الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من الشرك النذر لغير الله
وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .
وقوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} .
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".
فيه مسائل:
الأولى: وجوب الوفاء بالنذر.
الثانية: إذا ثبت كونه عبادة لله فصرفه إلى غيره شرك.
الثالثة: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
باب: ما جاء أن سبب كغر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
…
باب: ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم
هو الغلو في الصالحين
وقول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ} 1.
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ?} 2 قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم، عبدت"3.
وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم 4.
وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مري، م إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله"أخرجاه 5.
1 سورة النساء آية: 171.
2 سورة نوح آية: 23.
3 رواه البخاري: كتاب التفسير، تفسير سورة نوح باب:(ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق)(4 / 1873) حديث رقم (4636) .
4 إغاثة اللهفان (1 / 184) .
5 رواه البخاري: كتاب الأنبياء باب قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها)(3 / 1271) حديث رقم (3261) . ولم يروه مسلم.
وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"12.
ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون". قالها ثلاثا"3.
فيه مسائل:
الأولى: أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام، ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب.
الثانية: معرفة أول شرك حدث على وجه الأرض أنه بشبهة الصالحين.
الثالثة: أول شيء غير به دين الأنبياء، وما سبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم.
الرابعة: قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها.
الخامسة: أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل.
فالأول: محبة الصالحين.
والثاني: فعل أناس من أهل العلم والدين شيئا أرادوا به خيرا، فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره.
السادسة: تفسير الآية التي في سورة نوح.
السابعة: جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد.
الثامنة: فيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدع سبب الكفر.
1 النسائي: مناسك الحج (3057) .
2 رواه النسائي في (السنن) 5 / 268 (كتاب مناسك الحج)(باب التقاط الحصى) . وابن ماجه في (السنن) 2 / 1008 (كتاب المناسك)(باب قدر حصى الرمي) حديث رقم (3029) . والإمام أحمد في (المسند) 1 / 215 و 347 ثلاثتهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط المستقيم) ص 106: (هذا إسناد صحيح على شرط مسلم) . اهـ.
3 رواه مسلم: كتاب العلم باب هلك المتنطعون (4 / 2055) حديث رقم (2670) .
التاسعة: معرفة الشيطان بما تئول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل.
العاشرة: معرفة القاعدة الكلية، وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يئول إليه.
الحادية عشرة: مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح.
الثانية عشرة: معرفة النهي عن التماثيل والحكمة في إزالتها.
الثالثة عشرة: معرفة شأن هذه القصة وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها.
الرابعة عشرة: - وهي أعجب وأعجب- قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث ومعرفتهم بمعنى الكلام، وكون الله حال بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح أفضل العبادات، واعتقدوا أن ما نهى الله ورسوله عنه فهو الكفر المبيح للدم والمال.
الخامسة عشرة: التصريح بأنهم لم يريدوا إلا الشفاعة.
السادسة عشرة: ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك.
السابعة عشرة: البيان العظيم في قوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم "فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين.
الثامنة عشرة: نصيحته إيانا بهلاك المتنطعين.
التاسعة عشرة: التصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم، ففيها بيان معرفة قدر وجوده ومضرة فقده.
العشرون: أن سبب فقد العلم موت العلماء.
[التعليق:]
باب:
ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
والغلو: هو مجاوزة الحد بأن يجعل للصالحين من حقوق الله الخاصة به شيء، فإن حق الله الذي لا يشاركه فيه مشارك هو الكمال المطلق والغنى المطلق
والتصرف المطلق، من جميع الوجوه، وأنه لا يستحق العبادة والتأله أحد سواه.
فمن غلا بأحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبا من هذه الأشياء، فقد ساوى به رب العالمين، وذلك أعظم الشرك.
ومن رفع أحدا من الصالحين فوق منزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه، وذلك وسيلة إلى الشرك وترك الدين. والناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:
أهل الجفاء الذين يهضمونهم حقوقهم، ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل.
وأهل الغلو الذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها.
وأهل الحق الذين يحبونهم ويوالونهم، ويقومون بحقوقهم الحقيقية، ولكنهم يبرءون من الغلو فيهم، وادعاء عصمتهم، والصالحون أيضا يتبرءون من أن يدعوا لأنفسهم حقا من حقوق ربهم الخاصة، كما قال الله عن عيسى صلى الله عليه وسلم:{سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} 1.
واعلم أن الحقوق ثلاثة:
حق خاص لله لا يشاركه فيه مشارك، وهو التأله له وعبادته وحده لا شريك له، والرغبة والإنابة إليه حبا وخوفا ورجاء.
وحق خاص للرسل، وهو توقيرهم وتبجيلهم والقيام بحقوقهم الخاصة.
وحق مشترك وهو الإيمان بالله ورسله وطاعة الله ورسله ومحبة الله ومحبة رسله، ولكن هذه لله أصلا وللرسل تبعا لحق الله.
فأهل الحق يعرفون الفرقان بين هذه الحقوق الثلاثة، فيقومون بعبودية الله وإخلاص الدين له، ويقومون بحق رسله وأوليائه على اختلاف منازلهم ومراتبهم. والله أعلم.
1 سورة المائدة آية: 116.