الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في التطير
وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1.
وقوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} 2 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر" أخرجاه.3 زاد مسلم: "ولا نوء، ولا غول"4. ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة" 5 ولأبي داود بسند صحيح، عن عروة بن عامر، قال: "ذُكِرَت الطِّيَرَة ُعند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره،
1 سورة الأعراف آية: 131.
2 سورة يس آية: 19.
3 رواه البخاري: كتاب الطب، باب لا هامة ولا صفر (5 /2171-2172) حديث رقم (5425) . ومسلم: كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (4 /1742) حديث رقم (2220) .
4 رواه مسلم: كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول (4 /1744) حديث رقم (2220) و (2222) قوله: (لا نوء) من حديث أبي هريرة، وقوله:(لا غول) من حديث جابر.
5 رواه البخاري: كتاب الطب باب لا عدوى (5 /2178) حديث رقم: (5440) . ومسلم: كتاب السلام باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم (4 /1746) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه برقم (2224) .
فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك"1.
وله من حديث ابن مسعود مرفوعا: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا
…
ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أبو داود والترمذي وصححه2. وجعل آخره من قول ابن مسعود. ولأحمد من حديث ابن عمرو: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طلبك، ولا إله غيرك"3.
(السنن) 4 /235 (كتاب الطب)(باب في الطيرة) حديث رقم (3919) قال المنذري (مختصر سنن أبي داود) 5 /379: (عروة- هذا- قيل فيه القرشي وقيل فيه: الجهني حكاهما البخاري. وقال أبو القاسم الدمشقي: ولا صحبة له تصح. وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس، فعلى هذا يكون الحديث مرسلا) . وقال ابن حجر (تهذيب التهذيب) 7 /185: (عروة بن عامر القرشي، ويقال: الجهني روى عن النبي (مرسلا في الطيرة) . وقال: (أثبت غير واحد له صحبة، وشك فيه بعضهم، وروايته عن بعض الصحابة لا تمنع أن يكون صحابيا، والظاهر أن رواية حبيب عنه منقطعة) . قلت: وهذا الحديث من رواية حبيب - وهو ابن أبي ثابت – عنه. وانظر - أيضا - (الإصابة في تمييز الصحابة) 6 /415 في ترجمة (عروة بن عامر) .
(سنن أبي داود) 4 /230 (كتاب الطب)(باب في الطيرة) حديث رقم (3910) و (سنن الترمذي) 4 /161 (كتاب السير)(باب ما جاء في الطيرة) حديث رقم (1614) . وقال: (هذا حديث حسن صحيح) . اهـ. وقال - أيضا-: (سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا الحديث: وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل. قال سليمان: هذا عندي من قول عبد الله بن مسعود: وما منا) . اهـ.
(المسند) 2 /220 من طريق حسن ثنا ابن لهيعة أنا ابن هبيرة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا
…
الحديث. وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة. قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 1 /444: (صدوق خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما) . وهذا من رواية الحسن بن موسى الأشيب عنه.
وله من حديث الفضل بن عباس: "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"1
فيه مسائل:
الأولى: التنبيه على قوله: {إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} 2 مع قوله {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}
الثانية: نفي العدوى.
الثالثة: نفي الطيرة.
الرابعة: نفي الهامة.
الخامسة: نفي الصفر.
السادسة: أن الفأل ليس من ذلك، بل مستحب.
السابعة: تفسير الفأل.
الثامنة: أن الواقع في القلوب من ذلك مع كراهته لا يضر، بل يذهبه الله بالتوكل.
التاسعة: ذكر ما يقول من وجده.
العاشرة: التصريح بأن الطيرة شرك.
الحادية عشرة: تفسير الطيرة المذمومة.
[التعليق:]
باب: الطيرة
وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع وغيرها، فنهى الشارع عن التطير وذم المتطيرين، وكان يحب الفأل ويكره الطيرة.
(المسند) 1 /213 من طريق حماد بن خالد ثنا ابن علاثة عن مسلمة الجهني قال: سمعته يحدث عن الفضل بن عباس قال: خرجت مع رسول الله (يوما
…
وفي آخره: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك. و (ابن علاثة) هو محمد بن عبد الله بن علاثة. قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 2 /179: (صدوق يخطئ) . اهـ.
2 سورة الأعراف آية: 131.
والفرق بينهما: أن الفأل الحسن لا يخل بعقيدة الإنسان ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله، بل فيه من المصلحة: النشاط والسرور وتقوية النفوس على المطالب النافعة.
وصفة ذلك أن يعزم العبد على سفر أو زواج أو عقد من العقود، أو على حالة من الأحوال المهمة ثم يرى في تلك الحال ما يسره، أو يسمع كلاما يسره مثل يا راشد أو سالم أو غانم، فيتفاءل ويزداد طمعه في تيسير ذلك الأمر الذي عزم عليه، فهذا كله خير وآثاره خير، وليس فيه من المحاذير شيء. وأما الطيرة فإنه إذا عزم على فعل شيء من ذلك من الأمور النافعة في الدين أو في الدنيا، فيرى أو يسمع ما يكره أثر في قلبه أحد أمرين، أحدهما أعظم من الآخر:
أحدهما: أن يستجيب لذلك الداعي فيترك ما كان عازما على فعله أو بالعكس، فيتطير بذلك وينكص عن الأمر الذي كان عازما عليه، فهذا كما ترى قد علق قلبه بذلك المكروه غاية التعليق وعمل عليه، وتصرف ذلك المكروه في إرادته وعزمه وعمله، فلا شك أنه على هذا الوجه أثر على إيمانه وأخل بتوحيده وتوكله، ثم بعد هذا لا تسأل عما يحدثه له هذا الأمر من ضعف القلب ووهنه وخوفه من المخلوقي، ن وتعلقه بالأسباب وبأمور ليست أسبابا، وانقطاع قلبه من تعلقه بالله، وهذا من ضعف التوحيد والتوكل، ومن طرق الشرك ووسائله، ومن الخرافات المفسدة للعقل.
الأمر الثاني: أن لا يستجيب لذلك الداعي، ولكنه يؤثر في قلبه حزنا وهما وغما، فهذا وإن كان دون الأول لكنه شر وضرر على العبد، وضعف لقلبه وموهن لتوكله، وربما أصابه مكروه فظن أنه من ذلك الأمر فقوي تطيره، وربما تدرج إلى الأمر الأول.
فهذا التفصيل يبين لك وجه كراهة الشارع للطيرة وذمها، ووجه منافاتها للتوحيد والتوكل. وينبغي لمن وجد شيئا من ذلك، وخاف أن تغلبه الدواعي الطبيعية أن يجاهد نفسه على دفعها ويستعين الله على ذلك، ولا يركن إليها بوجه ليندفع الشر عنه.