المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الاجماع (في ركنه) أي في الشيء الذي يقوم به الاجماع - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٤

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌ ‌باب الاجماع (في ركنه) أي في الشيء الذي يقوم به الاجماع

‌باب الاجماع

(في ركنه) أي في الشيء الذي يقوم به الاجماع (وشرطه) وهو الذي يتوقف عليه وجود الإجماع (وحكمه) أي أثره الثابت به (وسببه) أي الشيء الذي يفضي إلى هذا الإجماع لأن سبب الشيء ما يكون مفضيًا إليه (عزيمة) أي الأمر الأصلي الذي لم يكن ذلك باعتبار الأعذار.

(أما العزيمة فالتكلم منهم) أي من العلماء الذين ينعقد الإجماع بهم وهم المجتهدون (وشروعهم في العمل فيما كان من بابه) أي من باب ذلك العمل كالمزارعة والمضاربة والشركة إذا شرع أهل الاجتهاد في عمل من

ص: 1595

تلك الأعمال كان هو دليلًا على مشروعية ذلك العمل عنده فكان ذلك بمنزلة التكلم منه بأنه مشروع.

(في نوعي الإجماع) أي القولي والفعلي بأن يكون التكلم من الكل.

(وأما الرخصة) إلى آخره سمي هذا رخصة لأنا قلنا: ثبوت

ص: 1596

الإجماع هاهنا بالضرورة وهو أنه لو لم يثبت الإجماع بهذا يلزم تفسيق بعض الصحابة وهو منتف فكان أمرًا ضروريًا دعا إلى الإجماع وهو عذر فكان رخصة.

(لأن عمر رضي الله عنه شاور الصحابة في مال فضل عنه) يعني أن عمر رضي الله عنه لما شاور الصحابة في مال فضل عنده للمسلمين فأشاروا عليه بتأخير القسمة والإمساك الى وقت الحاجة (وعلي) رضي الله عنه في القوم (ساكت فقال له: ما تقول يا أبا الحسن؟) فقال: لم تجعل يقينك شكًا وعلمك جهلا ً!! أرى أن تقسم ذلك بين المسلمين وروى فيه حديثًا فهو لم يجعل سكوته دليل الموافقة لهم حتى سأله واستجاز علي رضي الله عنه السكوت مع كون الحق عنده في خلافهم.

(وشاورهم في إملاص المرأة) أي في إسقاط المرأة ولدها وهو أن امرأة

ص: 1597

جنت جناية فأمر عمر رضي الله عنه بإحضارها فخافت المرأة وأملصت فشاور عمر رضي الله عنه أصحابه في أنه هل يجب أي على عمر لأجل هذا الولد شيء أم لا. قالوا: إنما أنت مؤدب وما أردت إلا الخير فلا شيء عليك.

(وعلي) في القوم (ساكت) فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ (فقال): أن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا إن قاربوك أي طلبوا قربتك بهذا الجواب فقد غشوك (أرى عليك الغرة) فقال: أنت صدقتني فقد إستجاز على السكوت مع إضمار الخلاف ولم يجعل عمر رضي الله عنه سكوته دليل الموافقة حتى استنطقه.

ص: 1598

(كما قيل لابن عباس رضي الله عنهما ما منعك أن تخبر عمر رضي الله عنه بقولك في العول)؟

(فقال: درته)

وحاصلة أن إبن عباس ينكر العول في الفرائض أصلًا فالفريضة العائلة هي أن يكون أصحاب الفرائض أكثر من سهام المال بأن يكون هناك ثلثان ونصف كالزوج مع الأختين لأب وأم أو نصفان وثلث كالزوج مع الأخت الواحدة لأب أم والأم فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الذي

ص: 1599

أحصى رمل عالج عددًا لم يجعل في مال نصفين وثلثًا فإذا ذهب هذا بالنصف وذا بالنصف فأين موضع الثلث؟ مع أن ابن عباس لما يقل بالعول كان الظاهر من مذهبه أنه يدخل الضرر على من هو أسوأ حالًا كما إذا ماتت امرأة وتركت زوجًا وأما وإبنه وإبنه إبن فعلى قول عامة الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- للزوج الربع ثلاث من إثنى عشر وللأم السدس سهمان وللبنت النصف سته ولبنت الإبن السدس سهمان تكملة للثلثين فتعول بسهم فتكون القسمة من ثلاثة عشر وفي الظاهر من مذهب إبن عباس رضي الله عنهما أنه يدخل الضرر على بنت الإبن خاصة فتأخذ البنت فريضتها سته والزوج فريضته ثلاثة والأم فريضتها سهمين والباقي هو واحدٌ لإبنة الإبن: لأنها أسوأ حالًا من البنت.

ألا ترى أن بنات الإبن قد يحرمن بالبنات بأن كانت للميت ابنتان.

(كان فسقا) لأنه ارتكب فعلًا حرامًا وهو السكوت عن الحق.

(أو بعد الاشتهار) يعني يجعل السكوت تسليمًا بعد العرض أو بعد الاشتهار.

ص: 1600

و (ذلك) كله (ينافي الشبهة) أي السكوت بعد مضي مدة التأمل ينافي شبهة إختيار جهة أخرى سوى جهة التسليم.

(لأن الذين أفتوا بإمساك المال كان حسنًا وكذلك عدم الغرم في الإملاص).

أما في إمساك المال فلأنهم إنما أمسكوا ليصرفوه إلى حادثة يقع بينهم.

وأما في الإملاص فلأنهم لم يتيقنوا بأن هذا كان حيًا أو ميتًا فلذلك لم يوجبوا في مقابلته المال وهذا حسن إلا أن ما اختاره على رضي الله عنه كان أحسن.

أما في إمساك المال فإن وقوع الحادثة متوهم والمستحق لذلك المال موجود في الحال فكانت القسمة أحسن.

وأما وجوب المال في الإملاص (للصيانة عن القيل والقال) بأن لا يتمكن أحد من أن يقول: إن الخليفة قتل نفسًا أو وجب عليه مال وهو لم يؤده وفي مثل هذا الموضع لا يجب إظهار الخلاف ولكن إذا سئل يجب بيان الأحسن فلهذا سكت علي رضي الله عنه في الابتداء وحين سألة بين الوجه الأحسن عنده.

ص: 1601

(فأما حديث الدرة فغير صحيح) لأن عمر رضي الله عنه كان يقدم ابن عباس رضي الله عنهما وكان يدعوه في الشورى مع الكبار من الصحابة رضي الله عنهم لما عرف من فطنته وحسن ذهنه وبصيرته وقد أشار عليه بأشياء فقبل منه واستحسنه وكان يقول له غص ياغواص شنشنة أعرفها من أخزم يعني أنه مثل العباس في رأيه ودهائه.

(وكان عمر رضي الله عنه ألين للحق وأشد انقيادًا له من غيره).

ألا ترى إلى ما روى عنه أنه خطب يومًا فقال في الخطبة: " ألا لا تغالوا صدقاتكم فقامت إمرأة من أخريات الصفوف وقالت: ألم تسمع قول الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَاخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) فبكى عمر رضي الله عنه وقال: كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت ".

ص: 1602

وكان هو أسرع قبولا للحق من غيره ، حتى كان يشاورهم ويقول لهم:"لا خير فيكم إذا لم تقولوا لنا، ولا خير فينا إذا لم نسمه منكم. رحم الله إمرءًا أهدى إلى أخيه عيوبه" فمع طلب بيان الحق بهذه الصفة لا يتوهم أن يهابه أحد فلا يظهر عنده حكم الشرع مهابة له، (وإن صح فتأويله إبلاء العذر فى الامتناع عن المناظرة معه) بإعتبار ما عرف من فضل رأى عمر- رضى الله عنه- وفقه، فمنعه ذلك من الإستقصاء فى المحاجة معه لا أنه سكت عن نفس الرد كما يكون من حال الشبان مع ذوى الأسنان من المجتهدين فى كل عصر فإنهم يهابون الكبار ، فلا يستقصون فى المحاجة معهم حسب ما يفعلون مع الأقران ، (بعد ثباته على مذهبه) أى بعد ثبات ابن عباس- رضى الله عنهما- على مذهب نفسه من عدم جواز العول لما لاح له من الدليل يعنى أظهر للصحابة عذره فى ترك الاستقصاء فى ذلك لما رأى من فضل رأى عمر- رضى الله عنه- على رأى نفسه.

(وعلى هذا الأصل) أى على النوع الثانى من ركن الإجماع وهو الرخصة بأن السكوت قام مقام التكلم، فإن الصحابة إذا إختلفوا فى حادثة على أقوال كان السكوت منهم من القول الخارج عن أقوالهم بمنزلة التكلم منهم بأنه

ص: 1603

باطل ، فكان هذا السكوت على عكس السكوت فى الأول فى الحقيقة، فإن السكوت هناك كان بمنزلة التكلم بأنه حق ، والسكوت هنا بمنزلة التكلم بأنه باطل، ولكن الجمع بينهما من حيث إن السكوت كليهما بمنرلة التكلم.

(وكل عصر مثل ذلك أيضا) يعنى إذا اختلف أهل العصر الثانى فى حادثه على أقوال كان ذلك إجماعا منهم على أن القول الخارج من أقوالهم باطل كما فى اختلاف الصحابه- رضى الله عنهم- فى حادثة على أقوال (ومن الناس من قال: هذا سكوت أيضا) يعنى يكون هذا الاختلاف منهم سكوتًا عن وصف القول الخارج عن أقوالهم بأنه حق أو باطل ، فحينئذ كان هو مسوغًا للاختلاف بأن يقول مجتهدًا آخر قولًا خارجًا عن أقوالهم، لأن مثل هذا الاختلاف لما كان ساكتًا عن وصف القول الخارج عن أقوالهم بأنه حق أو باطل لم يكن معينًا بأن القول الخارج عن أقوالهم باطل بل ساكتًا عنه فيسوغ الاجتهاد.

(إن الإجماع من المسلمين حجةً لا يعدوه الحق والصواب بيقين) لقوله عليه السلام:"لا تجتمع أمتى على الضلالة" وفى كون الصواب خارجا

ص: 1604

عن أقاويلهم يلزم الإجتماع على الضلال.

(ولا يجوز أن يظن بهم الجهل) والعلم لغيرهم فى ذلك القول؛ لأنهم مكرمون بلسان النبى عليه السلام وغيرهم لم يبلغوا تلك المنزلة التى هى لهم.

قال عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؛ وإصابة الحق من أجل الكرامات ، فلا يجوز أن يحرموا عنها ويكرم بها غيرهم.

(فعلى هذا عند بعض مشايخنا) أي من بعد الصحابة إذا إختلفوا على أقاويل كان ذلك إجماعًا منهم على أن القول الخارج عن أقوالهم باطل، فلا يجوز لأحد بعدهم أن يختار قولًا خارجًا عن أقوالهم.

(وقد قيل: إن هذا بخلاف الأول) أي اختلاف من بعد الصحابة- رضي الله

ص: 1605

عنهم- ليس كاختلاف الصحابة في أن القول الخارج عن أقوالهم باطل، حتى إن أهل العصر الثاني من عصر الصحابة إذا اختلفوا على أقوال جاز لأهل العصر الثالث أن يختاروا قولًا خارجًا عن أقوالهم إنما ذلك للصحابة رضي الله عنهم خاصة كرامة لهم، وليس لمن بعد الصحابة مثل كرامتهم.

قال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله هاهنا: ولكن المعنى الذي أشرنا إليه يوجب المساواة. أراد به قوله: إنهم إذا اختلفوا على أقاويل فنحن نعلم أن الحق لا يعدو أقاويلهم، فكان هذا بمنزلة التصيص منهم على أن الحق في هذه الأقاويل، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وفذا الذي ذكره لا يفرق بين أقوال الصحابة وبين أقوال غيرهم.

وقوله: (فهو إجماع لما قلنا) إشارة إلى قوله: "فإذا لم يجعل سكوته تسليما كان فسقًا"

ص: 1606