المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وجوه الانتقال - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٤

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب وجوه الانتقال

‌باب وجوه الانتقال

(الأول الانتقال من علة إلى علة أخرى لإثبات الأولى)

كان شيخي- رحمه الله يقول: نظير هذا من القرآن قوله تعالى: (ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إنَّمَا يَامُرُكُم بِالسُّوءِ والْفَحْشَاءِ وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) حيث علل النهي عن اتباع خطوات الشيطان بأنه لكم عدو مبين وأثبت حكمة النهي به، ثم علل عداوته للمخاطبين بقوله:(إنَّمَا يَامُرُكُم بِالسُّوءِ والْفَحْشَاءِ) وكان يقول بالفارسية: همجنان كه در مستنبطات علت هست وعلت علت هست در منصوصات نيز علت هست وعلت علت هست.

بعد أز آن آيت را هم مي خواند

ص: 1979

كه قوله تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) حيث علل استواء السر والجهر عنده في أنه معلوم له بقوله: (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ثم علل علمه بذات الصدور بقوله: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) يعني: سرًا را مي داند وجهرا را مي راند. بعدأزآن آنرا تعليل كرد بر اين كه او نداند آن خداي كه انرا أفريده است، وشرط أفريدن دانستن است.

وهذه الآية أيضا رد على المعتزلة في قولهم: إن أفعال العباد مخلوقة لهم وهم لا يعلمون كيفية أفعالهم وكميتها في الحسن والقبح، وقدر ما يقطع من الزمان في تحصيل ذلك الفعل، فكيف يكونون خالقين لأفعالهم وشرط الخلق غير موجود؟

ص: 1980

وذكر في الكتاب نظير ما ذكره في (الصبي المودع إذا استهلك الوديعة لم يضمن) إلى آخره.

وذكر الإمام شمس الأئمة- رحمه الله فقال: وكذلك إذا علل بقياس فقال خصمه: القياس عندي ليس بحجة، فاشتغل بإثبات كونه حجة بقول الصحابي، فيقولخصمه: قول الواحد من الصحابي عندي ليس بحجة، فاشتغل بإثبات كونه حجة بخبر الواحد، فيقول خصمه: خبر الواحد عندي ليس بحجة، فيحتج بالكتاب على أن خبر الواحد حجة، فإنه يكون طريقًا مستقيمًا ويكون هذا كله سعيًا في إثبات ما رام إثباته في الابتداء.

(وكذلك إذا ادعى حكما بوصف)، وهذا نظير الوجه الثاني.

(كالإجازة والبيع) فجواز الصرف إلى الكفارة بعد الإجازة ظاهر فإنه على ملك المؤاجر بعد عقد الإجارة، وأما بعد البيع فالمراد منه أن البيع لا

ص: 1981

يخرج العبد المبيع عن محلية الكفارة، فإن المتبايعين إذا تقايلًا فللبائع أن يكفر عن كفارته أو باع بشرط الخيار للبائع.

(فإن قال: عندي لا يمنع هذا العقد) أي لو قال الخصم: عندي عقد الكتابة لا يخرج الرقبة من الصلاحية للكفارة ولكن نقصان الرق الذي حصل من عقد الكتابة هو يخرج الرقبة من ذلك

فنقول: بهذه العلة يجب ألا يتمكن نقصان في الرق؛ لأن ما يمكن نقصانا في الرق لا يكون فيه احتمال الفسخ كالتدبير، فهذا إثبات الحكم الثاني بالعلة الأولى أيضا وهو نهاية في الحذافة.

وكذلك إن تعذر إثبات الحكم الثاني بالعلة الأولى فأراد إثباته بعلة أخرى وهذا هو الوجه الثالث وهذا صحيح أيضًا؛ لأنه ما ضمن بتعليله إثبات جميع الأحكام بالعلة الأولى، وإنما ضمن إثبات الحكم الذي زعم أن خصمه ينازعه فيه فإذا أظهر الخصم الموافقة فيه واحتاج إلى إثبات حكم آخر يكون له أن يثبت ذلك بعلة أخرى ولا يكون هذا انقطاعًا منه.

ص: 1982

وحاصله أنه إذا لم يتعذر إثبات الحكم الثاني بالعلة الأولى كما في الوجه الثاني أو تعذر إثبات الحكم الثاني بالعلة الأولى وانتقل إلى العلة الأخرى كما في الوجه الثالث فإنه لا يكون انقطاعًا.

فكان قوله: (وإذا علل بوصف آخر) نظير الوجه الثالث يعني وإذا علل بوصف آخر لحكم آخر أي للحكم الثاني الذي أثبت ذلك الحكم في الوجه الثاني بالوصف الأول علل ذلك الحكم الثاني بالوصف الآخر غير الوصف الأول حين تعذر إثبات الحكم الثاني بالوصف الأول.

نحو أن يقول: يجب ألا يتمكن نقصان في الرق بعقد الكتابة؛ لأنا أجمعنا أن بعقد الكتابة عدم ثبوت العتق فلا يثبت من ضرورة ذلك نقصان في الرق؛ لأن الرق وصف غير متجز، فلو قلنا بنقصان الرق يلزم تجزيه وهو ليس بثابت بالإجماع، فأثبت عدم تمكن النقصان في الرق بوصف آخر حين تعذر إثباته بالوصف الأول وهو قوله: إن الكتابة عقد محتمل الفسخ بالإقالة إلى آخره. إلى هذا أشار الإمام المحقق شمس الأئمة رحمه الله.

ص: 1983

وقال الإمام مولانا حميد الدين- رحمه الله نظير القسم الثالث من الانتقال بقولهم: ركن في الوضوء فيسن تثليثه كل واحد من الوصف والحكم فانتقل فقال: فرض في الوضوء فيسن تكراره فانتقل من العلة الأولى وهي الركن إلى العلة الثانية وهي الفرض، وانتقل من الحكم الأول وهو يسن تتليثه إلى حكم آخر وهو يسن تكراره.

ولكن في هذا ضرب غفلة؛ حيث لم يعلل على وجه لا يحتاج إلى الانتقال، لكن النظير الذي ذكره الإمام شمس الأئمة- رحمه الله الأمتن والأقوى يعرف ذلك بالتأمل.

ثم ذكر الإمام شمس الأئمة- رحمه الله هنا وجوه الانتقال وهي أربعة:

أحدها: السكوت وهو اظهرها كما كان للعين عند إظهار الخليل صلوات الله عليه.

ص: 1984

والثاني: جحد ما يعلم ضرورة بطريق المشاهدة.

والثالث: المنع بعد التسليم.

والرابع: الانتقال إلى علة أخرى بإثبات الحكم الأول، والله أعلم.

ص: 1985