المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره

- ‌516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة

- ‌517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة

- ‌518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة

- ‌519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام

- ‌520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها

- ‌521 - (7) "باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها

- ‌522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها

- ‌523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

- ‌524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أُسس على التقوى وفضل مسجد قباء

- ‌ كتاب النكاح

- ‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه التي يوم القيامة

- ‌527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المُحْرِم وخِطْبته

- ‌528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النِّكَاح

- ‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

- ‌530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة

- ‌531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة

- ‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

- ‌533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها

الفصل: ‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

3279 -

(1317)(67) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ (وَاللًّفْظُ لِيَحْيَى). أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَّاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بِمِنًى. فَلَقِيَهُ عُثمَانُ. فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ. فَقَال لَهُ عُثمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً

ــ

525 -

(11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

3279 -

(1317)(67)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة و) أبو كريب (محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (واللفظ) الآتي (ليحيى أخبرنا أبو معاوية) وفي بعض النسخ: (واللفظ ليحيى قال): أي يحيى أخبرنا أبو معاوية (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي وهو من أصحاب ابن مسعود، قال الحافظ: وهذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد، وهو رواية الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود (قال) علقمة:(كنت أمشي مع عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (بمنى) في أيام الموسم، قال الحافظ: كذا وتع لفظ (بمنى) في أكثر الروايات، وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند ابن حبان (بالمدينة) وهي شاذة، والصواب ما هنا بلفظ بمنى. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى (فلقيه) أي لقي ورأى (عثمان) بن عفان عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما (فقام) عثمان بن عفان (معه) أي مع عبد الله بن مسعود حال كون عثمان (يحدّثه) أي يحدّث مع عبد الله (فقال له): أي لعبد الله (عثمان) في تحدّثه معه (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (ألا) بالتخفيف حرف عرض؛ وهو الطلب برفق ولين، أو حرف تحضيض بمعنى هلا بالتشديد وهو الطلب بحث وإزعاج كما هو مقرر في علم النحو أي هلا (نزوجك) لعل عثمان رأى به قشفًا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه قاله الحافظ:(جارية) أي بنتًا (شابة) يؤخذ منه أن

ص: 198

لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ. قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشبَابِ!

ــ

معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها فبالعكس كذا في الفتح، قال النووي: فيه استحباب نكاح الشابة لأنها المحصلة لمقاصد النكاح فإنها ألذ استمتاعًا وأطيب نكهة وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح وأحسن عشرة وأفكه محادثة وأجمل منظرًا وألين ملمسًا وأقرب إلى أن يعوِّدها زوجها الأخلاق التي يرتضيها اهـ (لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك) قال النووي: أي تذكر بها ما مضى من قوة شبابك فإن ذلك ينعش البدن، ويحتمل كون لعل على بابها ومعناها الأصلي من الترجي، ويحتمل كونها للتعليل، وأُخبرت عن بعض شيوخنا أنه قال: كنت أظن أني عجزت عن النساء فلما تزوجت الصغيرة وجدت في نفسي من النشاط ما كنت أعهده في الصغر، قال القرطبي: إنما قال له ذلك لأنه كان قد قلّت رغبته في النساء إما لاشتغاله بالعبادة أو للسن أو لهما (قلت): فعلى أنه للسن ففيه جواز نكاح ذي السن البكر، ويأتي الكلام على ذلك في حديث جابر إن شاء الله تعالى كذا في شرح الأبي رحمه الله تعالى (قال) علقمة بن قيس:(فقال عبد الله) بن مسعود لعثمان رضي الله تعالى عنهما (لئن قلت ذاك) أي تزويجكم إياي (لقد) حضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حين (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب) اجتمع في الكلام القسم والشرط فيكون الجواب للمقدم منهما وهو القسم هنا، ويقدر الجواب للشرط واللام الثانية مؤكدة للأولى، والتقدير والله لئن حضضتني على ذلك التزوج فقد حضنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:"يا معشر الشباب .. " الخ إن قلت ذلك فقد طابق كلامك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحينئذٍ فجوابه مطابق لما أرشد إليه عثمان، وكان الشيخ ابن عرفة يقول: إنما هو رد عليه، والمعنى أنه يحض على ذلك من هو في سن الشبيبة لا مَنْ في سِنِّ الشيخوخة، وقال الحافظ أجابه بالحديث فاحتمل أن يكون لا أرب له فيه فلا يوافقه واحتَمل أن يكون وافقه وإن لم ينقل ذلك اهـ. المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر، والشباب جمع شاب ولم يُجمع فاعل على فعال غيره ويجمع أيضًا على شيبة وشبان بضم أوله وتشديد الموحدة كفارس وفرسان وأصله الحركة والنشاط، وقال النووي: والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز الثلاثين سنة، وقال القرطبي: يقال له: حدث إلى ست عشرة ثم شاب إلى اثنين

ص: 199

مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ

ــ

وثلاثين ثم كهل وكذا ذكره الزمخشري، وقال ابن شاس المالكي في الجواهر: إلى أربعين، وإنما خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا (من استطاع منكم الباءة) أي من قدر منكم الباءة أي مؤن النكاح أي من وجد منكم ما يتزوج به من مهر ونفقة يوم وليلة، وكذا كسوة إذ الخطاب للقادرين على الفعل وإلا لم يستقم قوله:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، وفي الباءة أربع لغات الفصيحة المشهورة منها (الباءة) بالمد والهاء، والثانية (الباة) بلا مد، والثالثة (الباء) بالمد بلا هاء، والرابعة (الباهة) بهاءين بلا مد، قال الخطابي: المراد بالباءة النكاح، وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوي إليه، وقال المازري: اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوأها منزلًا، وقال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، تقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح (فليتزوج) ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبًا، والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها تقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته (فإنه) أي فإن التزوج (أغض للبصر) أي أشد غضًا لها أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية من غض طرفه إذا خفضه وكفه (وأحصن للفرج) أي أشد إحصانًا له ومنعًا من الوقوع في الفاحشة أي أحفظ لوقوع الفرج في الحرام، وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما وقع في نفسه" فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب، وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون أفعل على بابها فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج، وفي معارضتها الشهوية الداعية وبعد حصول التزوج يضعف هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي، ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل إخبار عن الواقع فقط، وفيه الحث على كض البصر وتحصين الفرج بكل

ص: 200

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. فَإنَّهُ لَهُ وجَاءٌ"

ــ

ممكن وعدم التكليف بغير المستطاع، ويؤخذ منه أن حظوظ النفس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل هي دائرة معها كذا في الفتح (ومن لم يستطع) الباءة أي ومن لم يجد ما يتزوج به من مؤن النكاح (فعليه بالصوم) أي فليلزم الصوم، قال عياض: ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله من استطاع منكم فالهاء في قوله فعليه ليست لغائب وإنما هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه ونظير هذا قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ} ومثله لو قلت للاثنين من قام منكما فله درهم، فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب اهـ ملخصًا، وقد استحسنه القرطبي، قال الدهلوي: واعلم أن المني إذا كثر تولده في البدن صعد بخاره إلى الدماغ فحبب إليه النظر إلى المرأة الجميلة وشغف قلبه حبها ونزل قسط منه إلى الفرج فحصل الشبق واشتدت الغلمة وأكثر ما يكون ذلك في وقت الشباب وهذا يعني التزوج حجاب عظيم من حجب الطبيعة يمنعه من الإمعان في الاستحسان الذي يهيجه إلى الزنا ويفسد عليه الأخلاق ويوقعه في مهالك عظيمة من فساد ذات البين فوجب عليه إرخاء هذا الحجاب، فمن استطاع الجماع وقدر عليه بان تيسرت له مثلًا امرأة على ما تأمر به الحكمة وقدر على نفقتها فلا أحسن له من أن يتزوج فإن التزوج أغض للبصر وأحصن للفرج من حيث إنه سبب لكثرة إفراغ المني ومن لم يستطع ذلك فعليه بالصوم فإن سرد الصوم له خاصية في كسر سورة الطبيعة وكبحها عن غلائها لما فيه من تقليل مادتها فيتغير به كل خلق فاسد نشأ من كثرة الأخلاط اهـ (فإنه) أي فإن الصوم (له) أي للعاجز عن الباءة (وجاء) بوزن كتاب أي خصاء لما فيه من الجوع وتقليل الأكل مما يزيد في الشهوة وطغيان الماء أي كالوجاء له ففي الكلام تشبيه بليغ، والوجاء مصدر وجا يوجأ من باب نفع؛ وهو رض عروق البيضتين حتى تنفضخا من غير إخراج، ويقال كبش موجوء إذا رضت عروق البيضتين كما في المصباح، قال أبو عبيد: الوجاء بكسر الواو رض الأُنثيين؛ والمعنى أن الصوم يقطع شهوة النكاح كما يقطعها الوجاء يقال وجئ الفحل وجاء إذا رضت خصيتاه، وقال غيره: الوجاء أن توجا العروق والخصيتان قائمتان على حالهما، والخصاء شق الخصيتين واستئصالهما أي إلقاؤهما، والجب أن تحمي الشفرة ثم يستأصل بها الخصيتان، قال الخطابي: وفي الحديث جواز معالجة الشهوة بالأدوية، ودليل على أن مقصود النكاح الوطء، قال ابن بزيزة: فيما قاله نظر فإن

ص: 201

3280 -

(00)(00) حدَّثنا عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، قَال: إِنِّي لأَمشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى. إِذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ. فَقَال: هَلُمَّ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: فَاستَخْلاهُ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيسَت لَهُ حَاجَةٌ

ــ

لقائل أن يقول: قطعه بالصوم فيه قطع عبادة بعبادة بخلاف قطعه بالعلاجات الطبية اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في روابة هذا الحديث أحمد [1/ 432]، والبخاري [5066]، وأبو داود [2046]، والترمذي [1081]، والنسائي [41/ 169]، وابن ماجه [1845].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

3280 -

(00)(00)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال) علقمة:(إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى إذ لقيه عثمان بن عفان) وإذ فجائية واقعة في جواب بينما المقدرة تقديره بينما أوقات مشيي مع عبد الله بن مسعود في منى فاجأه لقاء عثمان بن عفان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لأبي معاوية، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون واجتماع ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (فقال) عثمان بن عفان لعبد الله بن مسعود:(هلم) أي أقبل إليّ (يا أبا عبد الرحمن قال) علقمة: (فاستخلاه) عثمان أي فخلا عثمان بعبد الله، فيه دليل على استحباب الإسرار بمثل هذا فإنه مما يستحيى من ذكره بين الناس قاله النووي، وفي صحيح البخاري فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخليا، وفي رواية الأصيلي: فخَلَوَا، قال ابن التين: وهو الصواب لأنه ناقص واوي يعني من الخلوة مثل دعوا قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ} قال علقمة: (فلما رأى) وعرف (عبد الله) بن مسعود (أن) مخففة من الثقيلة؛ أي أنه (ليست له) أي لعثمان إليه (حاجة) إلا هذا الترغيب في النكاح زاد في البخاري (إلى هذا) قال العيني: فلما رأى عبد الله برفع عبد الله أن ليس له أي لعثمان حاجة إلا هذا أي الترغيب، ويروى بنصب عبد الله أي فلما رأى عثمان عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أي الزواج، ومن هنا جاءت كلمة إلا

ص: 202

قَال: قَال لِي: تَعَال يَا عَلقَمَةُ. قَال: فَجِئْتُ. فَقَال لَهُ عُثمَانُ: أَلا نُزَوِّجُكَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! جَارِيَةً بِكرًا. لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟

ــ

التي هي أداة الاستثناء وكلمة إلى التي هي حرف جر فالمعنى على الوجه الأول على كلمة إلا وفي الوجه الثاني على كلمة إلى (قلت) وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان ما يشرح هذا الكلام حيث قال: (فلقي عثمان فأخذ بيده فقاما وتنحيت عنهما، فلما رأى عبد الله أنه ليست له حاجة يسرها قال: ادن علقمة، فانتهيت إليه، وهو يقول: ألا نزوجك) فالظاهر أن عبد الله فاعل رأى، والضمير في ليست له عائد على عثمان يعني لما رأى عبد الله بن مسعود أن ليست لعثمان حاجة إلا الترغيب في النكاح وهو ليس مما يحتاج إلى الإسرار والتخلية قال: ادن يا علقمة فكان هذا القول وقع في مقابلة قول عثمان حين استخلاه: إن لي إليك حاجة والله أعلم اهـ من فتح الملهم (قال) علقمة: (قال لي) عبد الله: (تعال) هلم إليّ (يا علقمة قال) علقمة: (فجئت) إلى عبد الله (فقال له) أي لعبد الله (عثمان ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن جارية) أي بنتًا (بكرًا) هكذا هو في رواية زيد المذكورة آنفًا أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت بعد استدعائه لعلقمة، ووقع في رواية البخاري: فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك، لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب .. " الحديث، وهذا يشعر بأن مراجعة عثمان كانت قبل استدعائه لعلقمة، قال الحافظ: ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كانا فيه اهـ (قلت): ظاهر سياق البخاري لا يساعد هذا الجمع إلا بالتكلف والله أعلم اهـ فتح الملهم، قوله:(بكرًا) بدل من جارية في الرواية الأولى، والبكر الذي لم يتزوج من الرجال والنساء يقال رجل بكر، وامرأة بكر بكسر الباء، والبكر بالكسر أيضًا أول الأول كما قال الشاعر:

يا بِكْرَ بِكْرَينِ ويا خِلْبَ الكَبِد

أصبَحْتَ مِنِّي كَذِرَاعٍ مِنْ عَضُد

وفي مقابلة البكر الأيم، والجارية هنا المعصر وما قارب ذلك، والمعصر هي التي بلغت عصر شبابها وأدركت كما في اللسان اهـ مفهم (لعله) أي لعل الشأن والحال (يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) وفي رواية لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك أي تعرفه من نفسك من النشاط والرغبة في النساء، وكان عبد الله قد قلَّت رغبته في

ص: 203

فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قلْتَ ذَاكَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ.

3281 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. فَإِنَّهُ لَهُ وجَاءٌ".

3282 -

(00)(00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ،

ــ

النساء إما للاشتغال بالعبادة، واما لكبر السن، وإما لمجموعهما فحركه عثمان بذلك (فقال عبد الله: لئن قلت ذاك فذكر) جرير (بمثل حديث أبي معاوية) السابق آنفًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

3281 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب (قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من كبار (3)(عن عبد الله) بن مسعود. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من الأتباع، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يزيد لعمه علقمة بن قيس (قال) عبد الله:(قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم) أي من وجد منكم (الباءة) أي مؤن النكاح (فليتزوج) حمل الجمهور الأمر فيه على الندب لأن التزوج أمر مندوب إليه مرغب فيه، وحمله داود ومن وافقه على الوجوب لأنه الظاهر من الأمر والواجب عندهم العقد لا الدخول فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر (فإنه) أي فإن التزوج (أغض للبصر) أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية (وأحصن للفرج) أي أحفظ له من الوقوع في الحرام (ومن لم يستطع) أي مؤن الباءة (فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي خصاء أي كالوجاء.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال:

3282 -

(00)(00)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن

ص: 204

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ وَالأسوَدُ، عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودِ. قَال: وَأَنَا شَابٌّ يَؤمَئِذٍ. فَذَكَرَ حَدِيثا رُئيتُ أَنهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. وَزَادَ. قَال: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ.

3283 -

(00)(00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ

ــ

الأعمش عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس (قال) عبد الرحمن: (دخلت أنا وعمي علقمة) بن في (و) أخي (الأسود) بن يزيد بن قيس، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ وهو الصواب، قال القاضي: ووقع في بعض الروايات: (أنا وعماي علقمة والأسود) وهو غلط ظاهر لأن الأسود أخو عبد الرحمن بن يزيد لا عمه وعلقمة بن في عمهما جميعًا لأنه أخو يزيد بن قيس والدهما؛ أي دخلنا (على عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من التابعين أيضًا، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (قال) عبد الرحمن بن يزيد (وأنا شاب يومئذٍ) أي يوم إذ دخلنا على عبد الله بن مسعود (فذكر) لنا عبد الله بن مسعود معطوف على جملة دخلت، وما قبله جملة معترضة أي حدّث لنا عبد الله بن مسعود (حديثًا رُئيت) على صيغة المجهول، والمعنى على صيغة المعلوم، قال النووي: هكذا هو في كثير من النسخ، وفي بعضها رأيت وهما صحيحان الأول من الظن والثاني من العلم اهـ أي فذكر حديثًا ظننت (أنه حدَّث به) أي بذلك الحديث (من أجلي) أي لأجلي أي لأجل حثي على التزوج (قال) عبد الله بن مسعود، وجملة القول تفسير لجملة ذكر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث السابق وساق جرير (بمثل حديث أبي معاوية و) لكن (زاد) جرير (قال) عبد الرحمن بن يزيد: (فلم ألبث) أي لم أمكث بعد ذلك اليوم زمنًا طويلًا (حتى تزوجت) أي فتزوجت على الفور.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال:

3283 -

(00)(00)(حدثني عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (الأشج) أبو سعيد الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته،

ص: 205

قَال: دَخَلنَا عَلَيهِ وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ. بِمِثلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَم يَذْكُرْ: فَلَم أَلبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ.

3284 -

(1318)(68) وحدّثني أَبُو بَكرِ بْنُ نَافِع الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

غرضه بيان متابعة وكيع لجرير وأبي معاوية في الرواية عن الأعمش (قال) عبد الرحمن: (دخلنا) نحن معاشر الثلاثة يعني نفسه وعمه وأخاه (عليه) أي على ابن مسعود (وأنا) أي والحال أني (أحدث القوم) أي أصغرهم سنًّا لأنه كان شابًا كما في الرواية السابقة وساق وكيع (بمثل حديثهم). الصواب (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث جرير وأبي معاوية عن الأعمش (و) لكن (لم يذكر) وكيع لفظة (فلم ألبث حتى تزوجت) أي فما أبطأت حتى تزوجت أي لم يتأخر تزويجي عن ذلك بكثير.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

3284 -

(1318)(68)(وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري ثقة، من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمي نسبة إلى بني عم بن مرة بن وائل أبو الأسود البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبي محمد البصري، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن نفرًا) أي جماعة (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا في رواية ثابت، وفي رواية حميد الطويل عند البخاري جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة، والنفر من ثلاثة إلى تسعة وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه، ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون، وعند ابن مردويه من طريق الحسن العدني كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرِّموا الشهوات فنزلت الآية التي في المائدة، ووقع في أسباب الواحدي بغير إسناد أن

ص: 206

سَالُوا أَزواجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ في السرِّ؟ فَقَال بَعْضُهُم: لَا أتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَال بعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَال بَعْضُهُمْ: لَا أنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ فَقَال: "مَا بَال أَقْوَامٍ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكّر الناس وخوّفهم فاجتمع عشرة من الصحابة؛ وهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبُّوا مذاكيرهم فإن كان هذا محفوظًا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنُسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة وتارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعد بن هشام: أنه قدم المدينة فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ويجاهد للروم حتى يموت، فلقي ناسًا بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطًا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم فلما حدّثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها يعني بسبب ذلك، لكن في عدِّ عبد الله بن عمرو معهم نظر لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب اهـ فتح الملهم. (سالوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله) أي عن عبادته صلى الله عليه وسلم (في السر) أي في البيت، والمراد معرفة قدر عادة وظائفه في كل يوم وليلة حتى يفعلوا ذلك كذا في المرقاة، فلما سمعوا منهن عمله صلى الله عليه وسلم استقلوا أعمالهم (فقال بعضهم): هو عثمان بن مظعون اهـ من مبهمات مسلم (لا أتزوج النساء) لأنه شاغل عن كمال الجد في العبادة أي ولا واحدة منهن فإنه لفظ عام بخلاف قول الرجل: لا أتزوج نساء، فإنه جمع منكر، وحكمه كما بُيّن في محله أن يتناول الثلاثة وأكثر فلا تدخل فيه الواحدة ولا الثنتان، قال الأبي: يحتمل أن ذلك زهد منه عن الدنيا (وقال بعضهم): هو عبد الله بن عمرو بن العاص كما في مبهمات مسلم (لا آكل اللحم) لأنه يقوي البدن فلا يأمن الإنسان أن يزداد ميلًا إلى الشهوات وكسلًا عن الطاعات، قال الأبي: يحتمل أنه كناية عن الزهد عمومًا أو في المستلذات فقط (وقال بعضهم): هو أبو هريرة (لا أنام على فراش) يريد ترك النوم على وجه النعومة، لا تركه بالكلية فإنه لم يقل لا أنام (فـ) ـلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم هذا (حمد الله) سبحانه وتعالى (وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام) أي ما

ص: 207

قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ. وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ. وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي"

ــ

حال رجال (قالوا: كذا وكذا) كره رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم ولم يعيّن قائلهم لئلا يحصل توبيخ في الملإ، وفي رواية البخاري فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا" قال الحافظ: ويُجمع بأنه منع من ذلك عمومًا جهرًا مع عدم تعيينهم كما في رواية مسلم ثم خصوصًا فيما بينه وبينهم رفقًا بهم وسترًا لهم كما في رواية البخاري و (لكني أصلي) بعض الليل (وأنام) بعضه، وفي رواية البخاري:"أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكن أصوم وأفطر" قال الحافظ: فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة، بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما دام عليه صاحبه، قال: وفيه إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرًا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم اهـ، قال القاري: قوله: (لكني) الخ استدراك على محذوف تقديره: أما أنا فاخشاكم لله وأتقاكم له، فينبغي على زعمكم أو في الحقيقة أن أقوم في الرياضة إلى أقصى مداه لكن أقتصد وأتوسط فيها فأصلي بعض الليل وأنام في بعضه (وأصوم) في وقت (وأفطر) في آخر، قال الأبي: رحمه الله تعالى في جواب من قال: لا آكل اللحم، وبيان مطابقته أنه جعل قوله: لا آكل اللحم كناية عن إدامة الصوم فقال في الرد عليه: لكني أصوم وأفطر، والمطابقة في غيره واضحة (وأتزوج النساء) ولا أزهد فيهن، وكمال الرجل أن يقوم بحقهن مع القيام بحقوق الله تعالى والتوكل عليه والتفويض إليه وهذا كله لتقتدي بي الأمة (فمن رغب) وأعرض (عن سنتي) وطريقتي يعني من تركها إعراضًا عنها غير معتقد لها على ما هي عليه (فليس مني) أي من أهل هديي، قال الحافظ: المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحنفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله:(فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من التأويل يعذر صاحبه فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج من الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني أي على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، قال القرطبي: وما دلت عليه الأحاديث من راجحية النكاح هو أحد القولين وهذا حين كان في النساء المعونة على الدين والدنيا وقلة التكلف والشفقة على الأولاد، وأما في هذه الأزمنة فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن النسوان فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت العُزبة والغزلة، بل ويتعين الفرار منهن ولا حول ولا قوة إلا بالله اهـ. (قلت): وهذا الذي قاله القرطبي بالنظر إلى ما يناسب مع ظروفه وزمانه وإلا ففي كل زمان نساء مؤمنات صالحات طيبات مساعدات على الدين والدنيا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 241]. والبخاري [5063]، والنسائي [60/ 6].

تتمة: قال القرطبي: وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من سياق مسلم وأتم فقال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أنتم القائلون كذا، أما إني والله لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

(قلت): فهؤلاء القوم حصل عندهم أن الانقطاع عن ملاذ الدنيا من النساء والطيب من الطعام والنوم والتفرغ لاستغراق الأزمان بالعبادات أولى فلما سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته ولم يدركوا من عبادته ما وقع لهم أبدوا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مغفور له، ثم أخبر كل واحد منهم بما عزم على فعله فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بأن ألغى الفارق بقوله:(إني أخشاكم لله) وتقرير ذلك إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني على الاجتهاد وملازمة العبادة لكن طريق العبادة ما أنا عليه فمن رغب وتركه فليس على طريقي في العبادة.

(قلت): ويوضح هذا المعنى ويبينه أن عبادة الله إنما هي امتثال أوامره الواجبة

ص: 209

3285 -

(1319)(69) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن المُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بن العَلاءِ

ــ

والمندوبة واجتناب نواهبه المحظورة والمكروهة وما من زمان من الأزمان وإلا وتتوجه على المكلف فيه أوامر أو نواهٍ فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدى العبادة وقام بها فإذا قام الليل مصليًا فقد قام بوظيفة ذلك الوقت، فإذا احتاج إلى النوم لدفع ألم السهر ولتقوية النفس على العبادة ولإزالة تشويش مدافعة النوم المشوشة للقراءة أو لإعطاء الزوجة حقها من المضاجعة كان نومه ذلك عبادة لصلاته، وقد بين هذا المعنى سلمان الفارسي لأبي الدرداء بقوله:(لكني أقوم وأنام وأحتسب في نومتي ما أحتسبه في قومتي) وكذلك القول في الصيام، وأما التزوج فيجري فيه مثل ذلك وزيادة نية تحصين الفرج والعين وسلامة الدين وتكثير نسل المسلمين وبهذه القصود الصحيحة تتحقق فيه العبادات العظيمة، ولذلك اختلف العلماء في أي الأمرين أفضل التزويج أم التفرغ منه للعبادة كما هو معروف في مسائل الخلاف؟ وبالجملة فما من شيء من المباحات المستلذات وغيرها إلا ويمكن لمن شرح الله صدره أن يصرفه إلى باب العبادات والطاعات بإخطار معانيها بباله وقصد نية التقرب بها كما قد نص عليه المشايخ في كتبهم كالحارث المحاسبي وغيره، ومن فهم هذا المعنى وحصله تحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حل من العبادات أعلاها لانشراح صدره وحضور قصده ولعلمه بحدود الله وما يقرب منه ولما لم ينكشف هذا المعنى للنفر السائلين عن عبادته استقلوها بناء منهم على أن العبادة إنما هي استفراغ الوسع في الصلاة والصوم والانقطاع عن الملاذ، وهيهات بينهما، ما بين الثريا والثرى وسهيل والسها (بضم السين وبالقصر؛ كويكب صغير خفي في بنات نعش الصغرى والناس يمتحنون به أبصارهم) اهـ اللسان، وعند الوقوف على ما أوضحناه من هذا الحديث يتحقق أن فيه ردًّا على غلاة المتزهدين وعلى أهل البطالة من المتصوفين إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه وحاد عن تحقيقه والله أعلم اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال:

3285 -

(1319)(69)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8)(ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء)

ص: 210

(وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَن مَعمَرٍ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَال: رَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظعُونٍ التَّبَتُّلَ

ــ

الهمداني (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي كريب (أخبرنا ابن المبارك عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي وواحد كوفي (قال) سعد بن أبي وقاص: (رد) أي أنكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يأذن له في التبتل بل نهاه عنه (على عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي رضي الله عنه، قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى في جماعة فلما بلغهم أن قريشًا أسلموا رجعوا فدخل عثمان في جوار الوليد بن المغيرة، وفي الصحيحين عن أم العلاء قالت: لما توفي عثمان بن مظعون، قلت: شهادتي عليك أبا السائب أكرمك الله، توفي بعد شهوده بدرًا في ذي الحجة في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دُفن بالبقيع منهم، وروى الترمذي من طريق القاسم عن عائشة قالت: قبّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي وعيناه تذرفان، ولما توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون" وقالت امرأة ترثيه:

يا عين جودي بدمع غير ممنون

على رزية عثمان بن مظعون

اهـ من الإصابة

(التبتل) قال العلماء: التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله تعالى وتفرغًا لها وهو شريعة النصارى، وأصل التبتل الانقطاع مطلقًا ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينًا وفضلًا ورغبة في الآخرة، ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن تصرف مالكها، قال الطيبي: التبتل هو ترك لذات الدنيا وشهواتها والانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ لعبادته، ومعنى قوله رد عليه التبتل نهاه عنه، قال تقي الدين: نهى عن التبتل هنا وأمر به في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلًا} فبينهما معارضة، ووجه الجمع أن المنهي عنه غير المأمور به فلا تعارض فالمنهي عنه ترك

ص: 211

وَلَوْ أَذِنَ لَهُ، لاخْتَصينَا

ــ

النساء وما انضم إليه من الغلو في الدين مما هو داخل في جنب التنطع، والمأمور به هو ملازمة العبادة والإكثار من قيام الليل وترتيل القرآن ولم يقصد به ترك النساء فقد كان النكاح موجودًا مع ذلك اهـ من فتح الملهم، قال الراوي أعني سعدًا (ولو أذن) النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي لعثمان في ذلك (لاختصينا) أي لجعل كل منا نفسه خصيًا كيلا يحتاج إلى النساء، من الخصاء وهو الشق على الأنثيين وانتزاعهما، قال النووي: قالوا ذلك ظنًّا منهم جواز الاختصاء ولم يكن هذا الظن موافقًا للصواب فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيرًا أو كبيرًا، وكذلك يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل كالبغل والحمار، وأما المأكول كالتيس والثور فيجوز خصاؤه في صغره لغرض تطييب اللحم ويحرم في كبره اهـ مرقاة، قال السندي في حواشي النسائي وابن ماجه: الأحسن حمل ظنهم على أحسن الظنون فمرادهم بالاختصاء قطع الشهوة بمعالجة أو التبتل والانقطاع إلى الله تعالى بترك النساء؛ والمعنى أي لفعلنا فعل المختصي في ترك النكاح والانقطاع عنه اشتغالًا بالعبادة، قال الطيبي: قوله: ولو أذن له لاختصينا كان الظاهر أن يقال ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء، ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام، وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الإصبع الآكلة إذا وقعت في اليد صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققًا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فالحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أُذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه وتكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 175]، والبخاري [5073]، والترمذي [1083]، والنسائي [6/ 58]، وابن ماجه [1848].

ص: 212

3286 -

(00)(00) وحدّثني أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ. قَال: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: رُدَّ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلُ. وَلَوْ أُذِنَ لَهُ لاخْتَصَينَا.

3287 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا لَيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاصٍ يَقُولُ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ. فَنَهَاهُ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم. وَلَوْ أَجَازَ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:

3286 -

(00)(00)(وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) الخراساني البغدادي الوركاني نسبة إلى محلة تسمى وركان، ثقة، من (10)(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب الزهري) المدني (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (قال) سعيد:(سمعت سعد) بن أبي وقاص (يقول: رُدَّ) وأنكر (على عثمان بن مظعون التبتل ولو أُذن له لاختصينا) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لمعمر بن راشد.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:

3287 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا حُجين) مصغرًا (بن المثنى) اليمامي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لمعمر بن راشد (يقول: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل) أي أن ينقطع عن النساء والمستلذات فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في التبتل (فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه (ولو أجاز) النبي صلى الله

ص: 213

لَهُ ذلِكَ، لاخْتَصَينَا.

3288 -

(1320)(70) حدَّثنا عَمْرُو بن عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَى. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى امرَأَةً فَأتَى امْرَأتَهُ زَينَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا. فَقَضَى حَاجَتَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: "إنَّ الْمَرأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شَيطَانٍ، وَتُدْبِرُ في صُورَةِ شَيطَانٍ،

ــ

عليه وسلم (له) أي لعثمان أي رخص له (ذلك) أي التبتل (لاختصينا) أي لجعل كل منا نفسه خصيًا تبتلًا وانقطاعًا إلى عبادة الله تعالى وطاعاته.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال:

3288 -

(1320)(70)(حدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كُنيز -بنون وزاي مصغرًا- أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشام بن أبي عبد الله) سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7)(عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي، صدوق، من (4)(عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة) لم أر من ذكر اسمها أي وقع بصره عليها فجاة، وكان لا تحتجب النساء منه، وكان إذا أعجبته امرأة فرغب فيها حرم على زوجها إمساكها هكذا ذكره أبو المعالي وغيره اهـ من المفهم (فأتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (امرأته) أي زوجته (زينب وهي) أي والحال أن زينب (تمعس) من باب منع من المعس وهو الدلك أي تدبغ (منيئة لها) بوزن صغيرة أي جلدًا لها، قال أبو عبيد: الجلد أول ما يدبغ يسمى منيئة على وزن فعيلة، ثم هو أفيق بوزن فعيل وجمعه أُفُق كقفيز وقفز، ثم يكون أديمًا اهـ من المفهم (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حاجته) أي شهوته في النساء من زينب رضي الله تعالى عنها (ثم خرج) صلى الله عليه وسلم من عندها (إلي أصحابه فقال: أن المرأة) التي مرت علينا (تُقْبِل) أي تواجه الناس بوجهها (في صورة الشيطان وتدبر) أي تواجههم بدبرها (في صورة شيطان) أي في صفته من الوسوسة والتحريك للشهوة لما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية والميل

ص: 214

فَإذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأتِ أَهْلَهُ. فَإنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا في نَفْسِهِ"

ــ

الطبيعي وذلك يدعو إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"ما تركت في أمتي فتنة أعظم على الرجال من النساء" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، فلما خاف صلى الله عليه وسلم هذه المفسدة على أمته أرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم فقال:(فإذا أبصر أحدكم امرأة) أي وقع بصره على امرأة أجنبية فأعجبته فوقع في نفسه شيء من الشهوة والميل الطبيعي (فليات أهله) أي فليواقع أهله وزوجته ويجامعها، ثم أخبر بفائدة ذلك الوقاع بقوله:(فإن ذلك) الوقاع على أهله (يرد ما) وقع (في نفسه) من الميل الطبيعي.

وللرد وجهان: أحدهما: أن المني إذا خرج انكسرت الشهوة وانطفأت فزال تعلق النفس بالصورة المرئية، وثانيهما: أن محل الوطء والإصابة متساو من النساء كلهن والتفاوت إنما هو من خارج ذلك فليكتف بمحل الوطء الذي هو المقصود ويغفل عما سواه، وقد دل على هذا ما جاء في هذا الحديث في غير مسلم بعد قوله: فليأت أهله "فإنه معها مثل الذي معها" رواه ابن حبان [5572].

(تحذير): لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك ميل نفس أو غلبة شهوة حاشاه عن ذلك، وإنما فعل ذلك ليَسُنّ وليُقتدى به وليحسم عن نفسه ما يتوقع وقوعه اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 330] وأبو داود [2151]، والترمذي [1158].

(تتمة): قوله: (فقضى حاجته) قال النووي: قال العلماء إنما فعل هذا بيانًا لهم وإرشادًا إلى ما ينبغي لهم أن يفعلوه فعلّمهم بفعله وقوله، وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره والله تعالى أعلم.

قوله: (ثم خرج إلى أصحابه فقال): الخ قال القاضي أبو بكر بن العربي: الحديث غريب المعنى فإن الذي جرى منه شيء لا يعلمه إلا الله تعالى وإنما أذاعه للتعليم وما وقع في نفسه من إعجاب المرأة غير مؤاخذ به ولا ينقص من منزلته وهو من مقتضى الجبلة والشهوة الآدمية وغلبها بالعصمة فأتى أهله ليقضي حق الإعجاب والشهوة الآدمية

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والاعتصام والعفة اهـ. (قلت): وانظر هل ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بأنه أعجبته وأنه أتى أهله ولا يكون هذا من إفشاء سر المرأة المنهي عنه فيما يأتي لأن لذلك تفسيرًا يأتي ولا سيما مع ما ترتب على هذا الإخبار من المصلحة كذا في شرح الأبي رحمه الله تعالى، وقد روى أحمد في حديث أبي كبشة الأنماري حين مرت به صلى الله عليه وسلم امرأة فوقع في قلبه شهوة النساء فدخل فأتى بعض أزواجه وقال:"فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال" قال العراقي: وإسناده جيد، وهذا يشرح ما في حديث الباب، ويدل على أن الذي وقع في قلبه برؤيتها إنما هو الميل إلى جنس النساء لا إلى شخصها بعينها ولهذا عالجه بمباشرة بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ فتح الملهم، قوله:(تقبل في صورة شيطان) الح قال الزبيدي: أي في صفته، شبه المرأة الجميلة به في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير وتقيم الهمة فنسبها للشيطان لكون الشهوة من جنده وأسبابه، والعقل من جند الملائكة، قال الطيبي: جعل صورة الشيطان ظرفًا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد فإن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر، وكذا في حالة إدبارها مع رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لكن خصهما بالذكر لأن الإخلال فيهما أكثر، وقدم الإقبال لكونه أشد فسادًا لحصول المواجهة به اهـ قال النووي: ويستنبط منه أنه ينبغي لها أن لا تخرج إلا لضرورة ولا تلبس ثيابًا فاخرة، وينبغي للرجل أن لا ينظر إليها ولا إلى ثيابها اهـ، قوله:(فليأت أهله) أي فليجامع حليلته، قوله:(فإن ذلك يرد ما في نفسه) قال الزبيدي: هكذا روي بمثناة تحتية من رد أي يعكسه ويغلبه ويقهره، وروى صاحب النهاية (فإن ذلك برد ما في نفسه) بالموحدة من البرد، أرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينًا لها وجمعًا لقلبه ودفعًا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي اهـ، وفي شرح الأبي: قال عياض: أرشد صلى الله عليه وسلم إلى مداواة ذلك الداء المحرك للشهوة والماء بما يسكن النفس ويذهب بالشهوة ولا يظن بفعله صلى الله عليه وسلم ذلك مع زينب أنه وقع في نفسه ميل لما رأى لتنزهه صلى الله عليه وسلم عن ذلك (قلت): من تمام الحديث في الترمذي: "فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها" قال ابن العربي: آخر النظر المثير للشهوة الوطء فإذا وجده المرء فقد أنهى الأمر إلى نهايته، ولا فرق بين أن تقع الإصابة في التي رأى أو في مثلها لأن

ص: 216

3289 -

(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَأَتَى امْرَأَتَهُ زينَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً. وَلَمْ يَذْكُرْ: تُدْبِرُ في صُورَةِ شَيطَانٍ.

3290 -

(00)(00) وحدّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ

ــ

القصد إذا حصل لم يُسأل عن السبب، وما نبه عليه صلى الله عليه وسلم من المثال صواب صحيح، وفي هذا رد على المتصوفة الذين يرون إماتة الهمة حتى تصير المرأة كأنها جدار يُضرب فيه ولا رهبانية في هذا الدين. (قلت): ويلحق بالرؤية في ذلك من توصف له المرأة فتقع في نفسه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3289 -

(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري (حدثنا حرب بن أبي العالية) مهران -بكسر فسكون- أبو معاذ البصري، روى عن أبي الزبير في النكاح، والحسن، ويروي عنه (م س) وعبد الصمد بن عبد الوارث، قال ابن معين: شيخ ضعيف، وقال مرة: ثقة، وقال القواريري: هو شيخ لنا ثقة، وقال العقيلي: ضعفه أحمد، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة (حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مكي وواحد نسائي، غرضه بيان متابعة حرب بن أبي العالية لهشام الدستوائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فذكر) حرب بن أبي العالية (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي (غير أنه) أي أن حربًا (قال) في روايته (فأتى امرأته زينب وهي تمعس) أي تدبغ (منيئة) أي جلدًا لها (ولم يذكر) حرب (تدبر في صورة شيطان).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3290 -

(00)(00)(وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني، صدوق،

ص: 217

حَدَّثَنَا مَعقِلٌ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ. قَال: قَال جَابِرٌ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَحَدَكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَوَقَعَت في قَلبِهِ، فَليَعمِدْ إِلَى امرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعهَا. فَإنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا في نَفْسِهِ"

ــ

من (9)(حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي مولاهم، صدوق، من (8) (عن أبي الزبير قال: قال جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معقل لهشام الدستوائي (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة) الأجنبية أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، والمختار في إعراب إذا أحدكم النصب مع جواز الرفع لأن أدوات الشرط لا يليها إلا الفعل كما هو مقرر في علم النحو (فوقعت في قلبه فليعمد) بكسر الميم أي فليقصد (إلى امرأته) أي حليلته (فليواقعها) أي فليجامعها (فإن ذلك) الجماع (يرد ما) وقع (في نفسه) أي قلبه من استحسان المرأة المرئية له؛ أي يغلبه ويعدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين.

***

ص: 218