المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النكاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره

- ‌516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة

- ‌517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة

- ‌518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة

- ‌519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام

- ‌520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها

- ‌521 - (7) "باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها

- ‌522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها

- ‌523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

- ‌524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أُسس على التقوى وفضل مسجد قباء

- ‌ كتاب النكاح

- ‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه التي يوم القيامة

- ‌527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المُحْرِم وخِطْبته

- ‌528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النِّكَاح

- ‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

- ‌530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة

- ‌531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة

- ‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

- ‌533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها

الفصل: ‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النكاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

3382 -

(353 1)(103) حدَّثنا مُحَمًدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَهذَا حَدِيثُ بَهْزٍ قَال: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَينَبَ

ــ

532 -

(18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

3382 -

(1353)(103)(حَدَّثَنَا محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10)(حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9)(ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) (قالا): أي قال كل من بهز وهاشم حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية عن سليمان وهو تأكيد لألف قالا: (حَدَّثَنَا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7)(عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما كلهم بصريون إلَّا محمد بن حاتم فإنه بغدادي، ورجال الثاني ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد نيسابوري (وهذا) الآتي (حديث بهز) أي لفظ حديثه (قال) أنس (لما انقضت) وكملت (عدة زينب) بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية، وأمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجها حبه ومولاه زيد بن حارثة، وقد روى الطبراني بسند صحيح عن قتادة وابن جرير عن ابن عباس قالا: خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب وهو يريدها لزيد بن حارثة فظنت أنَّه يريدها لنفسه فلما علمت أنَّه يريدها لزيد أبت واستنكفت وقالت: أنا خير منه حسبًا فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} الآية كلها، فرضيت وسلمت فمكثت عنده مدة وألقى الله في قلبه كراهتها فجاء يشكوها إليه صلى الله عليه

ص: 345

قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيدِ: "فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ" قَال: فَانْطَلَقَ زَيدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا. قَال: فَلَمَّا رَأَيتُهَا عَظُمَت في صَدْرِي. حَتَّى مَا أَسْتَطيعُ أَنْ أَنْظرَ إِلَيهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا. فَوَلَّيتُها ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبي

ــ

وسلم فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله فنزلت {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي علمك بالوحي أنَّه سيطلقها وأنك تتزوجها، كما قاله علي بن الحسين والزهري وغيرهما وعليه أهل التحقيق ثم طلقها زيد لكراهته لها لتعاظمها عليه بشرفها لا لرغبة المصطفى في نكاحها كما زعمه من وهم، فلما انقضت عدتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ما هو مذكور في حديث الباب وهو قوله:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد) بن حارثة إظهارًا لمزيد حبه له وقوة إيمانه حيث اطمأنت نفسه إلى خطبة من فارقها له صلى الله عليه وسلم قال البيضاوي وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بيّن على قوة إيمانه، قال القرطبي: وهذا امتحان لزيد وابتلاء له حتَّى يظهر صبره وانقياده وطوعه اهـ مفهم (فأذكرها عليّ) أي فاخطبها لي من نفسها، فيه دليل على أنَّه لا بأس أن يبعث الرجل لخطبة المرأة له من كان زوجها أولًا إذا علم أنَّه لا يكره ذلك كما كان حال زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُروى أنَّه قال له: ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب عليّ (قال) أنس: (فانطلق زيد) أي ذهب إليها (حتَّى أتاها) وجاءها (وهي) أي والحال أن زينب (تخمر عجينها) أي تجعل الخمير في عجينها، والخمير شيء يُخلط به ليعجل صلاحه للخبز، قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود اهـ (قال) زيد: (فلما رأيتها عظمت في صدري) أي صارت عظيمة مهابة في قلبي، قال النووي: معناه أنَّه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها فعاملها معاملة من تزوجها صلى الله عليه وسلم في الإعظام والإجلال والمهابة (حتَّى ما أستطيع) ولا أقدر (أن انظر إليها) لأجل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرها) أي ذكر خطبتها وتزوّجها، وأنّ بفتح الهمزة لوقوعها في موضع التعليل كما قدرناه في الحل، قال عياض: يعني أنها عظمت في عينه من أجل إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم زواجها فعاملها معاملة من تزوجها (فوليتها ظهري) أي جعلت ظهري إلى جهتها (ونكصت) أي رجعت (على عقبي) أي ورائي وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها على ما كان من

ص: 346

فَقُلْتُ: يَا زينَبُ! أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُكِ. قَالتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي. فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا. وَنَزَلَ الْقُرْآنُ

ــ

عادتهم وهذا كان قبل نزول الحجاب فلما غلب عليه الإجلال تأخر عنها وخطبها وظهره إليه لئلا يسبقه النظر إليها، وقال القرطبي: توليته إياه ظهره مع أن الحجاب لم يكن نزل صيانة لقلبه من التعلق بها اهـ فهذا من مزيد ورعه رضي الله عنه.

(فقلت) لها: (يا زينب أرسلـ) ـني (رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، حالة كونه (يذكرك) أي يخطبك لنفسه ويريد زواجك (قالت) زينب: (ما أنا بصانعة شيئًا) بفاعلة شيئًا من الإجابة والرد (حتَّى أُوامر ربي) أي حتَّى أستخيره تعالى أي حتَّى أصلي صلاة الاستخارة وأطلب من ربي أن يُريني في منامي ما هو خير لي من الإجابة والرد، وهو بضم الهمزة وفتح الواو أو بهمزتين مضارع أمر الرباعي.

قال القرطبي: قوله: (ونكصت على عقبي) أي رجعت خلفي وقهقرت إليها حتَّى سمعت حديثها، فلما أخبرها، قالت:(حتَّى أوامر ربي) أي حتَّى أستخيره وأنظر أمره على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تعالى تولى الله تعالى إنكاحها منه صلى الله عليه وسلم ولم يحوجها إلى ولي يتولى عقد نكاحها فلذلك قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ولما أعلمه الله تعالى بذلك دخل عليها بغير ولي ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ولا شيء مما يكون شرطًا في حقوقنا ومشروعًا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم اللاتي لا يشاركه فيها أحد بإجماع المسلمين اهـ من المفهم.

(فقامت) زينب (إلى مسجدها) أي إلى موضع صلاتها من بيتها، وفيه استحباب صلاة الاستخارة لمن همَّ بأمر سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخاري قال: بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، يقول:"إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة" إلى آخره ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم (ونزل القرآن) يعني قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} أي جعلناها لك زوجة بلا واسطة عقد على الصواب الَّذي لا يجوز غيره فإنها كانت تفخر بأن الله هو الَّذي زوَّجها، وقول ابن إسحاق: زوَّجها أخوها أبو أحمد يمكن تأويله بأنه لما رآه أتى

ص: 347

وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيهَا بِغَيرِ إِذْنٍ. قَال: فَقَال: وَلَقَدْ رَأَيتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ. فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ في الْبَيتِ بَعْدَ الطَّعَامِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

منزلها رضي به وفرح إذ لا كلام له ولا لغيره مع الله تعالى اهـ فتح الملهم.

(وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجأة (فدخل عليها) أي على زينب في بيتها (بغير إذن) أي بغير استئذان منها لأن الله تعالى زوَّجه إياها بالآية المذكورة وأي كلمة من كلمات الله تعالى التي يستحيل بها النساء كما في خطبة حجة الوداع أعلى وأقوى وأوثق من كلمة خاطَب الله تعالى بها أشرف أنبيائه في أعظم كتبه وهو قوله: {زَوَّجْنَاكَهَا} وعند ابن سعد بسند مرسل (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عند عائشة إذ أخذته غشية فسُرّي عنه وهو يبتسم ويقول: من يذهب إلى زينب فيبشرها وتلا {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ} الآية، قالت عائشة: فأخذني ما قرُب وما بعُد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم وأشرف ما صنع الله لها زوَّجها الله من السماء وعنده بسند ضعيف عن ابن عباس لما أُخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم لها سجدت، وقال المنافقون: حرّم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه لأنه كان تبناه فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية، قال ابن عطية: أذهب الله سبحانه بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم من تزوجه زوجة دعيه فنفى تلك البنوة اهـ فتح الملهم باختصار.

(قال) ثابت: (فقال) أنس: (و) الله (لقد رأيتنا) أي رأيت أنفسنا (أن) بفتح همزة أن على أنها في تأويل مصدر بدل من مفعول رأيت لأن الرؤية هنا بصرية؛ أي ولقد رأيت أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار) ظرف متعلق بأطعمنا، وحين بفتح النون مبني لإضافتها إلى فعل مبني وهو بالنون، هكذا في النسخ أي أطعمنا حين ارتفع النهار أي شمسه واشتد ضحاؤه وهذه الوليمة هي التي أو لم فيها بالشاة كما جاء في الرواية الأخرى (فخرج الناس) أي معظمهم بعد أكل الطعام (وبقي رجال يتحدثون) والجملة الفعلية صفة لرجال لوقوعها بعد نكرة أي بقي (في البيت) رجال متحدثون (بعد) أكل (الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من

ص: 348

وَاتَّبَعْتُهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيهِنَّ. وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَال: فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي. قَال: فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيتَ. فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَينِي وَبَينَهُ. وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَال: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ

ــ

البيت ليخرجوا (واتبعته) صلى الله عليه وسلم في الخروج أي لحقته ومشيت معه (فجعل) صلى الله عليه وسلم أي شرع (يتتبع حجر نسائه) أي يتجول وبتطوف على بيوت أزواجه رضي الله تعالى عنهن، حالة كونه (يسلّم عليهن ويقلن) له (يا رسول الله كيف وجدت أهلك) سبق شرحه في الباب قبله، وفي رواية حميد: ثم خرج إلى أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلّم عليهن ويُسلّمن عليه ويدعو لهن ويدعون له، وفي رواية عبد العزيز إنهن قلن له كيف وجدت أهلك بارك الله لك (قال) أنس:(فما أدري) الآن ولا أعلم (أنا) بنفسي (أخبرته) صلى الله عليه وسلم (أن القوم) أي أن الرجال الباقين في البيت (قد خرجوا أو أخبرني) هو صلى الله عليه وسلم بأنهم خرجوا يعني أو أخبر هو صلى الله عليه وسلم إياي بإخبار الله سبحانه وتعالى إياه، وفي رواية عبد العزيز (فما أدري أخبرته أو أُخبر) بالبناء للمجهول أي أُخبر بالوحي هكذا وقع في هذه الروايات بالشك، وسيأتي في الروايات الآتية في الباب الجزم بأنه الَّذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم قال الحافظ: وهذا الشك قريب من شك أنس في تسمية الرجل الَّذي سأل الدعاء بالاستسقاء فإن بعض أصحاب أنس جزم عنه بأنّه الرجل الأول، وبعضهم ذكر أنَّه سأله عن ذلك فقال: لا أدري كما سبق في محله وهو محمول على أنَّه كان يذكره ثم عرض له الشك فكان يشك فيه ثم تذكر فجزم اهـ (قال) أنس: (فانطلق) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذهب إلى بيت زينب أي فرجع منطلقًا إلى بيته (حتَّى دخل البيت فذهبت) أي قصدت أن (أدخل معه فألقى الستر) أي أرخى الحجاب (بيني وبينه ونزل الحجاب) أي آية الحجاب بسبب ذلك الجلوس الَّذي جلسه الرجال المتحدثون بعد خروج الناس يعني أنَّه نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} الآية (قال) أنس: (ووعظ القوم) المتحدثون في البيت أي ذكروا وتفطنوا (بما وُعظوا به) يعني بتردد النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ورجوعه وهم في البيت أي انتبهوا بذلك وعرفوا كراهية النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 349

زَادَ ابْنُ رَافِع في حَدِيثِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]

ــ

جلوسهم فخرجوا أو وعظوا بنزول آية الحجاب يعني هذه الآية المذكورة (زاد) محمد (بن رافع) القشيري (في حديثه) وروايته يعني على غيره يعني أنس بنزول الحجاب نزول قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي غير منتظرين نضجه (إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}) أي لا يمتنع من بيان الحق وإظهاره، قال القرطبي: وفي خروجه صلى الله عليه وسلم من البيت وترك المتحدثين على حالهم ولم يواجههم بالأمر بالخروج ما يدل على كرم أخلاقه وحسن معاملته وكثرة حيائه، وإن تحمل فيه مشقة ومخالفة مقصده ودورانه على حجر نسائه تفقد لأحوالهنّ وجبر لقلوبهن واستدعاء لما عندهن من أحوال قلوبهن لأجل تزوَّجه ولذلك استلطفنه بقولهن: كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ وصدور مثل هذا الكلام عنهن في حال ابتداء اختصاص الضرة الداخلة به يدل على قوة عقولهن وصبرهن وحسن معاشرتهن وإلا فهذا موضع الطيش والخفة للضرائر لكنهن طيبات لطيب. وقد صرح أنس في هذا الحديث بأن الحجاب إنما نزل بسبب ما جرى، وقد جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه كان قد ألح على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يحجُب نساءه، وكان يقول له: احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر، وكان يقول لسودة إذا خرجت: قد عرفناك يا سودة، حرصًا على الحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب ولا بُعد في نزول الآية عند اجتماع هذه الأسباب كلها والله أعلم اهـ من المفهم.

قال الحافظ: يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبيل قصة زينب فلقربه منها أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب ولا مانع مني تعدد الأسباب أو المراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وأما ما وقع من الإشكال في قصة خروج سودة أم المؤمنين لحاجتها وقول عمر لها قد عرفناك يا سودة كما في البخاري فراجع لحله الفتح من باب خروج النساء إلى البراز ومن تفسير سورة الأحزاب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 195]، والنسائي [6/ 79].

وقوله في هذا الحديث (فما أدري) وقبله في تفسير البخاري ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد

ص: 350

3383 -

(00)(00) حدَّثنا أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلِ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا) قَال: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى امْرَأَةٍ (وَقَال أَبُو كَامِلٍ: عَلَى شَيءٍ) مِن نِسَائِهِ، مَا أَوْلَمَ عَلَى زَينَبَ. فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً

ــ

الحياء فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة فما أدري أخبرته أو أُخبر بصيغة المجهول ولشدة حيائه لم يواجههم بالأمر بالخروج بل تشاغل بالسلام على أمهات المؤمنين ليفطنوا لمراده كما في القسطلاني، وقوله:(غير ناظرين إناه) أي غير منتظرين لإدراكه، والإنى كإلى مصدر أنى يأني من باب رمى إذا أدرك ونضج، ويقال بلغ هذا إناه أي غايته، ومنه حميم آن، وعين آنية، ويقال أنى يأنى إذا دنا وقرب، ومنه {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ} اهـ من بعض الهوامش.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3383 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالوا: حَدَّثَنَا حماد وهو ابن زيد) الأزدي البصري (عن ثابت عن أنس وفي رواية أبي كامل سمعت أنسًا) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا قتيبة بن سعيد غرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسليمان بن المغيرة (قال) أنس:(ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة - وقال أبو كامل على شيء - من نسائه ما أولم على زينب) أي ما رأيته أو لم على أحد من نسائه مثل إيلامه على زينب، وفي الرواية الآتية أكثر مما أو لم على زينب، والإيلام صنع الوليمة ويكون إفعالًا من الألم لكن لا يراد هنا (فإنه) صلى الله عليه وسلم (ذبح) في وليمتها (شاة) أي شكرًا لله حيث زوّجه إياها بالوحي كما قال الكرماني، أو وقع إشفاقًا لا قصدًا كما قال ابن بطال، أو لبيان الجواز كما قال غيرهما، استكثر أنس شاة في هذه الوليمة واستقلّها النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به لابن عوف فقال:"أولم ولو بشاة" فإنها لقليلة لأهل غنى مثله.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

ص: 351

3384 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي روَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيب. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَينَبَ.

فَقال ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَال: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ.

3385 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. كُلُّهُمْ عَنْ مُعْتَمِرٍ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَبِيبٍ). حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ قَال: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ،

ــ

3384 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد) الباهلي البصري، صدوق، من (11) (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قالا: حَدَّثَنَا محمد وهو ابن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب) البصري (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لثابت بن أسلم البناني (يقول: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه) بشيء (أكثر أو) قال أنس بشيء (أفضل مما أولم) به (على زينب) بنت جحش رضي الله تعالى عنها (فقال ثابت البناني) في بعض رواياته: (بما أولم؟ قال) أنس: (أطعمهم) أي أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (خبزًا ولحمًا حتَّى) شبعوا و (تركوه) أي تركوا الطعام لشبعهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3385 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10)(وعاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، صدوق، من (15)(ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10)(كلهم عن معتمر واللفظ) الآتي (لابن حبيب حَدَّثَنَا معتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، ثقة، من (4)(حَدَّثَنَا أبو مجلز) بكسر الميم وإسكان الجيم

ص: 352

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا. ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحدَّثُونَ. قَال: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ. فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ.

زَادَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى في حَدِيثِهِمَا قَال: فَقَعَدَ ثَلَاثَةٌ

ــ

وفتح اللام بعدها زاي، وحُكي بفتح الميم، والمشهور الأول لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري مشهور بكنيته ثقة، من (3) وليس عندهم لاحق إلَّا هذا الثقة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة أبي مجلز لمن روى عن أنس (قال) أنس:(لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم) لوليمتها فأجابوا الدعوة بالحضور (فطعموا) من طعام الوليمة (ثم جلسوا) أي ثم بعد فراغهم من الأكل خرج معظمهم وجلس بعضهم، حالة كونهم (يتحدثون) فيما بينهم (قال) أنس (فأخذ) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأنه يتهيأ) أي يستعد (للقيام) ليتفطنوا لمراده فيقوموا لقيامه (فلم يقوموا فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي عدم قيامهم لتهيُّئه للقيام (قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج، قال الأبي: ناقلًا عن عياض: وفي خروجه صلى الله عليه وسلم ودورانه على نسائه حتَّى يقوم الجالس حسن الأدب واحتمال الأذى وما كان عليه من حسن الخُلق لأنه كره جلوسهم فلم يأمرهم بالقيام بل تلطف فأوهم بالخروج فتلطف أولًا بالتهيؤ للقيام ليقوموا، فلما رآهم لم ينتهوا تلطف بالخروج، وفيه كراهية تطويل الجلوس عند العروس وعند من يعلم له شغلًا (فلما قدم) صلى الله عليه وسلم (قام من قام من القوم) قال ابن بطال: في هذا الحديث لا ينبغي لأحد أن يدخل بيت غيره إلَّا بإذنه، وأن المأذون له لا يطيل الجلوس بعد تمام ما أذن له فيه لئلا يؤذي أصحاب المنزل ويمنعهم من التصرف في حوائجهم، وفيه أن من فعل ذلك حتَّى تضرر به صاحب المنزل أن لصاحب المنزل أن يُظهر التثاقل به وأن يقوم بغير إذن حتَّى يفطن له، وأن صاحب المنزل إذا خرج من منزله لم يكن للمأذون له في الدخول أن يجلس إلَّا بإذن جديد (زاد عاصم وابن عبد الأعلى في حديثهما قال) أنس (فقعد ثلاثة) من الرجال، تقدم في رواية حماد بن سلمة إذا هو بالرجلين قد استأنس بهما الحديث، قال الحافظ: ويُجمع بين الروايتين بأنهم أول ما قام وخرج من البيت كانوا ثلاثة، وفي آخر ما رجع

ص: 353

وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا. قَال: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا. قَال: فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ. فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَينِي وَبَينَهُ. قَال: وَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} ؛ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].

3386 -

(00)(00) وحدَّثني عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ

ــ

توجه واحد منهم في أثناء ذلك فصاروا اثنين، وهذا أولى من جزم ابن التين بأن إحدى الروايتين وهم، وجوز الكرماني أن يكون التحديث وقع من اثنين منهم فقط والثالث كان ساكتًا فمن ذكر الثلاثة لحط الأشخاص ومن ذكر الاثنين لحظ سبب القعود، ولم أقف على تسمية أحد منهم اهـ (وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل) بيت زينب (فإذا القوم جلوس) إذا فجائية وما بعدها جملة اسمية، ومثلها إذا فيما يأتي من قوله فإذا هم جلوس، وقوله: فإذا هم قد قاموا، والجلوس جمع جالس كشهود في جمع شاهد، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد رجوعه (إنهم) أي إن القوم الجالسين (قاموا فـ) ـخرجوا و (انطلقوا) أي ذهبوا (قال) أنس:(فجئت) النبي صلى الله عليه وسلم (فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم) أي أن القوم (قد انطلقوا) أي ذهبوا (قال) أنس: (فجاء) النبي صلى الله عليه وسلم (حتَّى دخل) بيت زينب (فذهبت) أنا أي قصدت أن (أدخل) معه (فألقى) أي أرخى (الحجاب) والستر (بيني وبينه قال) أنس (وأنزل الله عز وجل قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) بكسر الهمزة وفتحها أي غير منتظرين نضجه وإدراكه (إلى قوله ({إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3386 -

(00)(00)(وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان

ص: 354

قَال ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بالْحِجَابِ. لَقَدَّ كَانَ أُبَيُّ بن كَعْب يَسْأَلُنِي عَنْهُ. قَال أَنَسٌ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا بِزَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَال: وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ. فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ. حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَمَشَى فَمَشَيتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ. ثُمَّ ظَنَّ أَنهُمْ قَدْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ

ــ

الغفاري المدني، قال (قال ابن شهاب) الزهري المدني (أن أنس بن مالك قال): وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لأبي مجلز لاحق بن حميد، قال أنس:(أنا أعلم الناس) أي أكثرهم علمًا (بالحجاب) أي سبب نزوله وإطلاق مثل ذلك جائز للإعلام لا للإعجاب و (لـ) كوني أكثرهم علمًا بالحجاب (قد كان أُبي بن كعب يسألني عنه) أي عن سبب نزول الحجاب، فيه إشارة إلى اختصاصه بمعرفته لأن أُبي بن كعب أكبر منه علمًا وسنًا وقدرًا وهو أقرأ الأصحاب بنص من أنزل عليه الكتاب (قال أنس) في بيان سببه (أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أي صار (عروسًا) في الصباح، وسبق أنَّه لفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث ويفترقان في الجمع (بزينب بنت جحش قال) أنس:(وكان) صلى الله عليه وسلم (تزوَّجها بالمدينة) سنة خمس من الهجرة، وكانت قبله عند زيد بن حارثة فطلقها فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجني الله من رسوله وزوَّجكن أقاربكن، وهي أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة بعده ماتت في خلافة عمر سنة (20) عشرين (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس للطعام) أي لطعام الوليمة عليها (بعد ارتفاع) شمس (النهار) وشدة ضحائه أي حره (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس معه) صلى الله عليه وسلم (رجال) استانس بهم الحديث (بعدما) أكلوا و (قام القوم) غيرهم وخرجوا. وقوله:(حتَّى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية لجلس أي جلس أولئك الرجال حتَّى قام صلى الله عليه وسلم (فمشى فمشيت معه) صلى الله عليه وسلم (حتَّى بلغ) ووصل (باب حجرة عائشة ثم ظن) صلى الله عليه وسلم (أنهم) أي أن أولئك الرجال (قد خرجوا فرجع) إلى بيت زينب (ورجعت معه) صلى الله عليه

ص: 355

فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ. فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ الثَّانِيَةَ. حَتَّى بَلَغَ حُجْرَةَ عَائِشَةَ. فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا. فَضَرَبَ بَينِي وَبَينَهُ بِالسِّتْرِ. وَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ.

3387 -

(1354)(104) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ) عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ. قَال: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ حَيسًا

ــ

وسلم (فإذا هم) أي أولئك الرجال (جلوس) أي جالسون (مكانهم) الَّذي تركناهم فيه، وتقدم قريبًا أن إذا فجائية أي فلما رجعنا إلى بيت زينب فاجأنا جلوسهم مكانهم (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت زينب (فرجعت) معه المرة (الثانية حتَّى بلغ حجرة عائشة فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت زينب المرة الثالثَّة (فرجعت) معه (فإذا هم) أي أولئك الرجال (قد قاموا) وخرجوا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أدخل معه (فضرب) أي أرخى (بيني وبينه بالستر) أي بالحجاب (وأنزل الله) تعالى (آية الحجاب) يعني قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الإهداء للعروس بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:

3387 -

(1354)(104)(حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا جعفر يعني ابن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم أبو سليمان البصري، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الجعد) بن دينار اليشكري (أبي عثمان) الصيرفي البصري، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بلخي (قال) أنس:(تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش كما نبه عليه البخاري وغيره (فدخل) صلى الله عليه وسلم أي بنى (بأهله) يعني زينب (قال) أنس: (فصنعت) أي صلحت (أمي أم سليم حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا من التمر والأقط والسمن، وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب بنت جحش كانت من الحيس الَّذي أهدته أم سليم مع أن المشهور من الروايات أنَّه صلى الله عليه وسلم أولم عليها بالخبز واللحم، ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام بالمعجزة وإنما فيه أشبع

ص: 356

فَجَعَلَتْهُ في تَوْرٍ. فَقَالتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهذَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيكَ أُمِّي. وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ. وَتَقُولُ: إِن هذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ الله!

ــ

المسلمين خبزًا ولحمًا، وذكر في حديث البخاري أن أنسًا قال: فقال لي: ادع رجالًا سماهم وادع من لقيت وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة، وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتَّى تصدعوا كلهم عنها يعني تفرقوا، قال عياض: هذا وهم من راويه وتركيب قصة على أخرى. وتعقبه القرطبي بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين والأولى أن يقال لا وهم في ذلك فلعل الدِّين دُعوا إلى الخبز واللحم فأكلوا حتَّى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا، ولما بقي النفر الدِّين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة فأُمر بأن يدعو ناسًا آخرين ومن لقي فدخلوا فأكلوا أيضًا حتَّى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون وهم جمع لا بأس به، وأولى منه أن يقال: إن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من ذلك، وعجبت من إنكار عياض وقوم تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع أن أنسًا يقول: إنه أولم عليها بشاة، ويقول: إنه أشبع المسلمين خبزًا ولحمًا، وما الَّذي يكون قدر الشاة حتَّى يشبع المسلمين جميعًا وهم يومئذٍ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام اهـ فتح الملهم (فجعلته) أي فجعلت الحيس (في تور) بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو ساكنة إناء مثل القدح، قال في النهاية: هو إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه اهـ (فقالت) لي أمي: (يا أنس اذهب بهذا) الحيس (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل) له (بعثت بهذا) الحيس (إليك أمي) أم سليم (وهي) أي والحال أنها (تقرئك السلام) أي تقرأ عليك السلام، كذا تقرئك بضم التاء من أقرأ الرباعي متعد إلى اثنين بنفسه وأما من الثلاثة فيقال وهي تقرأ عليك السلام لأنه بمعنى تتلو عليك كما في المصباح، وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري؛ يقال: أقرئ فلانًا السلام، واقرأ عليه السلام كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده اهـ.

(وتقول إن هذا) الحيس هدية (لك منا) ولكنه (قليل) بالنسبة إلى قدرك (يا رسول الله) قال النووي: فيه أنَّه يستحب لأصدقاء المتزوج أن يبعثوا إليه بطعام يساعدونه به على وليمته، وقد سبق هذا في الباب قبله وسبق هناك بيان الحيس، وفيه الاعتذار إلى

ص: 357

قَال: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال:"ضَعْهُ" ثُمَّ قَال: "اذهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. وَمَنْ لَقِيتَ" وَسَمَّى رِجَالًا. قَال: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ.

قَال: قُلْتُ لأَنسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَال: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ

ــ

المبعوث إليه، وقول الإنسان نحو قول أم سليم هذا لك منا قليل، وفيه استحباب بعث السلام إلى الصاحب وإن كان أفضل من الباعث لكن هذا يحسن إذا كان بعيدًا من موضعه أو له عذر في عدم الحضور بنفسه للسلام اهـ (قال) أنس:(فذهبت بها) أي بتلك الهدية يعني الحيس (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له: (أن أمي تقرئك السلام وتقول إن هذا) الحيس (لك منا قليل يا رسول الله فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضعه) أي حُطه على الأرض أمر من وضع يضع وضعًا إذا جعله على الأرض مثلًا (ثم قال) لي: (اذهب فادع إلي فلانًا وفلانًا وفلانًا) كناية عما سماه له باسمه (و) ادع لي أيضًا (من لقيت) ورأيت من المسلمين وهذا كناية عمن لم يسمه، وقوله:(وسمى رجالًا) أي ذكر أسماء رجال راجع إلى قوله ادع لي فلانًا وفلانًا (قال) أنس: (فدعوت) له صلى الله عليه وسلم (من سمى) أي من ذكر أسماءهم (ومن لقيت) ممن لم يذكر أسماءهم، قال القاضي عياض: فيه الاستنابة في الدعوة إلى الوليمة وتخصيص الدعوة ببعض لقوله فلانًا وفلانًا، وجواز التعريض للرسول لقوله ومن لقيت لكن لا يلزم المدعو الإجابة، وفي حديث قتيبة أو من لقيت. والصواب الأول كما في سائر الأحاديث، وفيه استحباب إهداء الطعام إلى العروس لشغلهم بالعرس كما استحب في الجنائز اهـ (قال) الجعد بن دينار:(قلت لأنس عددَ كم) بالنصب على أنَّه خبر لكان وجوبًا، وكم استفهامية قُدِّم عليها تمييزها فجعل خبر كان، وأصل التركيب كم عدد (كانوا) أي من جهة العدد (قال) لنا أنس: كانوا (زهاء) بضم الزاي وبالمد بمعنى مقدار أي كان الآكلون من تلك الوليمة مقدار (ثلاثمائة) رجل، ويقال: زهاء ولُهاء ونُهاء بضم أولها وبفتح الهاء وبالمد بمعنى واحد؛ أي بمعنى مقدار اهـ مازري. يقال: هم زهاء مائة وزهاء ألف أي مقدار مائة أو مقدار ألف، قال النووي: كانت في وليمة زينب وليمتان وليمة إطعام الخبز واللحم، والثانية: إطعام الحيس الَّذي أهدته أم سليم، وفيها ظهرت

ص: 358

وَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنَسُ! هَاتِ التَّوْرَ" قَال: فَدَخَلُوا حتَّى امْتَلأَتِ الصُفَّةُ وَالْحُجْرَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ لا قَال: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. قَال: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ. فَقَال لِي:

ــ

معجزة تكثير الطعام القليل، وفيها نزل الحجاب على ما أشبه بسياق الأحاديث. قال أنس:(وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس هات) بكسر التاء، فعل أمر على الأصح مبني على حذف حرف العلة وهي الياء نظير ارم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت في قولك: هات يا زيد درهمًا إلَّا إذا اتصل به ألف اثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة فحينئذٍ يكون مبنيًّا على حذف النون كقوله تعالى: (هَاتُوْ بُرْهَانَكُمْ} وقيل: اسم فعل أمر بمعنى ناولني مبني على الكسر لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا، وإنما حرك فرارًا من التقاء الساكنين، والمعنى هنا ناولني يا أنس (التور) أي أعطني الإناء المشتمل على الحيس وادع لي فلانًا وفلانًا ومن لقيت من المسلمين ليأكلوه (قال) أنس: فدعوتهم (فدخلوا) بيت زينب رضي الله تعالى عنها (حتَّى امتلأت الصُفّة والحجرة) من بيتها، والصُفّة السقيفة أمام الدار أي المظلة، ومنه صفة المسجد النبوي، والحجرة الدار التي كانت سكناها، وسميت حجرة لأنها محجورة أي محاط بها، وقيل الصُفة ما ارتفع من الدار، والحجرة بمعنى الصحن وهو ما انخفض منها كما قال بعضهم:

والصفة ما ارتفع من الدار

والصحن ما انخفض عن الأحرار

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتحلق عشرة عشرة) أي ليكن كل عشرة منهم حلقة واحدة؛ أي ليجلسوا حلقًا حلقًا، والحلق بفتحتين ويقرأ بكسر الحاء وفتح اللام جمع حلقة وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب، والتحلُّق تفعّل منها وهو أن يتعمدوا ذلك، فيه من آداب الأكل أن أكثر ما يدور على القصعة عشرة والأكل مما يليه إذا كان الطعام نوعًا واحدًا كما ذكره بقوله:(وليأكلل كل إنسان مما يليه) وفي تفسير ابن كثير وليسموا وليأكل كل إنسان مما يليه فجعلوا يسمون ويأكلون اهـ (قال) أنس: (فأكلوا حتَّى شبعوا قال) أنس: (فخرجت طائفة) أكلت (ودخلت طائفة) لم تأكل أي فتخرج طائفة أكلت وتدخل طائفة لم تأكل (حتَّى أكلوا كلهم فقال لي) رسول الله

ص: 359

"يَا أَنَسُ! ارْفَعْ" قَال: فَرَفَعْتُ. فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ. قَال: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحدَّثُونَ في بَيتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ. فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ. ثُمَّ رَجَعَ. فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيهِ. قَال: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ

ــ

صلى الله عليه وسلم بعدما فرغوا من الأكل (يا أنس ارفع) القصعة (قال) أنس: (فرفعت) القصعة (فما أدري) ولا أعلم هل (حين وضعت) القصعة بينهم (كان) الطعام فيها (أكثر أم حين رفعت؟ ) من بينهم كان أكثر (قال) أنس: (وجلس طوائف منهم) في البيت بعد أكلهم، حال كونهم (يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) معهم (وزوجته) زينب رضي الله تعالى عنها هكذا في جميع النسخ وزوجته بالتاء وهي لغة قليلة تكررت في الحديث والشعر، والمشهور حذفها إلَّا في الفرائض أي وزوجته جالسة في ناحية البيت (مولية) بضم الميم وكسر اللام المشددة وفتح الياء المخففة على صيغة اسم فاعل المؤنث أي موجهة (وجهها إلى الحائط) مستدبرة لهم لأن آية الحجاب لم تنزل بعد (فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم القاف من باب شرف، أي فكان جلوس أولئك المتحدثين ثقيلًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تفسير ابن كثير: فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا (فـ) دار على حجراته و (سلم على نسائه) أي أزواجه (ثم رجع) إلى بيت زينب (فلما رأوا) أولئك المتحدثون (رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال أنَّه (قد رجع) إليهم وهم جالسون (ظنوا) أي أيقنوا كما في قوله تعالى: {وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ (28)} وجُل ظن في القرآن فهو بمعنى أيقن لا كله، انظر مفردات الراغب وكليات أبي البقاء أي أيقنوا (أنهم هد ثقلوا) بضم القاف المخففة أي أيقنوا أنهم كانوا ثقلاء (عليه، قال) أنس: (فابتدروا الباب) أي سارعوا إليه للخروج أي خرجوا مسرعين، قال الحافظ: ومحصّل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون واستحيى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام

ص: 360

فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ. وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ. وَأَنَا جَالِسٌ في الْحُجْرَةِ. فَلَمْ يَلْبَثْ إلا يَسِيرًا حَتى خَرَجَ عَلَيَّ. وَأُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَاتُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَرَأَهُن عَلَى النَّاسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إلى إلى آخر الآيات [الأحزاب: 53]

ــ

وخرج فخرجوا بخروجه إلَّا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث، وفي غضون ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه وهم في شغل بالهم وكان أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان، فلما طال ذلك ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله فرًاهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذٍ فطنا فخرجا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأُنزلت الآية فارخى الستر بينه وبين خادمه ولم يكن له عهد بذلك اهـ كما ذكره بقوله فابتدروا الباب (فخرجوا كلهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أرخى) أي فأرخى (الستر) وسدله، وحتى بمعنى الفاء العاطفة (ودخل) عند أهله (وأنا جالس في) صُفة (الحجرة فلم يلبث) أي لم يمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل الحجاب (إلا) زمنًا (يسيرًا) أي قليلًا (حتَّى خرج) وحتى بمعنى الفاء أيضًا، أي فخرج (عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في الصُفّة (و) قد (أُنزلت) عليه (هذه الآيات) بلفظ الجمع كما في نسخة الأبي ويدل عليه مابعده، وقوله:(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد لما قبله وتوطئة لما بعده أي فخرج من الحجاب (وقرأهن على الناس) أي قرأ تلك الآيات التي أُنزلت وقتئذٍ في الحجاب على الناس الحاضرين، والآيات هي قوله تعالى:({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}) أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث من بعضكم لبعض اهـ جلالين، نُهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدّثه به ({إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}) وقوله:(إلى آخر الآيات) متعلق بقرأهن، وقوله:

ص: 361

قَال الْجَعْدُ: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهذِهِ الآيَاتِ. وَحُجِبْنَ نِساءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

3388 -

(00)(00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا

ــ

(قال الجعد) بن دينار: (قال) لنا (أنس بن مالك: أنا أحدث الناس) أي أسبقهم (عهدًا) أي صحبة (بهذه الآيات) وأقدمهم معرفة بسبب نزولها كما قال في الحديث السابق (أنا أعلم الناس بالحجاب لقد كان أُبي بن كعب يسألني عنه) جملة معترضة بين قوله قرأهن على الناس وقوله هنا: (وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أي أُمرن بالحجاب عن الرجال لأنه معطوف على قرأهن على الناس، وقوله: (وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم جار على لغة أكلوني البراغيث وهي ذائعة في روايات الأحاديث، وفي هذا مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين، قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه واليدين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا في غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كنا مستترات إلَّا ما دعت إليه ضرورة، ثم استدل بما في الموطأ: أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يُرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جُعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها اهـ وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة من بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده؟ قال قوله: (قد أدركت ذلك بعد الحجاب) كذا في فتح الباري.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 136].

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

3388 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أبي عثمان) الجعد بن دينار اليشكري البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة معمر لجعفر بن سليمان (قال) أنس: (لما

ص: 362

تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زينَبَ أَهْدَتْ لَهُ أُمّ سُلَيم حَيسًا في تَوْرٍ مِن حِجَارَةٍ. فَقَال أَنَسٌ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اذْهَب فَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" فَدَعَوْتُ لَهُ مَنْ لَقِيتُ. فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَخرُجُونَ. وَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ فَدَعَا فِيهِ. وَقَال فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. وَلَمْ أَدَعُ أَحَدًا لَقِيتُهُ إلا دَعَوْتُهُ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. وَخَرَجُوا. وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيهِ الْحَدِيثَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيئًا. فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ في الْبَيتِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

ــ

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب) بنت جحش (أهدت له) صلى الله عليه وسلم (أُم سليم) سهلة بنت ملحان (حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا من تمر وأقط وسمن (في تور) أي في إناء (من حجارة) مع ولدها أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما (فقال أنس فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب) يا أنس واخرج إلى مجامع الناس (فادع لي من لقيت من المسلمين) لأكل هذا الطعام (فدعوت له) صلى الله عليه وسلم (من لقيت) منهم (فجعلوا) أي فجعل الناس المدعوون وشرعوا (يدخلون عليه) صلى الله عليه وسلم لأكل الطعام (فيأكلون) منه (ويخرجون) من عنده صلى الله عليه وسلم بعد أكلهم (و) قد (وضع النبي صلى الله عليه وسلم أولًا (يده) المباركة (على الطعام فدعا فيه) أي في ذلك الطعام بالبركة (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيه) أي في ذلك الطعام وقرأ عليه (ما شاء الله) تعالى (أن يقول) من الدعاء (ولم أدع) أي ولم أترك أنا عند دعوة الناس (أحدًّا لقيته) من المسلمين (إلا دعوته فأكلوا) كلهم أجمعون (حتَّى شبعوا وخرجوا) من عنده صلى الله عليه وسلم فوجًا فوجًا (وبقي طائفة) أي جماعة (منهم) أي من الآكلين في البيت بعد أكلهم (فأطالوا عليه) صلى الله عليه وسلم الجلوس و (الحديث) فيما بينهم (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحيي منهم) وجملة قوله: (أن يقول لهم شيئًا) من الأمر بالخروج، في تأويل مصدر بدل من ضمير منهم أي يستحيي من القول لهم شيئًا من الكلام المزعج والأمر بالخروج لأنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءًا من العذراء (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت (و) قد (تركهم في البيت) متحدثين (فأنزل الله عز وجل بسببهم قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

ص: 363

تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} قَال قَتَادَةُ: غَيرَ مُتَحَيِّنِينَ طَعَامًا وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا حَتَّى بَلَغَ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

3389 -

(1355)(105) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا"

ــ

تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) قال قتادة) بن دعامة السدوسي البصري المفسر الأكمه في تفسير قوله غير ناظرين إناه أي (غير متحيِّنين طعامًا) أي فإذا أذن لكم في الدخول فأدخلوها حالة كونكم غير منتظرين حين نضجه وزمان إدراكه، وقوله:(ولكن إذا دعيتم فادخلوا) تفسير للاستثناء في قوله إلَّا أن يؤذن لكم إشارة إلى أن الاستثناء منقطع، وقوله:(حتَّى بلغ) قوله: ({ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}) غاية لقوله فأنزل الله عز وجل، قال الزمخشري في الكشاف: وهؤلاء قوم كانوا يتحيَّنون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظرًا للطعام من غير حاجة فلا يفيد النهي عن الدخول بإذن لغير طعام ولا الجلوس لمُهمٍّ آخر ولذا قيل إنها آية الثقلاء اهـ بزيادة من حاشية الخفاجي على البيضاوي.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3389 -

(1355)(105)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة) أي إلى طعام، متخذ لجمع (فليأتها) وجوبًا إن لم يكن له عذر أي فليأت مكانها والتقدير إذا دُعي إلى مكان وليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قد تقدم القول في معنى الوليمة وفي أقسامها وفي الأمر بها في قصة عبد الرحمن بن عوف، والكلام هنا في حكم إجابتها، وفي الفتح قال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من

ص: 364

3390 -

(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ".

قَال خَالِدٌ: فَإِذَا عُبَيدُ الله يُنْرلُهُ على العُرْسِ.

3391 -

(00)(00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ

ــ

نكاح أو ختان أو غيرهما لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتُقيد في غيره فيقال وليمة الختان ونحو ذلك، وقال الأزهري: الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنًا ومعنى لأن الزوجين يجتمعان، وقال ابن الأعرابي: أصلها من تتميم الشيء واجتماعه، وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلَّا بقرينة، وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة، وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخمي من المالكية أنَّه المذهب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5179].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3390 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8)(عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5)(عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دُعي أحدكم) أيها المسلمون (إلى الوليمة) أي إلى مكانها (فليجب) بالحضور إلى مكانها (قال خالد) بن الحارث (فإذا) حدّث لنا (عبيد الله) بن عمر هذا الحديث (ينزله) أي يُنزل وجوب الإجابة ويحمله (على) وليمة (العرس) أي مترتبًا على العرس وهو الزفاف وطعامه، وهو من كلام ابن المثنى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

3391 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي

ص: 365

حَدَّثَنَا أَبي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَن نَافِعٍ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَليمَةِ عُرْسٍ فلْيُجبْ"

ــ

(حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لخالد بن الحارث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دُعي) وطُلب (أحدكم إلى) مكان (وليمة عرس فليجب) تلك الدعوة بالحضور إلى مكانها إن لم يكن له عذر، قال النووي: قد يحتج به من يخص وجوب الإجابة بوليمة العرس ويتعلق الآخرون بالروايات المطلقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو نحوه، ويحملون هذا الحديث على الغالب أو نحوه من التأويل اهـ. (قلت): ويمكن حمل الرواية المقيدة على زيادة تأكد الإجابة فيها والله أعلم اهـ فتح. والعرس بإسكان الراء وضمها لغتان مشهورتان وهي مؤنثة وفيها لغة بالتذكير اهـ نووي، قال النووي: والأعذار التي يسقط بها وجوب الإجابة أو ندبها أمور منها أن يكون في الطعام شبهة، أو يُخصَّ بها الأغنياء، أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره، أو تطمع في جاهه، أو يعاونه على باطل. وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية من ذهب أو فضة. ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح. ولو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب فيه، والثاني: تستحب، والثالث: تكره اهـ وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام يدعون إليه، وتأوَّله بعضهم من غير الوليمة، وتاؤله غيره على غير طعام أسباب السرور المتقدم اهـ أبي.

(تنبيه): واعلم أن الوليمة التي تفعل في زماننا هذا لا تسمى وليمة عرس بل هي وليمة إملاك على المرأة فلا تجب فيها الإجابة بل تُسن كما في سائر الولائم لأن العرس هو الزفاف والدخول بالمرأة ولم يحصل الزفاف وقت الوليمة بل بعدها بعد استلام المرأة، والوليمة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في زينب وفي صفية بنت حيي إنما كانت بعد بنائه بهما وكذا أمر عبد الرحمن بن عوف بالوليمة بعد بنائه حين رأى عليه أثر صفرة اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 366

3392 -

(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ".

3393 -

(00)(00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَن ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا دعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ. عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ"

ــ

3392 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حَدَّثَنَا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله (قال) ابن عمر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوا) أي أجيبوا (الدعوة) أي دعوة وليمة العرس (إذا دُعيتم) أي طلبتم إلى حضورها، والدعوة بفتح الدال في الطعام وغيره، والدعوة بالكسر في النسب ومن العرب من عكس اهـ مفهم، قال المناوي: قوله: (ائتوا الدعوة) بالفتح وتضم، والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم حالة الإطلاق اهـ قال الدهلوي: والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولًا، وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حُملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد، ويحتمل أن تكون اللام للجنس وهو الَّذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره كما سيأتي اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3393 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختاني (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لحماد بن زيد (كان يقول) ويروي (عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم أخاه) المسلم (فليجب) دعوته بالحضور (عرسًا كان) ما يدعو إليه (أو نحوه) كالعقيقة والختان، والظاهر أن قوله:(عرسًا كان أو نحوه) مدرج من كلام الراوي قاله ملا علي.

ص: 367

3394 -

(00)(00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ. حَدَّثَنِي عِيسَى بن الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ. حَدَّثَنَا الزُّبَيدِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أوْ نَحْوهِ فَلْيُجِبْ"

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال:

3394 -

(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11)(حدثني عيسى بن المنذر) السلمي أبو موسى الحمصي، مقبول، من (10) روى عنه في (2) بابين الحج والنِّكَاح (حَدَّثَنَا بقية) بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي بفتح الكاف واللام المخففة نسبة إلى كلاع قبيلة كبيرة نزلت حمص من الشام أبو يُحمِد بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أو أبو محمد التميمي الحمصي، روى عن الزبيدي في النِّكَاح، ومحمد بن زياد وبَحِير وأمم، ويروي عنه (م عم) وعيسى بن المنذر وابن جريج وشعبة وهما من شيوخه وخلق، له في (م) فرد حديث متابعة وهو هذا الحديث، وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال (س) إذا قال: حَدَّثَنَا وأخبرنا فهو ثقة، وقال في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة وله سبع وثمانون سنة (87) وليس من رجال مسلم من اسمه بقية إلَّا هذا (حَدَّثَنَا الزبيدي) بضم أوله مصغرًا محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزبيدي لأيوب (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دُعي إلى عرس أو نحوه فليجب) الدعوة، هذا يؤيد أن الأمر بالإجابة لا يختص بطعام العرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب بالإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرسًا كان أو غيره بشرطه ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، وزعم ابن حزم أنَّه قول جمهور الصحابة والتابعين، وينكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنَّه قال في وليمة الختان لم يكن يُدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دُعوا، وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النِّكَاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعي إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تُعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أُرخص لأحد في

ص: 368

3395 -

(00)(00) حدَّثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ".

3396 -

(00)(00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ

ــ

تركها ولو تركها لم يتبين لي أنَّه عاص في تركها كما يتبين لي في وليمة العرس كذا في الفتح.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3395 -

(00)(00)(حدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك (الباهلي) السامي بمهملة أبو علي البصري، صدوق، من (15) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أمية لأيوب (قال) ابن عمر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوا الدعوة) وأجيبوها (إذا دُعيتم) أي طُلبتم إلى حضور الوليمة، وقد سبق قريبًا ما فيه من الشرح.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3396 -

(00)(00)(وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمّال بالمهملة، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي، ثقة، من (9)(عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6)(أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم، ثقة فقيه، من (5) (عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من

ص: 369

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجِيبُوا هذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتمْ لَهَا". قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ في الْعُرْسِ وَغَيرِ الْعُرْسِ. وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صائِمٌ.

3397 -

(00)(00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا"

ــ

سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمن روى عن نافع (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم لها) يعني دعوة الوليمة وهي طعام العرس اهـ مبارق، لكن راوي الحديث وهو نافع مولى ابن عمر فهم منه العموم حيث (قال: وكان عبد الله بن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس) فإن فاعل قال في كلا الموضعين هو نافع، وتقدم حديثه في التعميم قريبًا، وقال نافع أيضًا (و) كان ابن عمر (يأتيها) أي يأتي الدعوة (وهو) أي والحال أن ابن عمر (صائم) كما يأتيها وهو مفطر، قال النووي: فيه أن الصوم ليس بعذر في الإجابة اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3397 -

(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم العسقلاني، ثقة، من (6)(عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن محمد لمن روى عن نافع (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دُعيتم) أيها المسلمون (إلى كراع فأجيبوا) دعوة داعيكم، والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء آخره عين مهملة بوزن غراب هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وهو مستدق الساق منهما، قال النووي: والمراد به عند جماهير العلماء كراع الشاة وغلطوا من حمله على كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة على مراحل من المدينة، قال الحافظ: وأغرب الغزالي في الإحياء فذكر الحديث بلفظ ولو دُعيت إلى كراع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة، وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه

ص: 370

3398 -

(1356)(106) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"

ــ

مرفوعًا (لو أُهدي إلَيَّ كراع لقبلت ولو دُعيت لمثله لأجبت) والمقصود المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء، وفيه دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الَّذي يدعو إليه شيء قليل، قال المهلب: لا يبعث على الدعوة إلى الطعام إلَّا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الزمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الإجابة ولو نزر المدعو إليه، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف اهـ فتح الملهم، والمعنى أجيبوا الدعوة ولو دُعيتم إلى كراع.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال:

3398 -

(1356)(106)(وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (قالا): أي قال ابن مهدي وعبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما اثنان منهم بصريان وواحد كوفي وواحد مدني وواحد مكي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم إلى طعام) ليتناوله عرسًا كان أو غيره (فليجب) الدعوة أي فليحضر، قيل الأمر للوجوب فيمن ليس له عذر، والجمهور على أنَّه للندب اهـ من المرقاة. هذا في الحضور وأما الأكل فندب كالإجابة إلى غير وليمة العرس، وأما الإجابة إلى دعوة الوليمة فواجبة كما مر لكن للوجوب شروط (فإن شاء) الأكل (طعم) أي أكل من طعامها (وإن شاء) تركه (ترك) الأكل سواء كان صائمًا أو مفطرًا، قال النووي: وفي الرواية الأخرى فليجب فإن

ص: 371

وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْمُثَنَّى: "إِلَى طَعَامٍ".

3399 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ

ــ

كان صائمًا فليصل وإن كان مفطرًا فليطعم فالمفطر في الرواية الثانية أمره بالأكل وفي الأولى مخيّر، واختلف العلماء في ذلك والأصح في مذهب أصحابنا أنَّه لا يجب الأكل في وليمة العرس ولا في غيرها فمن أوجبه اعتمد الرواية الثانية وتأوّل الأولى على من كان صائمًا ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الرواية الأولى وحمل الأمر في الثانية على الندب، وإذا قيل بوجوب الأكل فأقله لقمة ولا تلزمه الزيادة لأنه يُسمى أكلًا، ولهذا لو حلف لا يأكل حنث بلقمة ولأنه قد يتخيل صاحب الطعام أن امتناعه لشبهة يعتقدها في الطعام فإذا أكل لقمة زال ذلك التخيل هكذا صرح باللقمة جماعة من أصحابنا، وأما الصائم فلا خلاف أنَّه لا يجب عليه الأكل لكن إن كان صومه فرضًا لم يجز له الأكل لأن الفرض لا يجوز الخروج منه وإن كان نفلًا جاز الفطر وتركه فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر وإلا فإتمام الصوم والله أعلم اهـ. وقد أخرج الطيالسي والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد قال: دعا رجل إلى طعام، فقال رجل: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم، أفطر وصم يومًا مكانه إن شئت" في إسناده راو ضعيف لكنه توبع والله أعلم (ولم يذكر ابن المثنى) لفظة (إلى طعام) بل ذكره ابن نمير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3740]، وابن ماجة [1751].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3399 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير، حَدَّثَنَا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني النبيل البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن أبي الزبير) المكي (بهذا الإسناد) يعني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان الثوري، وساق ابن جريج (بمثله) أي بمثل حديث الثوري.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

ص: 372

3400 -

(1357)(107) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ"

ــ

3400 -

(1357)(107)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (8)(عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6)(عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم) إلى طعام سواء كان لعرس أو غيره (فليجب) الدعوة بالحضور وجوبًا في العرس وندبًا في غيره (فإن كان صائمًا فليصل) لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلِيهِمْ} كذا قال الجمهور، وقيل المراد بالصلاة الصلاة الشرعية بالركوع والسجود قاله بعض الشراح أي يشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها وثوابها ولأهل المنزل والحاضرين بركتها، وفيه نظر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة بحضرة طعام" لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم، قال النووي: إن كان صومه نفلًا وشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر اهـ مبارق، وقد تقدم في باب حق إجابة الوليمة أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا، وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع كان ابن عمر إذا دُعي أجاب فإن كان مفطرًا أكل، وإن كان صائمًا دعا لهم وبرّك ثم انصرف، وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر، وفي الإخلال بالإجابة تفويت ذلك ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش وعُرف من قوله فليدع حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الأكل، قال القاري: وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة بلفظ إذا دُعي أحدكم وهو صائم فليقل إني صائم، والجمع بين الحديئين أنَّه يعتذر أولًا فإن أبي فليحضر وليدع له بالبركة اهـ. وفي الفتح: نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرًا له في التأخر اهـ (وإن كان مفطرًا فليطعم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3742]، والترمذي [781].

ص: 373

3401 -

(1358)(108) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيهِ الأَغْنِيَاءُ ويتْرَكُ الْمَسَاكِينُ. فَمَنْ لَمْ يَأتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدَّ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ

ــ

ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3401 -

(1358)(108)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجال كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أنَّه) أي أن أبا هريرة (كان يقول بئس) أي قبح وخبث (الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الأغنياء ويُترك المساكين) أي بئس طعام الوليمة التي من شأنها هذا حتَّى لا تكون الدعوة الموجبة للإجابة سببًا لأكل المدعو الطعام المذموم، فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وإجابة الداعي إليها ورتب العصيان على تركها كما في شرح القاضي، قال النووي: ومعنى هذا الحديث الإخبار بما يقع من الناس بعده صلى الله عليه وسلم من مراعاة الأغنياء في الولائم وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم وتقديمهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم اهـ. قوله: (فمن لم يأت الدعوة) ولفظ ابن ماجة (ومن لم يجب) قال السندي: فيه إشارة إلى أن إجابة الدعوة للوليمة واجبة مان كانت هي شر الطعام من تلك الجهة. قوله (فقد عصى الله ورسوله) وإنما عصى الله لأن من خالف أمر رسول الله فقد خالف أمر الله تعالى اهـ ملا علي. قال النووي: ذكر مسلم هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة ومرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن الحديث إذا رُوي موقوفًا ومرفوعًا حُكم برفعه على المذهب الصحيح لأنه زيادة ثقة اهـ. وقوله: (يُدعى إليه الأغنياء) والجملة في موضع الحال من طعام الوليمة أو إنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة، ولهذا قال ابن مسعود: إذا خص الغني وترك الفقير أُمرنا أن لا نجيب، قال ابن بطال: وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء وأطعم كلًّا على حدة لم يكن فيه بأس وهذا فعله ابن عمر، قال البيضاوي: قوله شر الطعام طعام الوليمة من فيه مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم،

ص: 374

3402 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ؟ كَيفَ هذَا الْحَدِيثُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ؟ فَضَحِكَ فقَال: لَيسَ هُوَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ.

قَال سُفْيَانُ: وَكَانَ أَبِي غَنِيًّا. فَأَفْزَعَنِي فذَا الْحَدِيثُ حِينَ سَمِعْتُ بِهِ. فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيِّ، فَقَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ

ــ

وإنما سماه شرًّا لما ذُكر عقبه فكأنه قال: شر الطعام الَّذي شأنه كذا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5177]، وأبو داود [3742].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3402 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان: (قلت للزهري: يا أبا بكر) كنية الزهري (كيف) اسم استفهام يُسْأل به عن الحال في محل الرفع خبر مقدم وجوبًا للزومه الصدارة (هذا الحديث) مبتدأ مؤخر وجوبًا، والمعنى يا أبا بكر هذا الحديث كيف حاله هل هو صحيح أم لا؟ يعني به قوله:(شر الطعام طعام الأغنياء، فضحك) الزهري تعجبًا من غلطه في الحديث (فقال) أي الزهري (ليس هو) أي ليس الحديث الصحيح قولهم: (شر الطعام طعام الأغنياء، قال سفيان) في بيان سبب سؤاله (وكان أبي غنيًّا فأفزعني) أي أزعجني وأهمني (هذا الحديث) أي معناه حيث انطبق على أبي (حين سمعت به) والظرف متعلق بأفزع (فسألت عنه) أي عن لفظ هذا الحديث (الزهري فقال): الزهري: (حدثني عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) المدني (أنَّه سمع أبا هريرة يقول: شر الطعام طعام الوليمة) لا كما قلت (ثم ذكر) سفيان (بمثل حديث مالك) السابق. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس، قال القرطبي: أكثر الرواة والأئمة على رواية هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة، وقد انفرد برفعه زياد بن سعد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"شر الطعام" وذكره وهو ثقة إمام، وأيضًا فمن وقفه ذكر فيه ما يدل على أنَّه مرفوع وذلك أنَّه قال فيه: ومن يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. وظاهر هذا الرفع لأن الراوي لا يقول مثل هذا من قبل نفسه، وقد تبين في سياق الحديث أن الجهة التي يكون فيها طعام الوليمة شر الطعام

ص: 375

3403 -

(00)(00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَعَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ

ــ

إنما هي ترك الأولى وذلك أن الفقير هو المحتاج للطعام الَّذي إذا دُعي سارع وبادر ومع ذلك فهو لا يدعى فكان العكس أولى وهو أن يُدعى الفقير وُبترك الغني ولا يفهم من هذا القول أعني الحديث تحريم ذلك الفعل لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعاء للوليمة فيما علمته وإنما هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "شر صفوف الرجال آخرها وخيرها أولها، وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها" رواه مسلم وأبو داود والنسائي، فإنه لم يقل أحد إن صلاة الرجل في آخر الصفوف حرام ولا صلاة النساء في أول صف حرام وإنما ذلك من باب ترك الأولى كما قد يقال عليه مكروه وإن لم يكن مطلوب الترك على ما يُعرف في الأصول فإذًا الشر المذكور هنا قلة الثواب والأجر، والخير كثرة الثواب والأجر ولذلك كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة، ثم اختلفوا فيمن فعل ذلك هل تجاب دعوته أم لا؟ فقال ابن مسعود: لا تُجاب، ونحوه يحيى بن حبيب من أصحابنا، قال ابن مسعود:(نُهينا أن نجيب ثلاثًا من دعا الأغنياء وترك الفقراء، ومن يتخذ طعامه رياء وسمعة، ومن يتخذ بيته كما تُتخذ الكعبة) وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الإجابة، ودعا ابن عمر في وليمته الأغنياء والفقراء فاجلس الفقراء على حدة وقال: ها هنا لا تُفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون، ومقصود هذا الحديث الحض على دعوة الفقراء والضعفاء ولا تقصر الدعوة على الأغنياء كما يفعل من لا مبالاة عنده بالفقراء من أهل الدنيا والله تعالى أعلم اهـ.

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثه فقال:

3403 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، من (9)(أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني، ثقة، من (2)(وعن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لمالك بن أنس (قال) أبو هريرة:(شر الطعام طعام الوليمة) وساق معمر (نحو حديث مالك) بن أنس.

ص: 376

3404 -

(00)(00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. نَحْوَ ذلِكَ.

3405 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ قَال: سَمِعْتُ ثَابِتًا الأَعْرَجَ يُحدَّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَال: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. يُمْنَعُهَا مَنْ يَأتِيهَا وَيُدْعى إِلَيهَا

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3404 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) المكي (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) الأموي مولاهم عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، من (5) عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الزناد للزهري في رواية هذا الحديث عن الأعرج، وساق أبو الزناد (نحو ذلك) أي نحو ما حدث الزهري عن الأعرج.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3405 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد (بن أبي عمر حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني أبا عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (قال) زياد:(سمعت ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف (الأعرج) العدوي مولاهم مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت الأعرج لعبد الرحمن الأعرج (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام) أي أقله أجرًا وثوابًا (طعام الوليمة) قال الطيبي: واللام في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء. وقوله: (يمنعها) بصيغة المجهول من حضور تلك الوليمة، تقول منعته الأمر ومن الأمر (من) اسم موصول في محل الرفع نائب ليمنع؛ أي يمنع من حضورها من (يأتيها) أي من يريد إتيانها وحضورها، والمراد به الفقراء لأن حاجتهم إلى الأكل تدعوهم إلى الإتيان (ويدعى) بالبناء للمفعول ونائب فاعله من الموصولة أي يطلب (إليها) أي إلى حضور

ص: 377

مَنْ يَأْبَاهَا. وَمَنْ لَمْ يُجبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"

ــ

تلك الوليمة (من يأباها) أي من يمتنع من حضورها، والمراد به الأغنياء نزل استغناءهم عنها بمنزلة إبائهم إياها وبما ياتون ولا يأكلون استئناف وبيان لكونها شر الطعام (ومن لم يجب الدعوة) أي دعوة الوليمة (فقد عصى الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم بتخصيصه الدعوة بالأغنياء، وذكر ابن بطال أن ابن حبيب روى عن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة تدَعون من لا يأتي وتدَعون من يأتي. يعني بالأول الأغنياء، بالثاني بالفقراء والله سبحانه وتعالى أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث، الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والسادس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 378