الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قول الله تعالى
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} 1.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} 2.
وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 3 {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 4. وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" 5 قال النووي: "حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح".
1 سورة النساء آية: 60-61.
2 سورة البقرة آية: 11.
3 سورة الأعراف آية: 56.
4 سورة المائدة آية: 50.
5 ذكره النووي في (الأربعين) ص 107 وقال: (حديث حسن صحيح) . اهـ والمراد بكتاب الحجة (كتاب الحجة على تاركي سلوك طريق المحجة) لابن الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي. والحديث رواه ابن أبي عاصم (السنة) 1 /12 حديث رقم (15) . والبغوي (شرح السنة) 1 /212 حديث رقم (104) من طريق نعيم بن حماد بن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. قال ابن رجب (جامع العلوم والحكم) ص 364 متعقبا النووي تصحيح الحديث: (تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه: 1- منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الأئمة، وخرج له البخاري فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في السنة، وتشدده في الرد على أهل الأهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم، ويشبه عليه في بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف
…
وأين كان أصحاب عبد الوهاب الثقفي؟ وأصحاب ابن سيرين؟ عن هذا الحديث حتى ينفرد به نعيم. 2- ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده. ثم حكى الاختلاف. 3- ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه يعقوب بن أوس، ثم حكى خلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه. 4- وذكر عن الغلابي في (تاريخه) : يزعمون أنه- يعني عقبة بن أوس- لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبد الله بن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة) . والله أعلم.
وقال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد- عرف أنه لا يأخذ الرشوة-. وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود- لعلمه أنهم يأخذون الرشوة- فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} "1. وقيل: نزلت في "رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله:صلى الله عليه وسلم أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله"2.
(جامع البيان) لابن جرير 5 /97 من طرق عن داود عن عامر الشعبي مرسلا.
2 ذكره معلقا الواحدي (أسباب النزول) ص 107 – 108 في التحاكم إلى كعب بن الأشرف فقال: وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في رجلين من المنافقين
…
فذكره مطولا، وكذا ذكره معلقا البغوي (معالم التنزيل- بهامش تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل) 1 /552 وجعله عن أبي صالح وابن عباس وهو تحريف. وهذا الإسناد مع تعليقه فيه (الكلبي) وهو محمد بن السائب بن بشر. قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 2 /163:(متهم بالكذب ورمي بالرفض) . وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس رواها الواحدي (أسباب النزول) ص 106-107. والطبراني (المعجم الكبير) 11 /373 حديث رقم (12045) من طريق أبي اليمان حدثنا صفوان بن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه، فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون} إلى قوله (توفيقا) . قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) 7 /6: (رجاله رجال الصحيح) . اهـ. وذكره الشيخ مقبل في (الصحيح المسند من أسباب النزول) ص 45.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النساء وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت.
الثانية: تفسير آية البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} 1.
الثالثة: تفسير آية الأعراف: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ?} 2.
الرابعة: تفسير: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 3.
الخامسة: ما قاله الشعبي في سبب نزول الآية الأولى.
السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب.
السابعة: قصة عمر مع المنافق.
الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
[التعليق:]
باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا
باب:
قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 4.
ووجه ما ذكره المصنف ظاهر، فإن الرب والإله هو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا
1 سورة البقرة آية: 11.
2 سورة الأعراف آية: 56.
3 سورة المائدة آية: 50.
4 سورة النساء آية: 60.
شريك له، ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى، بحيث تكون الطاعات كلها تبعا لطاعته، فإذا اتخذ العبد العلماء والأمراء على هذا الوجه، وجعل طاعتهم هي الأصل، وطاعة الله ورسوله تبعا لها فقد اتخذهم أربابا من دون الله يتألههم ويحاكم إليهم، ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله، فهذا هو الكفر بعينه؛ فإن الحكم كله لله، كما أن العبادة كلها لله.
والواجب على كل أحد أن لا يتخذ غير الله حكما، وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى الله ورسوله، وبذلك يكون دين العبد كله لله، وتوحيده خالصا لوجه الله.
وكل من حاكم إلى غير حكم الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت، وإن زعم أنه مؤمن فهو كاذب.
فالإيمان لا يصح ولا يتم إلا بتحكيم الله ورسوله في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق كما ذكره المصنف في الباب الآخر. فمن حاكم إلى غير الله ورسوله فقد اتخذ ذلك ربا، وقد حاكم إلى الطاغوت.