الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المتأخرون فإن أكثر الأحكام عندهم هو الحديث الحسن لغيره، ولهذا أرى أن الباحث المبتدئ عليه أن يتحاشى هذا المصطلح ويبتعد عنه تماماً حتى تتكون عنده الملكة القوية في مثل هذه المسألة.
(الحديث الضعيف)
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:
وكل ما عن رتبة الحسن قصر
…
فهو الضعيف وهو أقساما كثر
انتقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ إلى القسم الثالث وهو (الحديث الضعيف) .
" ما " في قوله: " وكل ما عن رتبة الحسن......... "، هذه يستخدمها أهل العلم في الحدود، وهي موغلة في الإبهام والإيهام، لأنك عند تعريفك لشيء ما لا بد أن تأتي بالجنس الذي تحته أنواع، ولا تأتي بشيء مبهم مثل " ما "، وبعض أهل العلم قال أن " ما " فعلا هي مبهمة لكنها مفسرة، فنحن الآن نعرّف شيء في الحديث فهي لها معهود ذهني، فقولنا:" ما " أي حديث أو كلام، فيؤول ويفسر بما يراد أن يعرّف ويحدّ، إذاً قوله " ما " يعود إلى حديث أي كل حديث عن رتبة الحسن قصر.
الضعيف: هو العليل والسقيم فليس صحيحا.
حدّ المؤلف الحديث الضعيف بقوله: ما قصر عن رتبة الحديث الحسن.
إذاً كل حديث لم يصل إلى الحديث الحسن فهو ضعيف، ومن باب أولى إذا لم يصل إلى الحديث الصحيح، وهكذا عرفه بن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ وارتضاه المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ وهو تعريف العراقي أيضا وجماعة.
لكن هذا التعريف فيه إشكال عظيم جداً وهو: ما مقدار قوله " قصر "، فإنه سيدخل فيه الموضوع والمتروك والمكذوب والواهي، إذاً هذا التعريف ليس جامعاً مانعاً، فنحن الآن نتكلم عن الحديث الضعيف فهل الحديث الموضوع من أقسام الحديث الضعيف، كلا. فالحديث الموضوع مجزوم بأنه ليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الضعيف فيه احتمال أنه قاله صلى الله عليه وسلم، إذاً هذا إشكال أُورد على المؤلف.
الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ: وقف أمام هذا التعريف فلاحظ هذه المشكلة فزاد كلمة واحدة فقال: ما قصر عن رتبة الحسن " قليلاً "، حتى لا يعترض معترض بالحديث الموضوع، ولكن هذا فيه إشكال، فالقليل: كلمة مطلقة فما مقدار هذا القليل، والحدود على العموم كما قلت سابقاً في أول درس اختلفوا هل يمكن أن نحدّ شيئاً أم لا؟ فبعض الأصوليين يقولون أنك لا تستطيع أن تحدّ شيئا، وليس هناك حد تستطيع أن تجمع عليه العقول. فنفس الحد فيه خلاف، ماهو الحد أصلا فهناك قولان في تعريف الحد
الجامع المانع حد الحد
…
أو ذو انعكاس إن تشأ والطرد
فنفس الحد فيه خلاف فكيف نحدّ ونحن الآن مختلفون في الحد، وعموما الحدود تقرب العلم.
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: وهو أقساما كثر.
إذاً أقسام الحديث الضعيف كثيرة، والمؤلف سيأتي بمنظومة ويذكر لنا أقسام الحديث الضعيف: كالمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والمنكر وغيرها.
مسألة: الحديث الضعيف هل هو حجة أم لا؟
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل الأصول، لأنهم المعنيون بالأدلة، هل الحديث الضعيف حجة أم لا، واختلفت عبارات الأئمة في ذلك على أقوال:-
القول الأول: أن الحديث الضعيف ليس بحجة.
القول الثاني: أن الحديث الضعيف حجة مطلقاً.
القول الثالث: جعلوا الحديث الضعيف عاضدا يستشهد به ويحتج به عند عدم المخالفة، بشروط:
الأول: أن لا يكون الضعف شديداً.
الثاني: أن يكون له أصل من أصول الدين يستمسك به ويشهد لهذا الحديث.
مثاله:
لو قلنا بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) بأنه ضعيف، فنرى هل هناك ما يشهد له من القرآن أو من السنة،فنرى في القرآن فنجد بأن القرآن مليء جداً بالرجوع إلى الولي، كقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} البقرة229،وقوله:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} البقرة237، على القول بأنه هو الولي، إذاً هناك ما يعضد له.
وكذلك لو نظرنا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة خطبته، فإن العلماء نقلوا طريقة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة خطبة الصحابة، فهم يذهبون إلى الأولياء فيخطبون منهم البنات، فدل هذا على أن الأصل في الخطبة أن الأصل في الخطبة أن تكون للأولياء، الشاهد أن الحديث الضعيف إذا كان هناك ما يشهد له ويعضده فإنه لا حرج في الاستدلال به والاحتجاج به خلافا لمن شدد وقال إنه لا يحتج بالحديث الضعيف مطلقا، وخلافا لمن قَبِلَه مطلقا، والإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ من أصوله التي بنى عليها مذهبه هو الاحتجاج بالحديث الضعيف، وله عبارات كثيرة في أنه يحتج بالحديث الضعيف فقد نقل عنه أنه يُسأل عن أحاديث ضعيفة فيقول هو ضعيف الاسناد فيقال له أتحتج به فيقول نعم، هذا في مواطن كثيرة نقلها بن مفلح في كثير من كتبه، فقد نقل كثيراً منها، من ذلك ماذكره في الآداب أن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر حديث الزهري مرسلاً (من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء، فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه) ، احتجّ به أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ وهو يرويه مرسلاً، فحُكي له أن رجلاً احتجم يوم الأربعاء واستخفّ بالحديث وقال ما هذا الحديث؟! فأصابه وضح، فقال أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ: لا ينبغي لأحد لأن يستخفّ بالحديث، وأيضاً المرداوي في الإنصاف، وكذلك ابن قدامة في المغني نقل كثيراً من هذا يُسأل عن حديث فيقول ضعيف، فيقال أتحتج به فيقول نعم كحديث التسمية وما شابه ذلك، كذلك الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ كثيراً ما يستدل بالحديث الضعيف ن ومن رأى مسنده ينظر بأنه يروي الأحاديث المرسلة فيستشهد بها ويستدل بها، وكذلك الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في موطئه نقل بلاغات ومراسيل كثيرة مع أنه قال " انتقيت الأحاديث الصحيحة "، فينتقي الأحاديث الصحيحة ومعنى هذا أنه لا يصحح إسناداً وإنما يستشهد له حكماً، وهذا
يدل على أن الحديث الضعيف ليس بمطّرح مطلقاً.
مسألة: الاستدلال بالحديث الضعيف في الترغيب والترهيب؟
هذه المسألة عند من ردّ الحديث الضعيف مطلقاً، فإذا كان يردّ الحديث الضعيف في الأحكام فإنه سيردّها في باب الرغائب والرهائب والفضائل، فنقول الاحتجاج بالحديث الضعيف في باب الرغائب والرهائب والفضائل وما شابه ذلك، اختلف فيه أهل العلم والذي يظهر والله تعالى أعلم من فعل العلماء أنهم يستشهدون بالحديث الضعيف في باب الرغائب والرهائب والفضائل بالشروط السابقة:
1) أن لا يكون الحديث الضعيف شديد الضعف.
2) أن لا يكون الحديث الضعيف مخالفاً لأصل من أصول الدين، أي أن هناك ما يشهد له من أصول الدين جارٍ على قواعد الشريعة أو ما شابه ذلك.
أمثلة على ذلك:
- لو سألنا شخص عن حديث صلاة التسابيح، نقول بأنه حديث ضعيف، وإن كان الضعف ليس شديداً، ولكن لا نعمل به، لأنه ليس له أصل جارٍ عليه، فكلها صفات خارجة عن قواعد الشريعة في صفة الصلاة، لكن لا توجد صلاة تسبيح في القيام بمقدار معين، وفي الركوع بمقدار معين، وفي الجلوس بمقدار معين فهذا أصل جديد لا يمكن أن نقيم هذا الأصل بهذا الحديث الضعيف.
- ولو سألنا سائل فقال ما رأيكم بليلة رجب ـ " تسمى الليلة الرجبية " ـ فهناك أحاديث كثيرة في ليلة رجب وهناك من صححها فيكون الإسناد ليس شديد الضعف فمن صححها قطعاً لم يصححها إلا لوجود قوة عنده في هذا الحديث، وهل نعمل بها؟ فنقول هي أحاديث ضعيفة، ولا يعمل بها ـ وإن كان الأمر كما ذكرت من أنها ليست بشديدة الضعف ـ لأنها ليست جارية على أصول الشريعة، فليس هناك ليلة تُخص بصلاة، فليس هناك ما يشهد لها، أما لو كان عندنا أحاديث في فضل هذه الليلة والترغيب فيها، فيمكن أن نقول أن هذه تجري عليها قواعد الشريعة، فيعمل بها.
- ولو سألنا سائل فقال ما رأيكم بصيام العشر الأُولْ من ذي الحجة، هل ثبت هناك أحاديث فيها، وهل نعمل بها؟ فنقول الأحاديث الواردة فيها ضعيفة ولم يصحّ في صوم عشرة أيام أو تسعة أيام من عشر ذي الحجة حديث صحيح، لكنه يعمل بها لأنه جاء حديث في فضل هذه الأيام العشر والرغيب فيها، فقد خرج البخاري في صحيحه عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء) . إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم رغب بالأعمال الصالحة، ومنها الصيام والصلاة والصدقة والتسبيح والتكبير والتحميد وغير ذلك.
اعتراض وجوابه:
إن قال قائل يستثنى من الأعمال الصالحة الصيام، لأن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم أنها قالت:(ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط) .
جواب هذا الاعتراض:
أولاً: أن هذا ليس فيه نهي.
اعتراض من المخالف: أننا لا نقول بمشروعية الصيام إلا إذا ثبت حديث فيه.
يجاب على هذا الاعتراض: هل ثبت ونقل أن النبي صلى الله عليه وسلم سبّح أو تصدّق؟ لم ينقل عنه لكنه رغب ولم يستثنِ شيئاً.
ثانياً: ويجاب أيضاً أن حديث عائشة رضي الله عنها، متكلَّم فيه، فالإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ أعلّه بالإرسال، فعليه لا يكون هناك شيء ممنوع من الأعمال الصالحة.
ثالثاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يرغّب بالعمل ولا ينقل أنه عمله، من ذلك العمرة في رمضان، وقد تكلمت على هذه المسألة في شرح المحرّر.
- وكذلك لو سألنا سائل فقال: ما رأيكم بقول الذكر الوارد عند دخول المنزل (بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا، اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج) ، فإن هناك من يضعف هذا الحديث، فهل يعمل به؟
نقول وإن ضعّفنا الحديث فإنه يعمل به لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رغّب في عموم الذكر،
…
ورغّب في التسمية عند الدخول، إذاً قول (بسم الله ولجنا..........الحديث) ، له أصل فلا إشكال في العمل بما فيه، وهذه قاعدة مطّردة لا تنخرم علينا ألبته، ولهذا لوسألنا سائل فقال أنا أريد أن أتكلم عن التقوى أو أتكلم عن الصلاة أو أتكلم عن الزكاة فهل لي أن أذكر الأحاديث الضعيفة في كتابي؟
نقول نعم، فاذكر الأحاديث الضعيفة وانسبها، فقل مثلاً روى الترمذي في كذا ولا يشترط أن تقول هذا صحيح أو ضعيف، وهذا عليه عمل الأئمة، لكن بشرطين:_
1) أن يكون الضعف ليس شديداً.
2) أن يكون ما تستدل به له أصلٌ صحيح.
ولهذا بن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ، وهو من يُنقل عنه الكلام في الحديث الضعيف مليئة كتبه بالأحاديث الضعيفة التي يضعفها هو، وقد مرّ معنا في رسالتيه " التحفة العراقية في الأعمال القلبية " و " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "، فقد قرأنا فيهما أحاديث ضعيفة كثيرة وهو يضعفها، بل إنه ذكر أحاديث في كتبه متهمة بالوضع أي الضعف الشديد لكنها جارية على أصل صحيح فلا يُستشكل مثل هذا، ولهذا بعض الناس يشتطّ فيقول فلان يذكر الأحاديث الضعيفة! فهذا قصور جداً، فالشافعي ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم ذكروا أحاديث ضعيفة في كتبهم، فما يشتطّ فيه بعض الناس ليس صحيحاً،ولا تُطالب بأن تذكر " صحيح أو ضعيف ".
مسألة: ما هو حد الحديث الضعيف شديد الضعف؟