الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الإجماع
(انقراض العصر) أي انقراض أهل العصر.
وذكر في "ميزان الأصول" هو موت جميع من هو أهل الاجتهاد في وقت وقوع الحادثة والإجماع عليه، (لصحة الإجماع حجة)، أي لكون الإجماع حجة.
قال الإمام شمس الأئمة رحمه الله:
وأما عندنا انقراض العصر ليس بشرط؛ لأن الإجماع لما انعقد باعتبار اجتماع المعاني التي قلنا كان الثابت به كالثابت بالنص، وكما أن الثابت بالنص لا يختص بوقت دون وقت فكذلك الثابت بالإجماع، ول شرطنا انقراض العصر لم يثبت الإجماع أبدًا، لأن بعض التابعين في عصر الصحابة كان يزاحمهم في الفتوى فيتوهم أن يبدو له رأي بعد أن لم يبق أحد من الصحابة، وهكذا في القرن الثاني والثالث، فيؤدي ذلك إلى سد باب الإجماع وهذا باطل.
(من بعد) أي من بعد ما اجتمعوا على حكم (لا يصح رجوع البعض عندنا)
وأما في الابتداء فخلاف الواحد كان مانعا من الإجماع فصار حكم الابتداء مخالفًا لحكم الانتهاء حيث صح للواحد مخالفة الجماعة في الابتداء ولا يصح له الرجوع بعد ما ثبت الإجماع بالجميع؛ لأن كون الإجماع حجة ثبت شرعًا كرامة لموافقة أهل الإجماع من غير أن يعقل به دليل الإصابة، وإذا كان الواحد مخالفًا لم يثبت الموافقة، فكانت مخالفته مانعة عن ثبوت الإجماع.
والدليل على هذا مخالفة علي رضي الله عنه سائر الصحابة رضي الله عنهم في بيع أمهات الأولاد، فإن عنده جواز بيعهن، وعند باقي الصحابة
لا، فكان خلافه مانعًا لإجماعهم.
وقال الإمام شمس الأئمة رحمه الله: والأصح عندي ما أشار إليه أبو بكر الرازي- رحمه الله أن الواحد إذا خالف الجماعة فإن سوغوا ذلك الاجتهاد لا يثبت حكم الإجماع بدون قوله بمنزلة خلاف ابن عباس رضي الله عنهما في زوج وأبوين؛ أن للأم اثنان، وللأب واحد، وعندنا للأم واحد، والاثنان للأب- وإن لم يسوغوا له الاجتهاد وأنكروا عليه قوله فإنه يثبت حكم الإجماع بدون قوله بمنزلة قول ابن عباس في حل التفاصيل في أموال الربا فإن الصحابة لم يسوغوا له هذا الاجتهاد حتى روى أنه رجع إلى قولهم فكان
الإجماع ثابتًا بدون وقاه.
ولهذا قال محمد رحمه الله: لو قضى القاضي بجواز بيع الدرهم بالدرهمين لا ينفذ قضاؤه؛ لأنه مخالف للإجماع.
(وكلهم ممن هو أمة مطلقة)، وهو أمة هداية ومتابعة، وهم المسلمون الذين لم يكن فيهم الأهواء والبدع.
(وهو أن لا يكون مجتهدًا في السلف) أي مختلفًا فيه.
(وفيه شبهة) أي في ثبوت هذا الإجماع حجة شبهة، (فينفذ قضاء القاضي فيه ولا ينقض لشبهة) الاختلاف في الصدر الأول، ولا يثبت
الإجماع مع وجود الاختلاف في الصدر الأول.
قال الإمام شمس الأئمة رحمه الله: الأوجه عندي أن هذا إجماع عند أصحابنا جميعا للدليل الذي دل على أن إجماع كل عصر معتبر نظير هذا ما إذا تزوج امرأة عشرة أيام فقضى القاضي بجوازه جاز؛ لأن عند زفر إذا تزوج امرأة إلى شهر يصح ويبطل ذكر الوقت فلو قضى بجواز النكاح ينفذ، ولو قضى القاضي برد نكاح امرأة بعيب عمى أو جنون أو نحو ذلك ينفذ قضاؤه؛ لأن عمر رضي الله عنه يقول برد المرأة بالعيوب الخمسة.
(ولم يقل به أحد) أي بوقوع الطلاق الرجعي (عند نية الثلاث)
أما عندنا فلأنها بواين فلا يقع بها الرجعي.
وأما عند الشافعي فالكنايات إذا كانت رواجع كانت بمنزلة قوله: أنت طالق فيقع به الطلاق عند نية الثلاث به فكذلك هاهنا.
(وكصلاة أهل قباء بعد نزول النص قبل بلوغهم) أي بعد ما نزل النص على الرسول عليه السلام ولم يبلغ إليهم فهم صلوا إلى بيت المقدس فإذا بلغ إليهم وهم في الصلاة استداروا إلى الكعبة ولم ينسب إلى الضلال فكذا هذا.
(ومن شرط الإجماع اجتماع من هو داخل في أهلية الإجماع) إلى أخره، وقد ذكر هذه المسألة قبل هذا الباب، وأعاد هاهنا لعلة وهي أنه
لما علل بأن حجية الإجماع منحصرة بالأحياء باعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشهادة والوساطة مخصوصة بهم فيشترط اجتماع جميع الأحياء كما ذكرنا، فكانت إعادة هذه المسألة لتتميم هذه العلة، والله أعلم.
باب حكم الإجماع
(حكمه في الأصل) إنما قيد بقوله: "في الأصل" لأن الأصل في الإجماع أن يكون موجبًا للعلم قطعًا، وما لم يكن موجبًا للعلم قطعًا كان بسبب العارض كما إذا ثبت الإجماع بسكوت البعض وكثبوت إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على بطلان الحكم فيما وراء اختلافهم كما أن الأصل في خبر الرسول أن يكون موجبا للعلم، وما لم يكن موجبا يكون بواسطة الشبهة وهي شبهة عدم السماع من الرسول عليه السلام فكذلك هاهنا، وقوله:(حكمًا شرعيًا) فالأولى أن يمون انتصابه على الحال لاتصافه بصفة على ما مر في شرح الخطبة في قوله: "دينا رضيًا"
(ومن أهل الهوى من لم يجعل الإجماع حجة) وهو أبو بكر الأصم و
هو ساعدنا في انعقاد الإجماع وخالفنا في حكمه.
(نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) باز كذاريم أو رابا أنكه دوستي داشت يا با أنجه اختيار كرد.
ومن إفادات شيخي- رحمه الله وأثابه الجنة- الأصل في الجمل الشرطية أن لا يتعدد الحكم بتعدد الشرط كما لو قال رجل لامرأته: إن دخلت هذه الدار وهذه الدار وهذه الدار فأنت طالق ثلاثًا، فدخلت واحدة منها لم يقع شيء من الطلاق حتى تدخل تلك الأدوار الثلاث. لما أن الحكم لا يتوزع على أجزاء الشرط، ثم في قوله:(وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) وقع الأمر على خلاف ذلك؛ حيث ثبت الحكم بتمامه عند وجود أحد هذين الشرطين.
وهما: مشتاقة الرسول أي مخالفته، وإتباع سبيل المؤمنين؛ لما أن
مشاقة الرسول عليه السلام بانفرادها أو إتباع غير سبيل المؤمنين بمجرده مثبت هذا الحكم المرتب على الجميع، وهو إصلاؤه جهنم.
ثم قال رضي الله عنه وإنما صار هكذا هنا لأن كل واحد من هذين الشرطين متضمن للأخر، فكان عند وجود أحداهما كأنهما وجدا معًا؛ لما أن مشاقة الرسول متضمن إتباع غير سبيل المؤمنين وإتباع غير سبيل المؤمنين متضمن مشاقة الرسول، فصارا كأنهما وجدا معًا.
(لأن الخيرية توجب الحقية)؛ لأن مطلق الخير هو ما كان خيرًا في التقادير كلها، وذلك لا يكون إلا بأن يكون حقًا عند الله تعالى، فإن المجتهد إذا أخطأ كان هو خيرًا في حق العمل لا في الحقيقة، فكان ذلك خيرًا من وده دون وجه.
(في الإيمان والشرائع جميعا)؛ لأن الضلالة ضد الهدى، والهدى اسم يقع على الإيمان والشرائع، وعكسه، وعكسه الضلالة اسم لما ينفي الإيمان والشرائع.
(رجل رقيق) أي رقيق القلب فلا يطيق على القيام في مكانه إن رأى مكانك خاليا عنك.
فقال النبي عليه السلام: ("أبي الله ذلك -أي أمري- لعمر والمسلمون")
فوجه التمسك بهذا الحديث على أن الإجماع يوجب الحكم قطعًا هو أن النبي عليه السلام جعل إباء المسلمين إباء الله تعالى، فإباء الله تعالى يوجب أن لا يكون عمر إمام المسلمين حال حياة النبي عليه السلام قطعًا، فكذلك إباء المسلمين.
وكذلك في حديث الخميرة.
فإن قيل: هذه الأحاديث التي ذكرتم من أخبار الأحاد فكيف تحجون بها على إثبات حكم الإجماع بأنه قطعي وموجب خبر الواحد ليس بقطعي؟
قلنا: نعم ذلك في حق كل فرد من الأخبار بحياله.
أما عند الاجتماع على مضمون واحد فلا، فإن كل واحد من هذه الأخبار دال على أن حكم الإجماع ثابت قطعًا، فيثبت القطع باعتبار المضمون وإن لم يكن باعتبار كل واحد منها بانفراده كنقل أخبار المعجزات، فإن كل واحد منها بانفراده خبر الواحد وهو بانفراده لا يوجب الحكم قطعا، ولكن مضمون كل تلك الأخبار واحد وهو خلاف العادة من النبي عليه السلام مع صدور دعوى النبوة منه، فحصل لنا العلم قطعًا بأن المعجزة ظهرت على يده لتواتر الأخبار في حق هذا المضمون فكذلك هاهنا.
(وذلك جائز) هذا جواب عن حرف أهل الهوى بقولهم: لأن كل واحد منهم اعتمد ما لا يوجب العلم؛ يعني يجوز أن يجتمع دليل لا يوجب العلم مع دليل أخر لا يوجب العلم فيحدث من اجتماعهما معنى يوجب
العلم لم يثبت ذلك قبل الاجتماع.
(ولا ينكر في المحسوس والمشروع).
أما في المحسوس: فمثل حمل الخشبة العظيمة فإنه لم يقدر واحد على حملها، يقدر على حملها خمسة رجال إذا اجتمعوا عليه، وكذلك إذا اجتمعت طاقات الحبل كان له قوة واستحكام لا يثبت ذلك قبل الاجتماع.
فعلم بهذا أن للاجتماع تأثيرًا في إيراث حكم ليس ذلك للأفراد وإن كان كل واحد من تلك الأفراد لا يثبت ذلك الحكم أصلًا بانفراده.
وأما في المشروع فمثل قول القاضي: شهادة الاثنين دون الواحد، ومثل وجوب الزكاة عند اجتماع أفراد الأموال وعدم وجوبها عند عدم الاجتماع، ومثل اجتماع أجزاء النجاسة في ثوب المصلي إلى غاية قدرها الشرع في المنع عن جواز الصلاة وعدم المنع عنه قبل الاجتماع إلى تلك الغاية.
(فإجماع الصحابة) رضي الله عنهم (مثل الآية) أي هو حجة قطعية حتى يكفر جاحده ولم يذكر العترة ولا أهل المدينة في إجماع الصحابة- رضي الله عنهم لأن ذكر الصحابة ذكر لهم؛ لأن أسم الصحابة شمل للعترة وأهل المدينة.
(والنسخ في ذلك جائز بمثله) أي النسخ بهذا الإجماع الذي بمنزلة الصحيح من الأحاد الذي هو مثله بأن أجمعوا في القرن الثاني على حكم ثم أجمع أهل القرن الثالث في ذلك الحكم على خلافه ينتسخ الحكم
الذي ثبت بإجماع القرن الثاني. أما لا يمكن النسخ بهذا الإجماع الإجماع الذي هو بمنزلة الكتاب، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم لأنه دونه، ويُشترط في جواز النسخ المماثلة في القوة.