الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى تعريف المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: قد يكون صحيحاً وقد يكون ضعيفاً، وهكذا.
مسألة: مظانّ الأفراد، أين أجد الحديث الفرد؟
أهل العلم ألفوا فيها كتب، فلمسلم ـ رحمه الله تعالى ـ كتاب في " الأفراد "، ومعجم الطبراني من مظانّ الأفراد فتجده يقول تفرد به فلان عن فلان أو لا أعلمه يرويه عن فلان إلا فلان، ومسند البزّار أيضاً من مظان الأفراد، وكثير من كتب " العلل " من مظان الأفراد.
(الحديث المعلَّل)
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:
وما بعلةٍ غموضٍ أو خفا
…
معلَّل عندهم قد عرفا
انتقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ إلى القسم الرابع والعشرين وهو (الحديث المعلَّل) .
المعلَّل: اسم مفعول من أعَلَّه فهو مُعَلّ، وأجاز بعض أهل العلم كذلك " معلَّل "، وإلا فإن الأصح لغةً يقال " حديثٌ مُعَلّ "، وجوزوا أن تقول " معلّل "، ويقولون:" حديث معلول "، وهذه اللفظة قال عنها الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ هي لحن، بل حتى إن بن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ قال: هي مرذولة ـ أي من الكلام المهجور وفيه خطأ ـ، ويقول عنها ابن سيده ـ رحمه الله تعالى ـ لست منها على ثقة ولا ثلج ـ يعني لغة ما أظن أنها تصح ـ، مع أن عبارة " معلول " يستخدمها المحدثون فالإمام البخاري وأحمد والشافعي ـ رحمهم الله تعالى ـ يستخدمها، ويستخدمها أهل الكلام، وأهل البلاغة، وأهل العَرُوض.
ولهذا يقول الحافظ العراقي ـ رحمه الله تعالى ـ: -
وسمِّ ما بعلّة مشمولُ
…
معللاً، ولا تقلْ معلولُ
عموماً هو اصطلاح وقد استخدمه أهل العلم، فهنا قاعدة أن الاصطلاح إذا درج عليه أهل العلم لا نلتفت إليه مادام أن المعنى واضح وعرف، فتأتي أنت وتصحح هذا المصطلح؟! فهذا لا يمكن حقيقة، ولكن ممكن أن نبيّن الضعف فيه لغةً، لكن نقول " معلول " استخدمه ولا حرج عليك.
وقد عرّفه المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فقال:
وما بعلةٍ غموضٍ أو خفا
…
معلَّل عندهم قد عرفا
أي: ما في إسناده علةٌ غامضةٌ أو خفيّة.
أو نقول: هي قدحٌ في الإسناد مع أن ظاهره السلامة.
وسبق لنا في تعريف الحديث الصحيح: أن لا يكون معللاً.
وقلنا العلّة: هي العلة الخفيّة التي لا تظهر، وقد تكون بمعنى العلّة الظاهرة الواضحة.
ولهذا تجد بعض أهل العلم يقول: في حديث منقطع ظاهر يقول: هو حديث معلول، فهو اصطلاح.
إذاً نقول: اصطلاح أهل العلم في الحديث المعلول: قد يُستخدم في العلل الخفيّة، وقد يستخدم في العلل الظاهرة، فهذا اصطلاح فلا نستطيع أن نرجّح الآن، ونحاكم الأئمة على اصطلاحاتهم!
مسألة: صور العلل الخفيّة، كيف تكون علّة خفيّة؟
أحياناً يأتي الإمام فيقول هذا ليس من حديث الزهري، فجاءنا فلان ما فيه مخالفة ولا شذوذ بل أمامي إسناد ما فيه مخالفة، فيأتي أبو حاتم ـ رحمه الله تعالى ـ فيقول: هذا ليس من الزهري، كيف؟ هذه علّة خفيّة، فلا يمكن أن يعرفها إلا هؤلاء، كيف عرفها؟ قد ندرك هذا وقد لا ندركه، ولهذا هؤلاء الأئمة في صنعتهم ومعرفتهم للعلل تفرّدوا بهذه الميزة.
فلو آتي وأضعّف حديث بعلّة قادحة، لا يقبل الناس مني أبداً حتى أبيّن الأسباب، فلا بد أن يكون عندي قرائن، قد تقبلها وقد لا تقبلها لكني بيّنت الأسباب، بينما أولئك الأئمة لا أستطيع، لأن عندهم أمور تيسّرت لهم لم تتيسّر لنا.
فعندما يقول: هذا ليس من حديث الزهري، نقول لماذا؟ لأنه هو رأى كتاب الزهري الذي كتب فيه أحاديثه كلها وحفظها، أما نحن الآن لا نستطيع أن نقول هذا ليس من حديث الزهري فليس أحد الآن رأى كتاب الزهري.
وهو رأى صحيفة سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه، ورأى صحيفة الحسن عن سمرة رضي الله عنه، فلما يأتيه حديث عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه، وليس موجوداً في الصحيفة، يقول: هذا ليس من حديث الحسن.
فمثلاً يقول: فلان لم يفعل بهذا الإسناد شيئاً مع أنه رواه، لأنه يعرف تاريخ هذا الراوي، فشيخه في بلد معيّن وهو لم يره ولم يلتق به أبداً، فيعرف هذا من خلال تعاصره أما نحن فلا يمكن أن نعرف هذا.
إذاً العلل الغامضة لا يمكن أن تستنبط إلا من خلال هؤلاء، وهي التي لا يمكن أن نعرف أسبابها، لكن نحن عندما نُعلّ بعلل غامضة وقادحة لا نستنتجها إلا مع البحث، فلا بد أن نذكر أسباب التضعيف، فقد تكون ظاهرة للناس فقد يقبلون تضعيفي وقد لا يقبلونه، ولهذا نقل عن ابن مهدي وابن معين وجماعة ـ رحمهم الله تعالى ـ يقولون: لا نستطيع أن نحكم على الحديث حتى نعرفه من عشرين وجهاً أو من ثلاثين وجهاً.
ولهذا قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه " مقدمة الجرح والتعديل ": سمعت أبي يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضه: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وهذا باطل، وهذا منكر، وسائر ذلك صحاح، فقال: من أين علمت أن ذاك خطأ، وذاك باطل، وذاك كذب؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت، أو بأني كذبت في حديث كذا؟ قلت: لا، ما أدري هذا الجزء من راوية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ، وأن هذا الحديث باطل، فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء الغيب.
قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سل عما قلت، من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم.
قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب.
قال: فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فقال: ما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل.
قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت: إنه صحيح، قال: هو صحيح.
ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما.
قلت: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف، وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد.
فإن قيل له:من أين قلت:إن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا.
فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا.
قيل: فمن أين قلت: إن هذا نبهرج؟ قال: علما رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك.
قلت له: فتحمل فص ياقوت إلى واحد من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت؟ هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغَ هذا زجاجا؟ قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقت، وكذا نحن رزقنا علما لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب، وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه '' اهـ
فهذا العلم الغامض حقيقة لا نستطيع نحن أن ندرك عللاً خفيّة، والإمام الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ فتح الله عليه بعلل خفيّة، والشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ فتح الله عليه بعلل خفيّة، وغيرهم من المحققين فتح الله عليهم بعلل خفيّة، لكنهم لا بد أن يذكروا سبب العلّة، بينما هؤلاء الأئمة تقف أمام إعلالهم أحياناً بلا أي دليل وما علينا إلا أن نأخذ بقولهم ما لم يتخالفوا.