المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌متن المنظومة البيقونية - الكواكب الدرية على المنظومة البيقونية

[سليمان بن خالد الحربي]

الفصل: ‌متن المنظومة البيقونية

فاستعنت بالله على إخراجه، فأعان وأتم، وقد رغب بعض الأفاضل في إخراجه مبكراً، لينتفع به القراء في هذه الإجازة، وإلا فإن رغبتي في إخراجه أفضل مما هو عليه الآن في عزو المسائل والأقوال وغير ذلك من التحرير والتدقيق، فإن كان من صواب فمن الله وحده فله الحمد أولاً وآخراً، وقد تجد أخي القارئ بين ثنايا السطور أخطاءً، إما مطبعيّة أو غيرها، فلا غرو إذ الأصل فيمن خلق من عجل الخطأ والزلل.

إن تجد عيباً فسد الخللا

جلّ من لا عيب فيه وعلا

واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل المتواضع خالصاً لوجهه الكريم.

وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

‌متن المنظومة البيقونية

(بسم الله الرحمن الرحيم)

أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّياً على

مُحمَّدٍ خَيِر نبيْ أُرسلا

وذِي مِنَ أقسَامِ الحديث عدَّة

وكُلُّ واحدٍ أتى وحدَّه

أوَّلُها "الصحيحُ" وهوَ ما اتَّصَلْ

إسنادُهُ ولْم يَشُِذّ أو يُعلّ

يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ

مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلهِ

وَ"الَحسَنُ" الَمعْرُوفُ طُرْقاً وغَدَتْ

رِجَالُهُ لا كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ

وكُلُّ ما عَنْ رُتبةِ الُحسْنِ قَصُر

فَهْوَ"الضعيفُ"وهوَ أقْسَاماً كُثُرْ

وما أُضيفَ للنبي " الَمرْفوعُ "

وما لتَابِعٍ هُوَ " المقْطوعُ "

وَ"الُمسْنَدُ" الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ

رَاويهِ حتَّى الُمصْطفى ولْم يَبنْ

ومَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل

إسْنَادُهُ للمُصْطَفى فَ"الُمتَّصلْ"

"مُسَلْسَلٌ" قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى

مِثْلُ أمَا والله أنْبأنِي الفتى

كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائِماً

أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا

" عَزيزٌ " مَروِيُّ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ

"مَشْهورٌ" مَرْوِيُّ فَوْقَ ما ثَلاثهْ

"مَعَنْعَنٌ " كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ

"وَمُبهَمٌ " مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَمْ

ص: 2

وكُلُّ مَا قَلَّت رِجَالُهُ " عَلا "

وضِدُّهُ ذَاكَ الذِي قَدْ "نَزَلا "

ومَا أضَفْتَهُ إلى الأصْحَابِ مِن

قَوْلٍ وفعْلٍ فهْوَ "مَوْقُوفٌ" زُكنْ

"وَمُرْسلٌ " مِنهُ الصَّحَابُّي سَقَطْ

وقُلْ "غَريبٌ" ما رَوَى رَاوٍ فَقطْ

وكلُّ مَا لْم يَتَّصِلْ بِحَال

إسْنَادُهُ "مُنْقَطِعُ " الأوْصالِ

"والُمعْضَلُ " السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَان

ومَا أتى "مُدَلَّساً " نَوعانِ

الأوَّل الإسْقاطُ للشَّيخِ وأنْ

يَنْقُلَ مَّمنْ فَوْقَهُ بعنْ وأنْ

والثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لكنْ يَصِفْ

أوْصَافَهُ بما بهِ لا يَنْعرِفْ

ومَا يَخالِفُ ثِقةٌ فيهِ الَملا

فالشَّاذُّ والَمقْلوبُ قِسْمَانِ تَلا

إبْدَالُ راوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ

وقَلْبُ إسْنَادٍ لمتنٍ قِسمُ

وَ" الفَرَدُ " ما قَيَّدْتَهُ بثِقَةِ

أوْ جْمعٍ أوْ قَصِر على روايةِ

ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أوْ خَفَا

" مُعَلَّلٌ " عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا

وذُو اخْتِلافِ سنَدٍ أو مَتْنٍ

" مُضْطربٌ " عِنْدَ أهيْلِ الفَنِّ

وَ"الُمدْرَجاتُ" في الحديثِ ما أتَتْ

مِنْ بَعْضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ

ومَا رَوى كلُّ قَرِينٍ عنْ أخهْ

" مُدَبَّجٌ" فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ

مُتَّفِقٌ لَفْظاً وخطاً " مُتَّفقْ "

وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا " الُمفْترقْ "

" مُؤْتَلِفٌ " مُتَّفِقُ الخطِّ فَقَطْ

وضِدُّهُ "مُختَلِفٌ" فَاخْشَ الغَلَطْ

"والُمنْكَرُ" الفَردُ بهِ رَاوٍ غَدَا

تَعْدِيلُهُ لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا

"مَتُروكُهُ" مَا وَاحِدٌ بهِ انفَردْ

وأجَمعُوا لضَعْفِه فَهُوَ كرَدّ

والكذِبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ

علَى النَّبيِّ فذَلِكَ " الموْضوعُ "

وقَدْ أتَتْ كالَجوْهَرِ المكْنُونِ

سَمَّيْتُهَا: (مَنْظُومَةَ البَيْقُوني)

فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت

أقْسامُهَا ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ

شرح المنظومة البيقونيّة

ص: 3

{بسم الله الرحمن الرحيم}

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين

(المنظومة البيقونية)

اعتنى أهل العلم في نظم العلم وتيسيره للطلبة اعتناء شديداً، لأنهم وجدوا أن النظم يسهل التحصيل، ويسرع في فهم الطالب ويكون هذا العلم مستقرا في عقله وذهنه من خلال حفظه لهذه المنظومة، والأمام البيقوني ـ رحمه الله تعالى ـ، لم تسعف التراجم في ترجمة أو التعريف به فلا يكاد يوجد له ترجمة كما هي في تراجم غيره ممن ألف ونظم حتى إنهم رحمهم الله اختلفوا في اسمه والاختلاف هذا أيضا ليس عن يقين منهم من قال أن اسمه طه بن محمد ومنهم من قال أنه عمر بن محمد، وأنه موجود في القرن الحادي عشر في عام 1080هـ، معلومات فقط هكذا، ليس هناك معلومات واضحة عن هذا الإمام وقد اجتهد بعض أهل العلم بقوله، بأن الأمام البيقوني حرص أن يخفي نفسه وألا يعرف بنفسه.

وهذا غير صحيح، وإن ذكره أكابر الشراح إلا أن هذا غير صحيح أن العالم يحاول أن يخفي نفسه فلا يعرف، العلم دين كيف يخفي نفسه؟! ولكن قدر الله جل وعلا هو ألا يوجد له ترجمة وألا يعرّف به وكثير من أهل العلم تراجمهم قليلة فليس هذا مقصد من الإمام البيقوني ـ رحمه الله تعالى ـ أن يخفي نفسه، هذا لا يمكن أن يكون غرضاً لهذا الإمام، ومن أظهر نفسه غير مخالف للإخلاص ليس معنى أن يعرّف نفسه أو يكتب ترجمة أن هذا مخالف للإخلاص كلا بل إنه يظهر نفسه من أجل أن يعرف، ويعرف عمن أخذ العلم، لكن هذا هو قدر الله.

وهذا فيه عدة فوائد نستفيدها من كوننا لا نعرف البيقوني:-

ص: 4

الفائدة الأولى: أن طالب العلم لا يحتقر نفسه ولا عمله، فالإمام البيقوني ـ رحمه الله تعالى ـ ليس له من العلم إلا أنه نظم بضعة وثلاثين بيتا في علم المصطلح، فقيض الله جل وعلا لها انشراح، فالشراح أكثروا من شرحها، سواء من القدماء أو من المعاصرين، لا أكاد أعلم أحد يهتم بعلم الحديث في هذا الوقت المعاصر إلا وشرح هذه المنظومة، أكاد أجزم بهذا الأمر أن كل من يهتم بعلم الحديث أن يكون قد مرّ على هذه المنظومة وشرحها لطلابه وهذا تيسير، فكم من الحسنات تجري لهذا الإمام الذي توفي ولا يعرف فلا يحتقر الإنسان نفسه لا يقول هذا الموضوع فيه عشرات الكتب، فالمنظومات كثيرة في علم المصطلح فالبيقوني لم يحتقر نفسه ولا شك أن عنده الاستطاعة كما في هذا النظم العظيم ومع ذلك انظر كيف طرح الله البركة فيها، فشرحها جمع غفير.

الفائدة الثانية: أن طالب العلم عليه أن ينوع في طريقة إيصال العلم، هذا الإمام البيقوني ـ رحمه الله تعالى ـ نظمه يدل على أنه يستطيع أن يؤلف مسألة حديثيّة وأن يؤلف مسألة فقهية وأن يؤلف مسألة أصولية من ظاهر نظمه.

فعلى طالب العلم أن ينوع، فاختصار الكتب علم، فتأتي إلى كتاب لابن تيمية أو كتاب للشيخ ابن عثيمين أو كتاب للشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمهم الله تعالى ـ أو كتاب للإمام الشافعي أو كتاب للإمام مالك أو أي مؤلف كتب الله له القبول لمؤلِّفه ومؤلَّفه، تأتي إليه فاختصره، كم من كتاب بقي لنا الآن المختصر ولم يبق لنا الأصل.

ص: 5

أرأيتم ذلك المختصِر لكتاب " اختلاف العلماء " للطحاوي ـ رحمه الله تعالى ـ من أعظم كتب الإسلام جاء عالم في القرن الرابع وهو أبو بكر الجصّاص الرّازي ـ رحمه الله تعالى ـ فاختصره، فلو أنه قال لنفسه وماذا يفيد اختصاري والناس تريد المطولات، فقد ضاع الكتاب الأصل، ولا يعرف ولا توجد له مخطوطة سنين طويلة، ولم يتناقل إلا هذا المختصَر فهذا شرف لهذا المختصر ويجري له حسنات كما يجري لصاحب الأصل، والأشبيلي اختصر كتاب الخلافيات للإمام البيهقي، ولم يوجد منه إلا قطعة قليلة بعض أحكام العبادات، والأصل ضاع، فجاء الإشبيلي واختصر هذا الأصل فأبقى الله مختصر الإشبيلي ولم يبقِ هذا الأصل.

ولهذا أنصح بعض الأخوة عندما يأتي لبعض الكتب الكبيرة للعلماء الكبار تجد بعض الناس لا تقوى رغبته أن يقرأ هذا الكتاب، فإذا لم يجد مختصرا له سيقرؤه.

ولهذا أكثر كتب بن تيمية مختصرة منها:-

1) منهاج السنة مختصر في أكثر من مختصر.

2) كتاب النبوات مختصر.

3) كتاب اقتضاء الصراط المستقيم.

4) كتاب الفتاوى مختصرة، وكتب كثيرة.

وابن القيم – رحمه الله تعالى – له كتب مختصرة. فلماذا العلماء يختصرون الكتب؟ من أجل أن العلماء عرفوا أن طالب العلم أحيانا قد يكسل.

فالعقيدة السفّارينيّه لابن عثيمين 700 صفحة لو جاء طالب واختصر هذه العقيدة، قد يكسل بعض الناس أن يقرأ السفارينيه، وهي لإمام موثوق، فلو جاء شخص واختصر هذا الكتاب لنفع الله به، الشاهد أن نأخذ فوائد في أن طالب العلم لا يحتقر نفسه في طريقة التأليف.

((تمهيد))

قبل أن نبدأ في هذا العلم هناك عشرة مبادئ لكل علم لابد من معرفتها، عندما تريد أن تدخل في كل علم لابد أن تعرف مبادئ العلم، جمعها الأخضري رحمه الله في قوله:

إن مبادي كل علم عشرة

الحد والموضوع ثم الثمرة

ونسبةٌ وفضله والواضع

والاسم الاستمداد حكم الشارع

ص: 6

مسائل والبعض بالبعض اكتفى

ومن درى الجميع حاز الشرفا

فكل علم نريد أن ندخل عليه لابد أن نذكر هذه الأبيات هذا موضوع العلم كأنه الفهرس لهذا العلم.

قال الأخضري رحمه الله:-

إن مبادي كل علم عشرة

الحد والموضوع ثم الثمرة

الحد: أي تعريفه، ما هو تعريف هذا العلم؟

فما هو علم الحديث؟ وما هو حده؟ هو علم بقوانين يعرف من خلالها حال الراوي والمروي، أو إن شئت قل: حال السند والمتن، فمن دخل في هذا العلم سيعرف حال الراوي والمروي.

قال والموضوع: هو السند والمتن.

قال ثم الثمرة: ثمرة هذا العلم تمييز كلام رسول الله وتمحيصه.

ثم قال الأخضري ـ رحمه الله تعالى ـ:-

ونسبةٌ وفضله والواضع

والاسم الاستمداد حكم الشارع

قال ونسبة:

ما هو نسبة علم الحديث إلى العلوم الأخرى؟

هو جزء منه، ما مقدار هذا الجزء، والعلاقة بينهما تباين من وجه وتضمن من وجه آخر.

فتباين: من حيث أن هذا علم له أبواب مختلفة عن علم الأصول وعن علم الفقه.

وتضمن: من حيث أن الإنسان لا يمكن أن يكون عالما حتى يعرف هذا العلم من العلوم.

ثم قال وفضله:

لاشك أنه من أشرف العلوم لتعلقه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتجويد نقول عنه هو من أشرف العلوم لتعلقه بكلام الله جل وعلا.

ثم قال والواضع:

من الذي وضع هذا العلم؟ هم الأئمة الأعلام كالإمام الشافعي والإمام مالك ـ رحمهم الله تعالى ـ وغيرهم فهؤلاء كلهم تكلموا في هذا العلم.

ثم قال والاسم:

ما هو اسمه؟ اسمه علم مصطلح الحديث أو علم الحديث أو علم الرواية هذه كلها من الأسماء.

ثم قال الاستمداد:

من أين يستمد هذا العلم؟ يستمد من كلام الأئمة من كلام أهل العلم، وليس من كلام اللغويين أو من كلام أهل الطب، وإنما يؤخذ من كلام أهل العلم.

ثم قال حكم الشارع:

ص: 7

ما حكم تعلم علم المصطلح؟ حكم تعلمه فرض كفاية، لأنه لا يمكن أن يمحص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعرف هذا العلم.

ثم قال الأخضري ـ رحمه الله تعالى ـ:

مسائل والبعض بالبعض اكتفى

ومن درى الجميع حاز الشرفا

قال مسائل:

فمسائله تتعلق بالإسناد من حيث الاتصال والانقطاع والتدليس وما شابع ذلك، وتتعلق بالمتن من حيث القلب والشذوذ وهكذا.

ثم قال: والبعض بالبعض اكتفى: فبعض أهل العلم اكتفى عند تعريفه للعلم ببعض المسائل وقال بعضها يغني عن بعض.

ثم قال: ومن درى الجميع: أي من درى هذه الأشياء كلها وضبط المسائل.

قال: حاز الشرفا، والألف للإطلاق.

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:

{بسم الله الرحمن الرحيم}

الباء: حرف جر. والاسم: اسم مجرور، والجار والمجرور له متعلَّق محذوف مقدر: تقديره أبدأ أو أنظم، أنظم هذا النظم بسم الله.

وقولنا " أنظم " أفضل من أبدأ، لأن المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ قال: أبدأ بالحمد

فلا نستطيع أن نقول الآن، أبدأ بسم الله، ثم يأتينا مرة ثانية فيقول: أبدأ بالحمد.

فنقول: أبدأ بالنظم، أو أبدأ بفعلي ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم أبدأ النظم بالحمد، ولهذا بعض الشراح قال إنه لم يبسمل ـ رحمه الله تعالى ـ لأنه قال أبدأ بالحمد.

الله: لفظ الجلالة مشتق عند أهل السنة، بمعنى المألوه المحبوب المعبود، وأصل الله الإله، فحذفت الهمزة تخفيفا لأن العرب كلما أكثروا من كلمة وفيها همزة يحذفونها للتخفيف، فعندهم الهمزة ثقيلة وهي من حروف الشدة " أجد قط بكت "، فالهمزة شديدة، فحذفنا الهمزة فبقي الله ـ بتخفيف اللام ـ وعندنا قاعدة: أن لفظ الجلالة إذا سبقت اللام فيه بمفتوح تفخم اللام.

قال بن الجزري ـ رحمه الله تعالى ـ:

"وفخِّم اللام من اسم الله "

.........................

فصارت الله ـ بتفخيم اللام ـ.

ص: 8

وهنا نكته في قوله " بسم الله ": فبعض الناس يظن أن الاسم هنا خاص، وعندنا قاعدة في علم الأصول: بأن الإضافة تفيد العموم، فقولنا بسم الله: أي أبدأ بأسماء الله كلها متبركا بها، لأن أسماء الله جل وعلا كلها مباركة، فما ذكر عند ذبيحة إلا أصبحت مباركة، ولا ذكر عند شرب إلا أصبح مباركا، ولا ذكر عند جماع إلا أصبح مباركا وهكذا.

الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان لله جل وعلا، فالرحمن بمعنى الرحمة العامة، والرحيم بمعنى الرحمة الخاصة أو الواصلة.

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:

أبدأ بالحمد مصليا على

محمد خير نبي أرسلا

أبدأ بالحمد: يقول المؤلف رحمه الله تعالى سأبدأ هذه المنظومة بالحمد أي أحمد الله فالحمد لله ليس لغيره.

والحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيما.

مصليا: حال، أي أبدأ وحالي مصليا، والصلاة هي: ثناء الله جل وعلا على عبده في الملأ الأعلى، كما قال أبو العالية ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيح البخاري.

والمعروف عند أهل اللغة أن الصلاة بمعنى الرحمة ولهذا قالوا الصلاة من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار، ومن المؤمنين بمعنى الدعاء.

وعندنا أن هناك إشكالا في قولهم " الصلاة من المؤمنين بمعنى الدعاء " وهو أن الدعاء لا يتعدى بعلى إلا عند الدعاء عليه فلا تقول مصليا على أي أدعو على ما يأتي وإنما أدعو لِـ، فتتعدى باللام وليست تتعدى بعلى.

هذا إشكال في قولهم بأن الصلاة بمعنى الدعاء وهناك إشكال على قول أبي العالية وهو أن قول أبي العالية قول لا يأتي إلا عن طريق الوحي فكونه يقول أن الصلاة بمعنى الثناء من الله على عبده بالملأ الأعلى، هذا يحتاج إلى دليل توقيفي، وأبو العالية لم ينسبه إلى الرسول، فهذا هو الإشكال وإن كان هذا رجحه بن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ.

قال: محمد خير نبي أرسلا

ص: 9

نعم محمد هو خير الرسل وأفضلهم على الإطلاق وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أنا سيد ولد آدم) وإن كان هو نهى – تواضعاً – فقال (لا تفضلوني على الأنبياء) وفي رواية (لا تخيروني) وهذا منه تواضعا صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن الله عز وجل قال:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح4.

فهذا خير الرسل ـ صلى الله عيه وسلم ـ، وهو التي تكون له الشفاعة العظمى صلى الله عليه وسلم عندما لا يقبلها جميع الرسل.

قال: خير نبي أرسلا.

جمع بين النبوة والرسالة، وهل بينها فرق؟ خلاف بين أهل العلم.

القول الأول: بأنه ليس بينهما فرق، فالنبوة هي والرسالة هي النبوة وهو قول طائفة من المفسرين فليس ضعيفا هذا القول.

القول الثاني:أن النبوة من أوحي إليه ولم يأمر بالتبليغ،والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ.

القول الثالث: أن النبي هو من لم يوحى إليه بشرع جديد، والرسول هو من أوحي إليه بشرع جديد، إذا يجتمعان في التبليغ والوحي ويختلفان في الشرعة هذا شريعته جديده وهذا تجديد وهذا يشهد له، قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} الحج52.

فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا} .

القول الرابع: وكأن شيخ الإسلام يميل إليه أن النبي من أرسل إلى قوم موافقين هناك من يوافقه على شريعته من قبله كأنبياء بني إسرائيل،والرسول هو من أرسل إلى قوم مخالفين كنوح عليه السلام هو أول الرسل لأن كل الناس في جاهلية جهلاء والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى جاهلية جهلاء فيرسل إلى قوم مخالفين، وهذا فيه إشكال أيضا في قول النبي صلى الله عليه وسلم " يأتي النبي وليس معه أحد ".

قال أرسلا: الألف هنا تسمى ألف الإطلاق، وهذا يكثر في النظم انتبهوا له، وقد جاءت في القرآن.

ص: 10

قال تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} الأحزاب10، وقوله:{يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} الأحزاب66، وقوله:{عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} الإنسان18، فهذه الألف تسمى ألف الإطلاق، والنحويون يسمونها تنوين الترنم - يعني يعطي صوتاً.

أقلي اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا

وأقسام التنوين عشرة، جمعها بعضهم في قوله:

أقسام تنوينهم عشر عليك بها

فإن تحصيلها من خير ما حرزا

مكّن وعوّض وقابل والمنكّر زد

رنّم أو احك اضطرر غالٍ وما همزا

فالترنم نوع من أنواع التنوين.

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:

وذي من أقسام الحديث عده

وكل واحدا أتى وحده

وذي: اسم إشارة.

قال بن مالك ـ رحمه الله تعالى ـ:

بذا لمفرد مذكر أشر

وذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر

فهذه كلها ألفاظ إشارة.

فقوله ذي: اسم إشارة، طيب أين الآن المشار إليه، لنتخيل أن البيقوني الآن ينظم فيقول وذي من أقسام الحديث عده.

فهل أمامه شيء؟ ، فنحن نقول ذي يشير للمكتوب لكن هو يوم يكتب ماذا يشير عليه؟

يشير إلى معهود ذهني في عقله.

وعندي لو قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: إليك أقسام الحديث عدّه، لأجل أن يخرج من الإشكالات، لأن كل شارح لابد أن يعترض على الناظم.أما إليك فلا يأتي عليها إشكال.

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:

وذي من أقسام الحديث عدّه

............................

أي هذه الذي سأتلو عليك من أقسام الحديث "ومن" تبعيضية أوبيانية، والأقرب أنها تبعيضية لأنه لم يذكر إلا 32 نوعا من أقسام الحديث، بينما ابن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر بضعة وستين نوعا من أقسام الحديث فالمؤلف قد ترك النصف.

فقوله: وذي من أقسام الحديث عده، "مِنْ" تبعيضية، و" مِنْ " لها اثنا عشر، جمعها بعضهم في قوله:

ص: 11

أتتنا " مِنْ " لتبيينٍ وبعضٍ

وتعليلٍ وبدءٍ وانتهاءِ

وإبدال وزائدة وفصل

ومعنى عن وفي وعلى وباء

قوله أقسام الحديث: أي أسماء وأوصاف الحديث عند أهل الفن فالأقسام هنا على تقسيم أهل الفن ليس على تقسيم الناس.

قال عدّه: أي كثيرة جدا.

قال: وكل واحد أتى وحدّه: أي كل واحد من هذه الأقسام أتى ـ أي سيأتي ـ فالماضي هنا بمعنى الفعل المضارع، قال تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} النحل1، فقال:{أَتَى} ، وهو لم يأت إلى الآن، إذاً لماذا يستخدم العرب الفعل الماضي بمعنى الفعل المضارع؟ من أجل سرعة الوقوع أي سيقع قريباً.

قال وحدّه: إعراب "حدّه ": مفعول معه، أي أتى مع حدّه، فكل واحد يأتي، سيأتي مع حدّه، فإذا جاء الصحيح سيأتي بحدّه وإذا جاء المنقطع سيأتي بحدّه وإذا جاء المرسل سيأتي مع حدّه.

قال بن مالك ـ رحمه الله تعالى ـ:

ينصب تالي الواو مفعولا معه

بنحو سيري والطريق مسرعه

إذا قوله: وكل واحد أتى وحدّه، أي سيأتي كل قسم مع التعريف.

" الحد " ما هو؟ الحد لغة: المنع.

واصطلاحاً: هو الجامع المانع.

حد الشيء: أي ماهية الشيء، فالحد هو الجامع المانع: الجامع لأوصاف الماهية، المانع لأن يدخل غيره فيه.

فإذا قلت: الإنسان " حيوان ناطق"، لم يدخل المعز لأنه حيوان غير ناطق.

فالجامع المانع: جامع لأوصاف المحدود برسمه وذاته، مانع في أن يدخل ماليس من جنسه.

قال الناظم:

الجامع المانع حد الحد

أوذو انعكاس إن تشأ والطرد

يعني ينعكس ويطرد، فإذا وجدت هذه الأوصاف فهو المحدود وإذا لم توجد فليس المحدود، فإذا وجدت شيئا في غير حدك وينطبق عليه الماهية فمعناه أنه ليس بحد، فلو قلت: الإنسان رجل ذكر، فجئت للمرأة فهي إنسان، إذا هل هذا منعكس ومطرد؟ لا،لأنه وجد شيئا ليس في الحد.

ص: 12