الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تقسيم السبب
(إن وجوب الأحكام متعلق بأسبابها) أي بعللها.
لأن السبب الحقيقي هو: ما يكون طريقا إلى الحكم من غير أن يضاف إليه وجوب ولا وجود كما في العلامة على ما ذكر بعيد هذا، لكن الفرق بينهما إنما يقع بذلك الذي ذكر بعده بقوله:(لكنه تتخلل بينه وبين الحكم علة لا تضاف إلى السبب) كما فى دلالة السارق، فإن سرقة السارق علة لكون المال المدلول عليه مسروقا، وتلك العلة غير مضافة إلى الدال حتى لا يؤاخذ الدال لا بقطع اليد ولا بضمان المال، وليس للعلامة هذا الوصف، ولأن السبب قد
يكون له حكم العلل حتى يؤاخذ بضمان المال (كما في قود الدابة وسوقها) على مال إنسان فأتلفته، ولا يكون للعلامة حكم العلل أصلا.
(لأنه جزاء المباشر) قيل: حد المباشرة أن يتصل فعل الإنسان بغيره ويحدث منه التلف كما لو جرحه أو ضربه فمات من ذلك، وحد التسبيب أن يتصل أثر فعله بغيره لا حقيقة فعله ويتلف بأثر فعله كما فى حفر البئر؛ لأن المتصل بالواقع أثر فعله وهو العمق الحاصل بحفره لا حقيقة فعله؛ لأن حقيقة فعله اتصلت بالمكان وهي الحفر. كذا قال الإمام بدر الدين الكردري- رحمه الله.
(إلا أنه جعل السبب المؤكد بالعمد الكامل بمنزلة المباشرة) والسبب هو الشهادة الكاذبة تأكدت باستيفاء القصاص فكان سببا مؤكدا، والعمد الكامل هو تعيين الشهود المشهود عليه بالقتل بخلاف وضع الحجر وأمثاله، فإنه لم
يوجد فيه العمد الكامل حيث لم يعين واضع الحجر أحدا للقتل ليكون قاصدا لقتله بالتسبب، فلذلك لم يجب فيه القصاص وإن وجد فيه التسبيب أيضا.
(لما سبق من قبل) أي في باب معرفة الأسباب بقوله: وقلنا لا تجب- أي الكفارة- على المسبب الذي قلنا؛ لأنها من الأجزية؛ (لأن المباشرة أضيفت إليه)؛ لأن تمكن المباشرة للقاتل من القتل إنما ثبت بشهادة الشهود، ولهذا صح أن يقول القاتل: باشرت القتل بشهادتهم، وكذلك صح للحاكم أن يقول: حكمت بشهادتهم، إلا أن حقيقة الإتلاف بمباشرة الولي القتل وذلك باختياره فكان سببا بمعنى العلة.
(فبقى الأول) وهو شهادة الشهود الشهادة الكاذبة، والثاني وهو مباشرة الولي القتل.
(ولهذا لم يصلح لإيجاب ما هو جزاء المباشرة) وهو الحرمان من الميراث ووجوب الكفارة والقصاص، فإن هذه الأحكام الثلاثة إنما تثبت بالمباشرة لا غير.
(لم يرجع على الدال بقيمة الولد) لما قلنا وهو قوله: لأنه صاحب سبب محض.
وقال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله لأن إخباره سبب للوصول إلى المقصود، ولكن تخلل بينه وبين المقصود وهو الاستيلاد ما هو علة فهو غير مضاف إلى السبب الأول.
(بخلاف ما إذا زوجها على هذا الشرط) بأن يقول: زوجتكها على أنها حرة؛ (لأنه صار صاحب علة)؛ لأن ما لزم عليه لزم بالاستيلاد،
والاستيلاد حكم ذلك التزويج المقيد بالوصف؛ لأن شرط الحرية صار وصفا للتزويج فكان لازما كالتزويج فكان ما لزم عليه مضافا إلى ذلك التزويج المقيد بالوصف.
(بخلاف المشتري إلى آخره يعني أنه المشتري) إذا استولدها ثم ظهر الاستحقاق فإنه يرجع بقيمة الأولاد؛ لأن بمباشرة عقد الضمان التزم صفة السلامة عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق.
وأما بمباشرة عقد التبرع فلا التزام بسلامة المعقود عليه عن العيب.
وقوله: (لأن البائع صار كفيلا) يعني إنما يرجع إلى البائع لكونه كفيلا لا لكونه تسبيبا.
(فصار كأنه قال له: إن ولدك حر بحكم بيعي فإن ضمنك أحد فأنا كفيل عنه) والإمام شمس الأئمة- رحمه الله استضعف التعليل بطريق الكفالة وصحح ما ذكرته أولا فقال: الأول أصح؛ لأنه قال في كتاب العارية:
العبد المأذون إذا أجر دابة فتلفت باستعمال المستأجر ثم ظهر الاستحقاق رجع المستأجر بما يضمن من قيمتها على العبد في الحال والعبد لا يؤاخذ بضمان الكفالة ما لم يعتق، وهو مؤاخذ بالضمان الذي يكون سببه العيب بعد ما التزم صفة السلامة عن العيب بعقد الضمان.
(ولذلك لم يرجع بالعقر) يعني أن المستحق لو أخذ العقر من المشتري لا يرجع المشتري بما ضمن من العقر على البائع.
(فهو قيمة ما سلم له فلم يكن غرما) أي الذي سلم له من المنافع؛ لأنه استوفى المنافع واللازم بالعوض لا يسمى غرما. (الاستيناء) طلب الإنى، وهو الوقت.
(غير محفوظ بالبعد عن أيدي الناس بل) يدفع المالك شر العدوان عن ماله فلم تكن الدلالة إزالة للحفظ، وأيضا أنه لم يلتزم حفظه بخلاف المودع (على موجب العقد) أي عقد الإحرام.
(وكان صيد الحرم لكونه راجعا) أي لكون الحرم (راجعا إلى بقاع الأرض مثل أموال الناس) أي في كونه مضمونا باعتبار البقاع، فإن كان الصيد في بقعه لا يجوز التعرض فيها وهو الحرم يضمن من دل عليه إذا اتصل بالإتلاف، ولو كان خارج الحرم لا يضمن كما في أموال الناس، فإنها إن كانت مودعة عنده يضمن بدلالتها لكون الدلالة مباشرة جناية على ما التزمه من الحفظ بالتضييع، فأما إذا لم تكن مودعة عنده لا يضمن بالدلالة.
فإن قيل: الأجنبي أيضا التزم بعقد الإسلام أن لا يدل السارق على مال الآخر وقد ترك ما التزمه بالدلالة فينبغي أن يضمن أيضا.
قلنا: الالتزام هناك بعقد الإسلام كان مع الله فيقع عليه موجب ما تركه من الالتزام وهو الإثم حيث ترك ما التزمه، وهنا كان العقد واقعا مع المودع الذي هو صاحب المال فيقع عليه موجب ما تركه من الالتزام وهو الضمان مع الإثم.
(لأن ذلك سبب محض) أن لأن دفع الدافع السكين إلى الصبي سبب محض. (اعترض عليه علة) أي اعترض على ذلك السبب علة وهو وجؤه به نفسه.
(وإذا سقط عن يد الصبي عليه) أي على الصبي (فجرحه كان ذلك على الدافع)؛ لأن السقوط من يده لما كان بدون فعله الاختياري كان ذلك الجرح مضافا إلى السبب الأول، وهو مناولته إياه.
(فصار هو سببا له حكم العلل، وكذلك من حمل صبيا ليس منه بسبيل) أي ليس من الصبي بسبيل أي ليس له ولاية أخذ الصبي؛ حيث لم يكن وليا له فعطب بذلك الوجه أي فهلك الصبي بسبب ذلك الحر والبرد أو بسبب سبع كان فى ذلك الشاهق افترسه سبع أو سقط من ذلك الشاهق فهلك فإنه يضمن عاقلته؛ لأنه تسبب لموته.
أما إذا مات بمرض لم يضمن؛ لأنه يقال لولا تقريبه إياه إلى موضع أصابه فيه الحر والبرد وافتراس السبع لما هلك الصبي ولا يقال لولا أخذه من يد وليه لم يمت من مرضه.
وقوله: (لما ذكرنا) إشارة إلى قوله: لأن ذلك سبب محض اعترض عليه علة لا تضاف إليه بوجه- إلى أن قال: لأنه أضيف إليه العطب هنا.
(إذا كان صبيا يستمسك) أي يقدر على الجلوس على الدابة بدون أن يمسكه أحد.
(لأنه صار بمنزلة صاحب العلة لما وقعت المباشرة له) فيلزمه ما يثبت
بسبب المباشرة؛ لأن الغرم بإزاء الغنم بخلاف ما تقدم، وهو في قوله: لتأكل أنت؛ لأن كلام الآمر هناكل تسبيب محض قد تخلل بينه وبين السقوط ما هو علة وهو صعود الصبي الشجرة لمنفعة نفسه.
وكذلك في قوله: لنأكل نحن؛ لأن فعله وقع للآمر من وجه دون وجه فلا يجب الضمان بالشك أو لا ينقطع الحكم عن علته بالتردد، وأما هاهنا وهو في قوله:((لآكل أنا)) فلما كان صعوده لمنفعة الآمر صار تسبيبه في معنى العلة بطريق الإضافة إليه.
(ومسائل ما يبتنى عليه أكثر من أن تحصى) ومن تلك المسائل: من أخرج ظبية من الحرم فولدت فهو ضامن للولد؛ لأنها بالحرم آمن صيدًا،