الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام
3183 -
(1269)(19) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ. وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ
ــ
519 -
(5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام
3183 -
(1269)(19)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتّاب الكوفي، ثقة، من (5)(عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم المكي الإمام المفسر، ثقة، من (3)(عن طاوس) بن كيسان اليماني، ثقة، من (3)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد طائفي وواحد يماني وواحد مكي وواحد مروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح): ظرف لقال، وقوله:(فتح مكة) بدل من الفتح أو بيان له ومقول القول قوله: (لا هجرة) بعد الفتح الخ أي قال يوم فتح مكة كما أفصح به البخاري "لا هجرة بعد الفتح" قال ابن الملك: المنفي فرضية الهجرة وفضيلتها التي كانت قبله لا وجودها اهـ يعني أن وجوب الهجرة من مكة إلى المدينة انقطع بفتحها إذ صارت دار الإسلام، وأما الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام فباقية لا تنقطع ما قوتل الكفار (ولكن جهاد ونية) أي ولكن لكم جهاد في سبيل الله ونية صالحة أي فوجود الجهاد باق على حاله لإعلاء كلمة الله تعالى عند الاحتياج إليه، قال الحافظ: قوله: (لا هجرة) أي بعد الفتح كما صرح به في بعض الروايات أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة، الأول: قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه بها ولا أداء واجباته فالهجرة منه واجبة، الثاني: قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم، الثالث:
وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وَقَال يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْح مَكَّةَ: "إِن هذَا الْبَلَدَ حَرَّمهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ــ
عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر، قالوا: وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدًا اهـ قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به ونزل به عدوه اهـ وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت آية {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها اهـ فتح الملهم (وإذا استنفرتم) أي طلب منكم النفير أي الخروج إلى الغزو (فانفروا) أي فاخرجوا إليه وجوبًا معناه إذا طلب منكم الإمام النفير والخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه حينئذٍ يتعين الغزو على من استنفر بلا خلاف أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا، قال النووي: يعني أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه اهـ، وفيه وجوب تعين الخروج إلى الغزو على من عينه الإمام وأن الأعمال تعتبر بالنيات.
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (يوم الفتح فتح مكة أن هذا البلد) المعهود الذي نحن فيه الآن (حرمه الله) تعالى أي حرم على الناس هتكه وأوجب عليهم تعظيمه (يوم خلق السماوات والأرض) فتحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة وحكمه تعالى قديم لا يتقيد بزمان فهو تمثيل في تحريمه بأقرب متصور لعموم البشر إذ ليس كلهم يفهم معنى تحريمه في الأزل وليس تحريمه مما أحدثه الناس والخليل عليه السلام إنما أظهره مبلغًا عن الله، وقيل: إنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض إن الخليل عليه السلام سيحرم مكة بامر الله تعالى والتحقيق إن إبراهيم أظهر حرمتها وجدد بقعتها ورفع كعبتها بعدما اندرست بسبب الطوفان الذي هدم بناء آدم وبيّن حدود الحرم (فهو) أي هذا البلد (حرام) أي محرم معظم (بحرمة) أي بسبب تحريم (الله) تعالى إياه حرمة مؤبدة (إلى يوم القيامة) أي إلى يوم النفخة الأولى، والفاء في قوله:(فهو)
وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي. وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَارٍ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامةِ. لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ. وَلَا يُنَفَّرُ صَيدُهُ. وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا. وَلَا يُخْتَلَى خَلاهَا"
ــ
واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إذا كان الله كتب في اللوح المحفوظ تحريمه ثم أمر خليله بتبليغه وإنهائه فأنا أيضًا أبلغ ذلك وأنهيه إليكم فأقول فهو حرام بحرمة الله عز وجل اهـ من الإرشاد (وإنه) أي وإن الشأن والحال (لم يحل القتال فيه) أي في هذا البلد، وفي رواية القتل (لأحد قبلي) قال القرطبي: وظاهر هذا أن حكم الله تعالى كان في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران / 97](ولم يحل) القتال الي) فيه (إلا ساعة من نهار) أي قطعة منه، فالضمير في يحل يعود إلى القتال قطعًا كما قررناه كما يدل عليه مساقه فيلزم منه تحريم القتال فيه مطلقًا سواء كان ساكنه مستحقًا للقتال أو لم يكن وهو الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:(ولا يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار" أي أُحل لي ساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر، وهذا يدل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا (فهو) أي هذا البلد (حرام) أي: هتك حرمته على كل أحد بعد تلك الساعة (بحرمة الله) سبحانه وتعالى المؤبدة (إلى يوم القيامة) أي إلى النفخة الأولى (لا يُعضد) أي لا يقطع (شوكه) أي ولا شجرُهُ بطريق الأولى نعم لا بأس بقطع المؤذي من الشوك كالعوسج والسعدان قياسًا على الحيوان المؤذي؛ والمراد بالشجر هنا النابت بنفسه لا المستنبت كما هو مقرر في الفروع (ولا يُنفر صيده) أي لا يستعرض له بالاصطياد والإيحاش والإزعاج اهـ مرقاة، فإن نفره عصى سواء تلف أم لا (ولا يلتقط) أي لا يأخذ لقطته أي لقطة الحرم أحد (إلا من عرّفها) على الدوام ليردها إلى صاحبها، فالضمير في عرّفها عائد إلى اللقطة الساقطة في هذه الرواية الثابتة في الرواية التالية يعني لا يتملكها بعد التعريف كما يتملكها في غيره من البلاد وهذا مذهب الشافعية وهو رأي متأخري المالكية فيما ذكره صاحب تحصيل المرام من المالكية، والصحيح من مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أن لا خصوصية للقطتها والوجه هو الأول لأن الكلام ورد مورد الفضائل المختصة بها كتحريم صيدها وقطع شجرها وإذا سوينا بين لقطة الحرم ولقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة اهـ من الإرشاد (ولا يختلى خلاها) أي ولا يقطع نباتها الرطب، وأما القلع فمن باب أولى، وأما النبات
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إلَّا الإِذْخِرَ. فَإِنَّهُ لِقَينِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَال: "إِلَّا الإِذخِرَ"
ــ
اليابس فيسمى حشيشًا، والاختلاء الجز، والجز في النبت مثل الحصد في الزرع والخلى بالقصر كما في المصباح الرطب من النبات الواحدة خلاة مثل حصى وحصاة، قال الزمخشري في الفائق: وحق خلاها أن يكتب بالياء وتثنيته خليان اهـ أي لأنه من خليت بالياء (فقال العباس) بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إلا الاذخر) بالنصب على الاستثناء التلقيني أي قل يا رسول الله لا يختلى خلاها إلا الإذخر، ويجوز الرفع على البدلية من خلاها لأن الاستثناء من الكلام التام المنفي، والإذخر بالهمزة والخاء المعجمة المكسورتين بينهما ذال معجمة ساكنة نبت معروف طيب الرائحة وهو حلفاء مكة اهـ قسطلاني، وقال العيني: نبت عريض الأوراق طيب الرائحة اهـ، وفي فتح الملهم الإذخر نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل متدفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وبالمغرب صنف منه فيما قاله ابن البيطار قال: والذي بمكة أجوده وأهل مكة يُسقفون به البيوت بين الخشب ويسدّون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلًا من الحلفاء في الوقود ولهذا قال العباس: فإنه لقينهم، ووقع في مرسل مجاهد عن عمر بن شبة فقال العباس: يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم. وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثني هو وإنما أراد به أن يُلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء اهـ منه، وقال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي من فصيلة النجيليات له رائحة ليمونية عطرة أزهاره تستعمل منقوعًا كالشاي، ويقال له أيضًا طيب العرب، والإذخر المكي من الفصيلة نفسها جذورها من الأفاويه ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة، ويقال له أيضًا حلفاء مكة اهـ (فإنه) أي فإن الإذخر نافع ومحتاج إليه (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية وبالنون أي حدادهم أي محتاج إليه لحداد أهل مكة وكذا الصواغ فإنه يحرقونه بدل الحطب والفحم، قال الطبري: والقين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه (و) محتاج إليه إلى) سُقف (بيوتهم) وكذا لسقف قبورهم أي ولبيوتهم حال حياتهم ومماتهم اهـ مرقاة؛ والمعنى يحتاج إليه القين في وقود النار، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يُجعل فوق الخشب اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إلا الاذخر) وهذا استثناء بعض من كل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لدخول الإذخر في عموم ما يختلى، واختلفوا: هل كان قوله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر باجتهاد أو بوحي؟ . وقيل: كان الله سبحانه فوّض له الحكم في هذه المسألة مطلقًا، وقيل: أُوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله، قال ابن المنير: والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم كان تبليغًا عن الله تعالى إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم، قال الحافظ: وفي الحديث جواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد، وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 226]، والبخاري [1834]، وأبو داود [2480]، والترمذي [1590]، والنسائي [7/ 146].
قوله: (ولا يختلى خلاها) بصيغة المجهول مقصورًا أي لا يقطع نباتها وحشيشها، قال بعض العلماء: الخلا مقصورًا الرطب من النبات كما أن الحشيش هو اليابس منها، ولا فرق بين الرطب واليابس في حرمة القطع وعليه الأكثرون وهذا خلاف المشهور من المذهب، قال الشمني: بعد قوله: وكذا إن ذبح الحلال صيد الحرم أي لزمه قيمته ويُهدي بها أو يُطعم ولا يُجزئه الصوم أو قطع حشيشه أو شجره إلا مملوكًا أي للقاطع أو منبتًا أو جافًا أي يابسًا كذا في المرقاة، قال الحافظ: وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت، قال ابن قدامة: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة "ولا يحتش حشيشها" قال: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه اهـ وقال ابن عابدين: واعلم أن النابت في الحرم إما جاف أو منكسر أو إذخر أو غيرها، والثلاثة الأول: مستثناة من الضمان وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أو لا؛ والأول لا شيء فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان، والثاني: إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت ولا منكسرا ولا جافا ولا إذخرًا كما قرره في البحر اهـ من فتح الملهم.
3184 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" وَقَال، بَدَلَ الْقِتَالِ "الْقَتْلَ" وَقَال:"لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا".
3185 -
(1270)(20) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْعَدَويِّ؛
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3184 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي الكوفي، ثقة ثبت نبيل عابد، من (7)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (بمثله) أي بمثل ما حدّث جرير بن عبد الحميد، غرضه بيان متابعة مفضل لجرير بن عبد الحميد (و) لكن الم يذكر) مفضل لفظة (يوم خلق السماوات والأرض وقال) مفضل:(بدل) لفظ (القتال) في رواية جرير لفظة (القتل وقال) مفضل أيضًا (لا يلتقط لقطته) أي لقطة الحرم بإظهار المفعول به (إلا من عزفها) أي من أراد تعريفها على الدوام لمعرفة صاحبها لا لتملكها، واللقطة اسم للشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط هو أخذه، وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحس.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي شريح رضي الله تعالى عنهما فقال:
3185 -
(1270)(20)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني، ثقة، من (3)(عن) خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل عبد الرحمن بن عمرو، وقيل غير ذلك والمشهور الأول (أبي شريح) الخزاعي (العدوي) المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه أسلم يوم الفتح وكان يحمل أحد ألوية بني كعب، روى عنه نافع بن جبير في الإيمان، وسعيد بن أبي سعيد في الحج، له عشرون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديث و (م) بحديث، قاله ابن سعد: مات بالمدينة سنة (68) ثمان وستين. (قوله عن أبي شريح العدوي) قاله الحافظ: في كتاب الحج كذا وقع هنا في كتاب الحج، وفيه
أَنَّهُ قَال لِعَمْرِو بنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي. أَيُّهَا الأَمِيرُ! أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ
ــ
نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضًا وليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر فلعله كان حليفًا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بَطْن يقال لهم بنو عدي اهـ (أنه) أي أن أبا شريح (قال لعمرو بن سعيد) بن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبي أمية المعروف بالأشدق، وليست له صحبة، ولا كان من التابعين بإحسان قاله الحافظ أحد الأشراف، قيل له رؤية، وقال في التقريب: تابعي (مهمل) من الثالثة، وليست له في (م) رواية إلا في حديث واحد وهو الحديث الذي رواه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه سبق ذكره في باب الوضوء، ومعنى الأشدق هنا المعوج الشدق من داء أصابه يُسمى لقوة لا بمعنى الواسع الشدق الذي يوصف به الخطيب البليغ، فإن القسطلاني ذكر في وجه تلقيبه بالأشدق أنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي بن أبي طالب فاصابته لِقْوَةٌ، وكان يزيد بن معاوية ولاه المدينة (وهو) أي والحال أن عمرًا (يبعث البعوث) أي يرسل الجيوش من المدينة (إلى مكة) لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم، وكان عمرو والي يزيد على المدينة، والقصة مشهورة، والبعوث جمع بعث بمعنى مبحوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر، والمراد به الجيش المجهز للقتال، والجملة الاسمية حال من عمرو أي والحال أن عمرو بن سعيد يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وذلك أن يزيد بن معاوية لما قام مقام أبيه طلب من عبد الله بن الزبير البيعة فامتنع ابن الزبير من بيعته وخرج إلى مكة عائذًا بحرم الله تعالى فغضب يزيد فكتب إلى عمرو بن سعيد أن يوجه جيشًا إلى ابن الزبير فجهز إليه جيشًا وأمر عليهم عمرو بن الزبير أخا عبد الله، وإن شديد العداوة لأخيه.
وقوله: (ائذن لي) مقول لأبي شريح الصحابي يخاطب عمرًا الأشدق يا (أيها الأمير) بحذف حرف النداء للتخفيف، والأصل فيه يا أيها الأمير، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة الأمراء ليكون أدعى لقبولهم النصيحة، وأن السلطان لا يُخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك والغِلْظة له قد يكون سببًا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه (أحدثك) بالجزم لأنه جواب الطلب السابق أي إن أذنت (أحدثك) أي أخبرك (قولًا) أي حديثًا، وجملة قوله: (قام به رسول الله صلى الله
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتحِ. سَمِعَتهُ أُذُنَايَ. وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَأَنصَرَتهُ عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ. أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "إِن مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَم يُحَرِّمْهَا النَّاسُ،
ــ
عليه وسلم) صفة للقول أي قولًا حدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، والمقول هو حمد الله تعالى وثناؤه عليه الخ، وقوله:(الغد) بالنصب على الظرفية (من يوم الفتح) والمراد به اليوم الثاني من فتح مكة أي خطب به في اليوم الثاني من فتح مكة، وقوله:(سمعته أذناي) صفة ثانية لقولًا، وفي رواية البخاري فسمعته أذناي بالفاء العاطفة على قام أي سمعت ذلك القول أذنان لي، وفيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله: سمعته أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله:(ووعاه) أي حفظه (قلبي) أي عقلي إشارة إلى تحققه وتثبته فيه، وفيه إشارة إلى أن العقل محله القلب، وقوله:(وأبصرته) صلى الله عليه وسلم (عيناي حين تكلم به) أي بذلك القول زيادة في مبالغة التأكيد لتحققه وإشارة إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرًا على مجرد سماع الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقيق لما قاله، قال النواوي: أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه، وقوله:(أنه) صلى الله عليه وسلم (حمد الله) سبحانه وتعالى أي وصفه بالكمالات (وأثنى عليه) تعالى أي ذكره بتنزهه عن النقائص بفتح الهمزة بدل من قوله قولًا أي أحدثك أنه حمد الله تعالى الخ وبكسرها في رواية للبخاري على أنه بيان لتكلم فالجملة مستانفة استئنافًا بيانيًا، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة اهـ فتح الملهم (ثم) بعد حمد الله تعالى وثنائه عليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن مكة) المكرمة (حرمها الله) تعالى أي حكم بتحريمها وقضى به، وهل المراد مطلق التحريم فيتناول كل محرماتها أو خصوص ما ذكره بعد من سفك الدم وقطع الشجر يعني أنه حرمها ابتداء من غير سبب يُعزى إلى أحد ولا مقدمة ولا لأحد فيه مدخل لا نبي ولا عالم ولا مجتهد، وأكد ذلك المعنى بقوله:(ولم يحرمها الناس) وهذا نفي لما كان يعتقده الجاهلية وغيرهم من أنهم حرموا أو حللوا من قبل أنفسهم ولا منافاة بين هذا وبين حديث جابر المروي في مسلم "إن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة" لأن إسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث إنه مبلغه فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء
فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً. فَإِنْ أَحَد تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
يبلغونها ثم إنها كما تضاف إلى الله تعالى من حيث إنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتظهر على ألسنتهم فلعله لما رُفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطوفان اندرست حرمتها وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم عليه السلام فرفع قواعد البيت ودعا الناس إلى حَجِّهِ وحد الحرم وبين حرمته، وكذلك نسبته إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قد يُنسب الحكم للقاضي لأنه منفذه والحكم لله العلي الكبير بحكم الأصالة والحقيقة، والحاصل أن تحريمها كان بوحي من الله تعالى لا من اصطلاح الناس ثم بيّن الله سبحانه وتعالى التحريم بقوله:(فلا يحل لامرئ) وكذا المرأة (يؤمن بالله واليوم الآخر) الخ فيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أُمر به واجتناب ما نهي عنه خوف الحساب عليه وقد تعلق به من قال: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره، وقال ابن دقيق العيد: الذي أراه أنه من خطاب التهييج المعلوم عند علماء البيان نحو قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فالمعنى أن استحلال هذا النهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه فهذا هو المقتضِي لذكر هذا الوصف، ولوقيل: لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم كذا في الفتح (أن يسفك) أي أن يريق (بها) أي بمكة بكسر الفاء وحكي ضمها وهو صب الدم والمراد به القئل، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة أي أن يصب بمكة (دمًا) بالقتل الحرام وقيس بها سائر الحرم (ولا يعضد) بضم الضاد المعجمة كما قاله ابن الخشاب، وقيل: بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي ولا يقطع (بها) أي في مكة (شجرة) وكلمة لا هنا زائدة لتأكيد النفي المستفاد من لا الأولى، ويؤخذ منه حرمة قطع شجر الحرم الرطب غير المؤذي، وإذا حرم القطع فالقلع من باب أولى (فإن أحد ترخص) بوزن تفعل من الرخصة وهو حكم ثبت لعذر مع قيام المحرم، وأحد مرفوع بفعل مضمر وجوبًا يفسره ما بعده وهو من باب الاشتغال الذي يجب فيه الرفع على الفاعلية؛ أي فإن ترخص أحد القتال رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بقوله: ترخص أي لأجل قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإن
فِيهَا فَقُولوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُها الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأمْسِ. وليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأبَي شُرَيحٍ: مَا قَال لَكَ عَمْرٌو؟ قَال: أَنَا أَعْلَمُ بِذلِكَ مِنْكَ. يَا أَبَا شُرَيحٍ! إِن الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا
ــ
استدل أحد منكم على جواز القتال فيها مستدلًا بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها فقولوا له) ردًّا عليه زعمه (أن الله) عز وجل (أذن لرسوله) صلى الله عليه وسلم خصوصية له (ولم يأذن لكم) أيها المترخصون بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإنما أذن) الله سبحانه (لي) بالقتال (فيها ساعة من نهار) أي قطعة زمن من نهار يوم الفتح وهو ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر فكانت مكة في حقه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة بمنزلة الحل (وقد عادت) أي رجعت (حرمتها) أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال فيها المستفادة من لفظ الإذن (اليوم) أي في هذا اليوم؛ وهو اليوم الذي بعد يوم الفتح المعبر عنه سابقًا بلفظ الغد، والمراد به الزمن الحاضر (كحرمتها بالأمس) أي في الأمس من يوم الفتح، قال السندي رحمه الله تعالى: الظاهر أن المراد وقد عادت حرمتها بعد تلك الساعة كحرمتها قبل تلك الساعة والله أعلم، وقال القسطلاني: أي عاد تحريمها كما كانت بالأمس قبل يوم الفتح حرامًا (وليبلغ الشاهد) بالرفع على الفاعلية أي الحاضر عندي (الغائب) عني بالنصب على المفعولية، قال ابن جرير: فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه التبليغ وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما بلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة اهـ (فقيل لأبي شريح) العدوي رضي الله عنه لم أر من ذكر اسم القائل (ما قال لك) يا أبا شريح (عمرو) بن سعيد الأموي في جواب نصيحتك له هل قبلها أم لا؟ قال أبو شريح: (قال) لي عمرو: (أنا أعلم بذلك) المذكور وهو أن مكة حرمها الله الخ (منك يا أبا شريح) يعني أنك قد صح سماعك ولكنك لم تفهم المراد منه فـ (أن الحرم لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يُجير ولا يعصم ولا يُؤَمِّن (عاصيًا) بالخروج عن طاعة الإمام يشير إلى عبد الله بن الزبير لأن عمرو بن سعيد كان يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد لأنه كان يرى وجوب طاعته لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارًا منه حتى
وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ.
3186 -
(1271)(21) حدّثني زُهَيرُ بنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بن سَعِيدٍ
ــ
يصح جواب عمرو (ولا فارًّا) بالفاء من الفرار أي ولا هاربًا (بدم) والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل في تخصيصه العموم بلا مستند (ولا فارًا بخربة) أي بسرقة بفتح المعجمة وسكون الراء ثم موحدة يعني السرقة، قال ابن بطال: الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة، قال في الفتح: وقد تصرف عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق ولكن أراد به الباطل، قال ابن حزم: ولا كرامة للطيم الشيطان أن يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: قال أبو شريح: فقلت لعمرو: وقد كنتُ شاهدًا وكنت غائبا، وقد أمرنا أن يُبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك. فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة اهـ فتح الملهم. ثم قوله:(ولا فارًّا لدم) أي ولا يعيذ الحرم هاربا التجاء إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل. وقوله: (ولا فارًّا بخربة) قال النووي: وتطلق على كل خيانة، والخارب: اللص المفسد في الأرض اهـ، ثم إن قوله:(إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم) مذكور في كتب الأصول على أنه خبر واحد ظني لا يكون صالحًا لتخصيص العام وهو العام الغير المخصوص أعني قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} فمباح الدم في الخارج إذا التجأ إلى الحرم لا يُقتل فيه ولا يُؤذى ليخرج ولكن لا يطعم ولا يسقى حتى يضطر إلى الخروج فيقتل خارج الحرم فمعنى ولا فارًّا بدم على تقدير ثبوته لا تسقط عنه العقوبة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 31]، والبخاري [1832].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
3186 -
(1271)(21)(حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى
جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ (هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ). حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عز وجل عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ. قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ
ــ
اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الوليد) بن مسلم القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (قال زهير) بن حرب:(حدثنا الوليد بن مسلم) بصيغة السماع (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابًا (حدثني أبو سلمة هو) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3)(حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد إما نسائي أو نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة (قال) أبو هريرة:(لما فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة) المكرمة، وفي زاد المعاد إن مكة فتحت عنوة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعي وأحمد في أحد قوليه اهـ (قام) صلى الله عليه وسلم خطيبًا (في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن الله) سبحانه وتعالى (حبس عن مكة الفيل) أي منعه عنها، والفيل بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية اسم الحيوان المشهور، واسم ذلك الفيل محمود كما في تنبيه المعلم، والمراد بحبس الفيل حبس أهله، وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله عنهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارًا فحرمة أهلها بعد الإسلام آكد لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره، وقد ذكرنا قصة أصحاب الفيل مبسوطة مفصلة في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فمن أراد الاطلاع عليها فليراجعه، قال القرطبي: يعني بالفيل فيل أبرهة الأشرم الحبشي الذي قصد خراب الكعبة فلما وصل إلى ذي المجاز سوق للعرب قريب من مكة عبأ فيله وجهزه إلى مكة فلما استقبل الفيل مكة رزم أي أقام وثبت فاحتالوا عليه بكل حيلة فلم
وَسَلَّطَ عَلَيهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي. وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي. فَلَا يُنَفَّرُ صَيدُهَا. وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا. وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ
ــ
يقدروا عليه واستقبلوا به جهة مكة فامتنع فلم يزالوا به هكذا حتى رماهم الله بالحجارة التي أرسل الطير بها على ما هو مذكور في السير وفي كتب التفسير اهـ مفهم (وسلط عليها رسوله) صلى الله عليه وسلم (و) سلط عليها (المومنين وإنها) أي وإن مكة الن تحل لأحد كان قبلي) الصواب كما في رواية القرطبي لم تحل لأحد قبلي لأن لن لنفي المستقبل فليس المقام لها بل المقام مقام لم الموضوعة لنفي الماضي كما هو مقرر في علم النحو (وإنها) أي وإن مكة (أُحلت لي ساعة من نهار) قال في المرقاة: دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا كما هو عند الأحناف؛ أي أحل لي ساعة أي زمانًا قليلًا إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر اهـ (وإنها لن تحل لأحد بعدي) قال ابن بطال: المراد به الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره اهـ ومحصله أنه خبر بمعنى النهي بخلاف قوله لم تحل لأحد كان قبلي فإنه خبر محض أو معنى قوله ولا تحل لأحد بعدي أي لا يحلها الله بعدي لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعليهم (فلا ينفر صيدها) أي لا يتعرض له بالاصطياد والإيحاش والإيهاج (ولا يختلى) أي لا يقطع (شوكها) وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى (ولا تحل ساقطتها) أي لا يحل التقاط لقطتها (إلا لمنشد) أي معرف على الدوام، والمراد بالساقطة اللقطة كما هو الرواية فيما سبق ومعنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه، والهاء فيها للاسمية كما في فاطمة بخلافها في قولهم (لكل ساقطة لاقطة) فإن المراد بالساقطة فيه الكلمة يضرب في التحفظ عند النطق، وأراد بالمنشد المعرِّف، قال العيني: يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، والناشد الطالب، وأنشدتها إذا عرفتها، وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنها إنشاد الشعر اهـ والمعنى أي لا يلتقطها أحد إلا من عرفها ليردها على صاحبها ولم يأخذها لنفسه وانتفاعها، قيل: أي ليس في لقطة الحرم إلا التعريف فلا يتملكها أحد ولا يتصدق بها وعليه الشافعي، وقيل حكمها كحكم غيرها والمقصود حينئذٍ من ذكرها أن لا يتوهم تخصيص تعريفها بأيام الموسم وعليه أبو حنيفة ومن تبعه اهـ من العون.
وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ. إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ" فَقَال الْعَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ. يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِلَّا الإِذْخِرَ" فَقَامَ أَبُو شَاهٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَال: اكْتُبُوا لِي. يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ"
ــ
(ومن قُتل له قتيل) أي من قتل له قريب كان حيا فصار قتيلًا بذلك القتل (فهو) أي فولي الدم يختار (بخير النظرين) أي يختار بخير الأمرين له وأفضلهما عنده، وقوله:(إما) حرف تفصيل للنظرين، وجملة قوله:(أن يُفدى) بالبناء للمجهول في تأويل مصدر مجرور على البدلية من خير الأمرين بدل تفصيل من مجمل أي إما يختار الفدية وهو الدية سُميت بذلك لأنها فداء عن نفس القاتل أي إما بأن يُعطى الدية (وإما) بـ (أن يُقتل) قاتل قتيله يعني يقتص منه، قال النووي: يعني أن ولي الدم مخير بين أخذ الفدية وهي الدية وبين إجراء القود وهو مذهب الإمام الشافعي خلافًا للأحناف، قال القرطبي: الحديث حجة للشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ورُوي عن ابن المسيب وابن سيرين على قولهم إن ولي دم العمد بالخيار بين القصاص والدية، ويُجبر القاتل عليها إذا اختارها الولي وهو رواية أشهب عن مالك، وذهب مالك في رواية ابن القاسم وغيره إلى أن الذي للولي إنما هو القتل فقط أو العفو وليس أن يجبر القاتل على الدية تمسكًا بقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" وفي المسألة أبحاث تنظر في مسائل الخلاف اهـ من المفهم (فقال العباس) بن عبد المطلب: (إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر. فقام أبو شاه) بهاء منونة وتكون هاء في الوقف والوصل، ولا يقال بالتاء، وحكى السلفي أن بعضهم نطق بهاء وبتاء وغلطه وقال: هو فارسي من فرسان الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن هو (رجل من أهل اليمن) كلام مدرج من الراوي قالوا: ولا يُعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته (فقال) أبو شاه: معطوف على قام (اكتبوا لي يا رسول الله) هذه الخطبة أي وأمر من معك بكتابتها لي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمن عنده (اكتبو) ها (لأبي شاه) قال النووي: هذا تصريح بجواز كتابة العلم غير القرآن ومثله حديث علي رضي الله عنه: ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. ومثله حديث أبي هريرة:
قَال الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: هذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
3187 -
(00)(00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُوسَى، عن شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: إِنَّ خُزَاعَةَ
ــ
كان عبد الله بن عمرو يكتب ولا أكتب. وجاءت أحاديث بالنهي عن كتابة غير القرآن فمن السلف من منع كتابة العلم، وقال جمهور السلف بجوازه، ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه، وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين أحدهما: أنها منسوخة وكأن النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد فنهي عن كتابة غيره خوفًا من اختلاطه واشتباهه فلما اشتهر وأمنت تلك المفسدة أُذن فيه، والثاني: أن النهي نهي تنزيه لمن وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة والإذن لمن لم يُوثق بحفظه اهـ.
(قال الوليد) بن مسلم القرشي الدمشقي بالسند السابق: (فقلت لـ) شيخي عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي ما قوله اكتبوا لي) أي ما المسؤول بكتابته في قول أبي شاة اكتبوا لي (يا رسول الله، قال) الأوزاعي: معناه اكتبوا لي (هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 238]، والبخاري [112]، وأبو داود [2017]. قال المنذري: والترمذي والنسائي أيضًا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3187 -
(00)(00)(حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي (أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه حالة كونه (يقول) الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (إن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي وهي قبيلة كانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم
قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيثٍ. عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ. بِقَتِيلٍ مِنْهُم قَتَلُوهُ. فَأُخْبِرَ بِذلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَال: "إِنَّ الله عز وجل حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفيلَ. وَسلَّطَ عَلَيها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ. أَلا وَإنَّها لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعدِي. أَلا وَإنَّها أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهارِ. أَلا وَإنَّها، سَاعَتي هذِهِ، حَرَامٌ. لَا يُخْبَطُ شَوْكُها. وَلَا يُعضَدُ شَجَرُها. وَلَا يَلْتَقِطُ
ــ
خرجوا منها فصاروا في ظاهرها وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في الجاهلية، وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر حلفاء قريش (قتلوا رجلًا من بني ليث) يُنسبون إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، والقصة مبسوطة في الفتح وغيره، وقوله:(عام فتح مكة) ظرف متعلق بقتلوا، وكذا قوله:(بقتيل) متعلق بقتلوا أيضًا أي قتلوا (بقتيل) أي بمقابلة مقتول (منهم) أي من خزاعة (قتلوه) أي قتل ذلك القتيل قاتل من بني ليث، واسم هذا القاتل خراش بن أمية الخزاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم قاله الحافظ في الفتح (فأخبر) بصيغة المبني للمجهول أي أخبر (بذلك) القتل الذي فعلته خزاعة (رسول الله صلى الله عليه وسلم نائب فاعل لأخبر (فركب) رسول الله صلى الله عليه وسلم (راحلته) أي ناقته فذهب إلى بني خزاعة (فخطبـ) ـهم (فقال: أن الله عز وجل حبس) أي منع (عن) دخول (مكة الفيل) حين جاء صاحبه بقصد تخريب الكعبة وهدمها، وكان اسم الفيل محمودًا، واسم صاحبه أبرهة الحبشي كما (وسلط) الله سبحانه وتعالى (عليها) أي على مكة (رسوله والمؤمنين) أي أذن لهم في قتالها ففتحوها (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإنها) أي إن مكة (لم تحل لأحد قبلي) جاءت هذه الرواية على الصواب بلفظ لم النافية للمضي أي لم يحل القتال فيها لأحد من قبلي (ولن تحل لأحد بعدي) أي لم يحل القتال فيها لأحد من بعدي كان وقع ظلمًا كما وَقَعَ للحجاج بن يوسف الثقفي الجائر حين قاتل فيها ابن الزبير (ألا وإنها أُحلت في ساعة من النهار ألا وإنها) في (ساعتي هذه) التي أخاطبكم فيها (حرام) أي محرم فيها القتال (لا يُخبط) أي لا يقطع (شوكها) أي الشجر ذو الشوك إن لم يؤذ، وأصل الخبط إسقاط الورق عن الشجر (ولا يُعضد) أي لا يقطع (شجرها) غير ذي الشوك من باب أولى، وهذا تصريح بما عُلم بالمفهوم الأولى مما قبله (ولا يلتقط)
سَاقِطَتَها إِلَّا مُنْشِدٌ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ. إِمَّا أَنْ يُعْطَى (يَعْنِي الدِّيَةَ)، وَإِمَّا أَنْ يُقادَ (أَهْلُ الْقَتِيلِ) "قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ. فَقَال: اكْتُبْ لِي. يَا رَسُولَ الله! فَقَال: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ". فَقَال رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ: إلَّا الإِذْخِرَ. فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إلا الإِذْخِرَ"
ــ
بصيغة المعلوم (ساقطتها) أي لقطتها (إلا منشد) أي معرف لها على الدوام (ومن قتل له قتيل) يعني في الإسلام (فهو بخير النظرين) أي غير بين خصلتين (إما أن يُعطى) ولي الدم الدية ويأخذها، وفي ديات البخاري إما أن يودى من الودي وهو إعطاء الدية، فقوله:(يعني) النبي صلى الله عليه وسلم (الدية) تفسير من الراوي ولذلك ميزناه بالهلالين (وإما أن يقاد) أي يمكن ولي الدم ومستحقه من القود وهو بفتحتين قتل القاتل بدل القتيل، وفي فتح الباري: وأصله أنهم يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل اهـ، وقوله:(أهل القتيل) زيادة من الراوي من غير حاجة إليها ولذلك جعلناه بين هلالين، والمحتاج إليه تعيين الضبط في يقاد بأنه من الإقادة لا من ثلاثيها حتى لا يذهب الذهن إلى ما يوجب اختلال المعنى وأبين الروايات ما في سنن أبي داود وهو "إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا" بصيغة المعلوم يعني أولياء القتيل، والمعنى هنا وإما يقاد أي يمكّن أهل القتيل من القود وهو القصاص (قال) أبو هريرة:(فجاء رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه) بالصرف اسمه كنيته (فقال) الرجل: (اكتب لي يا رسول الله) هذه الخطبة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه) هذه الخطبة (فقال رجل من قريش) وهو العباس بن عبد المطلب حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يُختلى خلاها" قل يا رسول الله مستثنيًا من خلاها ولا يُختلى خلاها (إلا الإذخر فإنا نجعله في) سُقف (بيوتنا) فوق الخشب ليمنع التراب (و) بين لبنات سد لحد (قبورنا) ليمنع سيلان التراب إلى الميت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي أو باجتهاد منه ولا يختلى خلاها (إلا الإذخر) بزيادة الاستثناء.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال:
3188 -
(1272)(22) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لأَحَدِكُم أَنْ يَحمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ"
ــ
3188 -
(1272)(22)(حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا) الحسن بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان الحراني، وقد ينسب إلى جده كما هنا، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم (أبي الزبير) المكي، ثقة مدلس، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم حرانيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد نيسابوري (قال) جابر:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحدكم) أيها المسلمون (أن يحمل) معه (بمكة) أي في بلدة مكة (السلاح) أي آلة القتل كالسيف والرماح والسهام والبنادق والمسدسات لأنها حرم آمن لا خوف فيها، قال ابن الملك: والمراد من الحمل ما يكون للقتال، وسيأتي التصريح به في متن الحديث، قال القاري: لا يحل حمل السلاح بمكة أي بلا ضرورة عند الجمهور، ومطلقًا عند الحسن البصري، وحجة الجمهور دخوله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضاء بما شرطه من السلاح في القراب ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح متهيأ للقتال كذا ذكره عياض وتبعه الطيبي وابن حجر، وفيه بحث ظاهر إذ المراد بحمل السلاح حمله ظاهرًا بحيث يكون سببًا لرُعب مسلم أر أذى أحد كما هو مشاهد اليوم، ويؤيده أنه كان ابن عمر يمنع ذلك في أيام الحج، وأما عام الفتح فهو مستثنى من هذا الحكم فإنه كان أُبيح له ما لم يُبح لغيره من نحو حمل السلاح، قال النووي: وشذ عكرمة عن الجماعة فقال: إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية، ولعله أراد إذا كان محرمًا ولبس المغفر والدروع ونحوهما فلا يكون مخالفًا للجماعة والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
3189 -
(1273)(23) حدَّثنا عَبدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعنَبِيُّ وَيَحيَى بْنُ يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (أَمَّا الْقَعنَبِيُّ فَقَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَس. وَأَمَّا قُتَيبَةُ فَقَال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ) وَقَال يَحيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ): قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَحَدَّثَكَ ابْنُ شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ
ــ
3189 -
(1273)(23)(حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) ثقة، من (9)(ويحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (أما القعنبي فقال) في روايته:(قرأت على مالك بن أنس) الأصبحي المدني (وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك) فهو مخالف لقرأت لأنه بمعنى أخبرني (وقال يحيى واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب) بهمزة الاستفهام الاستخباري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، قيل: إن مالكًا تفرد به عن الزهريّ، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في الكلام على الشاذ، وادعى ابن العربي في قصة له أنه قد رُوي من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك، قال الحافظ: وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد، قال: ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك ثم قال: فيُحمل قول من قال: انفرد به مالك أي بشرط الصحة، وقول من قال: توبع أي في الجملة، وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه: حسن صحيح غريب لا يُعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهريّ فقوله: (كثير) يشير إلى أنه توبع في الجملة اهـ فتح الملهم. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما بصري أو نيسابوري أو بلخي (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه) صلى الله عليه وسلم (مغفر) بكسر الميم وفتح الفاء شبه قلنسوة من الدروع، قال القرطبي: وهو ما يُلبس على الرأس من دروع الحديد، وأصله من الغفر وهو الستر، وهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عنوة وهو الصحيح من الأحاديث والمعلوم من السير لكنه عندما دخلها أمن أهلها كما سيأتي، وإنما اغتر من قال بأنها فتحت صلحًا لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلآلم يُعرِّض لأهلها بقتل ولا سبي فظن وقدر هنالك صلحًا في الخفاء مع أبي سفيان أو غبره وهذا كله وهم والصحيح الأول اهـ من المفهم،
فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ
ــ
قال الطيبي: وفي الحديث دلالة على جواز الدخول بغير إحرام لمن لا يريد النسك وهذا أصح قولي الشافعي، وقال الشمني: ولنا ما روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجاوزوا الميقات بغير إحرام" وأيضًا الإحرام لتعظيم البقعة فيستوي فيه الحاج والمعتمر وغيرهما ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بغير إحرام حكم مخصوص بذلك الوقت ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت في ساعة من نهار ثم عادت حرامًا كذا في المرقاة.
قال الحافظ: وفي الحديث مشروعية لبس المغفر وغيره من آلاف السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل مكة طاف وطفنا معه ومعه من يستره من أهل مكة أن يرميه أحد .. الحديث، وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان حينئذٍ محرمًا فخشي الصحابة أن يرميه بعض سفهاء المشركين بشيء يؤذيه فكانوا حوله يسترون رأسه ويحفظونه من ذلك اهـ فتح (فلما نزعه) أي فلما نزع النبي صلى الله عليه وسلم المغفر عن رأسه وخلعه ليستريح بعد استقراره في مكة (جاءه) أي جاء النبي صلى الله عليه وسلم (رجل) من المسلمين، قال الطيبي: هو أبو برزة الأسلمي، وفيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمور ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة (فقال: ابن خطل) بفتحتين (متعلق بأستار الكعبة) مستجيرًا بها، قال الأبي: تعلقه بأستار الكعبة فعله عياذة بالبيت، واختلف في اسمه قيل: هو هلال بن خطل، وقيل: عبد العزى بن خطل هذا قول ابن إسحاق وجماعة، قال الزبير بن بكار: ابن خطل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح هو هلال بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب بن فهر، قال: وعبد الله هو الذي يقال له خطل ولأخيه عبد العزى بن عبد مناف أيضًا خطل هما جميعًا الخطلان قاله ابن عمر، قال الحافظ: والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سُمي عبد الله، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال بيّن ذلك الكلبي في النسب، وقيل: هو عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل: غالب بن عبد الله بن خطل، واسم خطل عبد مناف من بني تيم بن فهر بن غالب، وكان ابن خطل هذا قد أسلم وهاجر فاستكتبه النبي صلى الله عليه
فَقَال: "اقْتُلُوهُ"؛ فَقَال مَالِكٌ: نَعَم.
3190 -
(1274)(24) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ. (قَال يَحيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ عَمَّارٍ
ــ
وسلم ثم ارتد عن الإسلام، فقتل رجلًا مسلمًا كان يخدمه وفَرَّ إلى مكة، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه والمسلمين وأحكام الإسلام وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين اهـ نووي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:(اقتلوه) أي اقتلوا ابن خطل ولو كان متعلقًا بأستار الكعبة قصاصًا، ويُعلم منه صحة مذهب الجمهور من أن الحرم لا يمنع من إقامة الحدود على من جنى خارجه والتجأ إليه، قال الطيبي: الظاهر أنه إنما قتله لارتداده انفرادًا أو مع انضمام قتل النفس ولو سُلم أنه قتله قصاصًا يُحمل على أنه أجاز ذلك له في تلك الساعة، ومما يدل على أن قتله لم يكن للقصاص عدم وجود شروطه من المطالبة والدعوى والشهادة اهـ (فقال مالك) في جواب استفهام يحيى بن يحيى (نعم) حدثني به ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال النووي: فقد جاء في الصحيحين في مواضع كثيرة مثل هذه العبارة ولا يقول في آخره قال نعم، واختلف العلماء في اشتراط قوله نعم في مثل هذه الصورة وهي إذا قرأ على الشيخ قائلًا أأخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ له فاهِمٌ لما يقرأ غير منكر، فقال بعض الشافعية وبعض أهل الظاهر: لا يصح السماع إلا بها فإن لم ينطق بها لم يصح السماع، وقال جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول يستحب قوله نعم ولا يشترط نطقه بشيء بل يصح السماع مع سكوته، والحالة هذه اكتفاء بظاهر الحال فإنه لا يجوز لمكلف أن يقر على الخطإ في مثل هذه الحالة، قال القاضي: هذا مذهب العلماء كافة، ومن قال من السلف نعم إنما قاله توكيدًا أو احتياطًا لا اشتراطًا اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 109]، والبخاري [1846]، وأبو داود [2685]، والترمذي [1693]، والنسائي [5/ 200]، وابن ماجه [2805].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:
3190 -
(1274)(24)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وقتيبة بن سعيد الثقفي قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار) بن أبي معاوية
الدُّهْنِيُّ) عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ (وَقَال قُتَيبَةُ: دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ) وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيرِ إحْرَامٍ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ
ــ
الكوفي البجلي (الدهني) -بضم المهملة وسكون الهاء ثم نون- منسوب إلى دهن، وهو بطن من بجيلة وهذا الذي ذكرناه من كونه بإسكان الهاء هو المشهور، ويقال بفتحها وممن حكى الفتح أبو سَعْد السمعاني في الأنساب والحافظ عبد الغني، روى عن أبي الزبير في الحج وأبيه وجعفر بن محمد، ويروي عنه (م ت س) ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد ويوسف بن عدي وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة، له عندهم فرد حديث (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم مدني وواحد مكي وواحد كوفي وواحد إما بلخي أو نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة وعليه) صلى الله عليه وسلم (عمامة سوداء) أي ذات سواد (بغير إحرام) متعلق بدخل (وفي رواية قتيبة قال) معاوية بن عمار: (حدثنا أبو الزبير عن جابر) بصيغة السماع، قال القرطبي: قوله: (وعليه عمامة سوداء) ليس مناقضًا لقوله: (إنه دخل ذلك اليوم وعليه المغفر) لإمكان أن تكون العمامة تحت المغفر وقاية من صدإ الحديد وشعثه، أو يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال الحافظ: زعم الحاكم في الإكليل أن بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة وتعقبوه باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل منهما ما راه، ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث: أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء. أخرجه مسلم أيضًا. وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول وهذا الجمع لعياض، وقال غيره: يُجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه عن صدإ الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيأ للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم وبهذا يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام لاحتمال أن يكون صلى الله عليه
3191 -
(00)(00) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمِ الأَوْدِيُّ. أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عن أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ
ــ
وسلم كان محرمًا ولكنه غطى رأسه لعذر فقد اندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرمًا اهـ. قوله: (عمامة سوداء) قال النووي: فيه جواز لبس الثياب السود، وفي الرواية الأخرى خطب وعليه عمامة سوداء فيه جواز لبس الأسود في الخطبة، وأَنَّ الأبيض أفضل منه كما ثبت في الحديث الصحيح:"خير ثيابكم البياض" وأما لباس الخطباء السواد في حال الخطبة فجائز، ولكن الأفضل البياض كما ذكرنا، وإنما لبس العمامة السوداء في هذا الحديث بيانًا للجواز والله أعلم كذا في الشرح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 363]، وأبو داود [4076]، والترمذي [1735]، والنسائي [5/ 201]، وابن ماجه [2822].
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال:
3191 -
(00)(00)(حدثنا علي بن حكيم) بن ذبيان بمعجمة بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية (الأودي) أبو الحسن الكوفي، روى عن شريك بن عبد الله بن سنان في الحج وابن عيينة وعبثر بن القاسم، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن أحمد ومطين، قال ابن معين: ثقة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (أخبرنا شريك) بن عبد الله بن سنان، ويقال شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن عمار) بن معاوية، ويقال ابن أبي معاوية، ويقال ابن خباب، ويقال ابن صالح البجلي (الدهني) بضم أوله وسكون ثانيه نسبة إلى دهن بطن من بجيلة كما آنفًا، أبي معاوية الكوفي، روى عن أبي الزبير في الحج وأبي الطفيل وأبي سلمة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشريك بن عبد الله وابنه معاوية وشعبة وعدة (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمار الدهني لابنه معاوية بن عمار الدهني في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير المكي (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة) بمكة المكرمة (وعليه عمامة سوداء) بغير ذكر قوله:(بغير إحرام).
3192 -
(1275)(25) حدَّثنا يَحيَى بن يَحيَى وَإسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. قَالا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عن مُسَاورٍ الْوَرَّاقِ، عن جَعْفَرِ بْنِ عَمرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
3193 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُسَاورٍ الْوَرَّاقِ. قَال: حَدَّثَنِي (وَفِي رِوَايَةِ الْحُلْوَانِيِّ قَال): سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمرِو بْنِ
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنهما فقال:
3192 -
(1275)(25)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال: أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن مساور) بن سواربن عبد الحميد (الوراق) أي الكاتب الشاعر الكوفي، روى عن جعفر بن عمرو بن حريث وأبي حصين الأسدي وشعيب بن يسار مولى ابن عباس، ويروي عنه (م عم) ووكيع وابن عيينة وأبو أسامة وغيرهم، قال أحمد: كان يقول الشعر ما أرى بحديثه بأسًا، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (عن جعفر بن عمرو بن حريث) المخزومي الكوفي، مقبول، من (3) روى عنه في (2) بابين الصلاة والحج (عن أبيه) عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي، صحابي صغير رضي الله عنه، مرت ترجمته في كتاب الصلاة. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد إما نيسابوري أو مروزي، وحكم هذا السند الحسن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس) في بعض خطبه (وعليه عمامة سوداء). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
3193 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن) بن علي (الحلواني) الخلال الهذلي أبو علي المكي، ثقة، من (11) (قال: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن مساور) بن سوار بن عبد الحميد (الوراق) الكوفي (قال) مساور: (حدثني) جعفر بن عمرو بن حريث (وفي رواية الحلواني قال) مساور: (سمعت جعفر بن عمرو بن
حُرَيثٍ) عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى الْمِنْبَرِ. وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. قَدْ أَرْخَى طَرَفَيها بَينَ كَتِفَيهِ. وَلَم يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى الْمِنْبَرِ
ــ
حريث) المخزومي الكوفي (عن أبيه) عمرو بن حريث المخزومي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لوكيع (قال) عمرو بن حريث:(كأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه قائمًا (على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى) وأسدل (طرفيها) أي طرفي العمامة (بين كتفيه، ولم يقل أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته لفظة (على المنبر) بل قالها الحسن فقط قوله: (قد أرخى طرفيها) قال النواوي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها طرفيها بالتثنية وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد وأن بعضهم رواه (طرفيها) بالتثنية والله أعلم، وفيه استحباب إرخاء الذؤابة وسيأتي الكلام عليه مبسوطًا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.
وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي شريح العدوي ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث عمرو بن حريث ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***