الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
521 - (7) "باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها
"
3217 -
(1289)(39) حدَّثنا حَمَّادُ بن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ وُهَيبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلى الْمَهْرِيِّ؛ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ
ــ
521 -
(7) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها
3217 -
(1289)(39)(حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية) القرشي الأسدي مولاهم البصري نزيل بغداد، روى عن أبيه في الحج، ويروي عنه (م س) له في مسلم فرد حديث في الحج والسرّاج، قال النسائي: بغدادي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين ببغداد (حدثنا أبي) إسماعيل بن إبراهيم ابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8)(عن وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبي بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12)(عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (أنه حدّث عن أبي سعيد مولى المهري) معروف بكنيته ليس له اسم، المدني، روى عن أبي سعيد الخدري في الحج والجهاد، وأبي ذر، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي إسحاق ويحيى بن أبي كثير وسعيد المقبري وابنه يزيد بن أبي سعيد، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، وقوله:(المهري) بفتح الميم وسكون الهاء اسمه رشدين -بكسر الراء وسكون المعجمة- ابن سعد مولى مفلح أبو الحجاج المصري، ضعيف، رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة، وقال ابن يونس: كان صالحًا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلَّط في الحديث من السابعة اهـ تقريب.
(أنه) أي أن الشأن والحال (أصابهم) أي أصاب أبا سعيد مولى المهري وعياله (بالمدينة) المنورة (جهد) أي جوع وقلة مؤنة (وشدة) أي مشقة من حرارتها وبرودتها وفقد الكسب فيها وقلة الطعام فيها وتعذر تحصيله، قال الأبي: لا يعارض دعاءه صلى الله عليه وسلم لها بالبركة ولا منافاة بين ثبوت الشدة وثبوت البركة فيها وتخلفها عن بعض لا يضر، بهذا كان شيخنا يجيب والأظهر على ما قدمنا أن الشدة هي في تحصيل
وَأَنَّهُ أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ. فَقَال لَهُ: إِنِّي كَثِيرُ الْعِيَالِ. وَقَدْ أَصَابتْنَا شِدَّةٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِي إِلَى بَعْضِ الرِّيفِ. فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: لَا تَفْعَل. الْزَمِ الْمَدِينَةَ. فَإِنَّا خَرَجْنَا مَعَ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم (أَظُنُّ أَنَّهُ قَال): حَتَّى قَدِمْنَا عُسْفَانَ. فَأَقَامَ بِها لَيَالِيَ. فَقَال النَّاسُ: وَاللهِ! مَا نَحْنُ ههُنَا فِي شَيءٍ. وَإِنَّ عِيَالنَا لَخُلُوفٌ مَا نَأمَنُ عَلَيهِمْ. فَبَلَغَ ذلِكَ
ــ
القوت وأن المد بها يشبع ما يشبع ثلاثة أمثاله بغيرها فتكون الشدة في تحصيل المد والبركة في تضعيف القوت بها اهـ (وأنه) أي وأن أبا سعيد مولى المهري (أتى) وجاء (أبا سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان (فقال) أبو سعيد مولى المهري (له) أي لأبي سعيد الخدري (إني كثير العيال) والأهل والأولاد (وقد أصابتنا شدة) أي مشقة من قلة الطعام والمؤنة (فأردت) أي فقصدت (أن أنقل) وأحول (عيالي إلى بعض) بلاد (الريف) والخصب كالشام والعراق ومصر، قال أهل اللغة: الريف بكسر الراء هو الأرض التي فيها زرع وخصب، وجمعه أرياف، ويقال أريفنا أي صرنا إلى الريف وأرافت الأرض أي أخصبت فهي ريفة اهـ نووي (فقال) له (أبو سعيد) الخدري:(لا تفعل) ذلك النقل من المدينة والتحول منها إلى غيرها فـ (ـالزم المدينة) واصبر على لأوائها فإنها خير لكم، والفاء في قوله:(فإنا خرجنا) تعليلية والجملة علة لمحذوف تقديره وإنما أمرتك بلزوم المدينة لأنا معاشر الأصحاب خرجنا من المدينة (مع نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سعيد مولى المهري (أظن أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (قال): خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة (حتى قدمنا عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين اسم واد بين مكة والمدينة قريب من التنعيم (فأقام) نبي الله صلى الله عليه وسلم (بها) بقرية عسفان ونزل فيها (ليالي) قليلة (فقال الناس) أي الأصحاب بعضهم لبعض: (والله ما نحن ها هنا) أي لسنا نحن في هذا الوادي (في شيء) من الشغل لا في الجهاد ولا في الكسب (وإن عيالنا) أي أهالينا وأولادنا (لخلوف) بضم الخاء المعجمة أي لضياع لا حامي لهم ولا حافظ ولا رجال معهم ونحن (ما نأمن عليهم) من هجوم العدو ولا من غوائل الفسقة، قال القرطبي: لخلوف بضم الخاء المعجمة أي لا حافظ لهم ولا حامي يقال حيٌّ خلوف أي غاب عنهم رجالهم (فبلغ) أي وصل (ذلك) الكلام الذي قالوه فيما
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "مَا هذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ (مَا أَدْرِي كَيفَ قَال) وَالَّذِي أَخْلِفُ بِهِ، أَوْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ إِنْ شِئْتُمْ (لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَال) لآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ ثُمَّ لَا أَحُلُّ لَهَا عُقْدَةً حَتَّى أَقْدمَ الْمَدِينَةَ". وَقَال: "اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا. وَإِني حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَينَ مَأزِمَيهَا. أَنْ لَا يُهَرَاقَ فِيهَا دَمٌ
ــ
بينهم (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما هذا) الكلام (الذي بلغني من حديثكم) فيما بينكم قال أبو سعيد الخدري: (ما أدري) ولا أعلم (كيف قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه: هل قال (والذي أحلف به أو) قال: (والذي نفسي بيده) وهذا شك من أبي سعيد الخدري، وقوله:(لقد هممت) وقصدت جواب القسم أي والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بناقتي أن ترحل (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي أحلف به (إن شئتم) الرجوع إلى المدينة لآمرن بناقتي أن ترحل، قال أبو سعيد الخدري:(لا أدري) ولا أعلم (أيتهما) أي لا أدري أي الكلمتين من قوله: لقد هممت أن آمر بناقتي أو من قوله: إن شئتم لآمرن بناقتي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشك من أبي سعيد الخدري أي إن شئتم الرجوع إلى المدينة (لآمرن بناقتي) القصواء أن (ترحل) أي أن يشد عليها رحلها للارتحال من ذلك المكان في الحال (ثم) أواصل السير بها ليلًا ونهارًا في الرجوع إلى المدينة و (لا أحل لها عقدة) أي ولا أفك عقدة أي ربطة من عقد حملها ورحلها (حتى أقدم) بفتح الدال من باب فرح أي حتى أصل (المدينة) لمبالغتي في الإسراع إليها والاستعجال بدخولها (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم إن إبراهيم) الخليل عليه السلام (حرم مكة) أي بلغ تحريمها (فجعلها حرمًا) أي فبيّن جهة تحريمها من كونها لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها مثلًا فإن تحريم مكة سماوي من الخلقة فإسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث التبليغ والإظهار كما مر، وعبارة المشكاة (فجعلها حرامًا) (وإني حرمت المدينة حراما) منصوب على المصدرية لغير موافقة أي تحريمًا كقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)} أي إنباتًا و (ما بين مأزميها) بدل من المدينة أي حرمت ما بين مأزميها أي لابتيها ولا في قوله: (أن لا يهراق فيها دم) زائدة نظير قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي لكي يعلم، والجملة بدل ثان من المدينة أي وإني حرمت أن يهراق فيها دم، والمراد من
وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخْبطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفِ. اللهم بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللهم بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. اللهم بَارِك لَنَا فِي مُدنَا. اللهم بَارِكْ لَنَا في صاعِنَا. اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي مُدنَا. اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللهُم اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَينِ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنَ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلَا نَقْبٌ إِلا عَلَيهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِلَيهَا". (ثُم قَال لِلناسِ) "ارْتَحِلُوا" فَارتَحَلْنَا. فَأَقْبَلْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَوَالذِي نَحْلِفُ بِهِ أَوْ يُحْلَفُ بِهِ! (الشك
ــ
نهي إراقة الدم عن القتل الحرام فيها المفضي إلى إراقة الدم وإراقة الدم الحرام ممنوع في كل مكان، ولكن إراقته في مكة والمدينة أشد تحريمًا، وكذا لا زائدة في الموضعين بعده؛ وهما قوله:(ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تخبط) بالتاء والياء ولا تقطع (فيها شجرة إلا لعلف) أي وحرمت فيها حمل سلاح لقتال وخبط شجرة إلا لعلف البهائم، وقوله:(ولا تخبط) بتأنيث الفعل وتذكيره قاله ملا علي، والخبط: إسقاط الورق بالضرب بالعصا أو برمي الحجر، ويطلق على القطع كما مر، والعلْف بإسكان اللام مصدر لعلفت علفًا وأما العلف بفتح اللام فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها، وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف وهو المراد هنا بخلاف خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام اهـ نووي، وقال أيضًا:(اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة) المسؤولة لنا (بركتين) أي مثلين لها فتكون ثلاث بركات (والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب) بكسر الشين هو الفرجة النافذة بين الجبلين، وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل (ولا نقْب) بفتح النون، وحكي ضمها هو مثل الشعب، وقيل هو الطريق في الجبل، وقال الأخقش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها أي ما في المدينة شعب ولا نقب (إلا عليه) وفي بعض النسخ إلا وعليه أي على ذلك الشعب أو النقب (ملكان يحرسانها) أي يحرسان المدينة ويحفظانها (حتى تقدموا) أي ترجعوا (إليها) قال النواوي: فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكثرة الحراس واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (للناس: ارتحلوا) بنا أي ارجعوابنا إلى المدينة وسافروا إليها، قال أبو سعيد:(فارتحلنا) من عسفان (فأقبلنا إلى المدينة فوالذي) أي فأقسمت لكم بالإله الذي (نحلف به أو) قال أبي إسماعيل فوالذي (يحلف به، الشك
مِنْ حَمَّادٍ) مَا وَضَعْنَا رِحَالنَا حِينَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ حَتَّى أَغَارَ عَلَينَا بَنُو عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطفَانَ. وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْلَ ذلِكَ شَيء.
3218 -
(00)(00) وحدثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عُلَيةَ، عَن عَلِي بْنِ الْمُبَارَكِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِي، عَنْ
ــ
من حماد) فيما قاله أبوه من الكلمتين (ما وضعنا) أي ما حططنا وفككنا (رحالنا) أي ركابنا وأقتابنا عن رواحلنا ومراكبنا (حين دخلنا المدينة حتى أغار) وهجم (علينا بنو عبد الله بن غطفان) كانوا يسمون في الجاهلية بني عبد العزى سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل اسمهم، وفي هذا ما يدل على أن حراسة الملائكة للمدينة إنما كان إذ ذاك في مدة غيبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنها نيابة عنهم اهـ مفهم (وما يهيجهم) أي وما حركهم وبعثهم على الإغارة على المدينة (قبل ذلك) أي قبل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (شيء) من الأسباب أي ما منعهم من الإغارة عليها شيء من الأسباب الظاهرة إلا حراسة الله تعالى وملائكته، قال أهل اللغة: يقال: هاج الشر وهاجت الحرب وهاجها الناس أي تحركت وحركوها، وهجت زيدًا حركته للأمر، كله ثلاثي، قال النووي: معناه أن المدينة في حال غيبتهم كانت محمية محروسة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بني عبد الله بن غطفان أغاروا عليها حين قدمنا ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر ولا كان لهم عدو يهيجهم ويشتغلون به بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله: بنو عبد الله فهو هكذا مكبر في بعض النسخ وهو الصواب، ووقع في أكثرها بنو عبيد الله مصغرًا فهو خطأ كذا قال القاضي عياض والنووي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ولكن شاركه أحمد [3/ 34 و 47].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
3218 -
(00)(00)(وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية عن علي بن المبارك) الهنائي -بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا- البصري، ثقة، من (7)(حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (حدثنا أبو سعيد مولى المهري عن
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدنَا. وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَينِ".
3219 -
(00)(00) وحدْثناه أبُو بَكْرِ بن أَبِي شيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا شَيبَانُ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَندُ الصمَدِ. حَدَّثَنَا حَرْبٌ (يَعْنِي ابنَ شَدادٍ) كِلاهُمَا عَن يَحيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسنَادِ، مِثْلَهُ
ــ
أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير ليحيى بن أبي إسحاق (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا واجعل مع البركة) المسؤولة (بركتين) أخريين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
3219 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي صاحب المسند، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11)(أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حرب يعني ابن شداد) اليشكري القطان أبو الخطاب البصري، روى عن يحيى بن أبي كثير في الحج والأدب والفضائل، ويروي عنه (خ م د ت س) وعبد الصمد بن عبد الوارث وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وثقه أحمد، وقال ابن معين وأبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (261) إحدى وستين ومائتين (كلاهما) أي كل من شيبان وحرب بن شداد رويا (عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري (مثله) أي مثل ما روى ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بيان متابعتهما لابن المبارك.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
3220 -
(00)(00) وحدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيد. حَدَّثَنَا لَيث، عَن سَعِيدِ بنِ أبِي سَعِيد، عَن أبِي سَعِيد مَولَى المهرِي؛ أَنهُ جَاءَ أبَا سَعِيد الخدرِي، لَيَالِيَ الحرةِ، فَاستَشَارَهُ فِي الجلاءِ مِنَ المدِينَةِ. وَشَكَا إِلَيهِ أَشعَارَهَا وَكَثرَةَ عِيَالِهِ. وَأخبَرَهُ أَن لَا صَبرَ لَهُ عَلَى جَهدِ
ــ
3220 -
(00)(00) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري المدني (عن أبي سعيد مولى المهري) المدني (أنه جاء أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي سعيد المقبري ليحيى بن أبي إسحاق (ليالي الحرة) يعني الفتنة المشهورة التي نهبت فيها المدينة سنة ثلاث وستين، قال القرطبي: يعني حرة المدينة كان بها مقتلة عظيمة في أهل المدينة كان سببها أن ابن الزبير وأكثر أهل الحجاز كرهوا بيعة يزيد بن معاوية، فلما توفي معاوية وجه يزيدُ مسلمَ بن عقبة المري المدني في جيش عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم، وقتل بحرة المدينة قتلًا ذريعًا، واستباح المدينة ثلاثة أيام فسميت وقعة الحرة، ثم إنه توجه بذلك الجيش يريد مكة فمات مسلم بقديد وولي الجيش الحصين بن نمير، وسار إلى مكة، وحاصر ابن الزبير، واحترقت الكعبة، وانهدم جدارها، وسقط سقفها، فبينما هم كذلك بلغهم موت يزيد وتفرقوا وبقي ابن الزبير بمكة إلى زمن الحجاج وقتله لابن الزبير رحمه الله تعالى، وقد تقدم الكلام في إغزاء يزيد المدينة في وقعة الحرة ومبايعة أهل الحجاز ابن الزبير بأشبع من هذا في أحاديث بناء ابن الزبير الكعبة حين احترقت اهـ من المفهم بزيادة (فاستشاره) أي شاور أبو سعيد مولى المهري أبا سعيد الخدري والمشاورة إظهار سرك لغيرك ليظهر لك ما هو خير لك فيه ولا يكون إلا صديقًا ناصحًا؛ أي شاوره (في) شأن (الجلاء) والخروج والانتقال (من المدينة) إلى بلاد الريف، قال القرطبي: الجلاء بفتح الجيم والمد الانتقال من موضع إلى غيره، وبكسرها والمد جلاء السيف والعروس، وبفتح الجيم والقصر جلا الجبهة وهو استحسار الشعر عنها يقال منه رجل أجلى وأجلح اهـ من المفهم (وشكا) أي أخبر مولى المهري (إليه) أي إلى أبي سعيد الخدري على سبيل الشكوى (أسعارها) أي غلاء أسعارها أي زيادة قيم الأشياء فيها (و) شكا إليه (كثرة عياله) أي كثرة من يعولهم وينفق عليهم (وأخبره) أي أخبر مولى المهري أبا سعيد الخدري (أن) مخففة أي أنه (لا صبر له على جهد
الْمَدِينَةِ وَلأْوَائِهَا. فَقَال لَهُ: ويحَكَ! لَا آمُرُكَ بِذلِكَ. إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا فَيَمُوتَ، إِلا كنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهيدا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِما".
3221 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيب. جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ (وَاللفْظُ لأَبِي بَكرِ وَابْنِ نُمَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ،
ــ
المدينة) وجوعها (و) على (لأوائها) أي على لأواء المدينة المعيشة فيها (فقال) أبو سعيد الخدري (له) أي لمولى المهري (وبحك) أي ألزمك الله الويح والرحمة وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة ليغاث له أي أغاثك الله بالرحمة والتوفيق إني (لا آمرك بذلك) أي بالخروج من المدينة والجلاء عنها أي لا أقول لك اخرج منها إلى بلاد الريف ولأ أشير عليك بالخروج منها ولذلك (إني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر أحد على لأوائها) أي على لأواء المدينة وضيق المعيشة فيها (فيموت) فيها وهو صابر محتسب (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا) قال ابن الملك وأو فيه للتقسيم معناه كنت شفيعًا لمن مات بها بعدي وشهيدًا لمن مات بها في زماني، وإن جعلت أو بمعنى الواو كما ورد في بعض الرواية بالواو فلا يحتاج إلى هذا التوجيه فيكون إشارة إلى اختصاص أهل المدينة بالفضيلتين الشهادة على رسوخ إيمانهم وحسن إيقانهم، والشفاعة ليتجاوز عن عصيانهم اهـ قال القرطبي: وهذا يقيد ما تقدم من مطلقات هذه الألفاظ على القاعدة المقررة من أن الكافر لا تناله شفاعة شافع كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} [الشعراء: 100 - 101] اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال:
3221 -
(00)(00) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو
كريب جميعًا عن أبي أسامة واللفظ) الآتي الأبي بكر وابن نمير قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي، ثقة، من (9)(عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي
حَدثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِي؛ أَن عَبْدَ الرحْمَن حَدثهُ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدِ؛ أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِني حَرمْتُ مَا بَينَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ. كَمَا حَرمَ إِبْرَاهِيمُ مَكةَ". قَال: ثُم كَانَ أَبو سَعِيدٍ يَأْخُذُ (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَجِدُ) أَحَدَنَا فِي يَدِهِ الطيرُ، فَيفُكُهُ مِنْ يَدِهِ، ثُم يُرْسِلُهُ.
3222 -
(1290)(40) وحدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بن مُسْهِرٍ، عَنِ الشيبَانِي،
ــ
مولاهم أبي محمد المدني سكن الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري) المدني، روى عن أبيه في الحج، ويروي عنه (م) والوليد بن كثير فرد حديث عنده، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة (أن) أباه (عبد الرحمن) بن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي أبا محمد المدني، ثقة، من (3) مات سنة (113)(حدّثه) أي حدّث لسعيد (عن أبيه) أي عن أبي عبد الرحمن (أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه بدل من أبيه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري لأبي سعيد مولى المهري (أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني حرمت) أي جعلت (ما بين لابتي المدينة) وحرتيها حرمًا (كما حرم إبراهيم مكة، قال) عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (ثم) بَعدما روى هذا الحديث (كان) والدي (أبو سعيد) الخدري (يأخذ وقال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (يجد أحدنا) أي يرى أحدنا، والحال أنه (في يده الطير) أي الطير الذي صاده، والجملة الاسمية حال من مفعول يجد (فيفكه) معطوف على يجد أي فيفك ذلك الطير ويخلصه (من يده) أي من يد أحدنا ويخرجه منها (ثم يرسله) أي يرسل ذلك الطير ويطلقه فيطير إلى حيث شاء.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنهم فقال:
3222 -
(1390)(0 4)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8)(عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيياني)
عَن يُسَيرِ بنِ عَمرٍو، عَن سَهلِ بنِ حُنَيفٍ، قَال: أَهوَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى المدِينَةِ فَقَال: "إِنهَا حَرَم آمِن".
3223 -
(1291)(41) وحدثنا أبُو بَكرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدَةُ،
ــ
أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) (عن يسير) مصغرًا ويقال: أسير بالهمز (بن عمرو) ويقال ابن جابر العبدي أو المحاربي أو الكندي أبي الخباز الكوفي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إن له رؤية روى عن سهل بن حنيف في الحج، وعمر في الفضائل، وعلي وابن مسعود في الفتن، ويروي عنه (خ م س) والشيباني وابنه قيس وحميد بن هلال وغيرهم، قال ابن سعد وابن حبان: ثقة، وذكره العجلي في الثقات، وقال في التقريب: له رؤية (عن سهل بن حنيف) مصغرًا ابن واهب الأنصاري الأوسي أبي ثابت المدني البدري، مات بالكوفة سنة (38) وصلى عليه علي وكبر عليه سنًّا رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) سهل (أهوى) أي أومأ وأشار (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (إلى المدينة) المنورة (فقال إنها) أي إن المدينة (حرم آمن) يأمن ما فيه من الصيد والأشجار والخلإ من التعرض له، قال القرطبي: قوله: آمن يُروى بمدة بعد الهمزة وكسر الميم على أنه نعت لحرم آي آمن من أن تغزوه قريش كما قال يوم الأحزاب: "لن تغزوكم قريش بعد اليوم" رواه البيهقي في دلائل النبوة [3/ 458] أو من الدجال أو الطاعون أو آمن من صيدها وشجرها ويروى بغير مد وإسكان الميم وهو مصدر أي ذات أمن كما يقال امرأة عدل اهـ من المفهم. وفيه دلالة لمذهب الجمهور في تحريم صيدها وشجرها، وقد سبقت المسألة وذكر الخلاف فيها وفي هذا الحديث عن الطبراني في الكبير "إنها حرام آمن، إنها حرام آمن" قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اهـ فتح الملهم، وهذا الحديث نظير قوله تعالى في مكة {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف عنها اهـ من بعض الهوامش. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [3/ 486].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال
3223 -
(1291)(41)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: قَدِمنَا المدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَة. فَاشتَكَي أَبُو بَكْرٍ وَاشتَكى بِلال. فَلَما رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَكوَى أَصْحَابِهِ قَال: "اللهُم! حَبِّبْ إِلَينَا المدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكةَ أَو أَشَد. وَصَححهَا. وَبَارِك لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدهَا. وَحَوِّل حُماهَا إِلَى الْجُحفَةِ"
ــ
الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة:(قدمنا المدينة) مهاجرين إلى الله ورسوله (وهي) أي والحال أن المدينة (وبيئة) بهمزة ممدودة أي ذات وباء، والوبا بهمز وبدونها المرض العام، وقد أطلَقَه بعضهم على الطاعون لأنه من أفراده لكن ليس كل وباء طاعونًا، وقال القرطبي: والوباء هنا شدة المرض والحمى، وكانوا لما قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حُماها شدة حتى دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم كما ذكر في هذا الحديث وغيره (فاشتكى) أي وعك (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (واشتكى) أي وعك أيضًا (بلال) بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهما كما في الفتح (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه) من وبائها وحماها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم حبب إلينا) معاشر المهاجرين (المدينة كما حببت مكة) إلينا (أو) حبًّا (أشد) من حب مكة أي بل أكثر وأعظم من حبنا لمكة، ويؤيده أنه في رواية وأشد، قال القاري في شرح المشكاة: ثم لا ينافي هذا ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم قال لمكة: "إنك أحب البلاد إلي وإنك أحب أرض الله إلى الله" وفي رواية: "لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله" فإن المراد به المبالغة أو لأنه لما أوجب الله على المهاجرين مجاورة المدينة وترك التوطن، والسكون بمكة السكينة، طلب من الله أن يزيد محبة المدينة في قلوب أصحابه لئلا يميلوا بأدنى الميل؛ إذ المراد بالمحبة الزائدة الملائمة لملاذ النفس ونفي مشاقها لا المحبة المرتبة على كثرة المثوبة فالحيثية مختلفة ويؤيد ما قررنا قولُهُ فيما بعد (وصححها) أي صحح المدينة واجعل هواءها وماءها صحيحًا (وبارك لنا في صاعها ومدها وحول) أي وانقل عنها (حماها) أي حمى المدينة ووباءها وأمراضها (إلى الجحفة) وتسمى في الأصل مهيعة،
3224 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
3225 -
(1292)(42) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ
ــ
وهي المسماة الآن برابغ كما مر في باب المواقيت وكان سكانها في ذلك الوقت يهود، قال القرطبي: وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا رحمة لأهل المدينة ولأصحابه ونقمة من أهل الجحفة فإنهم كانوا إذ ذاك كفارًا، قال الخطابي: كانوا يهود وقيل: إنه لم يبق من أهل الجحفة في ذلك الوقت إلا أخذته الحمى، وفيه الدعاء للمسلم وعلى الكافر وهذا وما في معناه من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي تفوق الحصر حجة على بعض المعتزلة القائلين لا فائدة في الدعاء مع سابق القدر، وعلى غلاة الصوفية القائلين إن الدعاء قادح في التوكل وهذه كلها جهالات لا ينتحلها إلا جاهل غبي لظهور فسادها وقبح ما يلزم عليها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 56]، والبخاري [1889].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3224 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو أسامة و) عبد الله (ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدّث عبدة بن سليمان عن هشام، غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3225 -
(1292)(42)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9)(أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي أبو زياد المدني، ثقة، من (6) (حدثنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكى وواحد بصري وواحد نسائي (قال) ابن عمر: (سمعت
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَبَرَ عَلَى لأْوَائِهَا، كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
3226 -
(1293)(43) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَي مَالِكٍ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيمِرِ بْنِ الأجدَعِ، عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيرِ. أَخْبَرَهُ؛ أَنهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ. فَأَتَتْهُ مَوْلاة لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيهِ. فَقَالتْ: إِني أَرَدْتُ الْخُرُوجَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرحْمنِ،
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صبر على لأوائها) أي لأواء المدينة وضيق معيشتها (كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3226 -
(1293)(43)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع) الليثي أبي الحسن المدني، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السادسة، روى عن يحنس مولى الزبير في الحج، وعبيد بن عمير وعمه، ويروي عنه (م س) ومالك والضحاك بن عثمان وعبيد الله بن عمر (عن يُحَنَّس) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون المفتوحة ثم سين مهملة، وفي الخلاصة آخره معجمة ابن عبد الله (مولى) مصعب بن (الزبير) القرشي الأسدي مولاهم أبي موسى المدني، روى عن عبد الله بن عمر في الحج، وأبي سعيد الخدري في الشعر، ويروي عنه (م د س) وقطن بن وهب ويزيد بن الهاد ووهب بن كيسان وغيرهم، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة مقرئ من الثالثة، وليس عندهم يحنس إلا هذا الثقة (أخبره) أي أخبر يحنس لقطن (أنه) أي أن يحنس (كان جالسًا عند عبد الله بن عمر) بن الخطاب (في) زمن (الفتنة) يعني فتنة وقعة الحرة التي وقعت في زمن يزيد بن معاوية (فأتته) أي فاتت ابن عمر أي جاءته (مولاة) أي عتيقة (له) أي لابن عمر حالة كونها (تسلم عليه) أي على ابن عمر (فقالت) المولاة لابن عمر:(إني أردت) أي قصدت (الخروج) من المدينة والانتقال إلى بلاد الريف (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن
اشتَدَّ عَلَينَا الزمَانُ. فَقَال لَهَا عَبْدُ الله: اقعُدِي. لَكَاعِ! فَإِني سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَصبِرُ عَلَى لأوَائِهَا وَشِدتِهَا أَحَد، إِلا كُنتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ"
ــ
عمر (اشتد علينا) في المدينة (الزمان) أي حوادث الزمان (فقال لها) أي للمولاة (عبد الله) بن عمر (اقعدي) أي امكثي واطمئني في المدينة ولا تخرجي منها يا (لكاع) أي يا غَبِيَّة أو يا لئيمة أو يا حمقاء خاطبها به إنكارًا لما أرادته من الخروج وتثبيطًا لها، يقال للرجل: لكع كصرد، وللمرأة لكاع كقطام، ولا يستعملان إلا في النداء إلا ما شذ من الشعر كقول أبي الغريب النصري:
أطوف ما أطوف ثم آوي
…
إلى بيت قعيدته لكاع
أي لئيمة
ولكاع بفتح اللام، وأما العين فمبنية على الكسر، قال أهل اللغة: يقال امرأة لكاع بفتح اللام، ورجل لكع بضم اللام وفتح الكاف، ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير وهو من الأسماء المبنية على الكسر كحذام وقطام لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا لتضمنه معنى حرف التأنيث وهو التاء، وإنما حُرِّك فرارًا من التقاء الساكنين وكانت الحركة كسرة لأنها الأصل في حركة التخلص وضم بناء المنادى مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي كما بيناه في نزهة الألباب، وإنما أمرتك بالقعود (فإني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصبر على لأوالها) أي على لأواء المدينة وجوعها (وشدتها) أي شدة وبائها وضيق معيشتها (أحد) من المسلمين (إلا كنت له شهيدًا) إن كان من أهل زماني (أو شفيعًا) إن كان من غيرهم (يوم القيامة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 113 و 119 و 133]، والنسائي كما في تحفة الأشراف، ومالك في الموطإ [2/ 885].
قال النواوي: وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب مع ما سبق وما بعدها دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة والصبر على شدائدها وضيق العيش فيها وأن هذا الفضل مستمر إلى يوم القيامة، وقد اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة قال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة، وقال أحمد بن حنبل وطائفة: لا تكره المجاورة
3227 -
(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي فُدَيكِ. أَخبَرَنَا الضحاكُ، عَنْ قَطَنِ الخزَاعي، عَن يُحَنسَ مَولَي مُصعَبٍ، عَن عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَن صَبَرَ عَلَى لأوَائِهَا وَشِدتِهَا، كنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَومَ الْقِيَامَةِ (يَعني المدِينَةَ) "
ــ
بمكة بل تستحب، وإنما كرهها من كرهها لأمور منها خوف الملل وقلة الحرمة للأنس وخوف ملابسة الذنوب فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها، واحتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل بغيرها وتضعيف الصلوات والحسنات فيها وغير ذلك، والمختار أن المجاورة بهما جميعًا مستحبة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة وغير ذلك، وقد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها ممن يقتدى به وينبغي للمجاور فيهما الاحتراز من المحذورات وأسبابها والله أعلم اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3227 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي مولاهم المدني، صدوق، من (8)(أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي المدني، صدوق، من (7)(عن قطن) بن وهب (الخزاعي) المدني، صدوق، من (6)(عن يحنس) بن عبد الله (مولى مصعب) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (3)، في الرواية السابقة مولى الزبير فيُجمع بينهما بأنه مولى لأحدهما حقيقة وللآخر مجازًا (عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الضحاك لمالك (قال) ابن عمر:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة -يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير لأوائها (المدينة-) تفسير مدرج من بعض الرواة والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
3228 -
(1294)(44) وحدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدتِهَا أَحَد مِنْ أُمتِي، إِلا كنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا".
3229 -
(00)(00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ موسَى بْنِ أَبِي عِيسَى؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الله الْقَرَّاظَ
ــ
3228 -
(1294)(44)(وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (10)(وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9)(جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (8)(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني مولاهم المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصبر على لأواء المدينة) وجوعها (وشدتها) أي شدة معيشتها وضيقها (أحد من أمتي إلا كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3229 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى) ميسرة الحناط بمهملة ونون، الغفاري المدني مشهور بكنيته، روى عن أبي عبد الله القراظ في الحج، وعبد الله بن بخت وموسى بن أنس بن مالك ونافع مولى ابن عمر، ويروي عنه (م د ق) وابن عيينة والليث ويحيى القطان وغيرهم، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (أنه سمع أبا عبد الله القراظ) بفتحتين مع تشديد الراء لأنه كان يبيع القرظ دينارًا الخزاعي مولاهم المدني، روى عن أبي هريرة في الحج، وسعد بن أبي وقاص في الحج، ويروي عنه (م س) وأبو هارون موسى بن أبي عيسى وعبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس وعمرو بن يحيى بن عمارة ومحمد بن عمرو بن علقمة وعمير بن
يَقُولُ: سمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
3230 -
(00)(00) وحدثنا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أبِي صَالِح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصْبِرُ أحَدٌ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ" بِمِثْلِهِ
ــ
نبيه الكعبي وأسامة بن زيد وزيد بن أسلم، قال في التقريب: ثقة يرسل، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس في مسلم من اسمه دينار إلا هذا، حالة كون أبي عبد الله (يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وساق أبو عبد الله القراظ (بمثله) أي بمثل ما روى عبد الرحمن بن يعقوب الجهني عن أبي هريرة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3230 -
(00)(00) وحدثنا يوسف بن عيسى) بن دينار الزهري أبو يعقوب المروزي، روى عن الفضل بن موسى في الحج، وحفص بن غياث وأبي معاوية وابن عيينة وابن نمير وعدة ويروي عنه (خ م ت س) وأحمد بن سيار المروزي، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من العاشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي أبو عبد الله المروزي، ثقة ثبت، من (9)(أخبرنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن صالح بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي عبد الرحمن المدني أخي سهيل بن أبي صالح، روى عن أبيه في الحج، وأنس بن مالك، ويروي عنه (م ت) وهشام بن عروة وابن أبي ذئب، وثقه ابن معين وأبو بكر البزار، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبيه) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة صالح بن أبي صالح لعبد الرحمن بن يعقوب (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصبر أحد على لأواء المدينة) وجوعها، وساق صالح بن أبي صالح (بمثله) أي بمثل ما حدّث عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3231 -
(1296)(46) حدثنا يَحيَى بن يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك، عَن نُعَيمِ بْنِ عَبْدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَى أَنقَابِ المدِينَةِ مَلائكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطاعُونُ وَلَا الدجالُ"
ــ
3231 -
(1296)(46)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن نعيم) مصغرًا (بن عبد الله) المعروف بالمجمر لأنه كان يُجمر أي يبخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه مجازًا، القرشي العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على) كل (أنقاب المدينة) وشعابها وطرقها وفجاجها (ملائكة) حرسة يحرسونها (لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) بسبب حراسة الملائكة إياها، والأنقاب جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة، وفي بعض الروايات على نقابها جمع نقب بالسكون وهما بمعنى، قال ابن وهب: المراد المداخل، وقيل الأبواب، وأصل النقب الطريق بين الجبلين، وقيل الأنقاب الطرق التي يسلكها الناس، ومنه قوله تعالى:{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} قال الحافظ: واستشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كون الطاعون شهادة وكيف قُرن بالدجال، ومُدحت المدينة بعدم دخولهما، والجواب أن كون الطاعون شهادة ليس المراد بوصفه بذلك ذاته وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه فإذا استحضر ما تقدم من أنه طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخوله إياها فإن فيه إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة، ومن اتفق منهم دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم اهـ (ولا الدجال) والدجال وإن لم يدخلها لكن يأتي سبختها من دبر أحد فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله منها كل كافر ومنافق كما سيأتي في آخر الكتاب في حديث الدجال من كتاب الفتن، ثم يهم بدخول المدينة فتصرف الملائكة وجهه إلى الشام، وهناك يقتله عيسى عليه السلام بباب لُد على ما يأتي، وسيأتي أيضًا أن مكة لا يدخلها الدجال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237 و 375]، والبخاري [1880]، والنسائي في الكبرى [7526].
3232 -
(1297)(47) وحدثنا يَحيَى بن أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابنُ حُجرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ جَعفَرٍ. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"يَأتِي المسيحُ مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ. هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ. حَتى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ. ثُم تَصْرِفُ الملائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشامِ. وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ".
3233 -
(1298)(48) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَندُ العَزِيزِ (يَعْنِي الدرَاوَرْدِي) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ،
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
3232 -
(1297)(47)(وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي المسيح) أي الدجال (من قِبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (المشرق همته) أي والحال أن همة الدجال وقصده (المدينة) أي دخول المدينة (حتى ينزل) غاية لياتي أي يأتي من قبل المشرق حتى ينزل (دُبر) بضمتين والنصب على الظرفية للنزول أي وراء (أحد) أكبر جبال المدينة (ثم تصرف) أي تحول (الملائكة) الذين هم حرسة المدينة (وجهه) أي وجه الدجال (قِبل الشام) أي إلى جهة الشام فيأتي الشام (وهنالك) أي في الشام (يهلك) أي يُقتل، يقتله عيسى عليه السلام عند باب لُد كما سيأتي في كتاب الفتن آخر الكتاب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 397]، والترمذي [2243].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3233 -
(1298)(48)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) ابن محمد بن عبيد الجهني مولاهم أبو محمد المدني (يعني الدراوردي) صدوق، من (8)(عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب
عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "يَأتِي عَلَى الناسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالْمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنهَا إِلا أَخْلَفَ الله فِيهَا خَيرا مِنْهُ
ــ
الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه) قائلًا لهم (هلم) أي أقبل يا ابن عمي (إلى الرخاء) أي إلى العيش الواسع (هلم) أي أقبل يا قريبي (إلى الرخاء) وبسط العيش يعني يدعوه إلى الخروج من المدينة لضيق المعيشة فيها إلى بلاد الريف بقوله: هلم إلى الرخاء أي ائت إلى سعة المعيشة وأقبل إلى بلاد الريف، والتكرار فيه للتأكيد، قال القرطبي: هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما ذكر وكان ذلك من أدلة نبوته، وعنى بذلك أن الأمصار تفتح على المسلمين فتكثر الخيرات وتَتَرَادف عليهم الفتوحات كما اتفق عند فتح الشام والعراق والديار المصرية وغير ذلك، فركن كثير ممن خرج من الحجاز وبلاد العرب إلى ما وجدوا من الخصب والدعة بتلك البلاد المفتوحة فاتخذوها دارًا ودعوا إليهم من كان بالمدينة لشدة العيش بها وضيق الحال فلذلك قال صلى الله عليه وسلم:(والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وهي خير من حيث تعذر الترفه فيها وعدم الإقبال على الدنيا بها وملازمة ذلك المحل الشريف ومجاورة النبي الكريم ففي حياته صلى الله عليه وسلم صحبته ورؤية وجهه الكريم وبعد وفاته مجاورة جدثه الشريف ومشاهدة آثاره المعظمة، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك وأحسن الله عزاء من لم ينل شيئًا مما هنالك اهـ من المفهم (والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد ركبة) وإعراضًا وزهادة (عنها) أي عن المقام فيها (إلا أخلف الله) سبحانه (فيها) أي في المدينة عنه من كان (خيرًا منه) أي من ذلك الراغب عنها، قال القرطبي: يعني أن الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها أي زاهدًا فيها إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين فيها خير منه وأفضل على كل حال، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها اهـ من المفهم.
أَلا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ. لَا تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا. كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ"
ــ
(ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إن المدينة) المنورة (كالكير) هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار أو الموضع المشتمل عليها الأول يكون من الزق ويكون من الجلد الغليظ، والثاني أعني موضع نار الحداد يكون مبنيًا من الطين أو هو يسمى كورًا راجع اللغة؛ أي إن المدينة شبيهة بالكير فـ (ـتخرج) من داخلها (الخبيث) من الناس يعني المنافق والكافر فوالله الذي لا إله إلا غيرِه (لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى تنفي) وتخرج (المدينة شرارها) وخبائثها أي أخبث من كان فيها كما ينفي الكير خبث الحديد) أي وسخه ورديئه، قوله:(حتى تنفي المدينة) أي تخرج، قال عياض: وكان هذا مختص بزمنه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: ليس هذا بظاهر لأن عند مسلم "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذا والله أعلم زمن الدجال اهـ ويحتمل أن يكون المراد كلًّا من الزمنين وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور، ويؤيده قصة الأعرابي الآتية فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللًا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة، ثم يكون ذلك أيضًا في آخر الزمان عندما ينزل الدجال بها فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه كما سيأتي، وأما ما بين ذلك فلا. كذا في الفتح، قال الأبي: فإن قيل قد استقر بها المنافقون أجيب بأنهم انتفوا بالموت والموت أشد النفي، قوله:(كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون التحتانية وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ، قوله:(خبث الحديد) بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أن المدينة لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده، ونسبة التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع بها التمييز، واستدل بهذا على أن المدينة أفضل البلاد، قال المهلب: لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها، ولأنها تنفي الخبث. وأُجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثاني بأن ذلك
3234 -
(1299)(49) وحدثنا قُتَيبَةُ بن سَعيدٍ، عَن مَالِكِ بْنِ أنس (فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ) عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعتُ أبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بنَ يَسَار يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ بِقَرْيَة تَأكلُ الْقُرَى
ــ
إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت اهـ فتح الملهم.
قال القرطبي: قوله: (كالكير) هذا تشبيه واقع لأن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة ويخرج خلاصة ذلك والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات فيتزكى النفس في أدرانها وتبقى خلاصتها فيظهر سر جوهرها وتعم بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى:(تنفي خبثها وينصع طيبها). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [2/ 429].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له فقال:
3234 -
(1299)(49)) وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما ترئ عليه عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (يقول: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يفول): وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمرت بـ) الهجرة والاستيطان بـ (قرية تأكل القرى) أي سائر قرى الأرض أي تغلبها، وكنى بالأكل عن الغلبة لأن الآكل غالب
يَقُوُلونَ يَثْرِبَ. وَهِيَ الْمَدِينَةُ. تنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ"
ــ
على المأكول؛ أي أمرني ربي بالهجرة إليها والاستيطان بها، ووقع في موطإ ابن وهب قلت لمالك: ما (تأكل القرى)؟ قال: تفْتح القرى، وبسطه ابن بطال فقال: معناه يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم قال: وهذا من فصيح الكلام، تقول العرب: أكلنا بلد كذا إذا ظهروا عليها، وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضًا، وقال النووي: ذكروا في معناه وجهين: أحدهما هذا والآخر أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها، وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عدمًا.
(قلت): والذي ذكره احتمالًا ذكره القاضي عبد الوهاب فقال: لا معنى لقوله تأكل القرى إلا رجوع فضلها عليها وزيادتها على غيرها كذا قال، ودعوى الحصر مردود لما مضى.
ثم قال ابن المنير: وقد سميت مكة أم القرى قال: والمذكور للمدينة أبلغ منه لأن الأمومة لا تنمحي إذا وجدت ما هي له أم لكن يكون حق الأم أظهر وفضلها أكثر كذا في الفتح، قال القرطبي: معنى قوله: أمرت بقرية أي أمرني ربي بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو بسكناها إن قاله بالمدينة وأكلها القرى هو أن منها افتتحت جميع القرى واليها جبي فيء البلاد وخراجها في تلك المدد وهو أيضًا من علاماته نبوته صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم. (يقولون) أي يقول بعض الناس من المنافقين يسمونها (يثرب) كأنه صلى الله عليه وسلم كره تسميتها يثرب لأن معنى ثرب عليه يثرب عتب ولام كما في المصباح، ومنه قوله تعالى:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ} وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح (وهي) أي والحال أن اسمها الإسلامي (المدينة) أو الجملة مستانفة (تنفي) أي تخرج من جوفها (الناس) الخبائث كما ينفي الكير خبث الحديد) أي رديئه، وفي بعض الهوامش: معنى قوله: (تأكل القرى) أي تغلب البلاد وتظهر عليها يعني أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد لأنها كانت مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت البلاد والأمصار وانتشر منها الإسلام كل الانتشار والغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الآكل المأكول اهـ قوله: (يقولون: يثرب وهي المدينة) أي
3235 -
(00)(00) وحدثنا عَمْرو الناقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ. جَمِيعا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، بِهذَا الإِسْنَادِ
ــ
يسميها بعض المنافقين يثرب، والذي ينبغي أن تسمى به المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك الاسم على عادته في كراهته الأسماء غير المستحسنة وتبديلها بالمستحسن منها وذلك أن يثرب لفظ مأخوذ من الثرب وهو الفساد، والتثريب وهو المؤاخذة بالذنب وكل ذلك من قبيل ما يكره، وروى أحمد من حديث البراء بن عازب رفعه:"من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة" وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى أن يقال للمدينة يثرب ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة قال: وسبب هذه الكراهية لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح فكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح، وذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: أنها سميت يثرب باسم يثرب بن قانية بن مهلايل بن عَبِيل بن عيص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام لأنه أول من سكنها بعد العرب، ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به، وسقط بعض الأسماء من كلام البكري اهـ فتح، وأما المدينة فاشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به اهـ أبي، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة من الطيب وذلك أنها طيبة التربة والرائحة وهي تربة النبي صلى الله عليه وسلم وتطيب من سكنها ويستطيبها المؤمنون اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237]، والبخاري [187].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3235 -
(00)(00)(وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (جميعًا) أي كل من سفيان وعبد الوهاب رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الحباب عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعتهما لمالك بن
وَقالا: كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ. لَمْ يَذْكُرَا الْحَدِيدَ.
3236 -
(1300)(50) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَن أَعْرَابِيًا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَصَابَ الأعرَابِي وَعَكٌ بِالْمَدِينَةِ. فَأَتَى النبِي صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا مُحَمدُ! أَقِلْنِي
ــ
أنس (و) لكن (قالا) أي قال سفيان وعبد الوهاب في روايتهما (كما ينفي الكير الخبث) بلا إضافة حالة كونهما (لم يذكرا الحديد).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث جابر رضي الله عنه فقال:
3236 -
(1300)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن هدير مصغرًا القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أن أعرابيًّا) أي شخصًا من سكان البوادي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه إلا أن الزمخشري ذكر في ربيع الأبرار أنه قيس بن أبي حازم وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي الذيل لأبي موسى في الصحابة قيس بن حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا اهـ (بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عاهده على الإسلام والسمع والطاعة، وفي البخاري فبايعه على الإسلام وهو ظاهر في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام، ويحتمل أن يكون في شيء من عوارضه كالهجرة وكانت في ذلك الوقت واجبة ووقع الوعيد على من رجع أعرابيًّا بعد هجرته ولو كان استقاله من الإسلام لكان قتله على الردة (فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة) الوعك -بفتح الواو وسكون العين المهملة وقد تفتح بعده كاف- الحمى، وقيل ألمها، وقيل إرعادها، وقال الأصمعي: أصله شدة الحر فأطلق على حر الحمى وشدتها، وعبارة المرقاة هنا (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا من أهل البادية وكان ممن هاجروا (بايع رسول الله) أي على المقام عنده (فأصاب الأعرابي بالمدينة وعلى) أي حمى شديدة (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أقلني
بَيعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبَى. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلْنِي بَيعَتِي. فَأبَى. فَخَرَجَ الأَعرَابِي. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنمَا الْمَدِينَةُ كَالكِيرِ. تَنْفِي خَبَثَهَا وَينْصَعُ طَيبُهَا"
ــ
بيعتي) أي رد علي بيعتي التي عاقدتها معك وارفعها عني ظنًّا منه أن الإقالة في البيعة جائزة قياسًا على الإقالة في البيع لأن الإقالة في البيع من مكارم الأخلاق مندوب إليها، والإقالة في البيع هو رفع العقد وإبطاله بلفظ الإقالة فهذا استعارة منه، وإقالة النادم في البيع مندوبة لحديث:"من أَقَال نَادِما أقال الله له عثرته يوم القيامة" أي من وافقه على نقض البيع وإبطاله رفعه من سقوطه وعفا عنه بخلافها في البيعة فإن استقالتها من كواذب الأخلاق لا ينبغي الموافقة عليها فلهذا أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: (فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي امتنع عن قبول إقالته، قال ابن التين: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقالته لأنه لا يعين على معصية لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن فخروجه عصيان، قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضًا قبل فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" ففي هذا إشعار بأن مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح، واختار النووي كونها على الهجرة وهي كانت فريضة في ذلك الوقت، وقال في عمدة القاري: فإن (قلت): قال الأعرابي: أقلني، لِمَ لَمْ يُقِلْهُ؟ (قلت): لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه، وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام عنده (ثم جاءه) صلى الله عليه وسلم الأعرابي مرة ثانية (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) أي امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقالة بيعته (ثم جاءه) مرة ثالثة (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) رسول الله صلى الله عليه وسلم من موافقته على الإقالة (فخرج الأعرابي) من المدينة إلى وطنه وبدوه من غير إذنه صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما المدينة كالكير تنفي) أي تخرج (خبثها) أي خبث من فيها من المنافقين (وبنصع) بفتح الياء والصاد أي يصفو ويخلص ويتميز (طيبها) أي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مؤمنوها، قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع بفتح الصاد فيهما نصوعًا إذا خلص ووضح، والناصع الخالص من كل شيء، ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه ويبقى فيها من خلُص إيمانه اهـ من النووي. وطيبها مرفوع على الفاعلية وهو بتشديد الياء جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يُوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أزكى ما كان وأخلص، كما في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والإحسان، وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في بيان الحق والباطل من جهة التمثيل حيث قال تعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال} .
قال ابن المنير: وظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء. والجواب: أن المذموم من خرج منها كراهة لها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور فأما المشار إليهم فإنهم خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهو مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها اهـ، وقال ابن بطال: والدليل على أن هذا الأعرابي لم يُرد الارتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولو كان خروجه من المدينة خروجًا عن الإسلام لقتله إذ ذاك ولكنه خرج عاصيًا ورأى أنه معذور لما نزل به من الحمى ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه وكان من الذين قال الله فيهم: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فإن (قلت): إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تَنْفِهِمْ (قلت): كانت المدينة دارهم ولم يسكنوها بالإسلام ولا حبًّا له وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يرد صلى الله عليه وسلم بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 356]، والبخاري [2211]، والترمذي [3920]، والنسائي [7/ 151].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة ثانيًا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال:
3237 -
(1301)(51) وحدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَهُوَ الْعَنْبرِي) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِي (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ يَزِيدَ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم. قَال:"إِنهَا طَيبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) وَإنهَا تَنْفِي الخبَثَ كَمَا تَنْفِي النارُ خَبَثَ الْفِضةِ".
3238 -
(1302)(52) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنادُ بْنُ السرِي
ــ
3237 -
(1301)(51)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر (وهو العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري، من (7)(عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4)(سمع عبد الله بن يزيد) المعافري الحبلي المصري، ثقة، من (3)(عن زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد الأنصاري النجاري المدني رضي الله عنه، روى عنه المؤلف في (6) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مصري وواحد كوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها طيبة) بوزن شيبة غير منصرف للعلمية والتأنيث اللفظي وهي مؤنث الطيب بفتح الطاء وسكون الياء بوزن الشيب لغة في الطيب بتشديد الياء ويقال لها طابة أيضًا كما سيأتي في الحديث التالي، قال في الفتح: والطاب والطيب لغتان بمعنى واشتقاقها من الشيء الطيب، وقيل لطهارة تربتها، وقيل لطيبها لساكنها، وقيل من طيب العيش بها، وقال بعض أهل العلم: وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة التسمية لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها، وللمدينة أسماء غير ما ذكر حتى قال بعض أهل العلم بلغني أن لها أربعين اسمًا اهـ.
قال الراوي: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير إنها (المدينة) وهو تفسير مدرج من الراوي (وإنها تنفي الخبث) أي تخرج الخبيث من الناس (كما تنفي النار) وتزيل (خبث الفضة) أي رديئها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 184]، والبخاري [4589]، والترمذي [3028].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال:
3238 -
(1302)(52)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وهناد بن السري)
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِن اللهَ تَعَالى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةً"
ــ
-بفتح السين وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة- ابن مصعب التميمي الكوفي، روى عنه في (6) أبواب، ثقة، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7)(عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4)(عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي -بضم المهملة والمد- الكوفي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما المشهور، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا قتيبة بن سعيد (قال) جابر:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: إن الله) سبحانه و (تعالى سمى المدينة) أي أمرني بتسمية المدينة (طابة) فيه استحباب تسميتها طابة وليس فيه أنها لا تُسَمى بغيره، فقد سماها الله تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة في الحديث قبل هذا اهـ نووي، وكثرة الأسماء تدل على عظمة مسماها، والمعنى أن الله تعالى سماها في اللوح المحفوظ أو أمر نبيه أن يسميها بها ردًّا على المنافقين في تسميتها بيثرب اهـ مرقاة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه الإمام أحمد [5/ 89] والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا، الأول: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره كذلك وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره كذلك، والخامس: حديث ابن عمر الثاني ذكره كذلك وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره كذلك وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثامن: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد لما قبله، والتاسع: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والعاشر: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد لما قبله وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث زيد بن ثابت ذكره كذلك، والثالث عشر: حديث جابر بن سمرة ذكره كذلك والله أعلم.