الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الركن
لما فرغ من بيان الشروط التي هي مقتضية للتقدم شرع في بيان ما هو العمدة في الباب وهو الركن، لما أن ركن الشيء ما يتقوم به ذلك الشيء، فالوصف الذي هو المؤثر في الحكم جعل علمًا على الحكم في النص، وإنما سمي عليما، لأن الحكم في المنصوص عليه مضاف إلى النص فسمي علمًا لما أن القياس هو الإبانة، فلم يكن مثبتًا حقيقة كما هو الأصل في الأعلام، فإن الحكم لا يضاف إلى العلامة.
وقوله: (مما اشتمل عليه النص) يعني: "آن جيزي كه علم كردانيده شد بر حكم نص بايد كه وي ازآن جيزي بود كه نص ويرا فراز كرفته بود يا از روي لفظ يا از روي معني" والاشتمال تارة يكون من حيث اللفظ، وتارة يكون من حيث المعنى.
والذي يكون من حيث اللفظ يجوز أن يكون وصفًا لازمًا مثل الثمنية أو عارضًا مثل الانفجار أو حكمًا مثل ما استدل النبي عليه السلام بجواز قضاء دين للأب على جواز قضاء الحج عن الأب إلى آخره.
وقوله: (والطعم جعله الشافعي علةً للربا) لما أن الطعم لازم أي للحنطة والشعير، لأنهما لا يوجدان إلا ومعهما الطعم، (وعللنا بالكيل وهو غير لازم) أي توجد الحنطة والشعير فيما دون الكيل أيضًا.
وليس معناه أن غيرهما مكيل أيضًا، لأن الطعم جعل لازمًا في تعليل الشافعي مع أن ذلك موجود في غير الحنطة والشعير، لأن معنى عدم اللزوم إنما يكون أن لو كان هو موجودًا وليس له هذه الصفة، لا أن تكون موجودة هي فيه وفي غيره، وذلك إنما يكون في قولنا فيما دون الكيل، أعني عللنا قوله عليه السلام:"الحنطة بالحنطة" بالكيل والجنسِ.
والكيل غير لازم للحنطة لوجود الحنطة غير مكيلة فيما دون نصف صاع كانت الحنطة موجودة ولا كيل لها فكان الكيل غير لازم لها.
(يتعلق عتقه بمطلق موت المولى) أي: فلا يجوز بيعه كأم الولد وقيد بقوله: بمطلق موت المولى: "احترازًا عن المدير المقيد، (ويجوز أن يكون فردًا) نحو تعليل ربا النسيئة بوصف واحد وهو الجنس أو القدر، (وعددًا) نحو علة حرمة التفاضل فإنه القدر مع الجنسِ.
(ويجوز في غيره إذا كان ثابتًا به) أي إذا كان النص مقتضيًا له من حيث المعنى.
(وهو معلول بإعدام العاقد) أي بفقرة واحتياجه (وليس في النص) ذلك، لأن المذكور هو السلم، وإعدام العاقد صفة العاقد لا صفة النص لكن السلم يقتضي عاقدًا لا محالة والإعدام صفته، فكان الإعدام من مقتضيات النص، وكذلك بيع الآبق معلول بالعجز عن التسليم وليس في النص ذلك، إلا أن البيع يقتضي بائعًا ضرورة والعجز صفته فكان ثابتًا هو أيضًا بمقتضى النص من حيث المعنى.
وكذلك الشافعي علل قوله عليه السلام: "لا تنكح الأمة على الحرة"(بإرفاق جزء منه) يعني: أن عدم جواز نكاح الأمة على الحرة بعلة أنه سعي في إرقاق جزئه فلا يثبت إلا عند الضرورة، ولا ضرورة، لأن تحته حرة فعدي هذا الحكم منه إلى من كان قادرًا على نكاح الحرة، فلا يجوز نكاح الأمة له أيضًا لوجود العلة وهي إرقاق جزئه بلا ضرورة، وليس هذا في النص الذي ذكرنا، ولكن ذلك النص يقتضي ناكحًا لا محالة والإرقاق صفته فكان ثابتًا ب اقتضاء النص معنى.
(واتفقوا أن كل أوصاف النص بجملتها لا يجوز أن يكون علة) يعني: اشتراط وجود جميع أوصاف النص في الفرع في التعليل لا يجوز، لأنه حينئذ كان الفرع عين المنصوص عليه، ولا يكون فرعًا، لأن جميع أوصاف المنصوص عليه لا يوجد إلا في المنصوص عليه، ولا يجوز أيضًا أن
يكون وصف من أوصاف النص علة الحكم من غير تفرقة بينهما، لأنه حينئذ يسقط الابتلاء والاعتبار، فإن الاعتبار مأمور به، وذلك إنما يكون لتمييز وصف منج من وصف مهلك لتشبث المعتبر بالمنجي ويحترز عن المهلك، وذلك لا يحصل بدون الاعتبار والتأمل، فلو قلنا بجواز عدم التفرقة بين الأوصاف في التعليل لاستوى فيه العالم والجاهل. فكان ذلك مثل التعليل بالوجود في الأشياء المتضادة، بل التعليل إنما يصح بوصف صالح للتعليل من بين سائر الأوصاف.
ثم اختلفوا في تلك الصلاحية للتعليل.
(فقال أهل الطرد: إنه يصير حجة بمجرد الاطراد) يعني: أينما طرد ذلك الوصف من طرده وأداره على الأحكام وجد ذلك الحكم الذي وقع النزاع فيه عند ذلك الوصف الذي طرده بالإجماع من غير أن يذكر اثر ذلك الوصف في استدعاء ذلك الحكم، كما قال الشافعي رحمه الله في أن النكاح لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال بقوله:"لأنه ليس بمال" فوجد هذا
الوصف مطردا في الحدود والقصاص.
وهكذا طرد أيضًا وصف عدم البعضية في أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات في تعليل عدم عتق الأخ، فوجده مطردا بالإجماع، فقال: لا يعتق الأخ، لأنه ليس بينهما بعضية من غير ذكر أثر الوصف.
وكذلك تعليل بعضهم: هذه عبادة لها تحليل وتحريم، فكان من أركانها ما له عدد سبع كالحج، وطرد عدد السبع فيما ادعى من الحكم فوجده مطردا في الحج بالإجماع، فجعل الفاتحة من أركان الصلاة، لكونها سبع آيات كما أن سبع أشواط الطوائف من أركان الحج على ما يجيء بيانه في أقسام الطرد إن شاء الله.
(والسلف) الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون وأصحابنا المتقدمون أعني أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله (والخلف) من بعدهم والمتأخرون من بعدهم، (واتفقوا في صلاحه) بخلاف العدالة فإنهم اختلفوا في تفسيرها.
(وإنما نعني بالأثر ما جعل له أثر في الشرع) أي: في جنس ذلك الحكم الذي وقع النزاع فيه كتعليلنا بالصغر في ولاية المناكح بقولنا: إنها تزوج كرها، لأنها صغيرة، فإن للصغر أثرًا في إسقاط الولاية عن الصغير في حق المال بالاتفاق، فوجب أن يكون له أثر أيضًا في إسقاط الولاية عن نفسه في النكاح، والجامع بينهما هو معنى العجز عن إصلاح أمر نفسه فيقوم أقرب الناس إليه بالعقل الكامل مقامه في إصلاح أمره، وهذا لأن معنى العجز مستلزم للضرورة، وللضرورة تأثير في إسقاط ما كان له في الأصل للتخفيف عرف ذلك بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَاذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إلى قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ ولا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) حيث جعل كثرة الطواف سببًا لسقوط الاستئذان للتخفيف، لما أن كثرة الطواف مستلزمة للحرج والضرورة.
وكذلك في السنة وهي قوله عليه السلام: "الهرة ليست بنجسة، لأنها من
الطوافين عليكم والطوافات". حيث جعل كثرة الطواف سبباُ لسقوط النجاسة للتخفيف لكون كثرة الطواف مستلزمة للضرورة.
(عدالته بكونه مخيلًا) أي: موقعًا خيال الصحة في القلب (ثم العرض على الأصول)، وهذا تفريع على قول ذلك البعض، إذ لا حاجة عندنا إلى العرض على الأصول.
والمعني من العرض على الأصول هو أن يعرض وصفه الذي جعله عله على صور يوجد ذلك الوصف فيها، كوصف الطعم الذي جعله الشافعي علة الربا يعرضه على المطعومات فيجد وصفه مثبتًا لذلك الحكم الذي ادعاه بالاتفاق، فيجعل ذلك علة الحكم المتنازع فيه إذا لم يجد ذلك الوصف منقوضًا ولا مجروحًا في تلك الصور كما في الشاهد.
(وإنما يعرض على أصلين فصاعدًا) نظير ذلك ما جعل الشافعي في وصف الطعم علة الربا في قوله عليه السلام: "الحنطة بالحنطة مثلا بمثل" وعرض ذلك الوصف على السمسم والأرز فوجده فيهما مؤثرًا في إثبات حكم الربا بالاتفاق فجعل الطعم علة الربا في المطعومات، لأن الأصليين لم يرداه.
(وإنما النقض جرح والمعارضة دفع) يعني أن النقض يجرح الوصف فخرجه عن كونه حجة كجرح الشاهد بالرق، والمعارضة دفع لا تمنع الوصف عن كونه علة لكن تدفع الحكم الذي أثبته الوصف بعلة أخرى، وعندنا عدالته بكونه مؤثرًا أي جعل لهذا الوصف أثر في الشرع في جنس ذلك الحكم الذي وقع النزاع فيه على ما ذكرنا، وعرف ذلك الأثر إما بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع.
(لأن ما لا يحس إنما يعرف بأثره) كما عرفنا الله تعالى، لكونه غير محسوس بآثار صنعه، والوصف الذي هو المؤثر لا يحس أيضًا فيعرف ذلك بأثره بالبيان.
(والوصف على وجه مجمع عليه) كطهارة سؤر الهرة بعلة الطوف، والطوف من أسباب الضرورة وهي موجبة للتخفيف بوجه مجمع عليه في جنس هذا الحكم وهو سقوط الخطر بالضرورة كما أشار عليه قوله تعالى:(فمن فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
(وأما الخيال فأمر) لا يعول عليه، لأن للخصم أن يقول: وقع في قلبي خيال فساد (وصفك فلا ينفك عن المعارضة) وما لا ينفك عن
المعارضة لا يصلح حجة شرعية كالوصف الذي لا ينفك عن المناقضة لا يصلح حجة، لما عرف أن حجج الله تعالى لا تتعارض في أنفسها ولا تتناقض، ولأن الظن لا يغني من الحق شيئًا، والحجة ما كان أمرًا ثابتًا في حق الكل، والظن يختص بمن ابتلي به.
ألا ترى أن التحري في باب القبلة لا يتعدى ممن أبتلي به ولا يصير قبلة في حق غيره.
وقوله: (فنقل عنه إلى شهادة القلب)"أي الوصف في كونه معدلًا نقل عن الأثر إلى شهادة القلب. بخلاف الشاهد" يعني أن التزكية فيه لازمة لاحتمال اعتراض الفسق عليه بعد كونه عدلًا.
فأما الوصف الذي هو علة بعدما علم صفة الصلاحية فيه يصير عدالته معلومة، إذ ليس فيه توهم الخيانة، فلهذا كان العرض على الأصول هنا احتياطًا.
وقوله: (كالأثر المحسوس الدال على غير المحسوس) كأثر المشي على الأرض فإنه يدل على الماشي، وإن كان الماشي غائبًا غير محسوس، وكذا البناء يدل على أن بانيًا بناه، وكان الباني حيًا قادرًا على البناء وعالمًا به. يحكم بعقله على هذا بالقطع والبتات، وغن لم يكن رأي الباني فيكون في تيقنه أن باني هذا البناء كان موصوفًا بهذه الأوصاف كأنه راه.
وقوله: (فرقهم) جواب عما فرق أهل المقالة الأولي بقولهم: "بخلاف الشاهد لأنه يتوهم" إلى آخره. حيث جعلوا التزكية شرطًا لازمًا ولم يجعلوا العرض على الأصول في الوصف لازمًا بل جعلوا العرض للاحتياط للفرق الذي قالوا.
قلنا: هذا الفرق ليس بصحيح، لأن الوصف مع كونه ملائمًا يجوز أن يكون غير علة.
ألا ترى أن قولنا: إن الشيء لا يبقى مع فوات ركنه وصف ملائم موافق لتعليل السلف، ومع ذلك أنه غير علة في مسألة الصوم إذا أكل الصائم ناسيًا حيث بقي الصوم مع فوات ركنه حقيقة، لأن الشرع لم يجعل ذلك الوصف علة فوات الصوم، لما أن علل الشرع علل جعلية، وجاز له أن يجعل
الوصف علة في موضع ولا يجعله علة في موضع آخر لمعنى فيه.
إذ للشارع ولاية الإيجاد والإعدام، فلابد من ظهور أثر ذلك الوصف في جنس ذلك الحكم، فعند ظهور أثره تعرف عدالة ذلك الوصف، وذلك إنما يكون عند العرض على الأصول وعلى الأحكام التي هي من جنس حكم ذلك الوصف، (فكان الاحتمال في أصله) أي فكان احتمال الرد في اصل الوصف أولى من الاحتمال في المعترض، وهو اعتراض الفسق في الشاهد.
بيان هذا أنهم قالوا: إن الشاهد يحتمل أن يعترض عليه فسق يبطل شهادته إلا أن هذا احتمال في المعترض على الشهادة، فإن أصل الشهادة يثبت بالأهلية وهي العقل والبلوغ والحرية ومع المعترض يبقى أهلًا لأصل الشهادة.
فأما الوصف في التعليل مع الرد لم يبق علةً أصلًا، فإنه مع كونه ملائمًا لا يجوز أن يكون علة مع الرد أصلا، والشاهد مع الرد يبقى أهلًا لما عرف، فكان الاحتمال في وصف التعليل أقوى، فلما لم تقبل شهادة المستور مع هذا الاحتمال وجب ألا يكون وصف التعليل حجة مع احتمال الرد في أصله بالطريق الأولى.
وقوله: (ألا ترى أن الوصف لا يبقى علة مع الرد مع قيام الملاءمة) بخلاف الشهادة، فإنه إذا رد القاضي شهادة الشاهد في حادثة ل معنى لا يوجب ذلك رد شهادته في حادثة أخرى.
(والجواب عن كلامه) أراد به قوله: "إن الأثر معنى لا يعقل".
وقوله: (إن الأثر معقول) أي معلوم (من كل محسوس لغة) أي باللفظ الدال على المعنى حتى إن من أخبر آخر أن رجلًا مشى ههنا من غير أن رأي الماشي يفهم السامع من ذلك أنه رأى أثر مشيه واستدل به على مشيه، وقوله:(وعيانا) أي في حق الرائي أثر مشيه، وقوله:(لغة) أي في حق السامع.
(ومن كل مشروع معقول دلالة) كقول من يقول: هي مطلقة ثلاثًا فلابد أن يستدل السامع منه على إيقاعه بالتطليق الثلاث، وكونها مطلقة اثر ذلك، أو أراد به ما له اثر في جنس ذلك الحكم كأثر الصغر في حق سلب الولاية عن الصغير في النكاح بطريق الدلالة على سلب الولاية في حق المال.
وقوله: (على ما بينا) إشارة إلى قوله: وإنما نعني بالأثر ما جعل أثر له
في الشرع.
وقوله: (تعليلًا بمعنى مؤثر) فوجه التأثير هو أن الصوم كف النفس عن شهوة البطن وعن شهوة الفرج، فالمضمضة مبدأ شهوة البطن، والقبلة مبدأ شهوة الفرج، فلما لم يضر الصوم مع وجود مبدأ شهوة البطن لم يضره أيضًا وجود مبدأ شهوة الفرج قياسًا للمبدأ بالمبدأ بل بالطريق الأولى لما أن منع شهوة البطن في الصوم قصدي بدليل شرعيته في وقته وهو النهار عادة فلما لم يمنع ذلك مع أنه مبدأ المقصود فلان لا يمنع وجود مبدأ غير المقصود أولى.
(واختلف أصحاب النبي عليه السلام في الجد) يعني: أن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- اختلفوا في الجد مع الأخوة. فقال أبو بكر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعامة الصحابة رضي الله عنهم: إن الجد يحجب الأخوة، وهو قول أبي حنيفة -رحمة الله عليه-.
وقال علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: إنه لا يحجبهم، وهو
قولهما فعامة الصحابة مثلوا الجد بالوادي الذي ينشعب منه الأنهار يعني أن الجد ينشعب منه الأب والأخوان، والأب ينشعب منه الأخوان، ثم الأب يحجب الأخوين، فالجد الذي هو أصل الكل أولى.
وقال علي رضي الله عنه: إنما مثل الجد مثل شجرة أنبتت غصنا ثم نفرع من الغصن فرعان، فيكون القرب بين الفرعين أشد من القرب بين الفرع والأصل، لأن الغصب بين الأصل والفرعين واسطة ولا واسطة بين الفرعين. فيكون هذا الكلام مقتضى رجحان الأخ على الجد إلا أن بين الفرع والأصل جزئية وبعضية وليس بين الفرعين -أعني الأخوين- جزئية.
وهذا يقتضي رجحان الجد على الأخ فاستويا، ثم وجه الرجحان لقول أبي حنيفة رحمه الله: إن الأب حاجب لكلا الفريقين بالإجماع، فمشابهة الجد بالأخ أكثر من مشابهة الأخ به في حق حرمة الحليلة وحق حرمة وضع الزكاة وعدم قبول الشهادة له وكثرة المشابهة إن لم تصلح علة تصلح مرجحًا، وابن عباس رضي الله عنهما علل في ذلك بقوله: "ألا يتقي الله
زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أب الأب أبًا" فهو استدلال بمؤثر من حيث اعتبار أحد الطرفين بالطرف الآخر في القرب.
وقوله: "أليس يكون خمرًا" هو مقول عمر رضي الله عنه فكان متعلقًا بقوله: وقال عمر حين -قال أي عبادة بن الصامت-: ما أرى النار تحل.
وقوله: "ما أري" على بناء المفعول، وقوله:"النار" بالنصب على أنه مفعول ثان للإرادة.
فإن قلت: كيف صح قوله: "تحل" وماء العنب لا يكون موصوفًا بالحرمة قبل أن يصير خمرًا؟
قلت: يحتمل أن يسمى منعه عن أن يكون خمرًا إحلالًا أو جعل المشارف للحرمة كالحرمة.
(لأنه أعتقه برضاه)، لأنه باشر علة العتق باختياره، فكان راضيًا لعتقه، وفي هذا لا يتفاوت علمه وعدم علمه، لأن المباشر لعلة الحكم أنزل عالمًا لوجود الحكم، فمباشرته بعد ذلك كان رضا منه بذلك الحكم الذي هو العتق ههنا، ف صار كما لو أذن له نصًا أن يعتقه.
(لأنه سلطه)، لأنه لما يبق الاستحفاظ بقي تسليطًا على الاستهلاك،
وهذا لأنه حين مكن الصبي من المال فقد سلطة على إتلافه حسا، والتسليط يخرج فعل المسلط من أن يكون جناية في حق المسلط.
ثم بقوله: "احفظ" جعل التسليط مقصورًا على الحفظ بطريق العقد وهذا في حق البالغ صحيح.
وأما في حق الصبي فلا يصح أصلًا، وفي حق العبد المحجور لا يصح في حالة الرق، وذلك في "الأسرار" الاختلاف في صبي يعقل الحفظ لا في صبي لا يعقله.
ألا ترى أنه بنى على هذا أن الصبي لو بلغ صار مودعا ولو كان الخطاب مع من لا يعقل لكان يغلو ولا يصح بالبلوغ، وإنما يجوز بالبلوغ وبالإجازة إذا خاطبه بعد العقد.
(لأنه أمر رجمت عليه والنكاح أمر حمدت عليه)، وهذا الاستدلال في الفرق بوصف مؤثر أي ثبوت حرمة المصاهرة بطريق النعمة والكرامة، فيجوز أن يكون سبب الكرامة ما يحمد عليه، ولا يجوز أن يكون سببها ما يعاقب المرء عليه وهو الزنا الموجب للرجم.
(غير مؤثر في إبطال التخفيف)، فإن مسح الخف ركن ومع هذا ثبت التخفيف، وكذلك المسح في التيمم.
(في ولاية النكاح بالصغر والبلوغ) أي: عللنا بأن المؤثر في ثبوت الولاية للولي صغر المولى عليه، وعللنا بأن المؤثر في انعدام الولاية للولي بلوغ المولى عليه، فكان قوله:(فصح التعليل بالعجز والقدرة للوجود والعدم) على هذا التقدير لفًا ونشرًا أي وجود الولاية للولي على المولى عليه بسبب عجز المولى عليه عن القيام على أمر نفسه بنفسه، وذلك إنما يكون بالصغر، وانعدام الولاية للولي على المولى عليه بسبب قدرة المولى عليه على النظر لنفسه، وذلك إنما يكون بالبلوغ.
وقوله: (كالنفقة) أي: وجوب النفقة للصغير على الأب بسبب عجز الصغير على قدرة الاكتساب وذلك بصغر الصغير، وعدم وجوب النفقة على الأب بسبب قدرة الصغير على الاكتساب بنفسه وذلك إنما يكون بالبلوغ، فكذلك ثبوت الولاية للولي وعدمها في النكاح بسبب عجز الصغير والصغيرة عن قيام أمرهما وبسبب قدرتهما على أمرهما، وذلك إنما يكون بالصغر والبلوغ، فكان المؤثر في ذلك الصغر والبلوغ دون الثيابة والبكارة وكذلك في سائر المواضع إنما يظهر الأثر للصغر والبلوغ في الولاية لا للثيابة والبكارة، أعني الولاية في المال.
(إلا في إصابة المأمور) أي: في لزوم إصابة المأمور به.
وقوله: (فإن قيل: التعليل بالأثر) إلى آخره. هذا الإشكال يرد على ما ذكر من صور العلل المؤثر من غير ذكر المقيس عليه قبل.
قوله: وعلى هذا الأصل جرينا والله أعلم.