رُتْبَة من يشْتم حسدا لَهُ على فَضله لِأَن الْفَاضِل هُوَ الَّذِي يحْسد وَذكر جَوَابا آخر وَهُوَ أَن قَول الرجل لصَاحبه لَا تعادني فَرُبمَا نَدِمت تَأْوِيله أَن الندامة لَو كَانَت قَليلَة لوَجَبَ أَن يتَجَنَّب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا فَكيف وَهِي كَثِيرَة

قَالَ وعَلى هَذَا تَأَول النحويون قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} وَقَول امْرِئ الْقَيْس

(أَلا رب يَوْم لَك مِنْهُنَّ صَالح

)

اسْتِعَارَة لفظ التقليل هُنَا إِشَارَة إِلَى أَن قَلِيل هَذَا فَخر لفَاعِله فَكيف بكثيره

ص: 258

وَأجَاب اللورقي عَن هَذِه الْمَوَاضِع جَمِيعهَا بِأَن رب اسْتعْملت فِيهَا للتكثير على وَجه التَّجَوُّز من اسْتِعْمَال أحد الضدين فِي الآخر كَمَا فِي قد فَإِنَّهَا للتقليل وَقد تسْتَعْمل للتكثير كَمَا فِي قَول الشَّاعِر

(أَخُو ثِقَة لَا تهْلك الْخمر مَاله

وَلكنه قد يهْلك المَال نائله)

وَهَذَا الْجَواب يعم جَمِيع مَا تقدم لَكِن يعكس ابْن مَالك هَذَا فَيَقُول هِيَ فِي هَذِه الْمَوَاضِع حَقِيقَة وَحَيْثُ اسْتعْملت للتقليل يكون مجَازًا فعلى النَّاظر أَن يترقى فِي جَمِيع ذَلِك ويرجح مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل الرَّاجِح

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد النحويون كالمجمعين على أَن رب جَوَاب لكَلَام مُتَقَدم فَإِذا قلت رب رجل عَالم لَقيته فَهُوَ جَوَاب لمن سَأَلَ هَل لقِيت رجلا عَالما أَو من يقدر سُؤَاله بذلك فَتَقول لَهُ رب رجل عَالم لَقيته أَي لقِيت من جنس الرِّجَال الْعلمَاء إِلَّا أَن ذَلِك لَيْسَ بِكَثِير

قَالَ وَالدَّلِيل على أَن رب جَوَاب أَن وَاو رب عاطفة فيستغنى بهَا عَن رب بِدَلِيل أَنَّهَا لَا يدْخل عَلَيْهَا حرف عطف وَالْعرب تستعملها وَإِن لم يتَقَدَّم

ص: 259

قبلهَا كَلَام فَتَقول وَرجل أكرمته ابْتِدَاء قَالَ

(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس

إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس)

فَدلَّ على أَن رب جَوَاب حَتَّى تكون الْوَاو قد عطفت الْجَواب على السُّؤَال الْمُتَقَدّم أَو الْمُقدر وَلَوْلَا ذَلِك لما سَاغَ وُقُوع حرف الْعَطف أول الْكَلَام انْتهى كَلَامه

وَمُقْتَضَاهُ أَنه جعل مَا يسْتَدلّ بِهِ على كَون رب للتقليل وُقُوعهَا موقع الْجَواب وَاسْتدلَّ على وُقُوعهَا موقع الْجَواب بِقِيَام الْوَاو مقَامهَا فعلى هَذَا يكون التقليل فِي حَالَة الْوَاو أولى مِنْهُ فِي حَالَة إِظْهَار رب وَهَذَا قوي جدا فَإِنَّهُ لَا يُوجد شَاهد بِهَذِهِ الْوَاو وَالْمعْنَى فِيهِ التكثير وَإِنَّمَا ذَلِك جَمِيعه عِنْد ظُهُور رب وَالله سبحانه وتعالى أعلم

الثَّانِي

تقدم أَن رب يتَّصل بهَا الظَّاهِر والمضمر وَأَن هَذِه الْوَاو لَا يتَّصل بهَا إِلَّا ظَاهر وَشرط ذَلِك الظَّاهِر فِيهَا أَن يكون نكرَة مَوْصُوفَة إِمَّا بمفرد أَو بجملة اسمية أَو فعلية مثل رب رجل كريم رَأَيْته وَرب رجل مَاتَ أَبوهُ أَو أَبوهُ ميت لَقيته أما كَونه نكرَة فَلِأَن الْمُفْرد بعْدهَا فِي معنى جمع وَلَا يكون فِي معنى جمع إِلَّا النكرَة وَأَيْضًا فَهِيَ إِمَّا للتقليل أَو للتكثير على مَا تقدم وكل مِنْهُمَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِيمَا يُمكن فِيهِ ذَلِك وَهُوَ النكرَة وَأما الْمعرفَة فمتعينة لَا تحْتَمل ذَلِك وَقد تدخل على مَا لَفظه لفظ الْمعرفَة إِذا كَانَ نكرَة نَحْو مثل وَأَخَوَاتهَا

ص: 260

مِمَّا لَا يتعرف بِالْإِضَافَة لكَونهَا غير مَحْضَة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر

(يَا رب مثلك فِي النِّسَاء غريرة

بَيْضَاء قد متعتها بِطَلَاق)

وَقد تقدم قَول امْرِئ الْقَيْس

(فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع

)

وَقَالَ الْمبرد إِنَّمَا كَانَ مَعْمُول رب نكرَة لِأَنَّهُ خرج مخرج التَّمْيِيز من حَيْثُ أَنه يدل على الْجِنْس والتمييز يكون بِوَاحِد نكرَة فَكَذَلِك هُنَا

وَأما كَون النكرَة مَوْصُوفَة فَلِأَن المُرَاد مِنْهَا التقليل والموصوف أقل مِمَّا لَيْسَ بموصوف فوصفت لذَلِك وَاشْتِرَاط الْوَصْف بهَا هُوَ اخْتِيَار الْمبرد وَكثير من الْمُحَقِّقين وَخَالف فِيهِ ابْن مَالك وَجَمَاعَة فَقَالُوا لَا يشْتَرط ذَلِك بِدَلِيل استعمالهم لَهُ محذوفا كثيرا كَقَوْلِهِم رب عَالم لَقيته وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(فيا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة الْبَيْت

ص: 261

وَقد تقدم وَقَالَ الْأَعْشَى وَقد تقدم أَيْضا

(رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم

وَأسرى من معشر أقيال)

والأولون جعلُوا لَقيته فِي قَوْلهم رب عَالم لَقيته صفة لعالم وَقَالُوا الْفِعْل مَحْذُوف وَتَقْدِيره على حسب الْحَال نَحْو رَأَيْت أَو لقِيت وَمَا أشبه ذَلِك وَإِنَّمَا جعل الْفِعْل هُنَا صفة وَلم يَجْعَل عَاملا لِأَن الصّفة آكِد مِنْهُ وَالْعَامِل يحذف كثيرا للْعلم بِهِ كَمَا فِي قَوْلهم بِسم الله وَنَحْوه وَيكون التَّقْدِير رب عَالم لَقيته رَأَيْت وَمَعْنَاهُ رب عَالم ملقي رَأَيْت

وعَلى قَول ابْن مَالك يكون لَقيته هُوَ الْعَامِل وَالصّفة محذوفة وَالْقَوْل الأول أرجح

قَالَ السيرافي حاجتنا فِي هَذِه الْأَمَاكِن إِلَى الصّفة أَشد من حاجتنا إِلَى الْعَامِل لِأَن الِاسْم فِي غَايَة الشياع فَأُرِيد تقريبه من التَّخْصِيص بِالصّفةِ مَعَ أَنَّهَا تغني عَنهُ يَعْنِي الْعَامِل لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء لَا تحْتَاج رب إِلَى عَامل لِأَن الصّفة لما لَزِمت مجرورها أغنت عَن الْعَامِل وَقَامَت مقَامه

ص: 262

وَقَالَ أَبُو عَليّ إِنَّمَا حذف الْفِعْل الَّذِي يعْمل فِي رب لِأَن الْعَامِل فِي الْجَار وَالْمَجْرُور مَحْذُوف إِذا دلّ الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّ مثله بقوله تَعَالَى {فِي تسع آيَات إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه} فَإِن قَوْله {إِلَى فِرْعَوْن} مُتَعَلق بِمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ الْكَلَام تَقْدِيره مُرْسلا

وَشبه بَعضهم الِاسْتِغْنَاء بِالصّفةِ عَن الْعَامِل فِي رب وواوها باستغنائهم بِالصّفةِ عَن الْخَبَر فِي قَوْلهم أقل رجل يَقُول كَذَا ف أقل مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَيَقُول صفة لرجل وَخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف اسْتغْنَاء بِالصّفةِ لِأَنَّهُ فِي معنى مَا يَقُول ذَلِك رجل فَأَما قَول امْرِئ الْقَيْس

أَلا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة

)

فَإِنَّهُ حذفت فِيهِ صفة لَيْلَة لدلَالَة مَا تقدم من صفة يَوْم عَلَيْهَا وَأَيْضًا فلكونه مَعْطُوفًا على مجرور رب اغتفر فِيهِ ذَلِك لتوسط الْمَوْصُوف بَينه وَبَينهَا وَلَا يلْزم أَن يغْتَفر مثله فِي الْمَجْرُور بهَا لاتصاله

وَأما قَوْله فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم

(وَأسرى من معشر أقيال

)

فَفِيهِ ثَلَاثَة أجوبة أَحدهمَا أَنَّهَا فِي مَوضِع الصّفة كَأَنَّهُ قَالَ كائنين من معشر أقيال وَثَانِيها أَنَّهَا حذفت الصّفة لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهَا كَمَا فِي الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَأسرى من معشر أقيال أخذتهم لِأَن هراقته للرفد أَخذ لَهُ فِي الْمَعْنى فَكَانَ فِيهِ دلَالَة على مَا بعده

ص: 263

وَثَالِثهَا أَن يكون من معشر أقيال مُتَعَلقا ب أسرى وَيكون فِي ذَلِك من الِاخْتِصَاص مَا فِي الصّفة لأَنهم إِذا أَسرُّوا من معشر أقيال فهم كائنون مِنْهُم فيؤول الْمَعْنى إِلَى الصّفة وَيكون الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ محذوفا لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ

وَقد اتَّفقُوا على أَنه لَا يجوز حذف الْعَامِل وَالصّفة جَمِيعًا من مجرور رب وَلَا من واوها

تَنْبِيه

قَوْلهم إِن الصّفة إِذا ذكرت يسْتَغْنى بهَا عَن الْعَامِل فِي رب إِنَّمَا يَجِيء إِذا كَانَت الصّفة فعلا وفاعلا مثل رب رجل عَالم فَلَا بُد من الْفِعْل الْعَامِل فِي رب إِمَّا مَذْكُورا وَإِمَّا مُقَدرا وَكَذَلِكَ فِي الْجُمْلَة الاسمية أَيْضا لِأَن الِاسْم الصَّرِيح لَا يكون بَدَلا عَن الْفِعْل الْعَامِل وَالله تَعَالَى أعلم

الثَّالِث

ذكرُوا من خَصَائِص رب أَن تكون لما مضى من الزَّمَان وَأَن الْفِعْل الَّذِي يعْمل فِيهَا يجب أَن يكون مَاضِيا وَوجه ذَلِك بِأَن مَا مضى هُوَ الَّذِي تعلم قلته وكثرته وَيحْتَمل ذَلِك فِيهِ وَأما الْمُسْتَقْبل فمجهول الْحَال لَا يعلم أكثير هُوَ أم قَلِيل وَهَذَا جَاءَ أَيْضا فِي الْوَاو النائبة عَنْهَا فَلَا يَصح عِنْدهم رب رجل كريم سألقى وَلَا لالقين

وَقد خَالف ابْن مَالك رحمه الله فِي ذَلِك أَيْضا وَقَالَ الصَّحِيح أَنه يجوز كَونه مَاضِيا وحاضرا ومستقبلا قَالَ وَقد اجْتمع الْحُضُور والاستقبال فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم (يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة) وَأَيْضًا الْمُضِيّ والاستقبال

ص: 264

فِيمَا حكى الْكسَائي عَن قَول بعض الْعَرَب بعد فرَاغ شهر رَمَضَان

رب صَائِمَة لن تصومه وَرب قَائِمَة لن تقومه

وَقد انْفَرد الِاسْتِقْبَال فِي قَول أم مُعَاوِيَة

(يَا رب قائلة غَدا

يَا وَيْح أم مُعَاوِيَة)

وَفِي قَول جحدر

(فَإِن أهلك فَرب فَتى سيبكي

عَليّ مهذب رخص البنان)

وَفِي قَول الآخر

(يَا رب يَوْم لي لَا أظلله

أرمض من تَحت وأضحى من عله)

ثمَّ قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَالْمَعْنى أَكثر من الْحُضُور والاستقبال وَمن شواهده قَول امْرِئ الْقَيْس

(أَلا رب يَوْم صَالح لَك مِنْهُم

وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل)

قلت والأولون لما منعُوا مَجِيء رب للاستقبال أولُوا مَا ذكر من هَذِه

ص: 265