الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف أعرف مظان هذه الأسانيد؟ أفضل ما أرى في معرفة هذه السلاسل هو أن يعتمد الإنسان على كتاب المزي ـ رحمه الله تعالى ـ في " تحفة الأشراف " في أطراف الكتب الستة أطراف المسانيد.
فالمزي ـ رحمه الله تعالى ـ يرتّب الأسانيد حسب الترتيب الهجائي، فإذا جاء لأحد الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه، جعل له ترتيباً جديداً هجائياً، فمثلاً لما يأتي إلى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، تجد أن سعيداً مكثراً من الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه، فيقوم بترتيب الرواة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، فيبدأ ببكير بن عبد الله الأشج وهكذا هجائياً، فإذا وصل إلى محمد بن شهاب الزهري، وجد أنه مكثراً من الرواية عن سعيد بن المسيب، فيرتب الرواة عن الزهري ترتيباً هجائياً، فيبدأ بإبراهيم بن سعد وهكذا هجائياً مرةً أخرى.
إذاً أصبح عندي سلسلة وهي: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(الحديث الحسن)
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:
والحسن المعروف طرقا وغدت
…
رجاله لا كالصحيح اشتهرت
انتقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ إلى القسم الثاني وهو (الحديث الحسن) .
طرقا: ضبطت بإسكان الراء " طرْقا "، وهو ضرورة شعرية وليست أصل لغوي صرفي لأن طرْقا ليست من الطريق وإنما طرُق جمع طريق، وإن كان العرب أجازوا تسكين الحرف للتخفيف، وعلى هذا نزل القرآن في قراءة أبي عمرو البصري، في مثل:{يُشْعرْكم} ، {يأمرْكم} ، {تأمرْهم} ، بإسكان الراء.
قوله " المعروف ": هل هي نعت للحسن أو هي نعت سبق منعوته؟
الجواب هناك توجيهان لهذا:
التوجيه الأول: أنه نعت للحسن، لأنه يحتمل أن يقول المؤلف " الحسن المعروف " احترازا من حديث غير معروف، فقد يأتيك إسناد حسن لكن أصله غير معروف، فهذا لا يدخل في الحسن على رأي المؤلف، وهذا قال به بعض أهل العلم، قال لا بد أن يكون المتن معروفا.
التوجيه الثاني: أنه نعت سبق منعوته، وهو نعت للطرق أي الطرق المعروفة
فالحسن: ما عرفت طرقه ـ عرف باتصاله ـ وهذا أوجه من حيث نظر المؤلف.
والحديث " الحسن " نوع من أنواع الحديث المقبول، وقد اختلف أهل العلم في تعريفه اختلافاً طويلاً، نأخذ بعض التعاريف حتى نبيّن صعوبة الحدّ عند أهل العلم.
التعريف الأول:
المؤلف يقول " الحسن المعروف طرقا وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت ".
إذاً المؤلف عرّف الحديث الحسن بأنه " ما عرف طريقه واشتهر رجاله "، فكل حديث عرف
مخرجه فهو حسن، فهذا الراوي يروي عن هذا الراوي، إذاً هو يومئ إلى الاتصال.
إذاً نقول: الحسن هو: ما عرف طريقه ـ أي عرف مخرجه ـ كيف عرف مخرجه، عرفنا أن هذا الشخص يروي عن هذا الراوي إذاً هذا هو شرط الاتصال.
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:-
............................ وغدت
…
رجاله لا كالصحيح اشتهرت
أي أن رجال هذا الإسناد مشتهرين لكن لا كالصحيح، فرجاله ليسوا بتامّي الضبط.
فالمؤلف ذكر شرطين للحسن:
1) أن يكون متصل الإسناد،أخذنا هذا الشرط من قوله " والحسن المعروف طرقا ".
2) أن يكون رجال الإسناد خفيفي الضبط، أخذنا هذا الشرط من قوله " وغدت رجاله لا كالصحيح "، وهذا هو تعريف الإمام الخطابي ـ رحمه الله تعالى ـ، واختاره البيقوني ـ رحمه الله تعالى ـ.
يعترض على هذا التعريف: أنه لم يذكر الشذوذ ولا العلة.
التعريف الثاني:
الحسن: هو " ما اتصل إسناده ورواه عدل خفيف الضبط ـ في محل القبول ـ عن مثله من غير شذوذ ولا علة "، فتلاحظ على هذا التعريف أنه كتعريف الصحيح إلا في الضبط، وهذا اختيار الحافظ بن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ كما في النخبة.
التعريف الثالث:
الحسن: " كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتّهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًّا، ويروى من غير وجه نحو ذلك " أو إن شئت قل: " ما رواه راوٍ ليس بمتهم بالكذب وتعددت طرقه من غير شذوذ "، وهذا تعريف الإمام الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ.
يعترض على هذا التعريف بما يلي:
1) ترك العلة.
2) لم يذكر الاتصال.
3) نزل بنا إلى الكذاب فقط، فالمتروك سيدخل في الحسن إذاً، والراوي المخطئ كثيراً سيدخل في الحسن.
التعريف الرابع:
الحسن: " ما فيه ضُعفٌ قريب محتمل "، وهذا تعريف ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ.
التعريف الخامس:
جاء ابن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ وقسم الحسن إلى قسمين، ولكل قسم تعريف:
القسم الأول:
الحسن لذاته " هو ما رواه العدل خفيف الضبط مع اتصال السند "، ولكن ترك الشذوذ والعلة القادحة.
القسم الثاني:
الحسن لغيره " هو ما رواه الضعيف إذا كثرت مخارج أسانيده، وتعددت طرق حديثه "، فإذا جاء إسناد فيه راوٍ ضعيف، وإسناد ثاني فيه راوٍ ضعيف، وإسناد ثالث فيه راوٍ ضعيف، وإسناد رابع فيه راوٍ ضعيف، فكلهم الآن ضعاف، وتعددت مخارجه وكثرت أسانيده، فيقول ابن الصلاح هذا حديث حسن، ولكن ها التعريف غير جيد.
إذاً كيف نحد الحديث الحسن، قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ والذهبي اسما ومعنى ـ قال " وفي تحرير معنى الحديث الحسن اضطراب، ولا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك "، هذا ما يقوله أنا ولا أنت هذا يقوله الإمام الذهبي، وليس كلام الذهبي هذا معناه إغلاقٌ لباب الاجتهاد فيه، ولكن معناه أنه ليس هناك قاعدة أحكم من خلالها أن الحديث حسن، فقد آتي لحديث فيه من الأئمة الثقات لكن أجد المتن ليس معتضداً تمام الاعتضاد فأحكم عليه بأنه حسن.
فكلام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ صحيح هو وأنا على إياس، لكن كوننا مبتدئين سنعتمد تعريف الحافظ بن حجر رحمه الله، وإلا فكلام الذهبي صحيح بدليل أني أجد عند مسلم أسانيد تنطبق عليها الحديث الحسن، ومع ذلك فهو يصححه، فقد روى لأناس خفيفي الضبط، ولكن نقول ليس هذا هو الحديث الحسن، فالحكم على الحديث الصحيح لنا فيه عدة أوصاف:-
1) متنه.
2) شهرته.
3) الأصل الذي هو فيه هل هو مشتهر وهل هو مقبول عند أهل العلم، ولذلك بعض أهل العلم زاد شرطاً سادسا للحديث الصحيح وهو " قبوله عند أهل العلم ".
مسألة: حجية الحديث الحسن.
الحديث الحسن لذاته على تعريف المؤلف وابن حجر ـ رحمهما الله تعالى ـ لا إشكال في حجيته عند أهل الشان.
قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله تعالى ـ:
والفقهاء كلهم يستعمله
…
والعلماء الجلّ منهم يقبله
وهناك من أهل العلم المعاصرين من ينازع في هذا الكلام، وهذا غلط فكل حديث حسن جرى عليه تعريف ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ فهو حجة واحتج به الأئمة، فمن نازع فقد نقض الإجماع وخالف الأئمة.
مسألة: هل ورد في البخاري أحاديث من قبيل الحديث الحسن؟
أولاً: اختلف أهل العلم في أحاديث الصحيحين في صحتها:
القول الأول: أنها مجمع على صحتها إجماعاً قطعياً، ورجح هذا الحافظ بن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ.
القول الثاني: أنها مجمع على صحتها إجماعاً ظنياً.
القول الثالث: أنها تشتمل على الأحاديث الصحيحة والضعيفة.
القول الرابع: أنها كلها صحيحة وفيها ألفاظ ضعيفة.
الصحيح من كلام أهل العلم أن أحاديث البخاري ومسلم كلها صحيحة إلا ما استثني من الأئمة، فلا يمكن أن يأتينا شخص في هذا القرن ويقول بحثت إسناداً في البخاري فوجدته ضعيفا، قد يقول إن لفظة فيه ضعيفة أردّها في هذا الحديث فهذا يقبل وإن كان على قِلّه، لكن أن يردّ أصل الحديث هذا لا يمكن في هذا الزمان، فإذا وجد حديث حكم عليه الدارقطني أو مسلم أو الإمام أحمد ـ رحمهم الله تعالى ـ بالضعف نرى هل كلامه صحيح أو لا، لأن الآن تعارض كلام الإمام أحمد والبخاري مثلاً، فنجري القواعد ونرى من الذي كلامه صحيحاً، فليس كلام أحمد مقبول على إطلاقه، وليس كلام البخاري مقبول على إطلاقه مادام أنهما اختلفا، يبقى عندنا ما لم يضعفوه وسكت عنه الأئمة كلهم والأئمة يتناقلونه في صحيح البخاري ويقبلونه ثم يأتي شخص في هذا القرن ويضعف، هذا لا يمكن والمشكل أنه يضعف بشبهة تدليس أو أن أحد الأئمة قال فيه كذا.
مسالة: الحسن عند المتقدمين.
بعض الناس يظن أن الحافظ الترمذي هو أول من أطلق الحسن في أحكامه، وهذا غلط فهذا قد تداخلت عنده المعلومات، الترمذي هو أول من حدّ الحسن بحدّ، ففرق بين أول من استخدم المصطلح وبين أول من حدّ المصطلح، فلم يعرّف أحد قبل الإمام الترمذي " الحسن "، لكن الإمام البخاري والإمام أحمد والإمام أبو حاتم الرازي ـ رجمهم الله تعالى ـ هؤلاء كلهم استخدموا " الحسن " فحكموا على أحاديث بأنها حسان، لكنهم لم يحدّوها.
إذاً الأولية للترمذي بالتعريف والحدّ، فقد عرفه ـ رحمه الله تعالى ـ في آخر كتابه " الجامع الصغير" بالتعريف الذي سبق ذكره.
عندئذ اختلف الشراح وأهل المصطلح بتفسير كلام الأئمة ـ أي الذين استخدموا الحسن ـ وإذا قلنا اختلفوا فإننا نعني بذلك أننا لابد أن نعرف ما هو مقصودهم، ولن نرجح الآن نقول إن استخدام فلان هو الصحيح واستخدام فلان هو الغلط، لكن نريد أن نعرف مقصودهم، فلن نحاكمهم على مصطلحاتهم فبعض الناس يأتي ويقول والراجح أن الحسن عند المتقدمين هو كذا، وهذا لا يحق له، لأن البخاري استخدمه في معنى،ولإمام أحمد استخدمه في معنى آخر.
فلو جئنا بكلمة تكلم بها العرب فوجدنا عربياً تكلم بها بهذا المعنى وعربي تكلم بها بهذا المعنى، فليس لي أن أقول الراجح معناها كذا.
مسألة: معاني الحسن عند الأئمة:
استخدم الأئمة الحسن بعدة معانٍ:-
المعنى الأول:
أن " الحسن " بمعنى الحُسْن الذي نحن فيه، بأنه حجة وصحيح، كالإمام الترمذي مثلاً أو الإمام أبو حاتم أو الإمام البخاري ـ رحمهم الله تعالى ـفإنهم استخدموا " الحَسَن " بمعنى الحُسْن، فهو حجة.
المعنى الثاني:
أن "الحسن" بمعنى الغرائب، فليست صحيحة وإنما هي غريبة، ولهذا قيل للإمام شعبة ـ رحمه الله تعالى ـ مالك لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي ـ في طبقة الإمام شعبة ـ فهو حسن الحديث؟ فقال شعبة ـ رحمه الله تعالى ـ:" من حسنها فررت ".
إذاً ما معنى " الحسن" عند شعبة الآن معناه " الغريب" فكيف يتفرد العَرْزَمي بهذه الأصول التي لا يرويها إلا هو وليس في طبقة الحفاظ الكبار.
ومثله ما قاله الإمام أبو حاتم الرازي ـ رحمه الله تعالى ـ في " العلل "، عندما سئل عن حديث فقال: إسناده حسن. فقلت: يحتجّ به؟ فقال: لا.
فالحسن عند الإمام أبو حاتم في هذا الحديث ـ رحمه الله تعالى ـ بمعنى " الغريب ".
وكذلك قوله ـ رحمه الله تعالى ـ في ترجمة عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة: " هو عندي عجيب ضغيف منكر الحديث، ينكر حديثه، ويروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حساناً ".
ولهذا عهد عن إبراهيم النخعي ـ رحمه الله تعالى ـ أنه كان يقول: " كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه "، قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ: عَنى بالأحسن الغريب.
لماذا لا يحدث بها، لأمرين:-
الأول: لأن الناس سيتركونه، فهو سيوقع نفسه في التهمة بأنه يروي أحاديث حسان لا يرويها إلا هو فهو بين أمرين إما أنه يكذب وإما أنه لا يضبط، ولهذا سفيان ـ رحمه الله تعالى ـ كان يقال له: حدثنا بحديث فلان، فيقول " لا أحدثكم بها "، لأنها تهمة عليه ينقص من قدره إذا حدث بهذا الحديث.
الثاني: أنه قد يضر الناس، فليس كل أحد يستطيع أن يعرف النكارة التي في هذا الإسناد.
إذاً هذا معنى للحسن وهو الغريب، وبإمكاننا أن نقول هم يقسمون الغريب في استخدامهم للحسن إلى قسمين:
- أن يكون الحسن في الإسناد، أي حسن لغرابة إسناده، فقد يأتي الحُسن في الإسناد: فيروي أحد عن الزهري حديثا لم يروه غيره عن الزهري، فيقال هذا حسن إسناده أي غريب، كيف يتفرد به فلان عن الزهري بهذا الأصل، أين طلاب الزهري المئات!؟ .
- أن يكون الحسن في المتن، أي حسن لغرابة متنه، فقد يأتي الحسن في المتن، فقد يأتي إسناد بمتن غريب أصله، لم يأت ما يعضده، فلم يأت بهذا الأصل إلا هذا المتن.
المعنى الثالث:
أن " الحسن " بمعنى الضعيف، فهو ليس صحيحاً لكنهم يحتجون به، فيجعلون المتن حجة، لأتهم وجدوا عندهم ما يعضد هذا المتن إما بعموم كتاب أو أحاديث مرسلة أو أحاديث موقوفة، فيقولون هذا حسن لأنه عضد عندنا هذا الأصل الذي نحفظه من الكتاب أو السنة، وإن كان هو إسناداً ضعيفاً، فهو حجة لا صحيح، وهذا يستخدمه الأئمة يضعفون الحديث ويحتجون بمتونها كالإمام أحمد والإمام أبو حاتم الرازي ـ رحمهم الله تعالى ـ وغيرهم.
وتعرفون أن من أصول مذهب أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الاحتجاج بالحديث الضعيف.
مسألة: ما معنى " حسن صحيح " عند الإمام الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ؟
أولاً: هذا الاصطلاح خاص بالإمام الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ، وإن كان هناك من المتقدمين من استخدم هذا الاصطلاح لكن على قِلّه، وعلى اختلاف في النسخ.
هل فعلا صحة هذه النسبة إلى الإمام أم لا أما الإمام الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ فثابت عنه أنه قال " حسن صحيح ".
ثانيا: اختلف الأئمة في هذه العبارة عند الترمذي، على أقوال كثيرة نذكر ما تسعفنا به الذاكرة:
القول الأول: أن " حسن صحيح " بمعنى أنه حسن بهذا الإسناد صحيح من وجه آخر، فهذا الإسناد حسن لكن له إسناد آخر صحيح.
مناقشة هذا القول: هو قول ضعيف، يردّه أن الإمام الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ أحيانا يقول:" حسن صحيح غريب من هذا الوجه "، فقوله غريب معناه أنه لا يروى بغير هذا الإسناد.
القول الثاني: أن " حسن صحيح " بمعنى أنه حسن لإسناده صحيح متنه.
القول الثالث: أن " حسن صحيح " بمعنى واحد فهما مترادفان، ليس بينهما فرق، وهذا رجحه الحافظ بن دقيق العيد ـ رحمه الله تعالى ـ.
القول الرابع: أن " حسن صحيح " مرتبة أعلى من رتبة الصحيح.
القول الخامس: أن " حسن صحيح " مرتبة أقل من رتبة الصحيح.
الترجيح: الذي يظهر والله أعلم أنه ليس هناك ما يجزم به، وكل قول هناك ما يعترض عليه، ولو حوصرنا بزاوية ضيقة وطلب منا الترجيح، لقلنا بأن " الحسن الصحيح " بمعنى الصحيح، وهو قول بن دقيق العيد رحمه الله، فقوله قوي وإن كان هناك ما يعترض عليه، لكنه هو أقوى الأقوال.
مسألة: الحديث الحسن لغيره.
اختلف أهل العلم في تعريف الحديث الحسن لغيره على أقوال:
القول الأول: الحسن لغيره هو الحديث إذا تعددت طرقه، وهذه الطرق كلها ضعيفة الإسناد، انخرم فيها شرط من شروط الحديث الحسن لذاته.
القول الثاني: الحسن لغيره هو الحديث إذا تعددت شواهده، فمثلاً لو كان عندي حديث " التسمية عند الوضوء "، فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وجاء من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أحاديث ضعيفة تعددت شواهدها فيرتقي إلى الحسن لغيره.
ومعنى " تعددت شواهدها " أي هي ما اختلف فيه الصحابي، إذاً هي ليست طريق في الإسناد، وإنما تعددت المتون من الصحابة، فهذا متن يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، وهذا متن يرويه أبو سعيد رضي الله عنه، وهذا متن يرويه علي رضي الله عنه.
القول الثالث: الحسن لغيره هو ما انطبق عليه أحد الوصفين، بأن تعددت طرقه من شاهد واحد، أو تعددت شواهده من عدة من الصحابة.
اختلف أهل العلم في صحة هذا الكلام:
القول الأول: أن الحديث الحسن لغيره لا يوجد ولا يمكن أن تصحح حديث ضعيف بمجموع طرقه أو بمجموع شواهده، فلا يمكن أن نقبل هذا الحديث أبداً، وهذا هو مذهب بعض المحدثين ونسب إلى الأئمة المتقدمين.
القول الثاني: أن الحديث الحسن لغيره موجود إذا اتصف بأحد هذين الوصفين، بأن تعددت طرقه من شاهد واحد، أو تعددت شواهده من عدة من الصحابة، ولهذا صححوا حديث " الأذنان من الرأس " وصححوا حديث الصيام في العشر الأولْ من ذي الحجة، وصححوا حديث التسمية عند الوضوء، وعلى ذلك فقس، وهذا مذهب ابن الصلاح ومن تبعه كالحافظ بن حجر والحافظ العراقي ـ رحمهم الله تعالى ـ وهو مذهب المتأخرين.
القول الثالث: أن الحديث الحسن لغيره يشترط في تحسينه وتصحيحه ما يلي:
1) أن يكون هناك إسناد صالح لم ينزل إلى رتبة الضعيف، وإن كان لم يصل إلى رتبة الحديث الحسن لذاته، فمن حين ما تراه تقول هذا حديث حسن فتتجاذب فيه الرؤية عند الباحث كمرتبة الصدوق الذي يخطئ.
2) أن تكون له مراسيل كثيرة صحيحة تتعاضد وموقوفات على الصحابة رضي الله عنهم، فيأتي بمراسيل الحسن مثلاً، ويأتي بمراسيل سعيد، فله مراسيل كثيرة تشهد لها.
3) أن لا يكون هناك ما يخالف هذا المتن من أحاديث صحيحة.
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ: أن الحديث الحسن لغيره هو من أضيق الأحكام في المصطلح، ولذا لو رأيت الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ مثلاً لن تجد عنده أكثر من عشرة أحاديث يقول فيها هو حديث حسن يشُدّ بعضه بعضاً أو يقوّي بعضه بعضاً، وكذلك الإمام البخاري وبن المديني ـ رحمهم الله تعالى ـ، فمثلاً الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ سئل عن حديث " أفطر الحاجم والمحجوم "، فقد جاء من حديث رافع وأبو هريرة وشداد بن أوس رضي الله عنهم كلهم يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أفطر الحاجم والمحجوم "، فقال الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ أحاديث " أفطر الحاجم والمحجوم "، أحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ولو نظرنا إلى أسانيد هذا الحديث لوجدنا أن فيها أحاديث منطبقة عليها حد الحديث الصحيح، فحديث رافع ينطبق عليه حد الحديث الصحيح، إذاً ما نستطيع أن نقول الإمام أحمد استخدم الحديث الحسن لغيره فلا نستطيع أن نستشهد بمقولته على أنه يقول بالحديث الحسن لغيره، لأن اصطلاح الإمام أحمد في قوله " يقوي بعضها بعضاً " لم يستخدمه كاصطلاح الحديث الحسن لغيره عند المتأخرين، نعم الإمام أحمد استخدم اصطلاح " يقوي بعضه بعضاً " بمثل معنى اصطلاح المتأخرين، حينما سئل عن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد، فقد يتجاذب الإنسان في أن هذه الأحاديث ضعيفة، لكن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ قال: أحاديث التكبير " يشد بعضها بعضاً ".